بع التمر بيعًا آخر ثم اشتره

حديث: بع التمر بيعًا آخر ثم اشتره

عن أبي سعيد الخدري قال: جاء بلال إلى النبي ﷺ بتمر برني، فقال له النبي ﷺ: «من أين هذا؟». قال بلال: كان عندي تمر رديء، فبعت منه صاعين بصاع لطعم النبي ﷺ، فقال النبي ﷺ عند ذلك: «أوه، أوه، عين الربا، لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر بيع آخر، ثم اشتريه».

متفق عليه: رواه البخاريّ في الوكالة (٢٣١٢)، ومسلم في المساقاة (١٥٩٤) من طريق معاوية ابن سلام، أخبرني يحيى (هو ابن أبي كثير) قال: سمعت عقبة بن عبد الغافر أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث العظيم رواه الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما، وهو من الأحاديث التي تُبين حكمًا مهمًا في باب المعاملات المالية، خاصة مسألة الربا.

أولاً. شرح المفردات:

● البرني: نوع جيد من التمر، معروف بجودته وحلاوة طعمه.
● أوه: كلمة تعبير عن الاستنكار والتحذير من الشيء، كمن يقول: احذر! أو انتبه!
● عين الربا: المقصود هنا هو الربا الصريح الواضح الذي لا شبهة فيه.
● بع التمر بيعاً آخر: أي بعه بيعًا منفصلاً، ثم بثمنه اشترِ التمر الجديد.

ثانياً. شرح الحديث:

يحكي الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري رضي الله عنه هذه الواقعة، حيث أن بلالاً مولى رسول الله ﷺ وأحد أصحابه المقربين، أراد أن يُكرم النبي ﷺ ويطعمه تمرًا جيدًا (البرني)، لكن لم يكن عنده مال لشرائه.
فأخذ من التمر الرديء (منخفض الجودة) الذي يملكه، وباع منه صاعين (وهو مكيال معروف) ليحصل على صاع واحد من التمر الجيد. أي أنه استبدل كمية أكبر من تمر رديء بكمية أقل من تمر جيد.
فلما علم النبي ﷺ بمصدر هذا التمر الجيد، استنكر ذلك بشدة وقال: «أوه، أوه» تعبيرًا عن خطورة ما فعل، وبيّن له أن هذه الصفقة هي «عين الربا»، أي ربا واضح وصريح محرم.
ثم وجهه النبي ﷺ إلى الطريقة الشرعية الصحيحة لتحقيق غرضه فقال: «لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر بيعاً آخر، ثم اشتريه».
أي: لا تبادل تمرًا بتمر مع زيادة (أو نقصان) في الكمية لنفس النوع (وهو ما يسمى بربا الفضل)، بل يجب أن تكون هناك عملية بيع منفصلة:
1. أولاً: تبيع تمرك الرديء (أي أي نوع تريد بيعه) بالمال (دراهم، دنانير... إلخ) لأي شخص. هذه صفقة منفصلة وتمت.
2. ثانيًا: تأخذ الثمن الناتج من الصفقة الأولى وتذهب به إلى السوق وتشتري به من شخص آخر التمر الجيد الذي تريده. هذه صفقة ثانية منفصلة.
بهاتين العمليتين المنفصلتين تتحقق غايتك دون الوقوع في الربا المحرم.

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- تحريم ربا الفضل في الأموال الربوية: الحديث أصل في تحريم بيع المثل من جنس واحد مع زيادة أحد الطرفين، وهو ما يعرف بربا الفضل. والتمر من الأموال الربوية التي يدخل تحت حكمها (مثل الذهب، الفضة، القمح، الشعير، الملح... إلخ). فلا يجوز بيع صاع من تمر جيد بصاعين من تمر رديء من نفس الجنس، لأن الزيادة (الصاع الإضافي) هي الربا المحرم.
2- النصيحة والرفق في التعليم: انظر إلى أدب النبي ﷺ في تعليمه، لم يوبخ بلالاً بشدة، بل نصحه ووجهه إلى البديل الحلال. وهذا درس لكل داعية ومعلم.
3- الحرص على تطهير المعاملات من الشبهات: حتى لو كان القصد حسناً (كإكرام النبي ﷺ)، فلا يجوز تحقيق الغاية الحسنة بوسيلة محرمة. فالمشروعية في الوسيلة والغاية معاً.
4- الحكمة من التحريم: يهدف تحريم الربا إلى إقامة العدل في المعاملات، ومنع الاستغلال، وتطهير الأموال من الكسب الخبيث، والحفاظ على التكافل والتعاون الحقيقي في المجتمع.
5- الحيطة والورع في أمور الدين: يجب على المسلم أن يتعلم أحكام معاملاته ويستفتي أهل العلم فيما يشكل عليه، كما فعل بلال رضي الله عنه حين سأل النبي ﷺ.

رابعاً. معلومات إضافية:

- هذا النوع من الربا (ربا الفضل) محرم حتى لو كان التقابض في المجلس (أي في نفس مكان البيع) وحتى بدون تأجيل في الدفع، خلافًا لربا النسيئة (وهو التأجيل مع الزيادة).
- الحيلة الشرعية التي أرشد إليها النبي ﷺ (فَبعْ بِبيعٍ آخَرَ، ثُمَّ اشْتَرِهِ) تسمى "التحول" أو "بيع العينة"، وهي جائزة في مثل هذه الحالة لتفادي الوقوع في الربا الصريح، بشرط أن تكون عملية حقيقية وليست صورية.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاريّ في الوكالة (٢٣١٢)، ومسلم في المساقاة (١٥٩٤) من طريق معاوية ابن سلام، أخبرني يحيى (هو ابن أبي كثير) قال: سمعت عقبة بن عبد الغافر أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول فذكره.
قوله: «أوه، أوه» كلمة تقال عند التوجع.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 312 من أصل 506 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: بع التمر بيعًا آخر ثم اشتره

📜 حديث: بع التمر بيعًا آخر ثم اشتره

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: بع التمر بيعًا آخر ثم اشتره

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: بع التمر بيعًا آخر ثم اشتره

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: بع التمر بيعًا آخر ثم اشتره

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية