حديث: نهى رسول الله ﷺ عن المزابنة

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب في النهي عن بيع المزابنة والمحاقلة

عن عبد اللَّه بن عمر أن رسول اللَّه ﷺ نهى عن المزابنة. والمزابنة بيع الثمر بالتمر كيلا، وبيع الكرم بالزبيب كيلا.

متفق عليه: رواه مالك في البيوع (٢٣) عن نافع، عن عبد اللَّه بن عمر فذكره.

عن عبد اللَّه بن عمر أن رسول اللَّه ﷺ نهى عن المزابنة. والمزابنة بيع الثمر بالتمر كيلا، وبيع الكرم بالزبيب كيلا.

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، حياكم الله و بياكم أيها السائل الكريم، ونسأل الله أن يوفقنا جميعاً لفهم سنة نبيه والعمل بها.
الحديث الشريف:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ. وَالْمُزَابَنَةُ: بَيْعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا، وَبَيْعُ الْكَرْمِ بِالزَّبِيبِ كَيْلًا."
رواه البخاري ومسلم وغيرهما، وهو حديث صحيح متفق عليه.


الشرح التفصيلي:



# 1. شرح المفردات:


* نَهَى: أي حرّم وأمر بالكف والامتناع عنه.
* المزابنة: هي صفة للبيع المذكور، وأصل الكلمة من "الزَّبْن" وهو الدفع بشدة، وسُمي هذا البيع بذلك لأن كل واحد من المتعاقدين يدفع للآخر بما في صفقته من غرر وخطر.
* الثمر: هو ما على النخل من الرطب قبل أن يصير تمراً.
* التمر: هو البلح بعد أن يجف ويصير يابساً.
* كيلاً: أي بمقادير معينة بالكيل (كالوسق والصاع وغيرها)، وليس بالوزن أو بعدد.
* الكرم: هو شجر العنب وأغصانه المثمرة.
* الزبيب: هو العنب بعد أن يجف.

# 2. شرح الحديث ومعناه:


نهى النبي ﷺ عن بيع معين يسمى "المزابنة"، وعرّفها الحديث بأنها:
* بيع الثمر (الرطب) الذيまだ على النخل بالتمر (اليابس) الجاهز، على أساس أن يُكال الرطب بكيل التمر. مثلاً: أن يبيع شخص رطبه الذي على النخل (ولا يدري كم سيكون مقداره بعد جفافه) بوسق من التمر الجاف الموجود.
* وبيع الكرم (العنب الذي على الشجر) بالزبيب الجاف، على نفس الصورة. مثلاً: أن يبيع عنبه الذي على الشجر بوزن معين من الزبيب الجاهز.
حكمة النهي وعلة التحريم:
نهى النبي ﷺ عن هذا البيع لعدة حكم وعِلل منها:
1- الغرر والجهالة (المخاطرة): هذا البيع مجهول العاقبة، فالبائع لا يدري بالضبط كم سيكون مقدار التمر أو الزبيب الذي سيحصده من رطبه أو عنبه. فقد يزيد المحصول فيخسر المشتري، أو ينقص فيخسر البائع. وهذا من الغرر المحرم في البيوع، لقوله ﷺ: "نهى عن بيع الغرر".
2- ربا النسيئة (الزيادة في أحد الجنسين المؤجل): الثمر والتمر جنسان من نوع واحد (ثمر النخل)، والعنب والزبيب جنسان من نوع واحد. فبيع أحدها بالآخر مع التفاضل (أي بكميات مختلفة) والتأجيل (لأن الرطب سيصير تمراً في المستقبل) يدخل في شبهة ربا الفضل والنساء الذي نهى عنه النبي ﷺ حيث قال: "لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين، ولا الصاع بالصاعين، فإني أخاف عليكم الرماء" (والرماء هو الربا). فكأنه بيع تمر حاضر (معلوم) بتمر مستقبلي (مجهول) مع زيادة محتملة.
3- سد الذرائع إلى النزاع والخصام: مثل هذه المعاملات تفتح باب النزاع والتحايل، فقد يطمع أحد الطرفين في إلغاء العقد إذا رأى أنه خاسر، مما يؤدي إلى قطع الأواصر وإثارة الضغائن.

# 3. الدروس المستفادة والعبر:


* تحريم المعاملات التي فيها غرر وجهالة: يجب أن تكون البيوع واضحة المعالم، معلومة المقدار والصفة، لتكون عادلة لكل من الطرفين.
* الحكمة من تشريع الإسلام: شرع الله تعالى هذه الأحكام لحماية أموال الناس وحقوقهم، ومنع الظلم والاستغلال، وإقامة العدل في المعاملات.
* وجوب التثبت في المعاملات المالية: على المسلم أن يتثبت من حكم الشرع في معاملاته، ويبتعد عن كل ما فيه شبهة أو غموض.
* مراعاة مقاصد الشريعة: الشريعة الإسلامية جاءت لمصالح العباد، ونهيها عن المزابنة يدل على حرصها على تحقيق العدل والطمأنينة في التعاملات.

# 4. معلومات إضافية مفيدة:


* الفرق بين المزابنة والمساقاة: المزابنة بيع محرم، أما المساقاة فهي عقد إجارة جائز، حيث يدفع صاحب البستان (أو الكرم) أشجاره لشخص آخر ليعتني بها ويسقيها، على أن يكون له جزء معين (نصف أو ثلث مثلاً) من الثمر الناتج. الفرق أن المزابنة بيع مجهول، أما المساقاة فهي شركة في الناتج على وجه معلوم.
* حكم بيع الثمر بعد بدو صلاحه: يجوز بيع الثمر بعد أن يبدو صلاحه (يظهر فيه النضج) ويؤمن عليه من التلف، ولكن بشروط منها أن يكون معلوماً بالمشاهدة أو بالوصف، ولا يجوز بيعه بما سواه من الطعام كيلاً (كالتمر) للعلة السابقة.
أسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا فهماً لشرعه ودينه. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه مالك في البيوع (٢٣) عن نافع، عن عبد اللَّه بن عمر فذكره. ورواه البخاري في البيوع (٢١٨٥)، ومسلم في البيوع (١٥٤٢) كلاهما من طريق مالك به مثله.
ورواه مسلم من وجه آخر عن عبيد اللَّه، عن نافع، عن عبد اللَّه بن عمر قال: «نهى رسول اللَّه ﷺ عن المزابنة. والمزابنة بيع ثمر النخل بالتمر كيلا، وبيع الزبيب بالعنب كيلا، وعلى كل ثمر بخرصه».
ورواه أيوب عن نافع، عن ابن عمر أن رسول اللَّه ﷺ نهى المزابنة. والمزابنة أن يباع ما في رؤوس النخل بتمر كيلا مسمى، إن زاد فلي، وإن نقص فعلي.
ورواه الترمذيّ (١٣٠٠) من طريق محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، عن زيد بن ثابت أن النبي ﷺ نهى عن المحاقلة والمزابنة إلا أنه قد أذن لأهل العرايا أن يبيعوها بمثل خرصها.
قال الترمذيّ: «حديث زيد بن ثابت هكذا روى محمد بن إسحاق هذا الحديث. وروى أيوب، وعبيد اللَّه بن عمر، ومالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي ﷺ نهى عن المحاقلة والمزابنة».
وبهذا الإسناد عن ابن عمر، عن زيد بن ثابت، عن النبي ﷺ أنه رخص في العرايا، وهذا أصح من حديث محمد بن إسحاق. انتهى.
مراد الترمذي أن ابن إسحاق أخطأ، فأدخل حديثا في حديث؛ فإن الذي رواه ابن عمر عن زيد ابن ثابت هو الاستثناء في العرية فقط، كما سيأتي. وأما النهي عن المزابنة فرواه عن النبي ﷺ بدون واسطة زيد بن ثابت، فخالف محمد بن إسحاق أيوبَ، وعبيد اللَّه بن عمر، ومالكا في ذلك.
وأما تفسير المزابنة فظاهره أنه مرفوع؛ لأنه اصطلاح شرعي، لم يكن معروفا قبل الإسلام، فكون تفسيره من النبي ﷺ أقرب إلى الصواب.
ولكن رواه الإمام أحمد (٥٣٢٠) عن عبد الوهاب بن عبد المجيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي ﷺ نهى عن المزابنة.
قال: فكان نافع يفسرها: الثمرة تشترى بخرصها تمرا بكيل مسمى، إن زاد فلي، وإن نقصت فعلي.
وهذا مشعر بأن التفسير من نافع، والصحيح هو الأول، ولعل نافعا أراد بذلك تأكيد هذا التفسير المأثور، لا أنه فسره من عند نفسه.
وقد رواه الإمام أحمد (٤٤٩٠) عن إسماعيل (وهو ابن علية)، عن أيوب مثل رواية مسلم وغيره بأن التفسير من النبي ﷺ، وسيأتي مثل ذلك عن أبي سعيد الخدري أيضًا.
وقد رجح الحافظ ابن حجر أيضًا أن التفسير مرفوع إلى النبي ﷺ.
قوله: «المزابنة» مفاعلة من الزّبْن -بفتح الزاي، وسكون الموحدة-، وهو الدفع الشديد، ومنه سميت الحرب الزبون لشدة الدفع فيها. وقيل للبيع المخصوص المزابنة؛ لأن كل واحد من المتبايعين يدفع صاحبه عن حقه.
والعمل على هذا عند عامة أهل العلم أن المزابية والمحاقلة باطلة، وبه قال مالك، والأوزاعيّ، والشافعي، وأحمد، وإسحاق بن راهوية، وغيرهم.

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 332 من أصل 506 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: نهى رسول الله ﷺ عن المزابنة

  • 📜 حديث: نهى رسول الله ﷺ عن المزابنة

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: نهى رسول الله ﷺ عن المزابنة

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: نهى رسول الله ﷺ عن المزابنة

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: نهى رسول الله ﷺ عن المزابنة

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, November 19, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب