حديث: نهى رسول الله ﷺ عن الصرف

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب من قال: إنما الربا في النسيئة

عن أبي الجوزاء قال: سمعت ابن عباس يفتي بالصرف. قال: فأفتيت به زمانا. قال: ثم لقيته، فرجع عنه. قال: فقلت له: ولم؟ فقال: إنما هو رأي رأيته. حدثني أبو سعيد الخدري أن رسول اللَّه ﷺ نهى عنه.

صحيح: رواه الإمام أحمد (١١٤٤٧) عن وكيع، حدّثنا سليمان بن علي الربعي قال: سمعت أبا الجوزاء فذكره.

عن أبي الجوزاء قال: سمعت ابن عباس يفتي بالصرف. قال: فأفتيت به زمانا. قال: ثم لقيته، فرجع عنه. قال: فقلت له: ولم؟ فقال: إنما هو رأي رأيته. حدثني أبو سعيد الخدري أن رسول اللَّه ﷺ نهى عنه.

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فهذا شرح للحديث المذكور مع بيان دروسه المستفادة:
الحديث: عن أبي الجوزاء قال: سمعت ابن عباس يفتي بالصرف. قال: فأفتيت به زمانا. قال: ثم لقيته، فرجع عنه. قال: فقلت له: ولم؟ فقال: إنما هو رأي رأيته. حدثني أبو سعيد الخدري أن رسول اللَّه ﷺ نهى عنه.
شرح المفردات:
● الصرف: هو بيع الذهب بالذهب، أو الفضة بالفضة، أو أي نوع من العملة بنفس النوع، ولكن بزيادة في الكمية أو تأخير في القبض. وهذا يسمى في الفقه "ربا النسيئة" إذا كان مع التأخير، أو "ربا الفضل" إذا كان مع الزيادة.
● يفتي بالصرف: أي يجيز بيع الذهب بالذهب مع التفاضل (زيادة أحد الطرفين) أو التأخير.
● فرجع عنه: أي تراجع عن فتواه السابقة ومنع من الصرف.
● رأي رأيته: أي أنه كان اجتهادًا شخصيًا منه بناء على فهمه قبل أن يعلم بالنهي.
شرح الحديث:
كان الصحابي الجليل عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - يرى في بداية الأمر جواز بيع الذهب بالذهب مع التفاضل (مثلاً: بيع جرام ذهب بجرامين) أو مع التأخير في القبض، وكان يفتي بذلك. فسمعه تلميذه أبو الجوزاء وأخذ بفتواه وعمل بها وعلّمها الناس فترة من الزمن.
ثم حدث أن التقى أبو الجوزاء بابن عباس بعد ذلك، فوجده قد تراجع عن هذه الفتوى ومنع من الصرف. فاستغرب أبو الجوزاء وسأله عن سبب تراجعه، فأخبره ابن عباس أن فتواه السابقة كانت اجتهادًا شخصيًا منه (رأيًا) لم يكن يعلم حينها وجود دليل يخالفه. ثم بين له أنه قد سمع الحديث من الصحابي أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصرف، أي عن بيع الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة إلا مثلاً بمثل، يدًا بيد (أي حالاً دون تأخير)، وبدون زيادة.
الدروس المستفادة والعبر:
1- عظمة علماء الصحابة وتواضعهم: يظهر من الموقف عظيم أخلاق ابن عباس - رضي الله عنه - حيث لم يتردد في الرجوع عن قوله عندما تبين له الدليل الصحيح من السنة النبوية. وهذا منتهى التواضع العلمي والورع.
2- وجوب الرجوع إلى الحق: العالم الحقيقي هو من يرجّح دليل الكتاب والسنة على رأيه واجتهاده. فالحق أحق أن يتبع.
3- احترام السنة النبوية والانقياد لها: كان موقف ابن عباس ترجمة عملية لقوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.
4- خطورة الفتوى بغير علم: الحديث تحذير من التسرع في الفتوى دون التثبت من الأدلة الصحيحة. وكان ابن عباس معذورًا في اجتهاده الأول لأنه لم يبلغه النهي، لكنه عندما بلغه توقف.
5- أهمية طلب الدليل: يجب على طالب العلم أن يسأل عن دليل العالم، ولا يكتفي بمجرد قوله.
6- تحريم ربا الصرف: هذا الحديث أحد الأدلة على تحريم ربا الفضل والنسيئة في الأموال الربوية (ك الذهب والفضة وما في حكمهما من العملات اليوم)، وأن شروط بيعها هي: التماثل (مثلاً بمثل) والتقابض في مجلس العقد (يدًا بيد).
معلومات إضافية:
- الحديث الذي استدل به ابن عباس هو جزء من الأحاديث المتواترة في تحريم الربا، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى» رواه مسلم.
- هذا الموقف لابن عباس يضرب به المثل في تواضع العلماء وحرصهم على اتباع الدليل.
والله تعالى أعلم.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه الإمام أحمد (١١٤٤٧) عن وكيع، حدّثنا سليمان بن علي الربعي قال: سمعت أبا الجوزاء فذكره.
ورواه أيضًا (١١٤٧٩) عن يزيد بن هارون، أخبرنا سليمان بن علي الربعي بإسناده، وجاء فيه: سألت ابن عباس عن الصرف يدا بيد، فقال: لا بأس بذلك، اثنين بواحد، أكثر من ذلك وأقل. قال: ثم حججت مرة أخرى، والشيخ حي، فأتيته، فسألته عن الصرف، فقال: وزنا بوزن. قال: فقلت: إنك قد أفتيتني اثنين بواحد، فلم أزل أفتي به منذ أفتيتني. فقال: إن ذلك كان عن رأيي، وهذا أبو سعيد الخدري يحدث عن رسول اللَّه ﷺ، فتركت رأيي إلى حديث رسول اللَّه ﷺ.
وإسناده صحيح.
ورواه ابن ماجه (٢٢٥٨) من وجه آخر عن حماد بن زيد، عن سليمان بن علي الربعي بإسناده نحوه.
ورواه البيهقي (٥/ ٢٨٢) من وجه آخر عن معروف بن سعد أنه سمع أبا الجوزاء يقول: كنت أخدم ابن عباس تسع سنين، إذ جاءه رجل، فسأله عن درهم بدرهمين، فصاح ابن عباس، وقال: إن هذا يأمرني أن أطعمه الربا، فقال ناس حوله: إن لنعمل هذا بفتياك. فقال ابن عباس: قد كنت أفتي بذلك، حتى حدثني أبو سعيد، وابن عمر أن النبي ﷺ نهى عنه، فأنا أنهاكم عنه.
وقد ثبت رجوع ابن عباس، وابن عمر عن الصرف -وهو جواز الزيادة مع اتحاد الجنس إذا كان بدا بيد- حين بلغهما حديث أبي سعيد الخدري، كما مضى، وكما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي نضرة قال: فأتيت ابن عمر بعد، فنهاني. ولم آت ابن عباس، قال: فحدثني أبو الصهباء أنه سأل ابن عباس عنه بمكة، فكرهه.
وكذا روى الحاكم (٢/ ٤٢ - ٤٣) من طريق حيان العدوي قال: سألت أبا مجلز عن الصرف، فقال: كان ابن عباس ﵄ لا يرى به بأسا زمانا من عمره ما كان منه عينا بعين -يعني يدا بيد-، فكان يقول: إنما الربا في النسيئة، فلقيه أبو سعيد الخدري، فقال له: يا ابن عباس، ألا تتقي اللَّه! إلى متى توكل النّاس الربا؟ أما بلغك أن رسول اللَّه ﷺ قال ذات يوم - وهو عند زوجته أم سلمة: «إني لأشتهي تمر عجوة». فبعثت صاعين من تمر إلى رجل من الأنصار، فجاء بدل صاعين صاع من تمر عجوة، فقامت، وقدمته إلى رسول اللَّه ﷺ، فلما رآه أعجبه، فتناول تمرة، ثم أمسك، فقال: «من أين لكم هذا؟» فقالت أم سلمة: بعثت صاعين من تمر إلى رجل من الأنصار، فأتانا بدل صاعين هذا الصاع الواحد، وها هو كل. فألقى التمرة بين يديه، فقال: «ردوه، لا حاجة لي فيه، التمر بالتمر، والحنطة بالحنطة، والشعير بالشعير، والذهب بالذهب، والفضة بالفضة يدا بيد عينا بعين مثلا بمثل، فمن زاد فهو ربا». ثم قال: «كذلك ما يكال، ويوزن أيضًا».
فقال ابن عباس: «جزاك اللَّه يا أبا سعيد الجنّة؛ فإنك ذكرتني أمرا كنت نسيته، أستغفر اللَّه، وأتوب إليه. فكان ينهى عنه بعد ذلك أشد النهي».
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه بهذه السياقة».
وقال الذهبي في تلخيص المستدرك: «حيان فيه ضعف، وليس بحجة». انتهى.
وحيان هو ابن عبيد اللَّه، أبو زهير، شيخ بصري. قال البخاري: ذكر الصلت عنه الاختلاط. وروى عنه مسلم، وموسى التبوذكي، وذكره ابن عدي في الضعفاء. انظر «الميزان» (١/ ٦٢٣). وقال أبو حاتم: «صدوق».
ويبدو أن ابن عباس كان يفتي برأيه، ولم يسمع شيئًا في ذلك عن رسول اللَّه ﷺ، وقد اعترف هو بذلك أيضًا.
أخرج الحاكم (٢/ ١٩)، والطبراني في الكبير (١٩/ ٢٦٨ - ٢٦٩) من طريق إبراهيم بن طهمان، عن أبي الزبير المكي قال: سمعت أبا سعيد المساعدي، وابن عباس يفتي: الدينار بالدينارين. فقال له أبو أسيد الساعدي، وأغلظ له. قال: فقال ابن عباس: ما كنت أظن أن أحدا يعرف قرابتي من رسول اللَّه ﷺ يقول لي مثل هذا يا أبا أسيد. فقال أبو أسيد: أشهد لسمعت من رسول اللَّه ﷺ يقول: «الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم، وصاع حنطة بصاع حنطة، وصاع شعير بصاع شعير، وصاع ملح بصاع ملح لا فضل بينهما في شيء من ذلك». فقال ابن عباس: إنما هذا شيء كنت
أقوله، ولم أسمع فيه بشيء.
قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه بهذه السياقة، وعتيق بن يعقوب شيخ قرشي من أهل المدينة».
فلما بلغه حديث أبي سعيد الخدري وعبادة بن الصامت، وغيرهما رجع عما كان يفتي به.
وروى ذلك أيضًا الحازمي في كتابه «الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار» (ص ١٦٦ - ١٦٧) عن أبي سعيد الرقاشي قال: إن عكرمة مولى ابن عباس قدم البصرة، فجلسنا إليه في المسجد الجامع، فقال: ألا تنهون شيخكم هذا -يعني الحسن بن أبي الحسن- يزعم أن ما تبايع به المسلمون يدا بيد، الفضة بالفضة، والذهب بالذهب، والزيادة فيه حرام، فأنا أشهد أن ابن عباس أحله. فقال أبو سعيد الرقاشي: فقلت: ويحك! أما تعلم أني كنت جالسا عند رأسه، وأنت عند رجليه، فجاءه رجل، فقال: عليك. فقلت: ما حاجتك؟ فقال: أردت أن أسأل ابن عباس عن الذهب بالذهب، فقلت: اذهب؛ فإنه يزعم أنه لا بأس به، فكشف عمامته عن وجهه، ثم جلس ابن عباس، فقال: «أستغفر اللَّه، واللَّه ما كنت أرى إلا أن ما تبايع به المسلمون من شيء يدا بيد إلا حلالا، حتى سمعت عبد اللَّه بن عمر، وعمر بن الخطاب حفظا من ذلك عن رسول اللَّه ﷺ ما لم أحفظ، فأستغفر اللَّه».
وأما ما روي عن سعيد بن جبير أنه لم يرجع عن قوله في الصرف حتى مات. فهو ضعيف مخالف لما ثبت من رجوعه عن الصرف، فلا يلتفت إليه.
وأما حديث أسامة «لا ربا إلا في النسيئة» فبعد صحة إسناده إلى رسول اللَّه ﷺ لكونه في الصحيحين لا بد من تأويله؛ لأن المسلمين أجمعوا على ترك العمل بظاهره.
فمن جملة تأويلاته ما قاله الإمام الشافعي: قد يكون أسامة بن زيد سمع رسول اللَّه ﷺ يسأل عن الصنفين المخلفين مثل الذهب بالورق، والتمر بالحنطة، أو ما اختلف جنسه متفاضلا يدا بيد، فقال: «إنما الربا في النسيئة». أو تكون المسألة سبقته بهذا فأدرك الجواب، ولم يحفظ المسألة أو شك فيها. انظر «الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار» (ص ١٦٦).
ومنها أن حديث أسامة مجمل، وحديث عبادة بن الصامت وأبي سعيد الخدري وغيرهما مبين، فوجب العمل بالمبين، وتنزيل المجمل عليه. هذا جواب الشافعي ﵀ أيضًا. انظر شرح النووي على مسلم (١١/ ٢٥).
وفي الموضوع تفاصيل أخرى، ذكرتها في «كتاب المدخل إلى السنن الكبرى» (١/ ٤ - ٩)، وكذلك في «المنة الكبرى» (٥/ ٤١ - ٥٩)، فإني ذكرت فيها كثيرا من التفاصيل عن الربا.

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 321 من أصل 506 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: نهى رسول الله ﷺ عن الصرف

  • 📜 حديث: نهى رسول الله ﷺ عن الصرف

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: نهى رسول الله ﷺ عن الصرف

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: نهى رسول الله ﷺ عن الصرف

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: نهى رسول الله ﷺ عن الصرف

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, November 19, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب