حديث: بيع الثمر بالتمر نهى عنه إلا لأصحاب العرايا

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب ما جاء في الرخصة في بيع العرايا

عن رافع بن خديج، وسهل بن أبي حثمة حدثا أن رسول اللَّه ﷺ نهى عن المزابنة، بيع الثمر بالتمر إلا أصحاب العرايا، فإنه أذن لهم.

متفق عليه: رواه البخاريّ في المساقاة (٢٣٨٣، ٢٣٨٤)، ومسلم في البيوع (١٥٤٠: ٧٠) كلاهما من حديث أبي أسامة قال: أخبرني الوليد بن كثير قال: أخبرني بُشير بن يسار مولى بني حارئة أن رافع بن خديج وسهل بن أبي حثمة حدثاه فذكر الحديث.

عن رافع بن خديج، وسهل بن أبي حثمة حدثا أن رسول اللَّه ﷺ نهى عن المزابنة، بيع الثمر بالتمر إلا أصحاب العرايا، فإنه أذن لهم.

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث الشريف الذي رواه رافع بن خديج وسهل بن أبي حثمة رضي الله عنهما، أخرجه الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما، وهو من الأحاديث التي تُبيّن حكمة الشريعة الإسلامية في تنظيم المعاملات المالية وحماية الناس من الغرر والجهالة.

أولاً. شرح المفردات:


● المزابنة: هي بيع ثمر النخل الذي لا يزال على الشجر (كالبُسر أو الرطب) بتمرٍ يابس مُقدَّرٍ بكيل معين. سميت بذلك لأنها تشبه "الزَّبْن" وهو الدفع بشدة، كأن كل واحد يدفع بالآخر في صفقة مجهولة العاقبة.
● العرايا: جمع عَرِيَّة، وهي أن يعطي الإنسانُ غيره ثمر نخلة أو أكثر ليأكلها رطباً، ثم يرد بدلها بعد الجفاف (أي بعد أن يصير تمراً) بقدر معين. وقد سميت عَرِيَّة لأنها من العُرْي، كأن صاحب الحاجة عُرّيَ من الثمر فأُعطيَ ليستتر بحاجته.

ثانياً. شرح الحديث:


ينهى النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث عن صورة من صور البيوع المحرمة، وهي المزابنة.
وصفة المزابنة المحرمة: أن يبيع الإنسان ما على نخله من الثمر (وهو لا يزال رطباً أو بسراً لم يجف بعد) بتمرٍ يابس موجودٍ ومعلومٍ، على سبيل المثال: أن يقول: "أبيعك كل ما على هذه النخلة من الرطب بصاع من التمر الذي عندي".
سبب النهي: هذا البيع محظور لوجود الغرر و الجهالة الفاحشة فيه، وذلك لعدة أسباب:
1. لا يدري البائع ولا المشتري القدر الحقيقي الذي سينتج من الثمر الذي على الشجرة، فقد يكون قليلاً فيخسر المشتري، أو كثيراً فيخسر البائع.
2. الثمر على الشجرة معرَّض للآفات والهلاك قبل أن يصلح للجذاذ (القَطْف)، فربما يهلك كله أو بعضه.
3. فيه نوع من الربا إذا كان البيع بجنسه (كالتمر بالتمر)، لأنه بيع الطعام بالطعام مع التفاضل (أي الزيادة في أحد الطرفين) وعدم التقابض في الحال.
الاستثناء (أصحاب العرايا):
رخص النبي صلى الله عليه وسلم في صورة معينة استثناها من هذا النهي العام، وهي العرايا.
وصفتها: أن يكون لرجل فقير أو محتاج نخيل، وليس عنده ما يشتري به الرطب ليأكله، فيأتي إلى صاحب النخيل فيقول له: "أعطني من رطبك لأكله، وسأعطيك بدلاً منه بعد أن يجف ويصير تمراً بقدر معين (مثل صاع أو صاعين)".
فأذن الشارع الحكيم في هذه الصورة رحمةً بالفقير وسداً لحاجته، وتخفيفاً عن الناس.
شروط العرية التي أجازها الشرع:
1. أن تكون للحاجة، كأن لا يجد المشتري ثمنًا لشراء الرطب.
2. أن تكون بقدر الحاجة، وقد قيدها الفقهاء بأن تكون دون خمسة أوسق (أي حوالي 650 كيلوغرام تقريباً)، لأن ما زاد على ذلك يدخل في باب التجارة والاتجار، وليس قضاء الحاجة العارضة.
3. أن يتم تقدير البدل (التمر) بمقدار معروف ومتفق عليه.

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:


1- حكمة الشريعة ومرونتها: يجمع هذا الحديث بين منع ضرر الغرر والجهالة في المعاملات، والترخيص ورعاية حاجة الناس عند الضرورة أو الحاجة، مما يظهر كمال الشريعة وعدلها.
2- تحريم البيوع الغرر: ينهى الإسلام عن كل بيعٍ يكتنفه غررٌ شديد أو جهالةٌ كبيرة تفضي إلى النزاع والخصام، أو أكل أموال الناس بالباطل.
3- التفريق بين القصدين: التجارة والاحتساب: النهي عن المزابنة كان لقصده التجاري الذي يقصد فيه الربح والمخاطرة، بينما أبيحت العرية لقصده المعيشي والإحساني، وهو سد حاجة المحتاج لأكل الرطب.
4- سد الذرائع: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المزابنة سداً لذريعة الربا والغش والجهالة، حتى لو قصد المتعاقدان الحلال.
5- رعاية الظروف الاجتماعية: استثناء العرايا показывает عناية الإسلام بالتوازن الاجتماعي ومراعاة أحوال الفقراء وحاجاتهم المعيشية.

رابعاً. معلومات إضافية:


- العرايا هي من الرُّخَص الشرعية، أي الأحكام التي شرعت للتخفيف على المكلفين عند وجود المشقة أو الحاجة.
- هذا الحديث أصل من الأصول الكبرى في فقه البيوع والمعاملات، ويستدل به الفقهاء على تحريم بيع كل ما فيه جهالة كبيرة أو غرر فاحش، مثل بيع السمك في الماء، أو الطير في الهواء.
- اختلف الفقهاء في تقدير قدر العرية المسموح بها، وأكثرهم على أنها لا تتجاوز خمسة أوسق، كما بينا.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاريّ في المساقاة (٢٣٨٣، ٢٣٨٤)، ومسلم في البيوع (١٥٤٠: ٧٠) كلاهما من حديث أبي أسامة قال: أخبرني الوليد بن كثير قال: أخبرني بُشير بن يسار مولى بني حارئة أن رافع بن خديج وسهل بن أبي حثمة حدثاه فذكر الحديث.
وقال البخاري: وقال ابن إسحاق: حدثني بشير مثله.
قال الأعظمي: ذكر البخاري متابعة محمد بن إسحاق للوليد بن كثير، وهو المخزومي، أبو محمد المدني، فإنه مختلف فيه، فضعفه ابن سعد، ووثّقه ابن معين، وأبو داود، غير أنه حسن الحديث.
وقوله: «العرية»، و«العرايا» هي بيع ثمر نخلات معلومات بعد بدو الصلاح فيها خرصا بالتمر الموضوع على وجه الأرض كيلا، استثناه الشارع من المزابنة لحاجة النّاس إلى ذلك.
وسميت عرية؛ لأنها عريت من جملة التحريم، أي خرجت. فعيلة بمعنى فاعلة. ثم إن صور العرية كثيرة، وإليكم بعض ما ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح: منها أن يقول الرجل لصاحب حائط: بعني ثمر نخلات بأعيانها بخرصها من التمر. فيخرصها، ويبيعه، ويقبض منه التمر، ويسلم إليه النخلات بالتخلية.
ومنها أن يهب صاحب الحائط لرجل نخلات أو ثمر نخلات معلومة من حائطه، ثم يتضرر بدخوله عليه، فيخرصها، ويشتري منه رطبها بقدر خرصه بتمر يعجله له.
ومنها أن يبيع الرجل تمر حائطه بعد بدو صلاحه، ويستثني منه نخلات معلومة يبقيها لنفسه ولعياله، وهي التي عفي له عن خرصها في الصدقة، فرخص لأهل الحاجة الذين لا نقد لهم،
وعندهم فضول من تمر قوتهم أن يبتاعوا بذلك التمر من رطب تلك النخلات بخرصها.
وقد ذهب أكثر الفقهاء إلى جواز هذه الصور، منهم الأوزاعيّ، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وغيرهم.
وقد فصّلت القول فيه في «المنة الكبرى» (٥/ ٩٨ - ١٠٧)، فراجعه لمعرفة المزيد.

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 343 من أصل 506 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: بيع الثمر بالتمر نهى عنه إلا لأصحاب العرايا

  • 📜 حديث: بيع الثمر بالتمر نهى عنه إلا لأصحاب العرايا

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: بيع الثمر بالتمر نهى عنه إلا لأصحاب العرايا

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: بيع الثمر بالتمر نهى عنه إلا لأصحاب العرايا

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: بيع الثمر بالتمر نهى عنه إلا لأصحاب العرايا

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, November 19, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب