حديث: من اشترى شاة مصراة فهو فيها بآخر النظرين

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب النهي عن بيع المصرّاة

عن رجل من أصحاب النبي ﷺ، عن النبي ﷺ أنه قال: «لا يُتَلَقَّى جَلَبٌ، ولا يبع حاضر لباد، ومن اشترى شاة مصراة أو ناقة -قال شعبة: إنما قال: ناقة مرة واحدة- فهو فيها بآخر النظرين إذا هو حلب، إن ردها رد معها صاعا من طعام».
قال الحكم: أو قال: «صاعا من تمر».

صحيح: رواه أحمد (١٨٨١٩)، والبيهقي (٥/ ٣١٩) كلاهما من حديث شعبة، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن رجل من أصحاب النبي ﷺ فذكره.

عن رجل من أصحاب النبي ﷺ، عن النبي ﷺ أنه قال: «لا يُتَلَقَّى جَلَبٌ، ولا يبع حاضر لباد، ومن اشترى شاة مصراة أو ناقة -قال شعبة: إنما قال: ناقة مرة واحدة- فهو فيها بآخر النظرين إذا هو حلب، إن ردها رد معها صاعا من طعام».
قال الحكم: أو قال: «صاعا من تمر».

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فهذا حديث عظيم من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يضع ضوابطَ وأخلاقياتٍ في المعاملات التجارية، حفظًا للحقوق ومنعًا للغش والضرر. وسأشرحه لكم جزءًا جزءًا بإذن الله تعالى.

أولاً. شرح المفردات:


● "لا يُتَلَقَّى جَلَبٌ":
● جَلَبٌ: هو ما يُجْلَبُ من البادية أو من خارج البلد إلى السوق للبيع، كالتمر والحبوب والثمار وغيرها.
● يُتَلَقَّى: أي يخرج التجار أو الوسطاء لاستقبال البضاعة قبل وصولها إلى السوق لشرائها بثمن بخس.
فالمعنى: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تلقي الركبان (أي البضاعة المجلوبة) خارج السوق.
● "ولا يبع حاضر لباد":
● حاضر: هو ساكن المدن والأمصار.
● باد: هو ساكن البادية الذي يأتي ببضاعته إلى السوق.
فالمعنى: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوسط الحضري للبدوي فيبيع له بضاعته، لأنه قد يخدعه أو يبيعها بسعر غير مناسب.
● "شاة مصراة أو ناقة":
● مصراة: هي الشاة أو الناقة التي حُبس لبنها أيامًا ليوهم المشتري أنها كثيرة اللبن، فيشتريها على هذا الوهم.
فهي نوع من الغش في البيع.
● "فهو فيها بآخر النظرين إذا هو حلب":
● بآخر النظرين: أي له الخيار بين إمضاء البيع أو فسخه بعد أن يحلبها ويتبين حقيقة حالها.
● إذا هو حلب: أي بعد أن يحلبها ويجربها.
● "إن ردها رد معها صاعًا من طعام":
● صاعًا: مكيال يساوي aproximadamente 2.04 كيلوغرام تقريبًا.
● طعام: أي تمر أو شعير أو ما يشبه ذلك من قوت البلد.

ثانيًا. شرح الحديث:


هذا الحديث النبوي الشريف يضع قواعدَ في المعاملات التجارية لتحقيق العدالة ومنع الغش والضرر، وفيه النهي عن ثلاث صور من صور الغش والاحتكار:
1- نهيه عن تلقى الجلب:
- النهي عن استقبال البضاعة قبل وصولها إلى السوق، لأن ذلك يؤدي إلى غبن البائع؛ إذ يكون جاهلاً بسعر السوق، فيبيعه التاجر بأقل من ثمنه الحقيقي.
- وهذا من باب سد الذرائع إلى الظلم والاحتكار.
2- نهيه عن بيع الحاضر للبادي:
- النهي عن أن يتولى الحضري بيع سلعة البدوي نيابة عنه، لأنه قد يخدعه أو يبيعها بسعر غير عادل، والبدوي لا يعرف أسعار السوق جيدًا.
- والمقصود: النهي عن الوساطة التي تضر بالبدوي، أما إذا كان الوسيط أمينًا ونصحه فلا بأس، لكن النهي للتحذير من الغش.
3- بيان حكم بيع المصراة:
- إذا اشترى شخص شاة أو ناقة مُصَرَّاة (أي مُحتبس لبنها ليظن أنها كثيرة اللبن)، ثم حلبها فوجد لبنها قليلاً، فله الخيار:
- إما أن يمسكها وقد عرف حقيقتها.
- أو يردها إلى البائع ويفسخ البيع.
- ولكن إذا ردها، يجب عليه أن يرد معها صاعًا من طعام (تمر أو شعير) تعويضًا عن اللبن الذي استوفاه منها عند الحلب.

ثالثًا. الدروس المستفادة:


1- تحريم الغش في المعاملات:
- الإسلام يحرم الغش بجميع صوره، والبيع بالغش لا يجوز؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من غش فليس منا» (رواه مسلم).
2- العدالة في البيع والشراء:
- يجب على المسلم أن يكون عادلاً في بيعه وشرائه، فلا يغبن ولا يخدع، بل يبين العيوب وينصح.
3- حق المشتري في الخيار:
- إذا اشتريت سلعة فيها عيب خفي، فلك الحق في فسخ البيع أو إمضائه، وهذا من رحمة الإسلام وعدله.
4- التعويض عن الانتفاع:
- إذا استفدت من السلعة ثم رددتها، يجب أن تعوض عن هذه الاستفادة، كرد الصاع من الطعام في حالة المصراة.
5- سد الذرائع إلى الظلم:
- النهي عن تلقى الجلب وبيع الحاضر للبادي من باب سد الذرائع التي تؤدي إلى الظلم والاحتكار.

رابعًا. معلومات إضافية:


- هذا الحديث رواه الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما، وهو من الأحاديث المتعلقة ببيوع الغرر.
- الفقهاء استنبطوا من الحديث أن الخيار للمشتري إذا اكتشف عيبًا خفيًا بعد البيع.
- الصاع المقدر بالطعام هو تعويض عن اللبن الذي حلبته، وقدره الفقهاء بصاع من تمر أو شعير، وهو يقارب 2.04 كيلوغرام تقريبًا.
- الحديث يدل على وجوب الصدق والأمانة في البيع، وأن الإسلام يحرص على مصلحة البائع والمشتري معًا.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من الصادقين الأمناء، وأن يوفقنا لاتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم في جميع أمورنا.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه أحمد (١٨٨١٩)، والبيهقي (٥/ ٣١٩) كلاهما من حديث شعبة، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن رجل من أصحاب النبي ﷺ فذكره.
وإسناده صحيح، ولا تضر الجهالة بالصحابي، كما هو معلوم.
وقوله: «صاعا من طعام، أو صاعا من تمر» شك من أحد الرواة، لا أنه على التخيير؛ ليكون موافقا للأحاديث الثابتة. قاله البيهقي.
وقد أفتى بذلك من الصحابة عبد اللَّه بن مسعود.
رواه البخاري في البيوع (٢١٤٩، ٢١٦٤) من وجهين عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي، عن عبد اللَّه قال: «من اشترى شاة محفلة، فردها، فليرد معها صاعا من تمر. ونهى النبي ﷺ أن تُلقى البيوع».
وكذلك رواه عبد الرزاق (٨/ ١٩٨) عن الثوري، والبيهقي (٥/ ٣١٧) من حديث يعلى بن عبيد، كلاهما عن الأعمش، عن خيثمة، عن عبد اللَّه قال: «إياكم والمحفلات؛ فإنها خلابة، ولا تحل الخلابة لمسلم». ولكن زاد البيهقي بين خيثمة وبين عبد اللَّه «الأسود».
ورواه ابن ماجه (٢٢٤١)، وأحمد (٤١٢٥)، وأبو داود الطيالسي (٢٩٢)، وعنه البيهقي (٥/ ٣١٧) كلهم من حديث المسعودي، عن جابر، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد اللَّه، فرفعه إلى النبي ﷺ وهو الصادق المصدوق-، فذكر الحديث مثله.
وجابر هو أبن يزيد الجعفي، وهو ضعيف. والمسعودي هو عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن عتبة اختلط قبل موته. والصحيح أنه موقوف.
وسئل الدارقطني عن حديث خيثمة، عن ابن مسعود: نهى رسول اللَّه ﷺ عن بيع المحفلات من الغنم.
فقال: أسنده أبو شهاب عن الأعمش، عن خيثمة.
وغيره يرويه موقوفا. وهو الصواب». (العلل ٥/ ٤٧ - ٤٨).
ثم رواه عن أبي القاسم بن منيع، حدثنا محمد بن جعفر الوركاني، حدثنا أبو شهاب بذلك مرفوعا. وليس غيره.
وقال في أطراف الغرائب: «تفرد به محمد بن جعفر الوركاني، عن أبي شهاب، عن الأعمش،
عنه». انتهى.
وأما ما روي عن عبد اللَّه بن عمر قال: قال رسول اللَّه ﷺ: «يا أيها الناس من باع محفلة فهو بالخيار ثلاثة أيام، فإن ردها رد معها مثلي لبنها -أو قال: مثل لبنها- قمحا». فهو ضعيف.
رواه أبو داود (٣٤٤٦)، وابن ماجه (٢٢٤٠)، والبيهقي (٥/ ٣١٩) كلهم من حديث عبد الواحد ابن زياد قال: حدثنا صدقة بن سعيد الحنفي قال: حدثنا جميع بن عمير التيمي قال: حدثنا عبد اللَّه ابن عمر فذكره.
وإسناده ضعيف من أجل جميع بن عمير التيمي، قال فيه البخاري: «فيه نظر». وقال ابن حبان: «رافضي يضع الحديث». إلا أن العجلي قال: «تابعي ثقة». وهو من تساهله، وحسن الترمذي بعض حديثه. وكذلك فيه صدقة بن سعيد الحنفي، ضعفه الساجي، وابن وضاح.
وفي الباب أيضًا ما روي عن ابن عباس أن النبي ﷺ قال: «لا تستقبلوا السوق، ولا تحفلوا، ولا يُنَفِّق بعضكم لبعض».
رواه الترمذي (١٢٦٨)، وأحمد وابنه عبد اللَّه (٣٣١٣)، وأبو يعلى (١٣٤٥)، والبيهقي (٥/ ٣١٧) كلهم من طريق أبي الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس فذكره.
وسماك هو أبن حرب الكوفي ثقة، وثّقه ابن معين وغيره، ولكن ضعّفه جمهور أهل العلم في روايته عن عكرمة؛ فإنه مضطرب فيه، كما قال أحمد، وابن المديني، والعجلي، وابن المبارك، وغيرهم.
وأما الترمذي فقال: «حسن صحيح». كأنه لم يأخذ بهذه العلة.
وقال: «والعمل على هذا عند أهل العلم، كرهوا بيع المحفلة، وهي المصراة، لا يحلبها صاحبها أياما ونحو ذلك؛ ليجتمع اللبن في ضرعها، فيغتر بها المشتري، وهذا ضرب من الخديعة والغرر».
قوله: «لا تصروا» بفتح التاء والصاد، ويأتي معناه اللغوي.
وفيه دليل على نهي التصرية، سواء قصد بها البيع أم لا؛ لما فيه من إيذاء الحيوان، وهو محرم. فإذا باع مع التصرية فإنه ارتكب المحظورين: إيذاء الحيوان، وغش المشتري. وما جاء بلفظ: «لا تصروا الإبل والغنم للبيع» فهو للغالب.
وقيل: إن النهي خاص بالبيع، ويجوز نصرية الحيوان لغير البيع.
وقوله: «فإن رضيها أمسكها» فيه دليل على صحة البيع مع التصرية إن رضي بها المشتري.
وقوله: «وصاعا من تمر» أي: ورد صاعا من تمر.
اختلاف أهل العلم واللغة في اشتقاق المصراة.
قال الشافعي: التصرية أن تربط أخلاف الناقة والشاة، وتترك من الحلب اليومين والثلاثة، حتى يجتمع لها لبن، فيراه المشتري كثيرا، ويزيد في ثمنها؛ لما يرى من كثرة لبنها، فإذا حلبها بعد تلك الحلبة حلبة أو اثنتين عرف أن ذلك ليس بلبنها، وهذا غرور للمشتري.
وقال أبو عبيد: «قوله: «مصرّاة«يعني الناقة أو البقرة أو الشاة التي قد صري اللبن في ضرعها، يعني حُقن فيه، وجمع أياما، فلم تحلب أياما. وأصل التصرية حبس الماء وجمعه، يقال منه: صَرّيت الماء وصَرَيته.
قال الأغلب:
رأيت غلاما قد صَرَى في فِقْرته ... ماء الشبابِ عنفوانُ شِرّته
ويقال: هذا ماء صَرَى. مقصور.
قال عبيد بن الأبرص:
يا رُب ماءٍ صَرَى وردته ... سبيله خائف جديبُ
ويقال منه: سميت المصّراة كأنها مياه اجتمعت، وكان بعض الناس يتأوّل من المصراة أنه من صرار الإبل، وليس هذا من ذلك في شيء، لو كان من ذاك لقال: مَصْرُورة، وما جاز أن يقال ذلك في البقر والغنم؛ لأن الصّرار لا يكون إلا للإبِل». انتهى. غريب الحديث (٢/ ٢٤١ - ٢٤٢).
قال الخطابي: «قول أبي عبيد حسن، وقول الشافعي صحيح».
انظر للمزيد «المنة الكبرى» (٥/ ١٢٣ - ١٣٦)، وفيه تفاصيل أخرى من كلام أهل العلم في فقه الحديث.

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 483 من أصل 506 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: من اشترى شاة مصراة فهو فيها بآخر النظرين

  • 📜 حديث: من اشترى شاة مصراة فهو فيها بآخر النظرين

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: من اشترى شاة مصراة فهو فيها بآخر النظرين

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: من اشترى شاة مصراة فهو فيها بآخر النظرين

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: من اشترى شاة مصراة فهو فيها بآخر النظرين

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, November 19, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب