نهى رسول الله عن بيع المغانم حتى تقسم

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث الشريف رواه الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه، وغيرهم عن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وهو حسن.
أولاً: شرح مفردات الحديث:
* نهى: أي حرّم وأمر بالترك.
* بيع المغانم: المغانم هي الأموال التي يأخذها المسلمون من الكفار المحاربين في ساحة القتال. وبيعها يعني التصرف فيها قبل تقسيمها.
* حتى تقسم: أي حتى يتم توزيعها وفقاً للأنصبة الشرعية التي بينها الله تعالى في سورة الأنفال.
* الحبالى: جمع حامل، وهي المرأة التي في بطنها جنين.
* أن يُوطأنَ: أي أن يُجامعنَ من قبل سادتهن الجدد بعد الأسر.
* حتى يضعن ما في بطونهن: أي حتى يلدن وينقضي حملهن.
* لحم كل ذي ناب من السباع: أي لحوم جميع الحيوانات المفترسة التي لها أنياب تستخدمها لافتراس فرائسها، كالأسد والنمر والذئب والفهد وغيرها.
ثانياً: شرح الحديث وفقهه:
ينقض الحديث إلى ثلاثة أحكام تحريمية مستقلة:
1- تحريم بيع الغنيمة قبل قسمتها:
* والعلة في هذا النهي أن الغنيمة مملوكة للجميع (الدولة والجنود) بمجرد استيلائهم عليها، فالتصرف فيها بالبيع أو غيره قبل القسمة يعتبر تصرفاً في ملك الغير بغير إذنه. فكأن البائع يبيع ما لا يملك. فالنبي ﷺ نهى عن ذلك حفظاً لأموال المسلمين ومنعاً للخصومات والتداعي بينهم.
2- تحريم وطء الأسيرة الحامل حتى تضع حملها:
* هذا النهي يحمل حكماً عظيماً ورحمة بالغة. فالمرأة الحامل تكون في حالة نفسية وجسدية صعبة، ووطؤها في هذه الحالة قد يسبب لها ضرراً نفسياً وجسدياً شديداً، كما أنه قد يعرض الجنين في بطنها للخطر أو الهلاك. فالشرع الحكيم يأمر بالرفق حتى مع الأسيرات، وينتظر حتى تضع حملهن وتستعيدن عافيتهن، ثم بعد ذلك يحل وطؤهن إذا كن من ملك اليمين. وهذا من مظاهر رحمة الإسلام وعدالته.
3- تحريم أكل لحم كل سبع ذي ناب:
* وهذا النهي عام يشمل كل حيوان مفترس يتغذى بلحوم الفرائس بأنيابه، سواء كان من الوحوش البرية (كالأسد والذئب) أو الطيور الجارحة (كالصقر والعقاب) التي لها مخلب تفترس به.
* والحكمة من التحريم تعود إلى أسباب منها:
* الضرر الصحي: لأن هذه الحيوانات تأكل الجيف واللحوم النجسة، فَيَخْبُث لحمها ويتكون فيه من المواد الضارة ما يؤذي آكله.
* الطبع السيء: فإن أكل لحمها يؤثر في أخلاق آكله فيجعله متوحشاً قاسي القلب، كما أن الشريعة جاءت لتنمية معاني الرحمة والرفق، وأكل هذه الحيوانات ينافي هذه الغاية.
* الإثم والنجاسة: فهي في الغالب مؤذية ومحرم قتلها إلا للضرورة.
ثالثاً: الدروس المستفادة والعبر:
1- العدل في تقسيم الأموال العامة: وجوب الحفاظ على أموال المسلمين وعدم التصرف فيها بغير حق، وضرورة الشفافية في توزيع الغنائم والأموال العامة.
2- الرفق بالخلق والرحمة بهم: يتجلى هذا المبدأ العظيم حتى في حال الحرب ومع الأسرى، فالإسلام يمنع إيذاء المرأة الحامل ويحفظ حقوق الجنين، مما يدل على سمو الأخلاق الإسلامية.
3- الحفاظ على الصحة والأخلاق: تحريم أكل لحوم السباع يدل على حرص الشريعة على صحة الإنسان البدنية والنفسية، وعلى تنمية الأخلاق الفاضلة كالرفق والرحمة ونبذ القسوة والوحشية.
4- شمولية الشريعة: الشريعة الإسلامية تنظم جميع شؤون الحياة، من أمور الحرب والغنائم إلى الأمور الصحية والغذائية والأخلاقية.
رابعاً: معلومات إضافية:
* هذا الحديث من جوامع كلم النبي ﷺ، حيث جمع أحكاماً متعددة في سياق واحد.
* ذهب جمهور العلماء (الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة) إلى تحريم أكل كل ذي ناب من السباع، واستثنى بعض العلماء الكلب البحري (الفَصِيّ) لأنه لا يعيش إلا في الماء وليس من ذوات الأنفس الخبيثة.
* حكم وطء الأسيرة الحامل يندرج تحت القاعدة الفقهية "دَرْءُ الْمَفَاسِدِ أَوْلَى مِنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ"، فمفسدة إيذائها وإيذاء الجنين أعظم من مصلحة الوطء التي يمكن تأخيرها.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.