حديث: ميراث الجدة السدس من النبي ﷺ
📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة
باب ما جاء في الجدة والجد
ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر بن الخطاب تسأله ميراثها، فقال: ما لك في كتاب اللَّه تعالى شيء، وما كان القضاء الذي قضي به إلا لغيرك، وما أنا بزائد في الفرائض، ولكن هو ذلك السدس، فإن اجتمعتما فهو بينكما، وأيكما خلت به فهو لها.
حسن: رواه مالك في الفرائض (٤) عن ابن شهاب، عن عثمان بن إسحاق بن خرشة، عن قبيصة بن ذؤيب فذكره.

شرح الحديث:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.أما بعد، فهذا الحديث الذي سألت عنه حديث عظيم، يُعد من أصول الفقه في باب الفرائض (الميراث)، وفيه دلالات مهمة على منهجية الخلفاء الراشدين في استنباط الأحكام واتباع السنة.
أولاً. شرح مفردات الحديث:
* الجدة: هي أم الأم أو أم الأب.
* ميراثها: حصتها من التركة التي فرضها الله لها.
* ما لك في كتاب الله شيء: ليس فيها نص صريح في القرآن الكريم يبين مقدار إرثها.
* أنفذه لها: أمضاه وقضى به لها.
* الجدة الأخرى: المقصود هنا جدة من جهة الأب، لتمييزها عن الجدة الأولى التي من جهة الأم.
* ما كان القضاء الذي قضي به إلا لغيرك: يعني أن الحكم الذي حكم به أبو بكر (إعطاء السدس) كان لجدة من الجهة الأخرى (جهة الأم).
* فإن اجتمعتا: إذا كانتا موجودتين معًا (جدة من جهة الأب وجدة من جهة الأم).
* فأيكما خلت به فهو لها: أي أيهما كانت موجودة وحدها دون الأخرى، فالسدس كامل لها.
ثانيًا. شرح الحديث:
يقع هذا الحديث في سياقين:
السياق الأول: قصة الجدة مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه:
1. جاءت جدة (ويبدو من السياق أنها من جهة الأم) إلى الخليفة أبي بكر الصديق طالبة حقها في الميراث.
2. أبو بكر، وهو العالم بحلال الله وحرامه، لم يجد نصًا صريحًا في القرآن يحدد ميراث الجدة.
3. كما أنه لم يكن عنده علم بسنة من النبي ﷺ في هذه المسألة. وهذا يدل على غاية الورع والتثبت؛ فلم يجر على ظنه أو رأيه، بل توقف حتى يتحقق من السنة.
4. لما سأل الصحابة، شهد المغيرة بن شعبة بأنه حضر رسول الله ﷺ وأعطى الجدة السدس.
5. لم يكتف أبو بكر بشاهد واحد، بل طالب بشاهد آخر تأكيدًا وثباتًا، فقام محمد بن مسلمة فشهد بنفس الشهادة.
6. عندئذٍ قضى أبو بكر للجدة بالسدس، امتثالاً لسنة النبي ﷺ.
السياق الثاني: قصة الجدة مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
1. جاءت جدة أخرى (ويبدو أنها من جهة الأب) إلى الخليفة عمر بن الخطاب طالبة ميراثها.
2. عمر أيضًا يؤكد أنه لا يوجد نص قرآني صريح في ميراثها.
3. يبين عمر أن القضاء الذي قضى به أبو بكر (إعطاء السدس) كان لجدة من الجهة الأخرى (جهة الأم).
4. ثم يقرر عمر حكمًا جديدًا مستندًا إلى القياس والاجتهاد في إطار السنة الثابتة، فيقول: "ولكن هو ذلك السدس". أي أن الحكم الثابت بالسنة هو إعطاء الجدة السدس، فيعمم هذا الحكم على كل الجدات.
5. ويضع عمر تفصيلاً دقيقًا:
* إذا وجدت جدة واحدة فقط (سواء من جهة الأب أو الأم)، فلها السدس كاملًا.
* إذا اجتمعت الجدتان (من جهة الأب والأم)، فالسدس بينهما نصفين (تتقاسمانه بالتساوي).
وهذا الحكم الذي استنبطه عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو الذي استقر عليه عمل أهل السنة والجماعة في ميراث الجدة.
ثالثًا. الدروس المستفادة والعبر:
1- التثبت في نقل السنة والأحكام: حرص أبي بكر على شاهدين ليثبت عنده السنة، وهذا من أصول قبول الأخبار.
2- الورع والتوقف عند عدم العلم: موقف أبي بكر الأول في التوقف عندما لم يكن عنده علم بالنص، هو نموذج للعالم الذي يخاف الله ولا يتكلم بغير علم.
3- الاجتهاد في إطار النص: اجتهاد عمر بن الخطاب هو مثال رائع للاجتهاد الذي لا يخالف أصلاً ثابتًا. فقد أخذ بالسنة الثابتة (أن الجدة ترث السدس) ووسع دائرة تطبيقها بالقياس على جميع الجدات، ثم فصّل كيفية توزيعه.
4- حرص الصحابة على تطبيق سنة النبي ﷺ: القصة كلها تدور حول البحث عن سنة النبي ﷺ والحرص على تطبيقها، حتى لو لم تكن مشهورة لدى الجميع.
5- الشورى في الأمور العامة: استشارة أبي بكر للصحابة في مسألة عامة تهم الأمة.
6- عدل عمر وإنصافه: حيث سوى بين الجدتين من الجهتين في الحق، ولم يفضل إحداهما على الأخرى.
7- أن الاجتهاد يسوغ للعالم إذا أخطأ أجر واحد وإذا أصاب أجران: اجتهاد عمر هنا كان صوابًا موافقًا للحكم الشرعي الذي استقر عليه لاحقاً.
رابعًا. معلومات إضافية مفيدة:
* هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود، والترمذي (وقال: حديث حسن صحيح)، والدارقطني، وغيرهم.
* حكم ميراث الجدة الذي استقر عليه الفقهاء من هذا الحديث هو: أن للجدة السدس إذا لم تكن هناك أم تحجبها (أي إذا لم تكن أم الميت موجودة). وإذا تعددت الجدات (من جهة الأب أو الأم) فيقسم السدس بينهن بالتساوي. وهذا مذهب الجمهور.
* تظهر هذه القصة بوضوح المنهجية التي سار عليها الخلفاء الراشدون في الحكم، والتي كانت قائمة على التمسك بالكتاب، ثم السنة، ثم الاجتهاد بالرأي المبني على قواعد الشرع عند عدم وجود نص صريح.
وصلى الله على
تخريج الحديث
ومن هذا الطريق رواه أيضًا أبو داود (٢٨٩٤)، والترمذي (٢١٠١)، وابن ماجه (٢٧٢٤)، والبيهقي (٦/ ٢٣٤).
وإسناده منقطع؛ فإن قبيصة بن ذؤيب لم يسمع من الصديق؛ لأنه ولد عام الفتح على الراجح، ولكن يجوز أن يكون سمعه بعد ذلك من محمد بن مسلمة، ولذا ذكره المزي في «التحفة» (٨/ ٣٦١) في ترجمة قبيصة بن ذؤيب الخزاعي، عن محمد بن مسلمة، ونقل عن الترمذي: أنه قال: «حسن صحيح، وهو أصح -يعني حديث مالك- من حديث ابن عيينة».
وأما في بعض النسخ المطبوعة للترمذي فليس فيه قوله: «حسن صحيح».
ثم هو حسن فقط؛ لأن عثمان بن إسحاق بن خرشة ليس بمشهور في الحديث، غير أنه حسن الحديث. وقد حسنه أيضًا البغوي (٨/ ٣٤٦)، وصحّحه ابن حبان (٦٠٣١)، وابن الملقن في «البدر المنير» (٧/ ٢٠٧). وقال ابن حجر في «التلخيص» (٣/ ٨٢): «إسناده صحيح لثقة رجاله إلا أن صورته مرسل؛ فإن قبيصة لا يصح له سماع من الصديق، ولا يمكن شهوده للقصة. قاله ابن عبد البر بمعناه».
قال الأعظمي: وهو كما قال إلا أنه لا يعد أن يكون قد سمع بعد ذلك من محمد بن مسلمة.
ولذا صحّحه الترمذي وحسنه، وهو لا يصحح المنقطع، وإخراج مالك يشعر بصحته أيضًا، وكذا تصحيح ابن حبان له، وقد أجمع أهل العلم -كما قال ابن المنذر- على أن للجدة السدس إذا لم تكن أم، وهذا عاضد له أيضًا.
أو أن قبيصة بن ذؤيب ولد في أول الهجرة، كما قال بعض أهل العلم، فإن صح هذا فلا
إشكال في صحته.
وأما اختلافه على الزهري فليس بعلة قادحة، فإن الصحيح لا يُعل بالضعيف.
فقد رواه سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن قبيصة، ومن هذا الطريق رواه الحاكم (٤/ ٣٣٨)، وقال: صحيح على شرط الشيخين.
وكذلك رواه جماعات عن الزهري، عن قبيصة، ولم يذكروا أحدًا بينهما، وفيه انقطاع؛ فإن الزهري لم يسمع من قبيصة.
ولذا رجح الترمذي رواية مالك على رواية سفيان بن عيينة، وكذا الدارقطني في «علله» (١/ ٢٤٨ - ٢٤٩)، فإنه ذكر جماعة رووه عن الزهري، عن قبيصة بن ذؤيب، ولم يذكروا بينهما أحدا.
فقال: ويشبه أن يكون الصواب ما قاله مالك وأبو أويس، وأن الزهري لم يسمعه من قبيصة، وإنما أخذه عن عثمان بن إسحاق بن خرشة عنه.
أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)
الحديث الحالي في المركز 54 من أصل 66 حديثاً له شرح
- 17 من ترك دينا أو ضياعا فإلَيَّ وعلَيَّ
- 18 بيعة علي لأبي بكر رضي الله عنهما
- 19 ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤونة عاملي فهو صدقة
- 20 من كان النبي يعوله أنفق عليه
- 21 عن عمر بن الخطاب في قضية إرث النبي ﷺ
- 22 ما تركه النبي صدقة لا ميراث
- 23 شيء تركه رسول الله فلم يحركه فلا أحركه
- 24 للابنة النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت
- 25 قضى معاذ بن جبل النصف للابنة والنصف للأخت
- 26 أعطى الابنة النصف والأخت النصف
- 27 فرق النبي بين الملاعن وامرأته وألحق الولد بها
- 28 ميراث ابن الملاعنة لأمه ولورثتها من بعدها
- 29 من استلحق بعد أبيه فله نصيبه فيما لم يقسم
- 30 الولد ولد زنا لا يرث ولا يورث
- 31 إنما الولاء لمن أعتق
- 32 مولى القوم من أنفسهم
- 33 ما أحرز الولد والوالد فهو لعصبته من كان
- 34 يرث الولاء من ورث المال من والد أو ولد
- 35 نهى رسول الله عن بيع الولاء وعن هبته
- 36 الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب
- 37 أعطوا ميراثه رجلا من أهل قريته
- 38 الميراث للمهاجر والأنصاري نسخ بالإرث للعصبة
- 39 كان الرجل يحالف الرجل ليس بينهما نسب فيرث أحدهما الآخر
- 40 ابن أخت القوم منهم، أو من أنفسهم
- 41 ابن أخت القوم منهم
- 42 ابن الأخت منهم
- 43 اللَّه ورسوله مولى من لا مولى له
- 44 من ترك دينا أو ضيعة فإلي
- 45 لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم
- 46 هل ترك عقيل من رباع أو دور؟
- 47 الإسلام يزيد ولا ينقص
- 48 لا يتوارث أهل ملتين شتى
- 49 لا تسافر امرأة ثلاث ليال مع غير ذي محرم
- 50 ليس للقاتل شيء
- 51 جعل للزوجة الثمن والربع، وللزوج الشطر والربع
- 52 من أسلم على يدي رجل فهو أولى الناس بمحياه ومماته
- 53 أعط ابنتي سعد ثلثي ماله وأعط امرأته الثمن
- 54 ميراث الجدة السدس من النبي ﷺ
- 55 الجدة السدس إذا لم تكن دونها أم
- 56 أتي النبي ﷺ بفريضة فيها جد فأعطاه ثلثا أو سدسا
- 57 قضى رسول الله ﷺ بالدين قبل الوصية
- 58 إذا استهل المولود وُرِّث
- 59 لا يرث الصبي حتى يستهل صارخا
- 60 كل قسم قسم في الجاهلية فهو على ما قسم
- 61 أهل الإسلام لا يُسيّبون وأهل الجاهلية كانوا يُسِيبون
- 62 ما ولدت أم عبد الرحمن ويعقوب مكاتب فهو للحرقي
- 63 تكتب إلي رسول الله أن أورث امرأة من دية زوجها
- 64 الأخت والأم والزوج والجد من سبعة وعشرين
- 65 عنوان الحديث: "تكلمي واعملي عملك"
- 66 فضل ثلاثة عشر وسقا بعد قضاء الدين
معلومات عن حديث: ميراث الجدة السدس من النبي ﷺ
📜 حديث: ميراث الجدة السدس من النبي ﷺ
نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: ميراث الجدة السدس من النبي ﷺ
تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: ميراث الجدة السدس من النبي ﷺ
تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: ميراث الجدة السدس من النبي ﷺ
شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.
قراءة القرآن الكريم
الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم
Thursday, November 20, 2025
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب








