حديث: أهل الإسلام لا يُسيّبون وأهل الجاهلية كانوا يُسِيبون
📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة
باب ميراث السائبة
صحيح: رواه البخاري في الفرائض (٦٧٥٣) عن قبيصة بن عقبة، حدثنا سفيان، عن أبي قيس، عن هزيل، عن عبد اللَّه فذكره موقوفا،
وقوله: «السائبة» هو: أن يقول السيد لعبده: لا ولاء لأحد عليك، أو أنت سائبة.

شرح الحديث:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.أهلاً وسهلاً بك، وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث الذي تفضلت بذكره هو حديث صحيح رواه الإمام البخاري في صحيحه، عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وهو حديث قصير في لفظه، عظيم في معناه، يشير إلى نقلة حضارية وأخلاقية كبرى أحدثها الإسلام.
وفيما يلي شرحه وبيانه على النحو المطلوب:
### أولاً. شرح المفردات
● يُسيِّبون: (بالتشديد على الياء) من التسْييب.
● التسييب في اللغة: هو إطلاق الشيء وإرساله بلا قيد ولا حجز، وتركه حراً طليقاً.
● وفي الاصطلاح الشرعي للجاهلية: كان المقصود به أن يخصص الرجل ناقة أو شاة معينة، فيعلّمها بعلامة ثم يطلق سراحها، فلا يُركب ظهرها، ولا يُجزّ صوفها، ولا يُشرب لبنها إلا لضيف أو لمعزمة، ويتركونها تذهب حيث شاءت بزعمهم أن هذا قربة يتقربون بها إلى آلهتهم.
### ثانياً. شرح الحديث
يخبر الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن حكمتين عظيمتين:
1- "إن أهل الإسلام لا يُسيّبون": أي أن شريعة الإسلام قد ألغت وتحرم فعل "التسييب" الذي كان معروفاً في الجاهلية. فالإسلام ينهى عن إضاعة المال وإهماله وإطلاقه دون منفعة، بل يأمر بالانتفاع بالمال على الوجه المشروع الذي يحقق المصالح ويدرأ المفاسد. فالمال في الإسلام مُسخَّر لخدمة الإنسان ومنفعته، ضمن الضوابط الشرعية، وليس ليكون معطلاً بلا فائدة.
2- "وإن أهل الجاهلية كانوا يُسِيبون": هذا بيان للحال التي كانت عليها الأمم قبل الإسلام، حيث كانوا يمارسون هذه العادة الجاهلية (التسييب) اعتقاداً منهم أن هذا الفعل يقربهم إلى آلهتهم الزائفة، أو أنه نوع من الكرم المذموم الذي يؤدي إلى إضاعة الثروات وتعطيل المنافع.
### ثالثاً. الدروس المستفادة والفَوائد
1- تحريم إضاعة المال وتعطيل المنافع: ينهى الإسلام عن أي تصرف يؤدي إلى إهدار المال أو تعطيل منفعته دون فائدة شرعية مقبولة. وهذا من كمال الشريعة ومراعاتها لمصالح العباد.
2- محاربة الإسلام للخرافات والعادات الجاهلية: جاء الإسلام ليمحو كل المعتقدات الباطلة والعادات الضارة التي كانت سائدة في الجاهلية، ويستبدلها بتعاليم تقوم على التوحيد والعقلانية والمنفعة.
3- الاعتدال والاستفادة من النعم: الإسلام دين الوسطية والاعتدال، فلا إسراف ولا تبذير، ولا تقتير ولا بخْل، بل أمر بالاستفادة من خيرات الله ونعمه بالطرق المشروعة النافعة.
4- الفارق بين التشريع الإسلامي والمناهج الوضعية: يظهر هذا الحديث جانباً من جوانب الحكمة الإلهية في التشريع، حيث يراعي المصالح الحقيقية للبشر، بخلاف القوانين والعادات الجاهلية التي تقوم على الأوهام والإضرار بالمصالح.
5- الحفاظ على الثروة الحيوانية: منع التسييب هو في الحفاظ على الثروة الحيوانية ومنع إهدارها، مما يعود بالنفع على المجتمع وأفراده.
### رابعاً. معلومات إضافية
- هذا الحديث يدخل في باب "نواقض الإسلام ومحرماته"، حيث يعتبر "التسييب" من أمور الجاهلية التي حرمها الإسلام.
- هناك أحاديث أخرى تذم الإضاعة وتعطيل المال، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ» (متفق عليه).
- المعنى العام للتسييب يمكن أن يمتد في عصرنا ليشمل أي إهمال أو إضاعة للموارد والأموال دون استفادة مشروعة، كترك الأراضي معطلة، أو عدم استثمار الطاقات والقدرات، مما يعد مخالفاً لهدي الإسلام.
أسأل الله تعالى أن يفقهنا في ديننا، وأن يعيننا على العمل بشريعته الكاملة، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تخريج الحديث
وقوله: «السائبة» هو: أن يقول السيد لعبده: لا ولاء لأحد عليك، أو أنت سائبة. يريد بذلك عنقه، وأن لا ولاء لأحد عليه. وقد يقول له: أعتقتك سائبة، أو أنت حر سائبة.
وحديث عبد اللَّه بن مسعود هو طرف من حديث أخرجه الإسماعيلي بتمامه من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان بسنده إلى هزيل قال: جاء رجل إلى عبد اللَّه، فقال: إني أعتقت عبدا لي سائبة، فمات، فترك مالا، ولم يدع وارثا. فقال عبد اللَّه: فذكر حديث الباب، وزاد: وأنت ولي نعمته، فلك ميراثه، فإن تأثمت، أو تحرجت في شيء فنحن نقبله، ونجعله في بيت المال. انتهى كما في الفتح (١٢/ ٤١).
وكذلك رواه أيضًا عبد الرزاق (١٦٢٢٣) عن الثوري بإسناده نحوه، وأخرج عبد الرزاق (١٦٢٢٢) عن معمر، عن قتادة أن ابن مسعود أتاه رجل فقال: مولى لي توفي أعتقته سائبة، وترك مالا، قال: أنت أحق بماله، قال: إنما أعتقته للَّه، قال: أنت أحق بماله، فإن تدعه فأرِنه هاهنا ورثة كثير - يعني بيت المال.
وأخرج أيضًا عبد الرزاق (١٦٢٣٢) عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين أن سالما مولى أبي حذيفة أعتقته امرأة من الأنصار، فلما قتل يوم اليمامة دفع ميراثه إلى الأنصارية التي أعتقته أو إلى ابنها.
عن ابن إسحاق قال: حدثني عبد اللَّه بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عبد اللَّه بن وديعة بن خِدام بن خالد أخي بني عمرو بن عوف قال: كان سالم مولى أبي حذيفة مولى لامرأة منا يقال لها سلمى بنت يعار أعتقته سائبة في الجاهلية، فلما أصيب باليمامة أتى عمر بن الخطاب بميراثه، فدعا وديعة بن خدام، فقال: هذا ميراث مولاكم، وأنتم أحق به. فقال: يا أمير المؤمنين، قد أغنانا اللَّه عنه، قد أعتقته صاحبتنا سائبة، فلا نريد أن نندا من أمره شيئًا، أو قال: نرزأ. فجعله عمر في بيت المال.
رواه يعقوب بن سفيان في «المعرفة»، ومن طريقه البيهقي (١٠/ ٣٠٠): ثنا محمد بن منصور، ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، أنبأ أبي، عن ابن إسحاق فذكره. وإسناده حسن من أجل محمد بن إسحاق؛ فإنه مدلس إلا أنه صرّح بالتحديث.
وفي الباب آثار أخرى ذكرها عبد الرزاق والبيهقي وغيرهما.
وأما أقوال العلماء في السائبة: فمنها قول الشافعي: العتق ماض، وولاءه لمعتقه، وإن تحرج من الأخذ به فيجعل في بيت المال.
ومنها: أن ميراث السائبة للمسلمين يرثونه، ويعقلون عنه. وبه قال مالك.
ومنها: أنه لا بأس بيع ولاء السائبة وهبته. وبه قال الكوفيون، وبه قال إبراهيم والشعبي.
وما ذهب إليه الشافعي هو الظاهر من النصوص، ومن قول النبي ﷺ: «الولاء لمن أعتق». وهو الذي يذهب إليه البخاري؛ فإنه بعد أثر ابن مسعود، أورد حديث عائشة، وقال لها: «أعتقيها فإن
الولاء لمن أعتق».
أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)
الحديث الحالي في المركز 61 من أصل 66 حديثاً له شرح
- 17 من ترك دينا أو ضياعا فإلَيَّ وعلَيَّ
- 18 بيعة علي لأبي بكر رضي الله عنهما
- 19 ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤونة عاملي فهو صدقة
- 20 من كان النبي يعوله أنفق عليه
- 21 عن عمر بن الخطاب في قضية إرث النبي ﷺ
- 22 ما تركه النبي صدقة لا ميراث
- 23 شيء تركه رسول الله فلم يحركه فلا أحركه
- 24 للابنة النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت
- 25 قضى معاذ بن جبل النصف للابنة والنصف للأخت
- 26 أعطى الابنة النصف والأخت النصف
- 27 فرق النبي بين الملاعن وامرأته وألحق الولد بها
- 28 ميراث ابن الملاعنة لأمه ولورثتها من بعدها
- 29 من استلحق بعد أبيه فله نصيبه فيما لم يقسم
- 30 الولد ولد زنا لا يرث ولا يورث
- 31 إنما الولاء لمن أعتق
- 32 مولى القوم من أنفسهم
- 33 ما أحرز الولد والوالد فهو لعصبته من كان
- 34 يرث الولاء من ورث المال من والد أو ولد
- 35 نهى رسول الله عن بيع الولاء وعن هبته
- 36 الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب
- 37 أعطوا ميراثه رجلا من أهل قريته
- 38 الميراث للمهاجر والأنصاري نسخ بالإرث للعصبة
- 39 كان الرجل يحالف الرجل ليس بينهما نسب فيرث أحدهما الآخر
- 40 ابن أخت القوم منهم، أو من أنفسهم
- 41 ابن أخت القوم منهم
- 42 ابن الأخت منهم
- 43 اللَّه ورسوله مولى من لا مولى له
- 44 من ترك دينا أو ضيعة فإلي
- 45 لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم
- 46 هل ترك عقيل من رباع أو دور؟
- 47 الإسلام يزيد ولا ينقص
- 48 لا يتوارث أهل ملتين شتى
- 49 لا تسافر امرأة ثلاث ليال مع غير ذي محرم
- 50 ليس للقاتل شيء
- 51 جعل للزوجة الثمن والربع، وللزوج الشطر والربع
- 52 من أسلم على يدي رجل فهو أولى الناس بمحياه ومماته
- 53 أعط ابنتي سعد ثلثي ماله وأعط امرأته الثمن
- 54 ميراث الجدة السدس من النبي ﷺ
- 55 الجدة السدس إذا لم تكن دونها أم
- 56 أتي النبي ﷺ بفريضة فيها جد فأعطاه ثلثا أو سدسا
- 57 قضى رسول الله ﷺ بالدين قبل الوصية
- 58 إذا استهل المولود وُرِّث
- 59 لا يرث الصبي حتى يستهل صارخا
- 60 كل قسم قسم في الجاهلية فهو على ما قسم
- 61 أهل الإسلام لا يُسيّبون وأهل الجاهلية كانوا يُسِيبون
- 62 ما ولدت أم عبد الرحمن ويعقوب مكاتب فهو للحرقي
- 63 تكتب إلي رسول الله أن أورث امرأة من دية زوجها
- 64 الأخت والأم والزوج والجد من سبعة وعشرين
- 65 عنوان الحديث: "تكلمي واعملي عملك"
- 66 فضل ثلاثة عشر وسقا بعد قضاء الدين
معلومات عن حديث: أهل الإسلام لا يُسيّبون وأهل الجاهلية كانوا يُسِيبون
📜 حديث: أهل الإسلام لا يُسيّبون وأهل الجاهلية كانوا يُسِيبون
نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: أهل الإسلام لا يُسيّبون وأهل الجاهلية كانوا يُسِيبون
تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: أهل الإسلام لا يُسيّبون وأهل الجاهلية كانوا يُسِيبون
تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: أهل الإسلام لا يُسيّبون وأهل الجاهلية كانوا يُسِيبون
شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.
قراءة القرآن الكريم
الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم
Wednesday, November 19, 2025
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب








