قال لزيد: أنت أخونا ومولانا

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فأقدم لكم شرحًا وافيًا لهذا الحديث النبوي الشريف الذي رواه البخاري في صحيحه، معتمدًا على كبار شراح الحديث من أهل السنة والجماعة.
أولاً: نص الحديث بسياقه:
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: اعتمر النبي ﷺ في ذي القعدة، فأبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام، فلما كتبوا الكتاب كتبوا: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله، فقالوا: لا نقر بها، فلو نعلم أنك رسول الله ما منعناك شيئًا، ولكن أنت محمد بن عبد الله، فقال: «أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله»، ثم قال لعلي: «امح رسول الله»، قال علي: لا والله لا أمحوك أبدًا، فأخذ رسول الله ﷺ الكتاب وليس يحسن يكتب، فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله، لا يدخل مكة السلاح إلا السيف في القراب، وأن لا يخرج من أهلها بأحد إن أراد أن يتبعه، وأن لا يمنع أحدًا من أصحابه أراد أن يقيم بها. فلما دخل ومضى الأجل أتوا عليًا فقالوا: قل لصاحبك فليخرج عنا فقد مضى الأجل، فخرج النبي ﷺ فتبعته ابنة حمزة تنادي: يا عم يا عم، فتناولها علي فأخذ بيدها وقال لفاطمة: دونك ابنة عمك فاحمليها، فاختصم فيها علي وزيد وجعفر، فقال علي: أنا أخذتها وهي ابنة عمي، وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها تحتي، وقال زيد: ابنة أخي، فقضى بها النبي ﷺ لخالتها وقال: «الخالة بمنزلة الأم» وقال لعلي: «أنت مني وأنا منك» وقال لجعفر: «أشبهتَ خَلْقي وخُلُقي» وقال لزيد: «أنت أخونا ومولانا».
ثانيًا: شرح المفردات:
● اعتمر: أدى عمرة.
● في ذي القعدة: الشهر الحادي عشر من السنة الهجرية.
● قاضاهم: صالحهم ووافقهم على شرط.
● القراب: الغمد الذي يوضع فيه السيف.
● تناولها: أمسكها وأخذها.
● دونك: خذيها أمامك.
● اختصم فيها: تنازعوا في كفالتها.
● خالتها تحتي: أي زوجة خالتها وهي أمامة بنت أبي العاص.
● قضى بها: حكم فيها.
● مولانا: صاحبنا ومن أعتقناه.
ثالثًا: شرح الحديث:
1- السياق التاريخي: وقعت هذه الحادثة في عمرة القضية (أو القضاء) سنة 7 هـ، والتي كانت بدلاً من عمرة الحديبية التي منع فيها المشركون النبي ﷺ وأصحابه من دخول مكة.
2- قصة ابنة حمزة: بعد خروج النبي ﷺ من مكة بعد انتهاء مدة الصلح، تبعته ابنة عمه حمزة بن عبد المطلب (وهي أمامة بنت حمزة) وكانت صغيرة، فنادته "يا عم يا عم" طالبة الحماية والكفالة.
3- الاختصام في كفالتها: تنازع ثلاثة من كبار الصحابة في كفالة هذه الطفلة:
● علي بن أبي طالب: بحق القرابة، فهي ابنة عمه.
● جعفر بن أبي طالب: بحق القرابة أيضًا (فهي ابنة عمه) وبأن خالتها (أي أخت أمها) تحت كفالته وهي زوجته.
● زيد بن حارثة: بحق الولاء، فقد كان حمزة أخاه في الإسلام.
4- حكم النبي ﷺ: قضى النبي ﷺ بأن تكون البنت عند جعفر، معللاً ذلك بأن "الخالة بمنزلة الأم"، وذلك لأن رعاية الخالة للطفلة تكون أقرب إلى رعاية الأم، خاصة في الشفقة والتربية.
5- كلمات النبي ﷺ للصحابة: لم يرد أن يخيب أحدًا منهم، فوجه لكل منهم كلمة طيبة تشرح صدره:
● لعلي: "أنت مني وأنا منك" وهي منقبة عظيمة لعلي تدل على قربه من النبي ﷺ واتصاله به.
● لجعفر: "أشبهتَ خَلْقي وخُلُقي" похвала عظيمة لشبهه بالنبي ﷺ في الهيئة والسلوك.
● لزيد: "أنت أخونا ومولانا" تأكيد على مكانته في الإسلام حيث كان النبي ﷺ قد تبناه قبل البعثة ثم أصبح أخًا في الله بعدها.
رابعًا: الدروس المستفادة:
1- العدل في القضاء: بيان عدل النبي ﷺ وحكمته في فض النزاعات بما فيه مصلحة الطفلة.
2- مكانة الخالة: تأكيد مكانة الخالة في الإسلام وأنها بمنزلة الأم في الشفقة والرعاية، مما يدل على أهمية صلة الرحم.
3- التأليف ومراعاة المشاعر: النبي ﷺ لم يرد أن يحزن أحد من أصحابه، فخاطب كلًا بما يسرّه ويعوضه عن عدم حصوله على الكفالة.
4- فضل الصحابة: الحديث يظهر فضل هؤلاء الصحابة وحرصهم على الخير وكفالة اليتيم.
5- أهمية كفالة اليتيم: حرص الصحابة على كفالة الطفلة اليتيمة يدل على فضل هذه الشعيرة في الإسلام.
6- أدب التنازع: أدب الصحابة في اختصامهم حيث قدموا حججهم بهدوء واحتكموا إلى النبي ﷺ.
خامسًا: معلومات إضافية:
- ابنة حمزة هذه هي أمامة بنت حمزة، وقد تزوجها سلمة بن أبي سلمة بن عبد الأسود المخزومي.
- هذا الحديث من الأحاديث التي تستخدم في الاستدلال على أن الخالة تُعطى أحكام الأم في