من تطوف بالبيت وبين الصفا والمروة فقد حل

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإن حديث الربيع بن سبرة عن أبيه رضي الله عنهما من الأحاديث العظيمة التي تبين سماحة الإسلام ويسره، وتوضح جانباً من أحكام المناسك. وإليك الشرح الوافي لهذا الحديث:
### أولاً. ترجمة الراوي وسياق الحديث
● الربيع بن سبرة الجهني: تابعي ثقة، روى عن أبيه صحبة.
● أبوه سبرة بن معبد الجهني: صحابي جليل، شهد حجة الوداع مع النبي صلى الله عليه وسلم.
● سياق الحديث: حدث هذا في حجة الوداع سنة 10 هـ، عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في طريقهم إلى مكة، وكانوا قد أحرموا بالحج مفردين أو قارنين.
### ثانياً. شرح المفردات
● بعسفان: مكان معروف بين مكة والمدينة، يبعد عن مكة حوالي 80 كم.
● سُراقة بن مالك المدلجي: صحابي جليل، كان من أشراف قبيلة كنانة، وأسلم قبل الفتح.
● اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم: أي بين لنا أحكام ديننا بياناً شافياً، كمن لا علم لهم سابق به، فكأنهم ولدوا اليوم ولم يعرفوا شيئاً من قبل.
● أدخل عليكم في حجكم هذا عمرة: أي جعل الله لكم أن تجمعوا بين الحج والعمرة في سفر واحد.
● من تطوف بالبيت وبين الصفا والمروة: أي من طاف طواف القدوم (طواف العمرة) وسعى بين الصفا والمروة.
● فقد حل: أي حل له كل ما حرم عليه بالإحرام، من لبس الثياب والطيب وغيرها.
● إلا من كان معه هدي: أي إلا من كان قارناً بين الحج والعمرة وساق الهدي، فإنه يبقى على إحرامه حتى يحل بعد رمي جمرة العقبة يوم النحر.
### ثالثاً. شرح الحديث
يخبر الصحابي الجليل سبرة بن معبد رضي الله عنه أنه كان في ركب النبي صلى الله عليه وسلم متوجهاً إلى مكة لأداء حجة الوداع. فلما وصلوا إلى عسفان، قام سراقة بن مالك رضي الله وسلم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم سؤالاً دالاً على حرصه على الفهم الصحيح لأحكام الدين، طالباً من النبي أن يبين لهم الأحكام بياناً واضحاً شاملاً، كأنهم قوم ولدوا اليوم ولا علم لهم سابق بالمناسك.
فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله تعالى قد منَّ عليهم ويسر لهم، فجعل لهم أن يجمعوا بين الحج والعمرة في هذه السنة (وهي حجة الوداع)، ثم بين صلى الله عليه وسلم أن من طاف طواف العمرة (طواف القدوم) وسعى بين الصفا والمروة، فقد حل له كل ما حرم عليه بالإحرام، وأصبح حلالاً كالمتمتع، إلا من كان قد ساق الهدي معه (أي القارن بين الحج والعمرة)، فإنه يبقى على إحرامه حتى يتحلل بعد رمي جمرة العقرة ونحر هديه يوم النحر.
### رابعاً. الدروس المستفادة والفقه في الحديث
1- بيان صورة التمتع في الحج: حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح لأصحابه الذين أحرموا بالحج مفردين أن يتحولوا إلى عمرة ويتمتعوا بها إلى الحج، وذلك بأن يطوفوا ويسعوا ثم يحلوا من إحرامهم، وهذا هو تمتع القران.
2- فضل الله ويسر الشريعة: حيث يدل الحديث على يسر الإسلام وسماحته، ورفع الحرج عن الأمة، وتيسير الله لهم بأن جمع لهم بين الحج والعمرة في سفر واحد.
3- حرص الصحابة على التعلم: حيث إن سؤال سراقة بن مالك يدل على حرص الصحابة رضي الله عنهم على فهم دينهم والفقه في أحكامه.
4- استثناء القارن الذي معه الهدي: فإنه لا يحل بعد الطواف والسعي، بل يبقى على إحرامه حتى يتحلل يوم النحر، وهذا من محظورات الإحرام التي تختص بمن ساق الهدي.
5- مشروعية السؤال عما أشكل: وفيه بيان أهمية السؤال لأهل العلم، والحرص على الفهم الصحيح لأحكام الدين.
6- أن طواف القدوم وسعي الحج يكفيان للعمرة: لمن أراد أن يتمتع، وهذا من التيسير على الناس.

---

خامساً:

فوائد إضافية
- هذا الحديث أصل في باب تمتع القران، وهو أن يجمع بين الحج والعمرة في سفر واحد.
- فيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على تعليم أصحابه وبيان الأحكام لهم.
- يستفاد منه أن الإنسان إذا أشكل عليه أمر في دينه، فعليه أن يسأل أهل العلم والاختصاص.
- الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه، وأبو داود والنسائي وغيرهم، وهو حديث صحيح ثابت.
أسأل الله تعالى أن يفقهنا في الدين، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وينفعنا بما علمنا، ويجعلنا من المهتدين المستفيدين من هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.