لا تَسْأَل النَّاسَ شَيْئًا

حديث: لا تَسْأَل النَّاسَ شَيْئًا

عن ثوبان، قال: قال رسول الله ﷺ: «مَنْ يَتَقَبَّلُ لِي بِوَاحِدَةٍ وَأَتَقَبَّلُ لَهُ بِالجَنَّةِ؟». قُلْتُ: أَنَا. قَالَ: «لا تَسْأَل النَّاسَ شَيْئًا».
قال: فَكَانَ ثَوْبَانُ يَقَعُ سَوْطُهُ وَهُوَ رَاكِبٌ فَلا يَقُولُ لأَحَدٍ: نَاوِلْنِيهِ حَتَّى يَنْزِلَ فَيَأْخُذَهُ.

صحيح: رواه أبو داود (١٦٤٣)، والنسائي (٢٥٩١)، وابن ماجة (١٨٣٧) -واللّفظ له- من حديث ابن أبي ذئب، حَدَّثَنِي محمد بن قيس، عن عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية، عن ثوبان، فذكر الحديث.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، حياكم الله و بياكم أيها السائل الكريم، ونسأل الله أن يوفقنا جميعاً لفهم سنة نبيه والعمل بها.
الحديث الشريف:
عن الصحابي الجليل ثوبان مولى رسول الله ﷺ قال: قال رسول الله ﷺ: «مَنْ يَتَقَبَّلُ لِي بِوَاحِدَةٍ وَأَتَقَبَّلُ لَهُ بِالجَنَّةِ؟». قُلْتُ: أَنَا. قَالَ: «لا تَسْأَل النَّاسَ شَيْئًا». قال: فَكَانَ ثَوْبَانُ يَقَعُ سَوْطُهُ وَهُوَ رَاكِبٌ فَلا يَقُولُ لأَحَدٍ: نَاوِلْنِيهِ حَتَّى يَنْزِلَ فَيَأْخُذَهُ.
أخرجه الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه، وغيرهما.

1. شرح المفردات:

● يَتَقَبَّلُ لِي بِوَاحِدَةٍ: أي من يضمن لي (أو يتعهد لي) بعمل واحد. والتقبل هنا بمعنى الضمان أو القبول والالتزام.
● وَأَتَقَبَّلُ لَهُ بِالجَنَّةِ: أي وأنا أضمن له الجنة مقابل ذلك.
● سَوْطُهُ: السوط هو العصا التي يُضرب بها الدابة لتسريع سيرها.
● يَقَعُ: يسقط.
● ناوِلْنِيهِ: أعطني إياه (أي السوط).

2. المعنى الإجمالي للحديث:
يبدأ الحديث بأن النبي ﷺ يعرض على أصحابه عرضاً عظيماً، فهو يسأل: من يلتزم منكم لي بعمل واحد (أي بشرط واحد) وأنا أضمن له الجنة في المقابل؟ فبادر الصحابي ثوبان رضي الله عنه قائلاً: أنا يا رسول الله. فكشف له النبي ﷺ أن هذا العمل هو: "لا تَسْأَل النَّاسَ شَيْئًا"، أي أن تتعود على عدم طلب أي شيء من الناس، وتعتمد على نفسك وتتوكل على الله في قضاء حوائجك.
ولم يكن هذا مجرد كلام يسمعه ثوبان وينساه، بل كان عهداً التزم به أشد الالتزام، حتى إنه لو سقط سوطه من يده وهو على ظهر دابته، لم يطلب من أحد أن يناوله إياه، بل كان ينزل بنفسه ليأخذه، حرصاً منه على الوفاء بعهده مع رسول الله ﷺ وطلباً للأجر العظيم وهو الجنة.

3. الدروس المستفادة والعبر:

1- عظم فضل الاستغناء عن الناس: يبين الحديث مكانة الاستغناء عن الناس وعدم سؤالهم، حتى جعله النبي ﷺ ثمناً للجنة، وهذا يدل على عظم شأن هذه الخصلة وكبير أجرها.
2- التوكل على الله والاعتماد عليه: نهي النبي ﷺ عن سؤال الناس ليس دعوة للكسل أو التقاعس عن السعي، بل هو دعوة لتعميق معنى التوكل على الله تعالى والثقة به، مع الأخذ بالأسباب. فالمسلم يسعى ويجتهد ويعمل، ولكن قلبه متوكل على الله وحده، لا على عطاء الناس ومنحهم.
3- تنمية العزة والكرامة: سؤال الناس унижает ويذهب بمروءة الإنسان وعزته. فالمسلم يعتز بدينه ولا يذل نفسه بسؤال الناس ما عندهم. قال ﷺ في حديث آخر: «اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا هي المنفقة، والسفلى هي السائلة».
4- الحرص على الوفاء بالعهد: لقد قدم ثوبان رضي الله عنه نموذجاً رائعاً في الوفاء بالعهد الذي قطعه على نفسه مع النبي ﷺ. فلم يتردد أو يتكاسل، بل طبقه في أصغر الأمور وأكبرها، وهذا من علامات صدق الإيمان.
5- حرص الصحابة على الخير: نرى في مبادرة ثوبان رضي اللهوله بقوله "أنا" دون تردد، حرص الصحابة رضوان الله عليهم على الخير ومسارعتهم إلى الطاعات، وثقتهم بوعد نبيهم ﷺ.
6- تربية النبي ﷺ لأصحابه: كان النبي ﷺ يربى أصحابه على مكارم الأخلاق والمعاني السامية بأسلوب عملي مؤثر، يعرض عليهم الأجر ثم يبين لهم العمل، مما يولد فيهم الحماس والرغبة في التطبيق.

4. معلومات إضافية مفيدة:

● ثوبان رضي الله عنه: هو مولى رسول الله ﷺ، وكان من أحب الناس إليه، وقد اشتراه النبي ﷺ وأعتقه، فلم يفارقه بعد ذلك. وكان شديد الحب للنبي ﷺ، حتى إنه إذا اشتاق إليه نظر إلى وجهه ﷺ فسكنت نفسه.
● هل النهي عن السؤال مطلق؟: النهي في الحديث عن سؤال الناس هو فيما يتعلق بطلب المال والمنافع الدنيوية على وجه الذل والمسكنة مع القدرة على الكسب والسعي. أما سؤال العلم، أو الاسترشاد عن الطريق، أو طلب المساعدة في أمر لا يقدر عليه المرء بمفرده، فكل ذلك جائز بل قد يكون مطلوباً. كما يستثنى من ذلك حال الضرورة القصوى والحاجة الملحة.
● الحديث يدل على جواز الأخذ بالرخص عند الحاجة: فعل ثوبان كان من باب الورع والاحتياط للخروج من خلاف العلماء في حكم سؤال الناس. لكن لو سأل الإنسان عند الحاجة فلا إثم عليه، لقوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}، ولقواعد الشريعة في أن المشقة تجلب التيسير.
نسأ

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه أبو داود (١٦٤٣)، والنسائي (٢٥٩١)، وابن ماجة (١٨٣٧) -واللّفظ له- من حديث ابن أبي ذئب، حَدَّثَنِي محمد بن قيس، عن عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية، عن ثوبان، فذكر الحديث.
وفي لفظ النسائيّ: «من يضمن لي واحدة وله الجنّة».
إِلَّا أن أبا داود رواه من وجه آخر عن شعبة، عن عاصم، عن أبي العالية، عن ثوبان، ولفظه: «من تكفّل لي أن لا يسأل الناس شيئًا، وأتكفّل له بالجنة». فقال ثوبان: أنا. فكان لا يسأل أحدًا شيئًا.
وإسناده صحيح، صحَّحه الحاكم (١/ ٤١٢) على شرط مسلم.
وأبو العالية هو رفيع -بالتصغير- ابن مهران الرياحيّ، ثقة إِلَّا أنه كان كثير الإرسال، ولكن تابعه عبد الرحمن بن يزيد كما مضى.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 311 من أصل 379 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: لا تَسْأَل النَّاسَ شَيْئًا

📜 حديث: لا تَسْأَل النَّاسَ شَيْئًا

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: لا تَسْأَل النَّاسَ شَيْئًا

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: لا تَسْأَل النَّاسَ شَيْئًا

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: لا تَسْأَل النَّاسَ شَيْئًا

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية