حديث: ما تقولون في القسامة

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب تبدئة أهل الدم في القسامة

عن أبي قلابة أن عمر بن عبد العزيز أبرز سريره يومًا للناس، ثمّ أذن لهم فدخلوا، فقال: ما تقولون في القسامة؟ قالوا: نقول: القسامة القود بها حق، وقد أقادت بها الخلفاء. قال لي: ما تقول يا أبا قلابة! ونصبني للناس. فقلت: يا أمير المؤمنين! عندك رؤوس الأجناد، وأشراف العرب، أرأيتَ لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل محصن بدمشق أنه قد زنى، لم يروه أكنت ترجمه؟ قال: لا.
قال الأعظمي: أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل بحمص أنه سرق أكنت تقطعه ولم يروه؟ قال: لا. قلت: فوالله ما قتل رسول الله ﷺ قطّ إِلَّا في إحدى ثلاث خصال: رجل قتل بجريرة نفسه فقُتل، أو رجلٌ زنى بعد إحصان، أو رجلٌ حارب اللهَ ورسولَه وارتدَّ عن الإسلام. فقال القوم: أو ليس قد حدث أنس بن مالك أن رسول الله ﷺ قطع في السرق وسمر الأعين، ثمّ نبذهم في الشّمس؟
فقلت: أنا أحدّثكم حديث أنس، حَدَّثَنِي أنس أن نفرا من عكل ثمانية قدموا على رسول الله ﷺ فبايعوه على الإسلام، فاستوخموا الأرض فسقمت أجسامُهم، فشكوا ذلك إلى رسول الله ﷺ قال: «أفلا تخرجون مع راعينا في إبله، فتصيبون من ألبانها وأبوالها؟» قالوا: بلى، فخرجوا فشربوا من ألبانها وأبوالها فصحوا، فقتلوا راعي رسول الله ﷺ، وأطردوا النعم، فبلغ ذلك رسول الله ﷺ فأرسل في آثارهم، فأُدْركوا فجيء بهم، فأمر بهم، فقطعت أيديهم وأرجلهم، وسمر أعينهم، ثمّ نبذهم في الشّمس حتَّى ماتوا. قلت: وأي شيء أشد مما صنع هؤلاء؟ ارتدوا عن الإسلام وقتلوا وسرقوا.
فقال عنبسة بن سعيد: والله إنْ سمعتُ كاليوم قطّ. فقلتُ أتردُّ عليَّ حديثي يا عنبسة؟ قال: لا، ولكن جئتَ بالحديث على وجهه، والله لا يزال هذا الجند بخير ما عاش هذا الشّيخ بين أظهرهم.
قال الأعظمي: وقد كان في هذا سنة من رسول الله ﷺ دخل عليه نفر من الأنصار فتحدثوا عنده، فخرج رجل منهم بين أيديهم فقُتل، فخرجوا بعده، فإذا هم بصاحبهم يتشحط في الدم، فرجعوا إلى رسول الله ﷺ فقالوا: يا رسول الله! صاحبنا كان تحدث معنا، فخرج بين أيدينا، فإذا نحن به يتشحط في الدم. فخرج رسول الله ﷺ فقال: «بمن تظنون أو ترون قتله؟» قالوا: نرى أن اليهود قتلته. فأرسل إلى اليهود فدعاهم، فقال: «آنتم قتلتم هذا؟». قالوا: لا. قال: «أترضون نفل خمسين من اليهود ما قتلوه». فقالوا: ما يبالون أن يقتلونا أجمعين ثمّ ينتفلون. قال: «أفتستحقون الدية بأيمان خمسين منكم». قالوا: ما كنا لنحلف فوداه من عنده.
قال الأعظمي: وقد كانت هذيل خلعوا خليعا لهم في الجاهليّة فطرق أهل بيت من اليمن بالبطحاء فانتبه له رجلٌ منهم فحذفه بالسيف فقتله، فجاءت هذيل فأخذوا اليماني فرفعوه إلى عمر بالموسم وقالوا: قتل صاحبنا. فقال: إنهم قد خلعوه. فقال: يقسم خمسون من هذيل ما خلعوه. قال فأقسم منهم تسعة وأربعون رجلًا، وقدم رجل منهم من الشام فسألوه أن يقسم فافتدى يمينه منهم بألف درهم، فأدخلوا مكانه رجلًا آخر، فدفعه إلى أخي المفتول فقُرنت يده بيده، قالوا: فانطلقا والخمسون الذين أقسموا حتَّى إذا كانوا بنخلة، أخذتهم السماء فدخلوا في غار في الجبل، فانهجم الغارُ على الخمسين الذين أقسموا فماتوا جميعًا، وأفلت القرينان واتبعهما حجر فكسر رجل أخي المقتول، فعاش حولا ثمّ مات.
قال الأعظمي: وقد كان عبد الملك بن مروان أقاد رجلًا بالقسامة ثمّ ندم بعد ما صنع، فأمر بالخمسين الذين أقسموا فمُحُوا من الديوان وسيَّرهم إلى الشام.

متفق عليه: رواه البخاريّ في الديات (٦٨٩٩) ومسلم في القسامة (١٠: ١٦٧١) كلاهما من طريق ابن علة، حَدَّثَنَا الحجاج بن أبي عثمان، حَدَّثَنِي أبو رجاء مولى أبي قلابة، عن أبي قلابة، فذكره.

عن أبي قلابة أن عمر بن عبد العزيز أبرز سريره يومًا للناس، ثمّ أذن لهم فدخلوا، فقال: ما تقولون في القسامة؟ قالوا: نقول: القسامة القود بها حق، وقد أقادت بها الخلفاء. قال لي: ما تقول يا أبا قلابة! ونصبني للناس. فقلت: يا أمير المؤمنين! عندك رؤوس الأجناد، وأشراف العرب، أرأيتَ لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل محصن بدمشق أنه قد زنى، لم يروه أكنت ترجمه؟ قال: لا.
قال الأعظمي: أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل بحمص أنه سرق أكنت تقطعه ولم يروه؟ قال: لا. قلت: فوالله ما قتل رسول الله ﷺ قطّ إِلَّا في إحدى ثلاث خصال: رجل قتل بجريرة نفسه فقُتل، أو رجلٌ زنى بعد إحصان، أو رجلٌ حارب اللهَ ورسولَه وارتدَّ عن الإسلام. فقال القوم: أو ليس قد حدث أنس بن مالك أن رسول الله ﷺ قطع في السرق وسمر الأعين، ثمّ نبذهم في الشّمس؟
فقلت: أنا أحدّثكم حديث أنس، حَدَّثَنِي أنس أن نفرا من عكل ثمانية قدموا على رسول الله ﷺ فبايعوه على الإسلام، فاستوخموا الأرض فسقمت أجسامُهم، فشكوا ذلك إلى رسول الله ﷺ قال: «أفلا تخرجون مع راعينا في إبله، فتصيبون من ألبانها وأبوالها؟» قالوا: بلى، فخرجوا فشربوا من ألبانها وأبوالها فصحوا، فقتلوا راعي رسول الله ﷺ، وأطردوا النعم، فبلغ ذلك رسول الله ﷺ فأرسل في آثارهم، فأُدْركوا فجيء بهم، فأمر بهم، فقطعت أيديهم وأرجلهم، وسمر أعينهم، ثمّ نبذهم في الشّمس حتَّى ماتوا. قلت: وأي شيء أشد مما صنع هؤلاء؟ ارتدوا عن الإسلام وقتلوا وسرقوا.
فقال عنبسة بن سعيد: والله إنْ سمعتُ كاليوم قطّ. فقلتُ أتردُّ عليَّ حديثي يا عنبسة؟ قال: لا، ولكن جئتَ بالحديث على وجهه، والله لا يزال هذا الجند بخير ما عاش هذا الشّيخ بين أظهرهم.
قال الأعظمي: وقد كان في هذا سنة من رسول الله ﷺ دخل عليه نفر من الأنصار فتحدثوا عنده، فخرج رجل منهم بين أيديهم فقُتل، فخرجوا بعده، فإذا هم بصاحبهم يتشحط في الدم، فرجعوا إلى رسول الله ﷺ فقالوا: يا رسول الله! صاحبنا كان تحدث معنا، فخرج بين أيدينا، فإذا نحن به يتشحط في الدم. فخرج رسول الله ﷺ فقال: «بمن تظنون أو ترون قتله؟» قالوا: نرى أن اليهود قتلته. فأرسل إلى اليهود فدعاهم، فقال: «آنتم قتلتم هذا؟». قالوا: لا. قال: «أترضون نفل خمسين من اليهود ما قتلوه». فقالوا: ما يبالون أن يقتلونا أجمعين ثمّ ينتفلون. قال: «أفتستحقون الدية بأيمان خمسين منكم». قالوا: ما كنا لنحلف فوداه من عنده.
قال الأعظمي: وقد كانت هذيل خلعوا خليعا لهم في الجاهليّة فطرق أهل بيت من اليمن بالبطحاء فانتبه له رجلٌ منهم فحذفه بالسيف فقتله، فجاءت هذيل فأخذوا اليماني فرفعوه إلى عمر بالموسم وقالوا: قتل صاحبنا. فقال: إنهم قد خلعوه. فقال: يقسم خمسون من هذيل ما خلعوه. قال فأقسم منهم تسعة وأربعون رجلًا، وقدم رجل منهم من الشام فسألوه أن يقسم فافتدى يمينه منهم بألف درهم، فأدخلوا مكانه رجلًا آخر، فدفعه إلى أخي المفتول فقُرنت يده بيده، قالوا: فانطلقا والخمسون الذين أقسموا حتَّى إذا كانوا بنخلة، أخذتهم السماء فدخلوا في غار في الجبل، فانهجم الغارُ على الخمسين الذين أقسموا فماتوا جميعًا، وأفلت القرينان واتبعهما حجر فكسر رجل أخي المقتول، فعاش حولا ثمّ مات.
قال الأعظمي: وقد كان عبد الملك بن مروان أقاد رجلًا بالقسامة ثمّ ندم بعد ما صنع، فأمر بالخمسين الذين أقسموا فمُحُوا من الديوان وسيَّرهم إلى الشام.

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإن هذا الحديث العظيم الذي رواه أبو قلابة عن عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - يحوي فوائد جليلة ودروسًا عظيمة في باب القسامة والعقوبات الشرعية، وسأشرحه لكم جزءًا جزءًا معتمدًا على كلام أهل العلم المعتبرين.

أولاً. شرح المفردات:


● أبرز سريره: أي أظهر منصة جلوسه أو مجلسه للناس.
● القسامة: هي أيمان يُحلفها أولياء الدم على اتّهامهم لقوم معينين بالقتل، عند عدم وجود بينة كافية.
● القود: القصاص في القتل.
● أرأيت: استفهام للتقدير والتفكر.
● محصن: أي متزوج أو ممن يحرم عليه الزنا لحدِّ الرجم.
● سمر الأعين: غرز المسامير في أعينهم.
● نبذهم في الشمس: تركهم تحت أشعة الشمس.
● يتشحط في الدم: يتقلب فيه.
● الخليع: الخارج على قومه أو المجرم المعروف.
● الموسم: موسم الحج.

ثانيًا. شرح الحديث:


يحكي أبو قلابة أن الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز - الذي كان من خيار الأمراء وعلماء الأمة - جمع الناس للاستشارة في مسألة "القسامة"، وهي مسألة فقهية دقيقة. فأجابه بعض الحاضرين بأن القسامة حق وقد عمل بها الخلفاء قبله. ثم سأل أبا قلابة - وهو من كبار التابعين الثقات - فأنكر أبو قلابة العمل بالقسامة إذا لم تقترن ببينة أو إقرار، واستدل بأن النبي ﷺ لم يقتل إلا في ثلاث حالات:
1. القاتل الذي يُقتل قصاصًا.
2. الزاني المحصن.
3. المحارب المرتد.
ثم ذكر القصة التي استشهد بها بعض الحاضرين عن قطع الأيدي وسمر الأعين، فأوضح أبو قلابة أن تلك العقوبة الشديدة كانت لأن أولئك القوم ارتدوا عن الإسلام بعد إظهاره، وقتلوا الراعي وسرقوا الإبل، فجمعوا بين الردة والقتل والسرقة، فكان عقابهم خاصًا بهذه الجرائم الكبيرة.
ثم ذكر قصة القسامة في عهد النبي ﷺ مع اليهود، حيث رفض ﷺ أن يحكم بالقسامة ولم يقبل إلا بالبينة أو الإقرار، وفضل أن يدفع الدية من عنده حفظًا للدماء ودرءًا للشبهات.
وأخيرًا ذكر قصة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مع هذيل، حيث حلف تسعة وأربعون رجلاً كذبًا في القسامة، فأنزل الله بهم عقوبة في الدنيا بهلاكهم في الغار، تأكيدًا على خطورة الحلف الكاذب في الدماء.

ثالثًا. الدروس المستفادة:


1- وجوب التثبت في إقامة الحدود: فلا تُقام إلا ببينة واضحة أو إقرار صريح، لقول النبي ﷺ: "ادرؤوا الحدود بالشبهات".
2- خطورة القسامة بدون بينة: لأنها تعتمد على الأيمان التي قد تكون كاذبة، فيؤدي ذلك إلى إهدار الدماء بغير حق.
3- حكمة الشرع في حفظ الدماء: فالشريعة جاءت لتحقيق العدل ودرء الظلم، وليس للإسراف في العقوبات.
4- عقوبة الكذب في الأيمان: كما في قصة هذيل، حيث أنزل الله عقابه بالحلفين الكاذبين.
5- فضل عمر بن عبد العزيز: حيث جمع العلماء واستشارهم، يظهر تواضعه وحرصه على اتباع الحق.

رابعًا. معلومات إضافية:


- القسامة مشروعة في الأصل عند جمهور العلماء، ولكن بشروط شديدة؛ منها أن يكون هناك لوث أو شبهة، وألا تكون هناك بينة واضحة.
- الحديث يدل على أن الردة والقتل والسرقة إذا اجتمعت قد توجب عقوبة أشد من العقوبات المفردة.
- قصة الغار وهلاك الكاذبين تدل على أن الله تعالى ينتقم للدماء حتى في الدنيا.
هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاريّ في الديات (٦٨٩٩) ومسلم في القسامة (١٠: ١٦٧١) كلاهما من طريق ابن علة، حَدَّثَنَا الحجاج بن أبي عثمان، حَدَّثَنِي أبو رجاء مولى أبي قلابة، عن أبي قلابة، فذكره. والسباق للبخاريّ. وأمّا مسلم فاختصره مقتصرًا على قصة العرنيين.
وطريق الجمع بين هذا الحديث والأحاديث التي قبلها يقال: حفظ بعضهم ما لم يحفظ الآخر، وتفصيله أنه طلب البينة أولا من المدعي وهم الأنصار، فلمّا لم تكن عندهم البينة عرض عليهم الأيمان فامتنعوا، فعرض عليهم تحليف اليهود فأبوا. فوداه رسول الله ﷺ من عنده من بيت المال. حتَّى لا يتعارض بعضه بعضًا، والقصة واحدة.
إِلَّا أن البخاريّ يذهب إلى أصل المسألة وهي أن البينة على المدعي، واليمين على من أنكر، ولذا أخرج في باب القسامة حديث سعيد بن عبيد عن بشير بن يسار وفيه: «تأتوا بالبينة أو فيحلفون» وكذلك في حديث عمر بن عبد العزيز، والجمهور على خلافه كما سيأتي من قول الخطّابي.

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 137 من أصل 140 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: ما تقولون في القسامة

  • 📜 حديث: ما تقولون في القسامة

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: ما تقولون في القسامة

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: ما تقولون في القسامة

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: ما تقولون في القسامة

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, November 19, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب