أم أسيد تبل التمر للنبي وتتخذه له سويقا

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أهلاً بك أيها السائل الكريم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا حديث عظيم من أحاديث السيرة النبوية، يحمل في طياته دروساً عظيمة في التواضع والكرم وحسن الضيافة، وسأشرحه لك جزءاً جزءاً مستعيناً بالله ثم بكتب أهل العلم المعتمدة.

---

الحديث بلفظ آخر أوضح:

قبل الشروع في الشرح، أجمل رواية للحديث هي ما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: "أَنَّ أَبَا أُسَيْدٍ السَّاعِدِيَّ دَعَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لِعُرْسِهِ، فَكَانَتْ امْرَأَتُهُ خَادِمَهُمْ يَوْمَئِذٍ، وَهِيَ الْعَرُوسُ، قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا أَنَأْقَتْ لَهُمْ؟ أَنْقَعَتْ تَمَرَاتٍ مِنَ اللَّيْلِ فِي تَوْرٍ".

---

1. شرح المفردات:

● عَرَّسَ: أي أقام وليمة العرس، أو بات في ليلة العرس. والعُرْس: هو الزفاف وكل ما يتعلق به من احتفال ووليمة.
● أبو أُسيد الساعدي: صحابي جليل من الأنصار من بني ساعدة.
● دعا النبي ﷺ وأصحابه: قدم لهم الدعوة لحضور وليمة عرسه.
● ما صنع لهم طعاماً ولا قرَّبه إلا امرأته: لم يُعِدّ الطعام بنفسه ولم يقدمه للضيوف سوى زوجته.
● أم أُسيد: هي زوجة أبي أسيد، وهي العروس نفسها.
● بَلَّتْ تَمَرَاتٍ: نقعت التمر في الماء ليصير شراباً (يشبه النبيذ الحلال أو ما يسمى "النقيع").
● فِي تَوْرٍ مِنْ حَجَارَة: التَّوْر: إناء صغير من حجر، أي جفنة أو وعاء حجري.
● مِنَ اللَّيْل: فعلت ذلك من الليل استعداداً للضيافة.
● لَمَّا فَرَغَ النَّبِيَّ ﷺ مِنَ الطَّعَام: عندما انتهى النبي صلى الله عليه وسلم من الأكل.
● أمَاثَتْهُ لَهُ: صبّت الشراب من الوعاء الحجري في إناء آخر ليتناوله النبي صلى الله عليه وسلم بطريقة أرقى، أو هيأته له.
● فَسَقَتْهُ: سقته إياه، أي قدمته له ليشرب.
● تُتْحِفُهُ بِذَلِكَ: أي أهدته هذه الخدمة والشراب كتحفة وهدية تكريماً له.

---

2. شرح الحديث:

يصور لنا هذا المشهد المؤثر بساطة الحياة في عهد النبي ﷺ وتواضع الجميع، من النبي الكريم إلى أصحابه. فها هو أبو أسيد، وهو من الأنصار الأكرمين، يقيم وليمة عرسه، وبدلاً من أن يذبح ذبائح أو يعد طعاماً فاخراً، كل ما قدمه لضيفه النبي ﷺ وأصحابه هو شراب منقوع من التمر (نقيع التمر) أعدّته زوجته العروس بيديها في إناء حجري بسيط.
والعجيب أن العروس نفسها (أم أسيد) هي التي تخدم الضيوف، وهذا من تواضعها وكرم أخلاقها، حيث لم تستحِ من خدمة ضيوف زوجها في يوم عرسها، بل رأت في ذلك شرفاً عظيماً.
ثم إنها لم تكتف بذلك، بل عندما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الطعام، قامت بتصفية الشراب أو تحضيره بشكل أفضل (إماثته) ثم قدمته له كهدية خاصة تكريماً له، وهذا من أدبها وحسن ضيافتها.

---

3. الدروس المستفادة منه:

1- التواضع خلق الأنبياء والصالحين: فالنبي ﷺ قَبِل الدعوة وحضر وليمة بسيطة جداً، ولم يستنكف من ذلك، بل شاركهم أفراحهم.
2- الكرم ليس بكثرة الطعام، ولكن بحسن الاستقبال والبذل مما تيسر: فأبو أسيد وأمه قدما ما يستطيعان، وكانا مكرمين لضيفهما غاية الإكرام.
3- المرأة المسلمة شريكة في الخير والضيافة: فأم أسيد قامت بدورها خير قيام، ولم تتردد في خدمة ضيوف زوجها، وهذا من تعاون الزوجين على البر والتقوى.
4- إكرام الضيف وخاصة العلماء والدعاة: فتقديم التحف والهدايا للضيف من سنن الضيافة، كما فعلت أم أسيد مع النبي ﷺ.
5- البساطة في الحياة وعدم التكلف: فالوليمة كانت بسيطة جداً، ولكنها كانت ممزوجة بالإخلاص والمحبة، فقبلها النبي ﷺ وقدرها.
6- جواز إنفاق المرأة في ضيافة زوجها بدون إذنه إذا كان ذلك في المعروف: فقد قامت أم أسيد بتحضير الطعام والشراب من غير أن يستشيرها زوجها، لأن ذلك من الأمور المعتادة التي يرضى بها الزوج.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث أخرجه الإمام البخاري في صحيحه (باب قيام المرأة على الرجل في العرس وخدمته)، وهو من الأحاديث الصحيحة المتعلقة بالآداب والضيافة.
- "نقيع التمر" كان من المشروبات المعتادة عند العرب، وهو حلال ولا يسكر، لأنه مجرد تمر منقوع في الماء.
- قصة أم أسيد تذكرنا بقصة أم سليم التي قدمت للنبي ﷺ السمن والتمر في إناء عندما زارها، مما يدل على أن النساء الصحابيات كن قد