قائمة السور | مواضيع القرآن الكريم مرتبة حسب الآيات :آيات القرآن الكريم مقسمة حسب كل موضوع و فئة | لقراءة سورة كاملة اختر من : فهرس القرآن | - للاستماع للقراء : القرآن الكريم mp3
آيات قرآنية عن خصائص في القرآن الكريم
✅ مواضيع القرآن الكريم
﴿ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 2]
على خلاف كتُب البشر التي تُستفتَح بالاعتذار إلى القرَّاء والاعتراف بالتقصير، افتَتح الله السورةَ بإعلانٍ صريح أنَّ هذا الكتابَ العظيم حقٌّ كلُّه، لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه. ما أرفعَ شأنَ القرآن، وما أبعدَه عن أن تنالَ منه شبُهات المشكِّكين! فيا أيها المؤمنُ انهض بقلبك وعقلك إليه، ويا أيها المرتابُ لن تَعدُوَ شبهاتُك القاعَ الذي أنت فيه! إنه الكتابُ الوحيد الذي تقرؤه وأنت مطمئنٌّ تمام الاطمئنان، وموقنٌ كمال اليقين، بصدق كلِّ حرفٍ فيه. فاجعله صاحبَك في ليلك ونهارك. كلَّما اتَّقى العبد ربَّه ارتقى في مدارج الهدى والصلاح، ولا يزال في مزيدِ هدايةٍ ما دام في مزيدٍ من الورع والتقوى، فاتَّقِ تَرتَقِ! التقوى تفتح مغاليقَ القلوب وتهيِّئها لتلقِّي أنوار الكتاب، فتحيا بالقرآن وتستجيبُ لأمره. فما أسعدَ المتَّقين! في تخصيص الهدى بالمتَّقين رفعٌ لقَدرهم، وتنويهٌ بفضلهم، فنالوا بتقواهم الجزاء مضاعفًا؛ اهتداءً بالقرآن، وثناءً من الجليل الديَّان. |
﴿ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ ﴾ [البقرة: 3]
ليس الفضل والمزيَّة في الإيمان بما تشاهده بعينيك فحسبُ، ولكن في الإيمان بما لا تُدركه حواسُّك ممَّا أخبر به الوحيُ. ألا ترى أن المتَّقين قد مُدحوا بإقامة الصلاة لا بمجرَّد أدائها؟ إن في إقامتها معنى المحافظة عليها، والوفاء بحقوقها. فيا أيها المؤمنُ، صلاتُك صِلتُك بربِّك، فأحسن الصِّلة! لو استحضرنا فضلَ الله علينا وعظيمَ بِرِّه بنا وجميلَ إحسانه إلينا، لكان ذلك دافعًا لنا إلى البِرِّ بعباده الضعفاء، والإحسان إلى المحتاجين والفقراء. مَن أيقن بالخلَف من الله الرزَّاق جادت نفسُه بالبذل والعطاء، فلا تبخل بما آتاك، وأنفِق يُنفَق عليك. شيوع النفقة في المجتمع المسلم يجعل الحياةَ مجالَ تعاونٍ وتراحُم، لا مُعترَكَ تطاحُنٍ وتزاحُم، ويُشعر العاجزين والضعفاء أنهم يعيشون بين قلوبٍ ونفوس، لا بين أنيابٍ ومخالب! أيها المؤمن، لا يطلُب الله تعالى منك أن تتصدَّق بكلِّ ما رزقك، بل يدعوك إلى أن تنفقَ ممَّا وهبك، فلا تبخل بالإنفاق في مَحابِّ مَن أعطاك. |
﴿وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ وَبِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ ﴾ [البقرة: 4]
لا يكون متَّقيًا ولا مهتديًا مَن لم يكن منقادًا لكلام الله تعالى؛ مصدِّقًا موقنًا، فاللهم اجعلنا من أهل الإيمان والاتِّباع. أحقُّ ما تعتزُّ به أيها المسلمُ هدى الله تعالى، فإن الأزمانَ تتقلَّب والأيَّام، وهو ثابتٌ كالنجم الهادي في دَياجير الظلام. ما أنزل الله كتبَه من السماء على رسُله الكرام إلا للإيمان بها، والعمل بأحكامها، وقد نُسخَت جميعًا بالقرآن العظيم، المنزَل على رسولنا الكريم ﷺ، فما أحرانا أن نستمسكَ به؛ علمًا وعملًا، تلاوةً وتدبُّرًا! لم يخلقنا الله عبثًا ولن يتركَنا سدًى، فمَن آمن بيوم الجزاء الذي يتحقَّق فيه وعدُ الله ووعيده، اطمأنَّ قلبه، واجتهد في عبادته وطلبِ رضاه. حينما علم المتَّقون الخبرَ الصادق عن اليوم الآخر في القرآن أيقَنوا به يقينًا كاملًا تامًّا ليقينهم بالقرآن حقَّ اليقين. أرأيت إلى هؤلاء المتَّقين، إن يقينهم باليوم الآخر ليتجدَّد بتجدُّد الأيام، فيزداد رسوخًا في قلوبهم، وتشرق آثارُه في أعمالهم. ليستِ التقوى ادِّعاءً يُدَّعى، ولكنَّها إيمانٌ وعمل صالح في السرِّ والعلن، وإحسانٌ في عبادة الله، وإحسانٌ إلى عباد الله. |
﴿أُوْلَٰٓئِكَ عَلَىٰ هُدٗى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ﴾ [البقرة: 5]
أعظِم به من هدًى يناله المؤمنون المتَّقون! وكيف لا يكون كذلك وهو عطاءُ الجواد الكريم، وفضلُ المنَّان العظيم؟ وعدُ الله عبدَه المؤمنَ بالنجاح في الدنيا والفلاح في الآخرة يملأ قلبَه باليقين، ألا تشعرُ بالطُّمَأنينة تغشى روحَك وأنت تعلم عاقبةَ إيمانك؟ كيف لا يتمكَّن من الهدى ويثبُت عليه ويستعلي فيه مَن جمع صلاحَ الباطن بالإيمان، وصلاحَ الظاهر بلزوم الصالحات؟ لا يبلغ الإنسانُ رتبة الفلاح، حتى يعظُمَ حظُّه من الإيمان والصلاح. |
﴿وَإِن كُنتُمۡ فِي رَيۡبٖ مِّمَّا نَزَّلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّن مِّثۡلِهِۦ وَٱدۡعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ﴾ [البقرة: 23]
يا له من تحدٍّ للبشر جميعًا في كلِّ عصرٍ ومِصر! ألا فاعقِدوا ما شئتم من مؤتمرات، وادعُوا من استطعتم من ذوي القدُرات، إنكم لن تأتوا بسورةٍ من مثل هذا القرآن، ولا بضع آيات. تيقَّن أن الشكوك مهما طال أمدُها، واشتدَّ عودُها، فإن نور الحقِّ سيبدِّد ظلامها، ويمحق كِيانها؛ ﴿بل نقذِفُ بالحقِّ على الباطلِ فيدمَغُه فإذا هو زاهِق﴾ . عبوديَّتك أشرفُ أوصافك، وقد آثر نبيُّك ﷺ العبوديةَ لله تعالى على المُلك العظيم، فأضافه الله إليه؛ تشريفًا لقدره، ورفعًا لذِكره. |
﴿فَإِن لَّمۡ تَفۡعَلُواْ وَلَن تَفۡعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُۖ أُعِدَّتۡ لِلۡكَٰفِرِينَ ﴾ [البقرة: 24]
القرآن حجَّةٌ قائمة باقية، لا يزداد الإعجاز فيه مع الأيام إلا ظهورًا، فمَن صدَّق به فقد جعل بينه وبين عذاب الله سُتورًا، ومَن جحد به فقد جعل من نفسه للنار وَقودًا! أعظِم بها من نارٍ توقَد بأجساد المرَقة الفاجرين، وبحجارة الأصنام التي كانوا عليها عاكفين! إنه مصيرُ العابد والمعبود بالباطل؛ ﴿إنَّكم وما تعبُدونَ من دونِ الله حَصَبُ جهنَّم أنتم لها وارِدون﴾ . |
﴿قُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ مِنۡهَا جَمِيعٗاۖ فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدٗى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ ﴾ [البقرة: 38]
ليس ثَمَّة طريقٌ ثالث؛ إمَّا سبيلُ خالقك الرحمن، وإمَّا سبُل عدوِّك الشيطان، فيا أيها المستخلَفُ في هذه الأرض أيَّ الطريقين تختار؟ |
﴿وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ ﴾ [البقرة: 39]
صُحبة النار هي صُحبة عذابٍ وشقاء، وهوانٍ وعناء، نعوذ بالله تعالى منها وممَّا قرَّب إليها من قولٍ أو عمل. |
﴿وَلَمَّا جَآءَهُمۡ كِتَٰبٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٞ لِّمَا مَعَهُمۡ وَكَانُواْ مِن قَبۡلُ يَسۡتَفۡتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِۦۚ فَلَعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ ﴾ [البقرة: 89]
كان كفرهم لمجرَّد العِناد الناتج عن الحسَد لا الجهل، وإن الحسد أبلغُ في الذمِّ من الجهل؛ لأن الجاهل قد يُعذَر بجهله. أقبِح به من مصيرٍ لكلِّ مستكبِر معاند! إنه الطرد والإبعاد عن رحمة الله، فإلى أين يسير الملعون، وإلى أيِّ عاقبةٍ ينتهي؟! ما أكثرَ مَن يدَّعي اتباعَ النبيِّ ﷺ ونصرتَه؛ وما إن يخالف هديُه هواه حتى تراه قد انقلب على عقبَيه وكان أوَّلَ كافرٍ به! |
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ ءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ نُؤۡمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا وَيَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَآءَهُۥ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَهُمۡۗ قُلۡ فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ ﴾ [البقرة: 91]
كلُّ من فرَّق الحقَّ فآمن ببعضه وكفر ببعضه، فإنه لا ينفعه إيمانُه بما آمن به حتى يؤمنَ بالحقِّ جميعًا. علامة الصِّدق في اتِّباع الحقِّ المسارعةُ إلى قَبوله والأخذ به، فإن الحكمة ضالَّة المؤمن أينما وجدها انتفع بها. إنهم أنبياء الله العليم الحكيم، أرسلهم هدًى ورحمةً للعالمين، وحسبُهم هذا من تشريفٍ لهم وتكريم، ومَن كان كذلك فحقُّه أن يُعظَّم ويُنصَر، لا أن يُهانَ ويُقتَل! |
﴿قُلۡ مَن كَانَ عَدُوّٗا لِّـجِبۡرِيلَ فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَهُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ ﴾ [البقرة: 97]
لم يترك اليهود وليًّا لله ذا شأن إلَّا عادَوه وآذَوه، حتى ملائكةُ الله، جعلوا خيرَهم عدوًّا لهم! جاهرت يهودُ ببغض جبريلَ سيِّد ملائكة الله تعالى، ورسوله إلى الأنبياء والمرسلين، وهل يكره الروحَ الأمين إلَّا مذمومٌ مدحور؟! لن ينتفعَ أحدٌ بالقرآن حتى يُسمِعَه قلبَه، فإنما نزل القرآن على القلوب ليُصلحَها، لا على الآذان ليُطربَها. القرآن الكريم هو حُجَّة الله الظاهرةُ على صدق كتُب الأنبياء من قبله، ولن يُفلحَ أتباعُهم اليوم بإقامة الحجَّة القاطعة على صدقها إلا من طريقه. |
﴿مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ وَلَا ٱلۡمُشۡرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيۡكُم مِّنۡ خَيۡرٖ مِّن رَّبِّكُمۡۚ وَٱللَّهُ يَخۡتَصُّ بِرَحۡمَتِهِۦ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ ﴾ [البقرة: 105]
لا تخدعَنَّك المظاهر وتغرَّك الكلمات، فتُحسنَ الظنَّ بمَن يحادُّ الله ورسوله، قد كشف الله لك ما في نفوسهم فاحذَرهم. ها قد علمنا ما يُكنُّه الكفَّار للمؤمنين من عداوة وبغضاء، ألا فلنجتهد في مخالفتهم، وترك التشبُّه بهم، فما أفلح مَن احتذى حذوَ أعدائه، ولو في أكله وشُربه. فيه تنبيهٌ على ما أنعم الله به على المؤمنين من الشرع التامِّ الذي شرَعه لهم، وتذكيرٌ للحاسدين بما ينبغي أن يكونَ زاجرًا لهم؛ لأنه سبحانه هو المتفضِّل على عباده، فلا ينبغي لأحدٍ أن يحسدَ أحدًا على خير أعطاه الله إيَّاه. |
﴿۞ مَا نَنسَخۡ مِنۡ ءَايَةٍ أَوۡ نُنسِهَا نَأۡتِ بِخَيۡرٖ مِّنۡهَآ أَوۡ مِثۡلِهَآۗ أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 106]
كن على يقينٍ بأن لله تعالى في كلِّ ما يشرَعه ويقضيه حِكمًا ومصالح، فآمن به، وتوكَّل عليه، وفوِّض الأمرَ إليه. |
﴿كَمَآ أَرۡسَلۡنَا فِيكُمۡ رَسُولٗا مِّنكُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِنَا وَيُزَكِّيكُمۡ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمۡ تَكُونُواْ تَعۡلَمُونَ ﴾ [البقرة: 151]
بتلاوة القرآن تؤدَّى العبادات، ويُستفاد العلم ومجامع الأخلاق الحميدة، وبه تحصُل كلُّ خيرات الدنيا والآخرة. من حكمة بعث الله تعالى للرسُل أنه يطهِّر بهم أرواحَ الناس من دنَس الجاهليَّة، ورِجس التصوُّرات، ولُوثة الشهَوات. رفع الجهل عن الناس، وتعليمُهم الكتابَ والسنَّة، وظيفةُ خيار الخلق. تفرَّع عن تعليم النبيِّ ﷺ أمَّتَه علومٌ كثيرة شَمِلَت أحكامَ الدنيا وأحوالَ الآخرة، فضلًا عن الأحكام الشرعيَّة. |
﴿شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ وَلِتُكۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185]
القرآن مشكاةُ أنوار العباد، ومَشرقُ الهداية والرَّشاد، فما أجملَ سطوعَه على الأنام، في شهر الصيام والقيام! خصَّ الله رمضانَ بنزول القرآن الكريم فيه، ومن توفيق الله لك أن تُقبلَ على القرآن في هذا الشهر المبارك؛ تلاوةً وتدبُّرًا، وتجتهدَ فيه ما لا تجتهد في غيره. إنها القاعدة الكبرى في تكاليف هذا الدِّين، فهو ميسَّرٌ لا حرَجَ فيه، وتعاليمه تجعل المؤمن سَمحًا في شتَّى شؤون الحياة، وتطبع نفسَه بطابَعٍ لا تكلُّفَ فيه ولا تعقيد. حريٌّ بكلِّ مسلم أن يستشعرَ قيمةَ الهُدى الذي يسَّره الله له في رمضان، إذ وفَّقَه للاجتهاد في الطاعات، والتباعُد عن المعاصي والمنكرات، فليكبِّر الله وليشكُره على تلك المِنَح الجليلة. |
﴿نَزَّلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَأَنزَلَ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ ﴾ [آل عمران: 3]
كتاب الله تعالى عدلٌ في أحكامه، صدقٌ في أخباره، واضحٌ في براهينه، مصدِّق لما في الكتب السابقة من حقٍّ. |
﴿مِن قَبۡلُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ ٱلۡفُرۡقَانَۗ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٞ ذُو ٱنتِقَامٍ ﴾ [آل عمران: 4]
أنزل الله الكتُب لتكونَ هُدًى للناس، فيا ضيعةَ من كان الهُدى بين يديه وهو حائرٌ لا يبصر طريقه، قلقٌ لا يعرف مآله! مَن استعصم بالقرآن ميَّز بين الحقِّ والباطل تمام التمييز، ومَن ابتعد عنه كان تخليطُه بمقدار ابتعاده. كلُّ مَن كفر بما أنزل الله من الحقِّ القويم، مستحقٌّ لعذاب الله الأليم، سواءٌ كفر به كلِّه أو كفر ببعضِه. كيف يتجرَّأ عبدٌ ضعيف على مخالفة أمر ربِّه ذي العزَّة والانتقام؟! |
﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ مِنۡهُ ءَايَٰتٞ مُّحۡكَمَٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلۡكِتَٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَٰبِهَٰتٞۖ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمۡ زَيۡغٞ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَٰبَهَ مِنۡهُ ٱبۡتِغَآءَ ٱلۡفِتۡنَةِ وَٱبۡتِغَآءَ تَأۡوِيلِهِۦۖ وَمَا يَعۡلَمُ تَأۡوِيلَهُۥٓ إِلَّا ٱللَّهُۗ وَٱلرَّٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَاۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ ﴾ [آل عمران: 7]
من الأدب في التعامل مع النصِّ الشرعيِّ أن يرُدَّ الناظر فيه المتشابهاتِ إلى المُحكَمات. جعل الله الآياتِ المحكماتِ كاشفةً للمتشابهات؛ ليظهرَ فضلُ العلماء في استنباطاتهم. الزائغون يتركون حقائقَ الكتاب القاطعةَ في آياته المُحكَمة، ويتذرَّعون إلى أهوائهم بالمتشابهات! الراسخ في العلم يردُّ بعض الكتاب إلى بعضِه، فيقضي بمُحكَمه على متشابهه، فينكشفُ له ما يخفى على غيره، أمَّا مَن لم يبلُغه علمه فإنه يؤمن به على مراد ربِّه. الآيات التي قد يَزيغ بها بعضُ المفتونين يزداد بها الراسخون في العلم إيمانًا؛ لأنهم موقنون بأن كتاب ربِّهم حقٌّ كلُّه لا ريبَ فيه. كلَّما ازداد المرءُ عقلًا ازداد بكلامِ الله تذكُّرًا، وكلَّما نقَص تذكُّرُه دلَّ ذلك على نقصان عقلِه. |
﴿أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ يُدۡعَوۡنَ إِلَىٰ كِتَٰبِ ٱللَّهِ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ وَهُم مُّعۡرِضُونَ ﴾ [آل عمران: 23]
إنما استحقَّ أهل الكتاب الذمَّ لإعراضهم عن حُكم القرآن الذي جاء مصدِّقًا لكتابهم، ومَن أعرض عن القرآن من هذه الأمَّة فهو أولى منهم في استحقاق الذمِّ. مَن أُوتيَ حظًّا من العلم فليتمسَّك به، وليُذعن لما فيه من حقٍّ، وما يدعو إليه من صدق، فإن تولَّى وأعرض كان مكذِّبًا بالعلم الذي عَلِمَه، جاحدًا بالحقِّ الذي بَلَغَه. |
﴿وَإِنَّ مِنۡهُمۡ لَفَرِيقٗا يَلۡوُۥنَ أَلۡسِنَتَهُم بِٱلۡكِتَٰبِ لِتَحۡسَبُوهُ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَمَا هُوَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ وَمَا هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 78]
مـن منهـج القـرآن الكريـم البعـدُ عـن التعميم في الأحكام على قومٍ اجترح الباطلَ فريقٌ منهم، وذلك عينُ العدل والإنصاف. ليــس كلُّ ما نُسِــب إلى الدين صحيـحَ النسبة، ولا كلُّ مَن تزيَّا بزِيِّ أهل العلم كان منهم، فكم من منتسبٍ إلى العلم متَّبعٌ هواه، مجترئٌ على ربِّه، والعلم منه بَراء. إذا رأيتَ مَن ينسُب إليك ما ليس منك فلا تعجَب؛ فإن هناك قومًا ينسُبون إلى الله ربِّهم ما لا ينبغي، ويفترون عليه ما يتنزه عنه سبحانه. من ضروب الافتراء على الله: التحريفُ والكذب، ونفيُ المعنى الحقِّ وإثباتُ المعنى الباطل، وتنزيلُ اللفظ الدالِّ على الحقِّ على المعنى الفاسد. |
﴿هَٰذَا بَيَانٞ لِّلنَّاسِ وَهُدٗى وَمَوۡعِظَةٞ لِّلۡمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 138]
عمَّ فضلُ الله بهذا البيان الناسَ أجمعين، واختصَّ بالاهتداء به عبادَه المتَّقين. الكلمة الهاديةُ لا يستقبلها إلا القلبُ المهيَّأ للهُدى، والعِظة البالغة لا ينتفع بها إلا القلبُ التقيُّ الذي يخفِق لها ويتحرَّك بها. |
﴿لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ بَعَثَ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164]
بعثةُ الرسول إحسانٌ إلى العالمين، ومنَّةٌ خاصَّة للمؤمنين؛ إذ أخرجهم الله بها من الظُّلمات إلى النور، وهداهم إلى الصِّراط المبين. من حكمة الله في إرسال الرسول إلى الناس من جنسهم، أن يرحمَهم ويعطفَ عليهم؛ فيألفونه ويحبُّونه، ويهتدون بهديه. تلاوة آيات الله على عباد الله من وظائف الرسُل التي امتنَّ الله بهم على عباده، ولا ينبغي للداعية أن يجرِّدَ دعوته ومواعظه منها. إن شئت أن تزكِّي نفسك فاتبع أوامر النبي ﷺ، فإن من اتبعه ارتقى وتزكَّى، ومَن عصاه هوى وغَوى. لا حياةَ للناس ولا طُمَأنينةَ دون نبيٍّ يعلِّقهم بربِّهم، ويخرجهم من ضلالهم، ويهديهم للحقِّ. |
﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَٰفٗا كَثِيرٗا ﴾ [النساء: 82]
لعلَّ في الحديث عن تدبُّر القرآن عَقِبَ وصفِ أعتى الأمراض وهو النفاق، تنبيهًا على أن مَن كان النفاق داءَه كان التدبُّر دواءَه. تدبُّر كتاب الله يصلُ بالعبد إلى درجة اليقين بأنه كلام الله؛ فإنك ترى الحِكَم والقَصَص والأخبارَ تُعاد في القرآن وتتكرَّر، وهي كلُّها متوافقة لا ينقضُ بعضُها بعضًا. لا يخلو كتابٌ بشريٌّ من عيبٍ ونقص، وكتبُ النقد بذلك شاهدة، فأين هي من وحي الله الذي لا تنقضي عجائبُ إعجازه وإحكامه؟! |
﴿قُلۡ يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَسۡتُمۡ عَلَىٰ شَيۡءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡۗ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرٗا مِّنۡهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ طُغۡيَٰنٗا وَكُفۡرٗاۖ فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ ﴾ [المائدة: 68]
التديُّن الصحيحُ هو القائم على الانقياد لنصوص الدين والعملِ بها، وبيانِها بلا مداهنةٍ ولا مصانعة، وإلا فهو دعوى بلا فحوى. التسليم الكاملُ لنصوص الحقِّ يقتضي الاستجابةَ لها وإن خالفتِ الآراء، ولم تحقِّق مطالبَ الأهواء، فالحسد والبغيُ إن وقفا عائقَين عن قَبول الحقيقةِ فقد دلَّا على أن تديُّن صاحبهما مَظهَر لا مَخبَر. مَن أعرضَ عن الهدى وقد جاءه، وحارب داعيَه وناوأه، فليس حقيقًا بالحزن عليه، والأسفِ على سوء المصير الذي يؤول إليه. |
﴿وَلَوۡ نَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ كِتَٰبٗا فِي قِرۡطَاسٖ فَلَمَسُوهُ بِأَيۡدِيهِمۡ لَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ ﴾ [الأنعام: 7]
إن الحُجـجَ القاطعـة، والبراهــينَ الساطعة، وإن بلغتِ الغايةَ في الاتضاح، والنهايةَ في الخير والصلاح، فليست بمُغنيةٍ شيئًا عند مَن لا يريدُها ولا يرغبُ في الإفادة منها. شأن المحجوج المغلوب أن يتعلَّقَ بالمعاذير الكاذبة والحِجاج الواهية، ليسترَ بها سوأةَ مكابرته، وفضيحةَ الغلَبة عليه. |
﴿وَمِنۡهُم مَّن يَسۡتَمِعُ إِلَيۡكَۖ وَجَعَلۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ أَكِنَّةً أَن يَفۡقَهُوهُ وَفِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرٗاۚ وَإِن يَرَوۡاْ كُلَّ ءَايَةٖ لَّا يُؤۡمِنُواْ بِهَاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوكَ يُجَٰدِلُونَكَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ ﴾ [الأنعام: 25]
لا أشدَّ من موتِ القلب، فإذا ما خُتم على القلب ومات، صَمَّت الآذانُ عن سماع صوت الحقِّ، وعَمِيَت العيونُ عن إبصار الآيات، فلا تصلُ إليه بعد ذلك حياةٌ. العِـبرة في الاستجـابة للحقِّ لا في مجرَّد استماعه؛ فأنَّى ينفُذ الحقُّ إلى قلبٍ قد أُغلقت منافذُه، وسُدَّت مسالكُه؟! |
﴿وَهُمۡ يَنۡهَوۡنَ عَنۡهُ وَيَنۡـَٔوۡنَ عَنۡهُۖ وَإِن يُهۡلِكُونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ ﴾ [الأنعام: 26]
يعـرف أعـداءُ القـرآن تأثـيرَ القرآن في النفوس؛ إذ إنه قد يملكُ بروعته وعظمَته على الإنسان قلبَهُ؛ فلذلك نأوا بأنفسهم عن سماعه، ونهَوا الناسَ عن استماعه. أيظنُّ كارهُ الحقِّ والصادُّ عنه أنه بذلك قد أضرَّ بالقرآن؟! إن الحقيقة التي لم يفقهها أنه إنما ضرَّ نفسَه باستمراره على الضلال والإضلال. |
﴿وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُواْ يَٰلَيۡتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِـَٔايَٰتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ﴾ [الأنعام: 27]
أيُّ صورةٍ سيكون عليها أهلُ النار وهم موقوفون عليها؟ لقد تسابقَت إليهم ظلماتُ الهوان والانكسار فكسَتهم الذلَّ والحزَن. للعـاقل الحيِّ فُسحـةٌ من الوقت للاعتبار بمَن مضى؛ بألا يفعلَ أفعالهم، حتى لا يَرِدَ مواردَهم. |
﴿بَلۡ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخۡفُونَ مِن قَبۡلُۖ وَلَوۡ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنۡهُ وَإِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ ﴾ [الأنعام: 28]
في اليوم الآخر يُكشَف ما في الضمائر، ويُعلَن خفيُّ السرائر، فيبدو للكافرين كفرُهم، ومِصداقُ ما أخبرَت به رسلُهم، فمَن كان لبيبًا عاقلا، لم يكن عن ذلك اليوم غافلا. إذا خالطَ داءُ الكذب شَغافَ القلوب، وتغلغلَ فيها الكفرُ بعلَّام الغيوب؛ فإن أصحابَ تلك القلوب ستبقى على حالها ولو رأت مشاهدَ من يوم القيامة، ورُدَّت بعدها إلى الدنيا. |
﴿أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۖ فَبِهُدَىٰهُمُ ٱقۡتَدِهۡۗ قُل لَّآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًاۖ إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرَىٰ لِلۡعَٰلَمِينَ ﴾ [الأنعام: 90]
مَن رامَ اتِّباعَ هدى الله فليتَّبع مَن هداه الله. تعفَّف أيها الداعي عمَّا في أيدي الناس إن أحببتَ أن يُلقُوا بأسماعهم إليك، فإن عفَّتَك أَمارةٌ على صدقك وإخلاصك. هذا دينُ الله تعالى، ويجب تبليغُه للبشرية جميعها، فلا يختصُّ به قومٌ ولا جنس، ولا قريبٌ ولا بعيد. لئن كان القرآنُ منزلًا للثقَلَين، إن بركتَه عائدةٌ على العالَم كلِّه إن قام به المكلَّفون. |
﴿وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦٓ إِذۡ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٖ مِّن شَيۡءٖۗ قُلۡ مَنۡ أَنزَلَ ٱلۡكِتَٰبَ ٱلَّذِي جَآءَ بِهِۦ مُوسَىٰ نُورٗا وَهُدٗى لِّلنَّاسِۖ تَجۡعَلُونَهُۥ قَرَاطِيسَ تُبۡدُونَهَا وَتُخۡفُونَ كَثِيرٗاۖ وَعُلِّمۡتُم مَّا لَمۡ تَعۡلَمُوٓاْ أَنتُمۡ وَلَآ ءَابَآؤُكُمۡۖ قُلِ ٱللَّهُۖ ثُمَّ ذَرۡهُمۡ فِي خَوۡضِهِمۡ يَلۡعَبُونَ ﴾ [الأنعام: 91]
مَن جحدَ رسالاتِ اللهِ فما عرَف ربَّه حقَّ معرفته، ولا عظَّمه حقَّ تعظيمه، ولا نزَّهَه عمَّا لا يليقُ به. كلُّ آيـةٍ تؤمـن بها وتعمـل بما فيهـا فهي تعظيمٌ منك لربِّك، وعلامةٌ على قَدر الله تعالى في قلبِك. الجهل قد يبلُغ بصاحبِه إلى إنكار الحقائق، والكذبِ على الخالق، فيُغضِبُ عليه ربَّه، ويُضحِكُ عليه أبناءَ جنسِه. القرآن مصدرٌ عظيمٌ في الردِّ على شبُهاتِ المبطِلين، ومعرفةِ أساليب مناظرةِ الضالِّين الملحِدين. إذا غلبَ الهـوى العقـلَ وغلبَـت الشهوة القلبَ قادا إلى جحود الحقِّ وردِّه، وتحريفِه والعبَثِ بمعانيه. |
﴿وَهَٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ مُبَارَكٞ مُّصَدِّقُ ٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلۡقُرَىٰ وَمَنۡ حَوۡلَهَاۚ وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۖ وَهُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ يُحَافِظُونَ ﴾ [الأنعام: 92]
على مِقـدار منزلة الله في نفسـك يكون حالك مع كتابه، فأعظِم بكتابٍ منزَّلٍ من لدُنْ خالقِك العظيم! فما أجدرَه بالقراءة والعمل، والإجلالِ والتكريم! مَن تدبَّر القرآنَ وعمل به فما أكثرَ ما يجدُ من بركاتِه وفوائده على قلبه وعقلِه، وجسدِه ورُوحه! القرآن أصدقُ مَن يخبِر عن الكتب السابقة، فلا يستطيع أحدٌ أن يقيمَ حُجَّةً ناصعةً على ما فيها بعد هذه الحِقَبِ الزمنيَّة إلا من طريقِ القرآن. بيئة الداعيةِ هي أُولى وِجهاتِ دعوته، ومنها ينطلق إلى ما بعدها في تبليغِ رسالته، فالأقربون أولى بالمعروف. مَن أقرَّ بالآخرة مؤمنًا بها خافَ عاقبتَها، فبحث عن سبيل نجاته فيها، ولن يجدَ أحسنَ من كتاب ربِّه، فإن صدقَ في إقراره فسيؤمن بهذا الكتاب ويتَّبع ما فيه. لله ما أشرفَ قدرَ الصلاة، وما أشدَّ خطرَها! إنها لتُقرَنُ هنا بالإيمان، في حين تُسمَّى بالإيمان حينًا آخر. الإيمان بالآخرة وبما جاء في القرآن يَهدي إلى المحافظة على أعمالِ الشريعة، وأهمُّها الصلاة. |
﴿أَفَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَبۡتَغِي حَكَمٗا وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكِتَٰبَ مُفَصَّلٗاۚ وَٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡلَمُونَ أَنَّهُۥ مُنَزَّلٞ مِّن رَّبِّكَ بِٱلۡحَقِّۖ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ ﴾ [الأنعام: 114]
ليس لأحدٍ مهما بلغَ عقلُه وأُحكِم رأيُه أن يتعدَّى حُكمَ الله ويتجاوزَه؛ لأنه لا حَكَمَ أعدلُ منه. لم يدَع الله أمورَ الدين من المسائل الغامضات، ولم يُحوِج عبادَه إلى غير الوحي ليحكِّموه فيما يَعرضُ لهم من مشكلات. ليس في الكتب كتابٌ مبيَّن ككتاب الله تعالى، ثم يأتي مَن يزعمُ أن له تأويلاتٍ باطنةً تخالف ظاهرَه، ومعانيَ غائبةً عن الأذهان، لا يدركها عقلُ إنسان! عَييَ المشركون عن حُجَّةٍ دامغةٍ يواجهون بها صدقَ القرآن، ولو كان لهم من ذلك شيءٌ لأظهروه، لكنَّ سكوتَهم وإقرارَ المستجيبين، من أوضحِ البراهين على صحَّةِ القرآن المبين. |
﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِۦۖ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ ﴾ [الأنعام: 117]
سبَق لله في الأزل علمُه بمَن يصلُح للهداية فهداه، ومَن يصلُح للغَواية فأغواه؛ بناءً على علمه وحكمته، فلا رادَّ لقضائه، ولا مُعقِّبَ لحُكمه. |
﴿وَهَٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ مُبَارَكٞ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ ﴾ [الأنعام: 155]
القرآن الكريم كثيرُ البركة في ألفاظه ومعانيه، وفي تدبُّره والتأمُّل فيه، وفي استماعه والعملِ به، وفي الاحتجاج به والتحاكُم إليه. هذا القرآن عظيمُ الشأن، فبِنُونِ التعظيم عبَّر عن إنزاله، وبوصفِ البركة أثنى على ثمراته وآثاره. اتِّباع القرآنِ صدقًا لا دعوى سببٌ من أسباب نيلِ رحمةِ الله، وعلى قدر اتِّباع الإنسانِ للقرآن، ينال من رحمة ربِّه الرحيم الرحمن. |
﴿أَوۡ تَقُولُواْ لَوۡ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا ٱلۡكِتَٰبُ لَكُنَّآ أَهۡدَىٰ مِنۡهُمۡۚ فَقَدۡ جَآءَكُم بَيِّنَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٞۚ فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَصَدَفَ عَنۡهَاۗ سَنَجۡزِي ٱلَّذِينَ يَصۡدِفُونَ عَنۡ ءَايَٰتِنَا سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصۡدِفُونَ ﴾ [الأنعام: 157]
لم يُبقِ القرآنُ لمَن ترك الاستهداءَ به عذرًا؛ فقد أبانَ السبيل، وأقام لدعوةِ الحقِّ كلَّ دليل. جُلُّ مقاصد القرآن في الدعوة إظهارُ البيِّنة والهداية، وسلوكُ سبيلِ الحكمة والرحمة، وهذه دعوةٌ لكلِّ داعٍ إلى الحقِّ أن تقومَ دعوتُه على هذه المقاصد الحسنة. كيف يكذِّب عاقلٌ آياتِ الله ويُعرِض عنها وهي تدعوه إلى الهُدى والرشاد، وتنقذُه من الشُّرور والفساد، فأيُّ ظلمٍ أعظمُ من هذا؟! يا لَبؤسِ مَن أعرض عن الحقِّ؛ إيثارًا للدنيا الفانية، وانصرفَ عن آيات الله إلى حظوظه العاجلة، فما أقربَ حالَه من حال المكذِّبين المعاندين، وما أشدَّ عذابَهم يوم الدين! |
﴿كِتَٰبٌ أُنزِلَ إِلَيۡكَ فَلَا يَكُن فِي صَدۡرِكَ حَرَجٞ مِّنۡهُ لِتُنذِرَ بِهِۦ وَذِكۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ ﴾ [الأعراف: 2]
القرآن العظيمُ كتابُ هدايةٍ ونور، وشفاءٍ لما في الصدور، فمَن كان مؤمنًا فلا ينبغي أن يشكَّ فيه، ولا يتحرَّجَ في إبلاغه والإنذارِ به. كان الناسُ قبل نزول القرآنِ في حرج وعمًى، فلمَّا نزل القرآنُ ذهب ذلك عمَّن آمن، ولكنَّه باقٍ لدى مَن لم يؤمن به، ولم يتَّبع ما جاء فيه. الإنذار والذكرى بالقرآن من غايات إنزاله؛ فالإنذار يُقبِلُ بالشاردين، والذكرى تنفع المؤمنين، حيث تذكِّرهم بالله وبدينه. |
﴿ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡ وَلَا تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَۗ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 3]
اتِّباع الكتاب يعود بالخير على مَن اتَّبعه؛ فهو منزَلٌ من الربِّ الذي شأنُه الإحسانُ إلى عباده بتربيتهم، وإمدادِهم بأسباب صلاح حياتهم. مَن لم يتَّبع وحيَ الرحمن، سيتَّبع وحيَ الشيطان، ولن يكونَ العبدُ وليًّا حتى يكونَ للوحي متَّبعًا. حقٌّ على مَن أنزل له ربُّه كتابَه الكريم، واختاره لهذا الأمر العظيم، وتفضَّل عليه بالخير العميم، أن يتذكَّر ربَّه، وأن يشكرَ خيرَه. |
﴿وَكَم مِّن قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَٰهَا فَجَآءَهَا بَأۡسُنَا بَيَٰتًا أَوۡ هُمۡ قَآئِلُونَ ﴾ [الأعراف: 4]
إن مصارعَ الغابرين خيرُ مذكِّرٍ وخيرُ منذر؛ يستصحبُها القرآنُ ويجعلُها مطارقَ مُوقِظةً للقلوب البشرية الغافلة. لا ينبغي لعاقلٍ أن يأمنَ صفوَ الليالي، ولا مواتاةَ الأيام، بل عليه أن يَلزمَ حصنَ الطاعة والحذر، ففي القرون الدوارس لمَن ادَّكرَ مُعتبَر. |
﴿فَمَا كَانَ دَعۡوَىٰهُمۡ إِذۡ جَآءَهُم بَأۡسُنَآ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ إِنَّا كُنَّا ظَٰلِمِينَ ﴾ [الأعراف: 5]
يا له من موقفٍ مخيف! ذلك الذي يكون أقصى المحاولةِ فيه الاعترافَ بالذَّنب؛ فإن الندمَ قد فات موعدُه، والتوبةَ قد انقطعت طريقُها بحلول العذاب. |
﴿وَإِذَا لَمۡ تَأۡتِهِم بِـَٔايَةٖ قَالُواْ لَوۡلَا ٱجۡتَبَيۡتَهَاۚ قُلۡ إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّ مِن رَّبِّيۚ هَٰذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمۡ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 203]
ما كانت الآياتُ لتتنزَّلَ وَفقَ الأهواء والاقتراحات؛ لأن من ينزِّلها عالمٌ بالهدى وبما يُصلح العباد، فما خالفَها مقترِحٌ إلا باينَ ذلك الهُدى. كم في القرآن من بصائرَ تُنير الأحلام، وتُصلِح الاعتقادات، وتهدي لأحسن المعاملات، وتَدلُّ على الخير، وتحذِّرُ من الشر! |
﴿وَإِذَا قُرِئَ ٱلۡقُرۡءَانُ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ ﴾ [الأعراف: 204]
إذا استمعَت النفسُ لقراءة القرآن بإنصات رُجيَ لها التأثُّر بما فيه من العِظات، فكانت أقربَ لنَيل رحمة الدنيا والآخرة. |
﴿وَإِذَا مَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٞ فَمِنۡهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمۡ زَادَتۡهُ هَٰذِهِۦٓ إِيمَٰنٗاۚ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَزَادَتۡهُمۡ إِيمَٰنٗا وَهُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ ﴾ [التوبة: 124]
ليس في حربِ مَن شاقَّ اللهَ ورسولَه رحمةٌ ولا رأفة، لكن من غير تمثيل ولا تنكيل، وإنما تكون الرحمة بهم في غير الحرب. لا بدَّ للمجاهدِ الذي يريدُ الظفرَ من حظٍّ وافرٍ من التقوى، فهي العَونُ في النصر على الأعداء. ليس كلُّ مَن سمِع الآياتِ ازدادَ إيمانًا، بل لا بُدَّ من الإقبالِ عليها، والإنصاتِ لها، والاهتمامِ بها. أهلُ الإيمانِ يستبشرون بنزولِ آيات القرآن، فيسمعون ما فيها من الأخبار والأحكام، والوعدِ والوعيد، فيزدادون إيمانًا إلى إيمانهم؛ إذ ليس الإيمانُ معرفةً جامدة، بل هو قولٌ وعمل يزيد ويَنقُص، وأعظم ما يزيده كتابُ الله تعالى. ينبغي للمؤمن أن يتفقَّدَ إيمانَه ويتعاهَدَه، فيُجَدِّدَه وينَمِّيَه، ليكونَ دائمًا في صُعودٍ، فالإيمانُ يَزيدُ ويَنقُصُ. |
﴿وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ فَزَادَتۡهُمۡ رِجۡسًا إِلَىٰ رِجۡسِهِمۡ وَمَاتُواْ وَهُمۡ كَٰفِرُونَ ﴾ [التوبة: 125]
القلوب تمرَضُ وتَشفى كالجسد، فأدواؤها الكفر والجهل وذميمُ الخِلال، وأدويتُها الإيمانُ والعلم وفضائلُ الخِصال. إذا انتكستِ القلوبُ انقلبَ تمييزُ الأمور فيها، فيصيرُ الخيرُ شرًّا، وسببُ الهداية سببًا للغَواية. الكفر بآيات الله تعالى، وعصيانُ رسوله ﷺ يُعقِب أصحابه هلاكًا وطَبعًا على قلوبهم؛ عقوبةً من الله تعالى لهم. |
﴿أَوَلَا يَرَوۡنَ أَنَّهُمۡ يُفۡتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٖ مَّرَّةً أَوۡ مَرَّتَيۡنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمۡ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [التوبة: 126]
ليَفزَع إلى التوبة مَن نزلت به إحدى الرزايا، فلعلَّه أُصيبَ بها لفعلِ بعض الخطايا. مَن أعرض عن القرآن واستهزأ بذِكره لم يكن من أهل الذِّكر، ولم تُحدث فيه الرزايا ذِكرًا ولا عِبرة. |
﴿وَإِذَا مَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٞ نَّظَرَ بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٍ هَلۡ يَرَىٰكُم مِّنۡ أَحَدٖ ثُمَّ ٱنصَرَفُواْۚ صَرَفَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَفۡقَهُونَ ﴾ [التوبة: 127]
المنافقُ يراقب الناسَ كما يراقب المؤمنُ ربَّه، فيَحضُر ليَربحَهم، ويَخنِس خُفيةً كي لا يخسرَهم. لا يستطيعُ المنافقون البقاءَ عند سماع القرآن، فقلوبُهم لا تقبلُه، وكشفُه لعَوارهم وإخراجُه لأسرارهم يَصرِفُهم عن الاستماع له. من أعرضَ عن الله تعالى أعرض الله عنه، ومن لم يَفقَه ما ينفعُه في آخرته لا يمكنُه الإقبالُ على سماع كتاب ربِّه، والانتفاع بخطابه. الفقيهُ كلُّ الفقيهِ مَن أقبلَ على القرآنِ سماعًا وأخذًا، وعِلمًا وعملًا. |
﴿الٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡحَكِيمِ ﴾ [يونس: 1]
القرآن الكريمُ مِشكاةُ الحُكمِ والحكمة، فاقتبِس من أحكامه ما تُنيرُ به طريقَك، ومن حِكَمه ما تُضيء به فهمَك. |
﴿وَمَا كَانَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ أَن يُفۡتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَٰكِن تَصۡدِيقَ ٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَتَفۡصِيلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَا رَيۡبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ﴾ [يونس: 37]
يُقال للمكذِّبين: دَعوا الظنونَ وفكِّروا: أيُعقَل أن يكونَ القرآن من عند غير الله، وقد جاء مصدِّقًا لما قبله من الكتب، ومفصِّلًا لشرع الله على ما يحبُّ ويرضى؟! من أعظم مصادر تربيةِ الله لعباده: أن أنزلَ عليهم كتابًا يُصلِحُ جميعَ أحوالهم، ويشتملُ على محاسن الأخلاق والأعمال. |
﴿أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّثۡلِهِۦ وَٱدۡعُواْ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ﴾ [يونس: 38]
تأمَّلْ في عظَمة هذا القرآن الذي تحدَّى به اللهُ الفصحاء والبُلغاء، ولو كانوا يَقدِرون على معارضته لنأَوا بأنفسهم عن كلِّ الحروب. |
﴿بَلۡ كَذَّبُواْ بِمَا لَمۡ يُحِيطُواْ بِعِلۡمِهِۦ وَلَمَّا يَأۡتِهِمۡ تَأۡوِيلُهُۥۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [يونس: 39]
أساءَ المشركون تصوُّرَ الحقيقة فكذَّبوا بها ووقفوا في طريقها، ومَن جهِل شيئًا عاداه. ويلٌ للمكذِّبين إذا نزل بهم ما كذَّبوا به، فهو العقابُ الذي يَبهَتُهم، والنَّكال الذي يَبغَتُهم. التكذيب للحقِّ نوعٌ من أنواع الظلم، وهو سببُ ما يُصيبُ العبادَ من سوء العواقب، والمكذِّبون داخلون في زُمرة الظالمين جُرمًا ووعيدًا. |
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَتۡكُم مَّوۡعِظَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَشِفَآءٞ لِّمَا فِي ٱلصُّدُورِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ ﴾ [يونس: 57]
أبلغ موعظةٍ وأوقعُها في النفوس كلام الله العظيم. وقد أُثر عن بعض السَّلف: (مَن لم يردَعه القرآنُ والموت، ثم تناطحَت الجبالُ بين يديه؛ لم يرتَدِع). جِماعُ أمراض القلب الشُّبُهات والشَّهَوات، والقرآنُ شفاءٌ لهما، ففيه من البيِّنات والبراهين القطعيَّة، والدَّلالة على المطالب العليَّة ما لم يتضمَّنه كتابٌ سواه، فهو الشفاء بالحقيقة. الهدى أجلُّ الوسائل، وبه يكون كمال العلم والعمل، والرحمة أكمل المقاصد، وبها يحصُل الخير والإحسان، فإن اجتمعا في مؤمن نال السعادةَ والفلاح. يرحمُ الله بالقرآن مَن آمن به، فيُنجيه من ظلمات الضلال إلى نور الإيمان، ويخلِّصُه من درَكات النيران إلى درجات الجِنان. |
﴿قُلۡ بِفَضۡلِ ٱللَّهِ وَبِرَحۡمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلۡيَفۡرَحُواْ هُوَ خَيۡرٞ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ ﴾ [يونس: 58]
الإيمان والقرآن فضلٌ ورحمةٌ لا يُقارَن بهما كلُّ ما يجمعه الناسُ من حُطام الدنيا، فليكن فرحُك بهما عظيمًا، فإنهما أعظمُ ما يُفرح به. لو ملكَ المؤمنُ ما في الدنيا من مالٍ وعَقارٍ، وأثاثٍ ومَراكبَ، فلا يَعدِلُ ذلك عنده نعيمَ القرآن وحلاوتَه. |
﴿الٓرۚ كِتَٰبٌ أُحۡكِمَتۡ ءَايَٰتُهُۥ ثُمَّ فُصِّلَتۡ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ [هود: 1]
ما من كلمةٍ في كتاب الله ولا إيماءةٍ فيه إلا وهي ذاتُ مغزى؛ قد أعجز الناسَ بمعانيه ومبانيه، وكيف لا، وهو كلامُ الحكيمِ الخبير. كتـابٌ أُحكمـت آيـاتُه، وسمَت بيناتُه، وائتلفت مبانيه، واتسقت معانيه، في الدَّلالة على حكمـة الحكيـم الذي أنـزلَه، وخبرةِ الخبير الذي تكلم به. |
﴿أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ فَأۡتُواْ بِعَشۡرِ سُوَرٖ مِّثۡلِهِۦ مُفۡتَرَيَٰتٖ وَٱدۡعُواْ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ﴾ [هود: 13]
لو اجتمع الشعراءُ والأدباء، والخطباءُ والعلماء، والفلاسفةُ والحكماء، على معارضة القرآن، واستعانوا بمَن أرادوا؛ لما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا. ما أكثرَ تُهمَ أهلِ الباطل للحقِّ وأهله! وما أبينَ افتقارَها إلى الأدلَّة التي تشهد لها! |
﴿الٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ ﴾ [يوسف: 1]
أعظِم ببيانِ القرآن بيانًا، وبآياته صدقًا وبرهانًا! فقد بيَّن للناس ما يجهلون، وعرَّفهم من قصص الأنبياء ما لا يعرفون. |
﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ قُرۡءَٰنًا عَرَبِيّٗا لَّعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ ﴾ [يوسف: 2]
من إنعام الله تعالى على عباده أن نزل القرآنُ الكريم بلسانٍ عربيٍّ مبين؛ لأن اللسان العربيَّ أكملُ الألسنة، وأحسنُها بيانًا للمعاني. |
﴿لَقَدۡ كَانَ فِي قَصَصِهِمۡ عِبۡرَةٞ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِۗ مَا كَانَ حَدِيثٗا يُفۡتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصۡدِيقَ ٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَتَفۡصِيلَ كُلِّ شَيۡءٖ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ ﴾ [يوسف: 111]
ليس مقصودُ قِصصِ القرآنِ أن تكونَ سَمَرا، بل المقصودُ بها أن تكونَ عِبَرا. ما ترك القرآنُ تفصيلًا يُزكِّي به المرءُ نفسَه، أو يستوجبُ به رحمةَ ربِّه، أو ينيرُ به طريقَه، إلا وذكَره أو دلَّ عليه. لا يستفيدُ من قِصصِ القرآن إلا أصحابُ العقول المستنيرة التي تعتبرُ بما جرى لمَن قبلها، فتسلكُ طريقَ الناجين، وتَحذرُ طريقَ الهالكين. |
﴿الٓمٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِۗ وَٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يُؤۡمِنُونَ ﴾ [الرعد: 1]
يا لَفخامةِ ما أُنزل! ويا لَجلال مَن أنزل! ويا لَشَرفِ مَن أُنزل عليه! مَن علمَ أن هذا الكتابَ مُنزلٌ من ربِّه سبحانه، وأن ما فيه هو الحقُّ؛ أقبلَ عليه واعتبرَ بآياته. لم يدرك معنى الحقِّ مَن ظنَّ أن معيارَه في كثرة الإقبال عليه، وازدحامِ سبيله بالسائرين إليه، فتركَ الحقَّ لقلةِ أهله، وبحثَ عن مكان الكثرة. |
﴿وَكَذَٰلِكَ أَنزَلۡنَٰهُ حُكۡمًا عَرَبِيّٗاۚ وَلَئِنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم بَعۡدَ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا وَاقٖ ﴾ [الرعد: 37]
جمعَ اللهُ تعالى في القرآن الكريم كمالَ المعنى فجعله حُكمًا، وجمالَ المبنى فأنزله عربيًّا مُبينًا، فأيُّ كتابٍ يبلغُ شأوَه؟! اتِّباعُ أهواءِ المشركين وتمويهاتِ المضلِّلين ممَّا نزل القرآنُ بالتحذير منه، لما له من أثرٍ في الصدِّ عن الحق. مَن أرادَ الظَّفرَ بوَلايةِ الله ومعيَّتِه فليدَع الأهواءَ، وليتبع وحيَ السماء. |
﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلٗا مِّن قَبۡلِكَ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَذُرِّيَّةٗۚ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأۡتِيَ بِـَٔايَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ لِكُلِّ أَجَلٖ كِتَابٞ ﴾ [الرعد: 38]
مَن شرَّفه اللهُ تعالى بوَلايته، ورفعةِ رُتبته لديه لا يقدَحُ فيما نالَه مباشرةُ أحكامِ البشرية من الأهل والولد. طلبُ الزهدِ بتركِ النكاح وأحوالِ العيش المباحة، والإعراضُ عما تدعو إليه الفطرة، ليس من سُنن الأنبياء، ولا هَديِ الأولياءِ الأتقياء. إنما الرسُل بشر، فما جاؤوا به من الآيات والحقائق، والمعجزات والخوارق، فهو من عند الله تعالى، والعاقل يتَّبع الحقَّ ولا يطلب من أحدٍ ما ليس له. |
﴿يَمۡحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثۡبِتُۖ وَعِندَهُۥٓ أُمُّ ٱلۡكِتَٰبِ ﴾ [الرعد: 39]
عن عمرَ بن الخطَّاب أنه قال، وهو يطوف بالبيت ويبكي: (اللهم إن كنتَ كتبتَ عليَّ شِقوةً أو ذنبًا فامحُه؛ فإنك تمحو ما تشاءُ وتُثبِت، وعندك أمُّ الكتاب، فاجعله سعادةً ومغفرة). |
﴿الٓرۚ كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ لِتُخۡرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِ رَبِّهِمۡ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ ﴾ [إبراهيم: 1]
القرآن الكريم كتابُ النور الذي أنقذ الحائرين في أمواج الظلمات، وأنار لهم طريقَ الهداية إلى ربِّ السماوات. طرق الجهلِ والكفر كثيرة، وطريقُ العلم والإيمان واحدة، فالحقُّ واحد والباطلُ متعدِّد. كيف لا يكون الصراطُ آمنًا، وإلى السعادةِ موصلًا، وقد تكفَّل ذو العزَّة والجلال به، وحمِدَ سالكيه، ووعدهم بحسنِ العاقبة؟ القـرآن كتـابُ الله العزيـز الحميـد، فأنَّى لشخصٍ أن يغلِبَ كتابَ العزيز بحُجَّة؟ وأنَّى لأحدٍ أن يَشقى إذا ما اتَّخذ كتابَ الحميد مَحَجَّة؟ |
﴿ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ وَوَيۡلٞ لِّلۡكَٰفِرِينَ مِنۡ عَذَابٖ شَدِيدٍ ﴾ [إبراهيم: 2]
هلَّا تأمَّلت في هذا الكون مظاهرَ عزَّة الله تعالى وقدرتِه وعظمَة ملكه؛ لتعلمَ أنه لا يُعجزُه من خالفَ أمرَه، وأنه يُحمدُ على فضلِه وجوده وإنعامِه. مَن بيدِه ملكوتُ السماواتِ والأرض، فله أن يحكمَ على عبادِه بما يشاء؛ يأمرُ فيُطاع، ويَنهى فيُسمعُ له، وليس لمخلوقٍ أن يخالفَه في أمره ونهيه. |
﴿الٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ وَقُرۡءَانٖ مُّبِينٖ ﴾ [الحجر: 1]
ما أبينَ ألفاظَ القرآنِ وأحسنَها وأوضحَها! فما حُجَّةُ مَن أعرض عنه؟ |
﴿وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَٰكَ سَبۡعٗا مِّنَ ٱلۡمَثَانِي وَٱلۡقُرۡءَانَ ٱلۡعَظِيمَ ﴾ [الحجر: 87]
كما أحسن اللهُ إلى نبيِّه وعوَّده جميلَ صنائعه، فإنه سيمتنُّ عليه، ويُنجز له جميلَ ما وعده. |
﴿وَإِذَا بَدَّلۡنَآ ءَايَةٗ مَّكَانَ ءَايَةٖ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوٓاْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفۡتَرِۭۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ ﴾ [النحل: 101]
المسلم الموقنُ بكمال علم الله وحكمته يُدركُ أن نسخَ الآية أو تبديلَها لا يصدُر إلا عن علم تامٍّ، وحكمة بالغة. الجاهل قد يطعَنُ فيما يجهلُه، ولكن لا عبرةَ عند ذوي العقول بطعنِ مَن لا علمَ له. |
﴿قُلۡ نَزَّلَهُۥ رُوحُ ٱلۡقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِٱلۡحَقِّ لِيُثَبِّتَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِينَ ﴾ [النحل: 102]
يا مَن ترجو الثبات، أقبِل على القرآن وتدبَّره، ولا سيَّما في زمن الفتن، تَنَل النجاة. |
﴿وَلَقَدۡ نَعۡلَمُ أَنَّهُمۡ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُۥ بَشَرٞۗ لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلۡحِدُونَ إِلَيۡهِ أَعۡجَمِيّٞ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيّٞ مُّبِينٌ ﴾ [النحل: 103]
محاولة إسقاط هيبة النَّصِّ القرآني في نفوس الناس قديمةٌ قِدمَ الرسالة، فكم مرَّ على التاريخ من أشباه هؤلاء، وبقيت مكانةُ القرآنِ في النفوس كما هي! كيف يمكن لدى العقلاء لأعجميٍّ أن يأتيَ بمثل كتابٍ عربيٍّ قد عجَز أربابُ الفصاحة والبلاغة والبيان عن معارضته؟! |
﴿إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَهۡدِي لِلَّتِي هِيَ أَقۡوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرٗا كَبِيرٗا ﴾ [الإسراء: 9]
من تدبَّر القرآن وعمل به سلمَ من الحَيدة عن الطريق الأقوم، فإن في القرآن حمايةً للعقول، ورعايةً للآداب، وعنايةً بجميل الطبائع والأخلاق. تأمَّل، فإن القرآن لا يهدي للطريق القويم فحسب، ولكنَّه يهدي إلى أقوم الطرق وأحسنها؛ لأنه يدلُّ على أعلى سبُل الاستقامة والكمال في كلِّ شيء. أعظِم بأجرٍ وعدَ الله به! فما ظنُّك بذلك الأجر وقد وصفه الله بالكبير؟! |
﴿وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمۡ إِلَّا نُفُورٗا ﴾ [الإسراء: 41]
كم في كتاب الله تعالى من دلائلَ على التوحيد! فقد أمر به ودعا إليه، ورغَّب فيه واحتجَّ له ودلَّل عليه، فلم يدَع في النفس منه شكًّا ولا ريبة، ثم تجد بعضَ الخلق ينفِر منه متمسِّكًا بعقيدته الباطلة. مَن صدَّ عن الحقِّ فلنقصٍ فيه، ولا يعيب الحقَّ ولا الدعاةَ الصادقين إليه إعراضُ المعرضين عنه؛ إذ لو طهُرت القلوب وزكت النفوس لأقبلت عليه. |
﴿وَإِذَا قَرَأۡتَ ٱلۡقُرۡءَانَ جَعَلۡنَا بَيۡنَكَ وَبَيۡنَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ حِجَابٗا مَّسۡتُورٗا ﴾ [الإسراء: 45]
أبعدُ الناس عن الانتفاع بالقرآن مَن لا يؤمن بالآخرة، فمَن لا يؤمن بالحساب، لا يُبالي بالصواب. |
﴿وَجَعَلۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ أَكِنَّةً أَن يَفۡقَهُوهُ وَفِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرٗاۚ وَإِذَا ذَكَرۡتَ رَبَّكَ فِي ٱلۡقُرۡءَانِ وَحۡدَهُۥ وَلَّوۡاْ عَلَىٰٓ أَدۡبَٰرِهِمۡ نُفُورٗا ﴾ [الإسراء: 46]
الحرمان كلُّ الحرمان أن تُحرمَ القلوب لذَّةَ المعرفة بكتاب الله وأُنسَ القرب منه، فاستعذ بالله أن يُختمَ على قلبك. على المسلم أن يجلوَ مرآةَ قلبه من كلِّ قَتَر، لتبدوَ دلائلُ الآيات عليها واضحة، فيَحصُل له الفهم والاعتبار. إذا أردتَّ اختبارَ إيمانك فانظر كيف قلبُك عند تلقِّي الآيات والحديثِ عنها، أتجد شوقًا لسماعها أم نفورًا؟ |
﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٞ وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ ٱلظَّٰلِمِينَ إِلَّا خَسَارٗا ﴾ [الإسراء: 82]
في القرآن شفاءٌ للقلوب والعقول من أمراض الشبُهات والشهَوات، والموفَّق من يداوم على تلاوته وتدبُّره، والاستشفاء بألفاظه ومعانيه، وما يدعو إليه ويحذِّر منه. القرآن شفاءٌ ورحمةٌ لأهله المصدِّقين له، العاملين به، أمَّا مَن لم يصدِّق بآياته، ولم يعمل بتوجيهاته، فلا يزيدُهم إلا خسارًا؛ إذ ما كلُّ مَن تلا القرآن أو استمع إليه شُفيَ به وانتفع. |
﴿قُل لَّئِنِ ٱجۡتَمَعَتِ ٱلۡإِنسُ وَٱلۡجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأۡتُواْ بِمِثۡلِ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لَا يَأۡتُونَ بِمِثۡلِهِۦ وَلَوۡ كَانَ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٖ ظَهِيرٗا ﴾ [الإسراء: 88]
كيف يقدِر مخلوقٌ ناقصٌ على معارضة كلام خالقه الكامل الذي يفنى المِداد والأقلام دون أن تفنى كلماتُه؟ فيا له من تحدٍّ طالت السِّنونَ ولم يقف له أحد! لا يقفُ إعجاز القرآن عن كونه باللفظ والمعنى فحسب، بل هو كذلك في منهجه وعلومه وبراهينه التي لا يمكن لأحدٍ من الخلق أن يأتيَ بمثل ما فيه من الإبداع والإعجاز. |
﴿وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٖ فَأَبَىٰٓ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ إِلَّا كُفُورٗا ﴾ [الإسراء: 89]
كم في كتاب الله تعالى من ألوانِ الإعجاز والفضائل، وتنوُّع الأمثلة والقصص والدلائل! ليس كلُّ مَن باينَ الإسلامَ وصَدَّ عنه كان لجهله بحقائقه، وقلَّة البصر بدلائله، بل هناك براهينُ وحُجَجٌ كثيرةٌ تشهد بصحَّة الإسلام، ولكن العَداء والاستكبار يحولان دون التسليم لها. |
﴿وَبِٱلۡحَقِّ أَنزَلۡنَٰهُ وَبِٱلۡحَقِّ نَزَلَۗ وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا مُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا ﴾ [الإسراء: 105]
بالحقِّ نزل القرآن من السماء، وبالحقِّ وصل إلى الناس عن خير الأنبياء، حتى قام عليه الصلاة والسلام بتبشير مَن أطاعه بالجنَّة، وإنذار مَن عصاه بالنار، فما أحسنَ ما نزل! وما أجملَ ما بلَّغ رسول الله وفعل! |
﴿وَيَخِرُّونَ لِلۡأَذۡقَانِ يَبۡكُونَ وَيَزِيدُهُمۡ خُشُوعٗا۩ ﴾ [الإسراء: 109]
مَن آمن بالقرآن نفع نفسَه، وبقدر إيمانه يكون انتفاعُه، ومَن كفر وأعرض فليس لله فيه حاجة، وليس بضارِّه شيئًا، وإنما ضرر ذلك على نفسه. تدبُّر القرآنِ يُثمرُ تسبيحَ الله تعالى وتنزيهَه عمَّا لا يليق به، واليقينَ باليوم الآخر، والتصديقَ بموعودات الله تعالى. قال عبد الأعلى التيميُّ رحمه الله: (مَن أوتيَ من العلم ما لا يُبكيه، لخَليقٌ ألا يكونَ أوتيَ علمًا ينفعه). من سِمات العلماء الربَّانيِّين دوامُ الخضوع لله تعالى، والتقرُّب إليه، والانطراح بين يديه، حتى إنهم ليمكِّنون وجوهَهم من الأرض من قوَّة الرغبة في السجود له. كم تزيد تلاوةُ القرآن المرءَ خشوعًا وإيمانًا! وما من أحدٍ بغنيٍّ عن هذا الخير الذي يزيده إيَّاه القرآن. |
﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ عَلَىٰ عَبۡدِهِ ٱلۡكِتَٰبَ وَلَمۡ يَجۡعَل لَّهُۥ عِوَجَاۜ ﴾ [الكهف: 1]
الحمدُ لله أوَّلًا وآخرًا، دائمًا وأبدًا، مَن علَّمنا كيف نحمَده على نعمه الجليَّة، ومِننه الخفيَّة، ومن أعظمها بركةً نعمةُ القرآن، المستقيم على الحقِّ المبين، المنزَّه عن أدنى مَيل للأباطيل. من تمام فضل الله تعالى على عباده أن أنزل عليهم كتابًا مبيِّنًا كريمًا، ومنهاجًا مُصلِحًا قويمًا، فأين المستمسكون بهَديه، العاملون بما فيه؟ إن إنذارًا بالبأس لجديرٌ بالاهتمام، فكيف ببأسٍ شديد من لَدُن القويِّ العزيز؟! لن تكونَ أيها المؤمن مؤمنًا حتى تقيمَ على إيمانك دليلًا ساطعًا، وبرهانًا صادقًا، بأنه لا يزالُ قولك صالحًا، وعملك مَرضيًّا. |
﴿قَيِّمٗا لِّيُنذِرَ بَأۡسٗا شَدِيدٗا مِّن لَّدُنۡهُ وَيُبَشِّرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرًا حَسَنٗا ﴾ [الكهف: 2]
الحمدُ لله أوَّلًا وآخرًا، دائمًا وأبدًا، مَن علَّمنا كيف نحمَده على نعمه الجليَّة، ومِننه الخفيَّة، ومن أعظمها بركةً نعمةُ القرآن، المستقيم على الحقِّ المبين، المنزَّه عن أدنى مَيل للأباطيل. من تمام فضل الله تعالى على عباده أن أنزل عليهم كتابًا مبيِّنًا كريمًا، ومنهاجًا مُصلِحًا قويمًا، فأين المستمسكون بهَديه، العاملون بما فيه؟ إن إنذارًا بالبأس لجديرٌ بالاهتمام، فكيف ببأسٍ شديد من لَدُن القويِّ العزيز؟! لن تكونَ أيها المؤمن مؤمنًا حتى تقيمَ على إيمانك دليلًا ساطعًا، وبرهانًا صادقًا، بأنه لا يزالُ قولك صالحًا، وعملك مَرضيًّا. |
﴿مَّٰكِثِينَ فِيهِ أَبَدٗا ﴾ [الكهف: 3]
دوام البُشرى أعظمُ وأرضى من البشرى نفسِها، والعاقل مَن عمل لنعيم الآخرة الدائم الثابت، ولم يخدَعه بريقُ الدنيا الزائلُ البائد. |
﴿وَيُنذِرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدٗا ﴾ [الكهف: 4]
حاشا لله أن يتَّخذَ ولدًا؛ فإنه سبحانه أحدٌ صمَد، لم يلد ولم يُولَد، فمَن أعظمَ على الله تعالى الافتراء، استحقَّ عليه شديدَ الجزاء. |
﴿مَّا لَهُم بِهِۦ مِنۡ عِلۡمٖ وَلَا لِأٓبَآئِهِمۡۚ كَبُرَتۡ كَلِمَةٗ تَخۡرُجُ مِنۡ أَفۡوَٰهِهِمۡۚ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبٗا ﴾ [الكهف: 5]
ليس حسنًا أن يقفوَ المرء ما ليس له به علمٌ من شؤون الدنيا، فكيف بمَن يقول على الله الكبير بغير علم ولا كتابٍ منير؟! تقليد الآباء بغير تعقُّل، وتردادُ مقولاتهم من غير تفكُّر، قد يُودي بالإنسان إلى أقبح الافتراء والخطَل، وأشنع الكذب والدجَل. |
﴿وَٱتۡلُ مَآ أُوحِيَ إِلَيۡكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِهِۦ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِۦ مُلۡتَحَدٗا ﴾ [الكهف: 27]
هذا القرآن كلامُ الله، وكلامه كلُّه صدقٌ وعدل لا يتغيَّر ولا يتبدَّل، فما أحرانا أن نُقبِلَ عليه تلاوةً وفهما، وتفقُّهًا وعلما! شرِّق أو غرِّب فإن مآلك إلى ربِّك، ولن تجدَ من دونه ملاذًا آمنا، ولا ملجأً مأمونا، ففِرَّ منه إليه، وأقبِل بعقلك وقلبك عليه، واسأله الهدايةَ وحُسنَ الختام. |
﴿وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٖۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَكۡثَرَ شَيۡءٖ جَدَلٗا ﴾ [الكهف: 54]
في القرآن من أنواع الأمثال الواضحات، وصنوفِ الحُجج البيِّنات، ما يوجب التسليمَ لأوامره، والانقيادَ بالطاعة لشرائعه، واجتنابَ المماحكة فيه والمنازعةَ بالباطل. اشتملت أمثالُ الفرقان على مواعظَ جليلة وزواجرَ عظيمة، ولكن أين القلوبُ العقولة لتنتفعَ بها؟ ﴿وتلك الأمثالُ نضربها للنَّاس وما يعقِلُها إلا العالِمون﴾ . كفكِف أيها الإنسان من شِرَّة غرورك، وطامِن من كبريائك وافتخارك؛ فما أنت إلا خَلقٌ من خلق الله، بيدَ أنك أكثرُه جدالًا، وأطوله مماراة. |
﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمۡرِ رَبِّكَۖ لَهُۥ مَا بَيۡنَ أَيۡدِينَا وَمَا خَلۡفَنَا وَمَا بَيۡنَ ذَٰلِكَۚ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّٗا ﴾ [مريم: 64]
الملائكة العظام -وفي مقدَّمهم جبريل- لا يتنزَّلون إلا بأمر الله، ولا يلقَون رسول الله إلا بأمر الله، فتعلَّم منهم كمال الطاعة. أيها المؤمن، اذكر ربَّك ولا تنسَه، فإنه لا ينساك في مصالحك، بل هو دائم الاطِّلاع على كلِّ أحوالك، يصرِّفها حسب حكمته، لا يكون شيء من ذلك إلا في الوقت الذي حدَّه له وأراده. |
﴿فَإِنَّمَا يَسَّرۡنَٰهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ ٱلۡمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِۦ قَوۡمٗا لُّدّٗا ﴾ [مريم: 97]
بشائرُ القرآن تدعو المؤمنَ إلى أن يجِدَّ في سيره إلى الله، كما أن إنذاراته تنبه كلَّ غافل ألا يقع في منحدرات الخطيئة السحيقة. |
﴿مَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لِتَشۡقَىٰٓ ﴾ [طه: 2]
قال قَتادة: (لا واللهِ ما جعله اللهُ شقيًّا، ولكن جعله رحمةً ونورًا، ودليلًا إلى الجنَّة). فمَن اتَّبعه واتَّبع النور الذي أنزل معه كان إلى الرحمة أقرب، ومن الشقاء أبعد. |
﴿إِلَّا تَذۡكِرَةٗ لِّمَن يَخۡشَىٰ ﴾ [طه: 3]
التوحيد مستقِرٌّ في الفطرة، والإسلامُ إحياء له وتذكير به وتنبيه إليه. إذا أردتَّ الانتفاعَ بالقرآن فكن من أهل الخَشية؛ لأنها طريق الاستفادة بمواعظ القرآن؛ فأهلُها على كتاب الله مقبلون، وبتذكيره منتفعون، وبما فيه عاملون. |
﴿تَنزِيلٗا مِّمَّنۡ خَلَقَ ٱلۡأَرۡضَ وَٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱلۡعُلَى ﴾ [طه: 4]
إن هذا الكتاب عظيم، وعظيمٌ مَن أنزله، ومَن أُنزل عليه، فيا مَن أُنزل لأجله القرآن هل تستحضر ما فيه من المهابة والروعة، فيدعوك ذلك إلى الإقبال عليه، والعمل بما فيه؟ |
﴿ٱلرَّحۡمَٰنُ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ ٱسۡتَوَىٰ ﴾ [طه: 5]
سبحان مَن عرشُه أعظم المخلوقات، ورحمته من أعظم الصفات! الذي وسع كلَّ شيء رحمة وعلمًا، وقهر كل شيء سلطانًا وحُكمًا! |
﴿وَكَذَٰلِكَ أَنزَلۡنَٰهُ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا وَصَرَّفۡنَا فِيهِ مِنَ ٱلۡوَعِيدِ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ أَوۡ يُحۡدِثُ لَهُمۡ ذِكۡرٗا ﴾ [طه: 113]
أيُّ لغةٍ تبلغ في فصاحتها وحلاوتها، وحسنها وجمالها، مبلغَ لغةٍ جعلها الله لغةَ كتابه العزيز؟ يقول أبو عليٍّ الجُذامي: (مَن لم يردعه القرآنُ والموت، فلو تناطحت الجبالُ بين يديه لم يرتدع). القرآنُ منبع التقوى، وموئل الذكرى، وأهله المتدبرون له، العاملون بما فيه أكثر الناس تقوى. |
﴿فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡحَقُّۗ وَلَا تَعۡجَلۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ مِن قَبۡلِ أَن يُقۡضَىٰٓ إِلَيۡكَ وَحۡيُهُۥۖ وَقُل رَّبِّ زِدۡنِي عِلۡمٗا ﴾ [طه: 114]
وعدُ الله تعالى حقيقٌ بأن يُرجى، ووعيده جديرٌ بأن يخشى، فأقبِل على القرآن الكريم لتعرفَ وعده فتعمل له، ووعيدَه فتتجنب طريق الوصول إليه. سلِ اللهَ تعالى أن يفتح عليك من أسرار كتابه وكنوز آياته، ودعِ الاستعجال في قراءته وتلقيه؛ فإن الاستعجال من آفات الفهم، وقواطع الرسوخ في المعرفة. |
﴿قَالَ رَبِّي يَعۡلَمُ ٱلۡقَوۡلَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ ﴾ [الأنبياء: 4]
لا يضرُّك أن تجهل ما الذي يُحاك لك من مكر وكيد، إذا كنت واثقًا بأن العليم الحكيم سبحانه وتعالى هو مَن يدافع عنك. سبحان مَن يسمع كل شيء، ويعلم كل شيء من القول وغيره، فهو يسمع سر أعدائه، ويُبطل مكرهم، ويسمع ما ينسُبه إليه خلقه من حق أو باطل، فيعامل كلًّا بما يستحق! |
﴿بَلۡ قَالُوٓاْ أَضۡغَٰثُ أَحۡلَٰمِۭ بَلِ ٱفۡتَرَىٰهُ بَلۡ هُوَ شَاعِرٞ فَلۡيَأۡتِنَا بِـَٔايَةٖ كَمَآ أُرۡسِلَ ٱلۡأَوَّلُونَ ﴾ [الأنبياء: 5]
الآية تصويرٌ لمقدار ما أصاب المشككين من الحَيرة، وصورة لشاهد الزور إذا شعر بحرج موقفه كيف يتقلَّب يمينًا وشِمالًا، وكيف تتفرَّق به السُّبل في تصحيح افترائه، وذلك محال. كيف يطلبُ مشركو قريش آياتٍ على صدق رسول الله ﷺ من جنس ما كذَّب به الأوَّلون، وهم يكذِّبون بما هو أبلغ من تلك الآيات؟! |
﴿مَآ ءَامَنَتۡ قَبۡلَهُم مِّن قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَٰهَآۖ أَفَهُمۡ يُؤۡمِنُونَ ﴾ [الأنبياء: 6]
الآية تصويرٌ لمقدار ما أصاب المشككين من الحَيرة، وصورة لشاهد الزور إذا شعر بحرج موقفه كيف يتقلَّب يمينًا وشِمالًا، وكيف تتفرَّق به السُّبل في تصحيح افترائه، وذلك محال. كيف يطلبُ مشركو قريش آياتٍ على صدق رسول الله ﷺ من جنس ما كذَّب به الأوَّلون، وهم يكذِّبون بما هو أبلغ من تلك الآيات؟! |
﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ إِلَّا رِجَالٗا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِمۡۖ فَسۡـَٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ ﴾ [الأنبياء: 7]
أين عقولُ المقترحين بأن يكون الرسول إليهم من الملائكة لا من البشر، وهم يعلمون في تاريخ مَن قبلهم أن الله لا يرسل إلا بشرًا؟! وهل تقتضي الحكمة إلا ذلك؟! المعروف بالجهل لا يُسأل، ولا يحق له أن يصدِّر نفسه للسؤال، بل ذلك لأهل العلم الموثوق بعلمهم وعدالتهم. |
﴿وَمَا جَعَلۡنَٰهُمۡ جَسَدٗا لَّا يَأۡكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَمَا كَانُواْ خَٰلِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 8]
لو كان الرسل من غير البشر لا يأكلون الطعام، ولا يمشون في الأسواق، ولا يعاشرون النساء، ما كانت هناك وشيجةٌ بينهم وبين الناس، فلا هم يُحسُّون دوافعَ البشر التي تحركهم، ولا البشر يتأسَّون بهم. حياة الرسُلِ وقواهم محدودة؛ فهم رسلٌ من البشر بلَّغوا الرسالة، وهكذا ورثتهم من الدعاة، والعاقل يتجاوز النظرَ إلى عوارض بشريتهم إلى النظرِ لبيِّنتهم. |
﴿لَقَدۡ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكُمۡ كِتَٰبٗا فِيهِ ذِكۡرُكُمۡۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ ﴾ [الأنبياء: 10]
في القرآن ذكرٌ ينتبه به الغافل، ويعلو به النازل، وعلى مقدار ما تأخذ الأفراد والمجتمعات بكتاب الله يرتفع ذكرُهم عند الله وعند الخلق، وعلى مقدار نقصهم من ذلك يَخمُلون. لا يتدبر القرآنَ إلا عاقل، ولا يُدبِر عنه إلا غافلٌ أو جاهل. |
﴿فَمَا زَالَت تِّلۡكَ دَعۡوَىٰهُمۡ حَتَّىٰ جَعَلۡنَٰهُمۡ حَصِيدًا خَٰمِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 15]
إن من عذاب النفس أن يشكو المرءُ فلا يُسمع، ويبكي فلا يُنفع، ويدنو فيُقصى، ويعتذر فلا يُقبل، ثم يؤول حاله إلى تلف وفناء. هكذا أمرُ الله تعالى؛ إذا جاء فلا حيلةَ لظالم للفرار، بل شأنُه كشأن الزرع مع الحاصد، بينما هو يموج بالحركة، إذا به يُجتث ويُستأصل. |
﴿وَكَذَٰلِكَ أَنزَلۡنَٰهُ ءَايَٰتِۭ بَيِّنَٰتٖ وَأَنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يُرِيدُ ﴾ [الحج: 16]
ليس في شأن البعث وحدَه يظهرُ كمالُ بيان الله تعالى، بل لو تدبَّرت آياتِه لوجدتَّها جميعها في أعلى أنواع البيان. إن الآيات وإن كانت بيِّنات، لكنَّ الهداية بيد ربِّ الأرض والسماوات، والموفَّق مَن لا يزال يسأل اللهَ تعالى أن يهديَه بها، ويأخذ بيده إليها. |
﴿سُورَةٌ أَنزَلۡنَٰهَا وَفَرَضۡنَٰهَا وَأَنزَلۡنَا فِيهَآ ءَايَٰتِۭ بَيِّنَٰتٖ لَّعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النور: 1]
ما أعظمَ سورة النور وأفخم شأنها! فقد عظَّم الله إنزالها وفريضتها وآياتها؛ لِما احتوت عليه من الأحكام والآداب التي تحُوط المجتمع المسلم بسياج من الحفظ. ما أحوجنا إلى تدبُّر هذه السورة الكريمة، والوقوف على هداياتها العظيمة! ففيها حجج عقلية ترشد إلى توحيد رب البرية، وفيها دلائل حكمية تهدي الخلق إلى الطريق السوية. حقُّ الآيات الكريمة والأحكام الشرعية أن تكون من الناس على ذُكر واستحضار؛ ليستضيئوا بنورها ويعملوا بمقتضاها. |
﴿وَلَقَدۡ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكُمۡ ءَايَٰتٖ مُّبَيِّنَٰتٖ وَمَثَلٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلِكُمۡ وَمَوۡعِظَةٗ لِّلۡمُتَّقِينَ ﴾ [النور: 34]
أهل التقوى هم أهل الإفادة من الآيات الواضحات، والدلائل الواعظات، والأمثال المضروبة عن الأمم الخالية. |
﴿وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ إِفۡكٌ ٱفۡتَرَىٰهُ وَأَعَانَهُۥ عَلَيۡهِ قَوۡمٌ ءَاخَرُونَۖ فَقَدۡ جَآءُو ظُلۡمٗا وَزُورٗا ﴾ [الفرقان: 4]
من أصحاب المعتقدات الباطلة تخرج الدعاوى الباطلة، والفِرى الظالمة الملفَّقة. المشركون المعاندون أظلم الظالمين في معتقداتهم وأقوالهم، فهم يشركون، ويرمون داعِيَهم إلى التوحيد بالافتراء المشترك! |
﴿وَقَالُوٓاْ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ ٱكۡتَتَبَهَا فَهِيَ تُمۡلَىٰ عَلَيۡهِ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلٗا ﴾ [الفرقان: 5]
اتهامات المشركين لسيد المرسلين تفضح ما هم عليه من الزور والبَهت، والظلم والحقد، فهل يصِحُّ أن يقال عن كلام رب العالمين إنه أساطير الأولين، ويقال عمن جاء به إنه من المفترين، وهم يعلمون أنه الصادق الأمين؟! |
﴿قُلۡ أَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعۡلَمُ ٱلسِّرَّ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّهُۥ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا ﴾ [الفرقان: 6]
مهما يُسِرُّ الذين يَكِيدون للنبي ﷺ ولِما جاء به من افتراء وكيد، فإن ذلك لا يعزُب عن علم الله تعالى، الذي لا يُعجِزه إبطال كيدهم وإزهاق أمرهم. انظر إلى سَعة حِلم الله ورحمته، حيث يدعو هؤلاء المشركين المفترين إلى التوبة والإنابة، حتى ينالوا رحمتَه وغفرانه، فما تظنُّه فاعلًا بأهل طاعته إن هَفَوا أو قصَّروا؟ |
﴿وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يَٰرَبِّ إِنَّ قَوۡمِي ٱتَّخَذُواْ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ مَهۡجُورٗا ﴾ [الفرقان: 30]
على الإنسان العاقل أن يحذَرَ هَجرَه للقرآن، بترك الإيمان به، أو ترك العمل بما فيه، أو ترك قراءته وتدبُّره والتحاكم إليه؛ فإن رسول الله ﷺ قد شكا إلى ربِّه مَن هجَر كتابه. |
﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّٗا مِّنَ ٱلۡمُجۡرِمِينَۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيٗا وَنَصِيرٗا ﴾ [الفرقان: 31]
كفاح أصحاب الدعوات للمجرمين الذين يتصدون لها هو الذي يميز الدعوات الحقة من الزائفة، وهو الذي يمحِّص الصادقين من المدَّعين. إذا واجه الحقَّ أعداؤه بالإضلال فإن الله هو الهادي لأوليائه، وإن واجهوه بالقوَّة والجبروت فإن الله هو النصير لأهل الإيمان به. |
﴿وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡلَا نُزِّلَ عَلَيۡهِ ٱلۡقُرۡءَانُ جُمۡلَةٗ وَٰحِدَةٗۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِۦ فُؤَادَكَۖ وَرَتَّلۡنَٰهُ تَرۡتِيلٗا ﴾ [الفرقان: 32]
التدرُّج في التعليم والتربية والتقويم أسلوبٌ قرآنيٌّ وهَديٌّ نبوي؛ إذ فيه من الحفظ والتأثير ما ليس في الجمع والتكثير. حين لم يجد المشركون في القرآن مطعنًا بعد أن جرَّبوا كل مَطعَن أرادوا ثلبَه بكيفيَّة الإنزال على خلاف ما سبقه من الكتب، ولكنهم خابوا آخِرًا كما خابوا أوَّلًا. على المربِّي حين تشتدُّ بين الناس الفتن أن يثبِّتهم بالقرآن، فإنه يربِط على القلوب، ويزكي النفوس، ويَشفي الصدور. |
﴿طسٓمٓ ﴾ [الشعراء: 1]
بالقرآن الكريم يستبين الهدى من الضلال، والرُّشد من الغَيِّ، والحقُّ من الباطل، فمعالمه واضحةٌ لا التباسَ فيها ولا غموض، ولا بواطنَ له تخالف مقتضى الظاهر. |
﴿تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ ﴾ [الشعراء: 2]
بالقرآن الكريم يستبين الهدى من الضلال، والرُّشد من الغَيِّ، والحقُّ من الباطل، فمعالمه واضحةٌ لا التباسَ فيها ولا غموض، ولا بواطنَ له تخالف مقتضى الظاهر. |
﴿وَإِنَّهُۥ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ﴾ [الشعراء: 192]
القرآن الكريم مصدر صلاح وهداية وتربية لكلِّ عباد الله تعالى، وكيف لا يكون كذلك وهو كلام ربِّ العالمين؟ |
﴿فَقَرَأَهُۥ عَلَيۡهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ مُؤۡمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 199]
الإجرام سببٌ من الأسباب التي تجعل الكفر يُتشرَّب في القلوب، فكأنه بعد ذلك في ملازمته إيَّاها يجري فيها فلا يفارقها. |
﴿لَا يُؤۡمِنُونَ بِهِۦ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِيمَ ﴾ [الشعراء: 201]
بادر أيها المذنب العودةَ إلى الله تعالى قبل حلول النقمة وانقطاع المهلة، فإن العذاب إذا نزل لم تنفع معه توبة، ولا ترُده ندامة، ولا يجدي عنده جزَع، ولا يُسمع طلبُ إمهال. |
﴿إِنَّهُمۡ عَنِ ٱلسَّمۡعِ لَمَعۡزُولُونَ ﴾ [الشعراء: 212]
خباثة نفوس الشياطين لا تؤهِّلهم لقَبول أنوار الحق، فهم مرجومون مُبعَدون. |
﴿طسٓۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡقُرۡءَانِ وَكِتَابٖ مُّبِينٍ ﴾ [النمل: 1]
من عظمة هذا الكتاب الكريم أنه كتاب كامل البيان لأحكامه وحِكمه، وذلك من مظاهر إعجازه وتمام تأثيره. |
﴿هُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ ﴾ [النمل: 2]
مَن أراد الهدى والبشارة فليَرِد نبعَ القرآن، فمَن زاد قربُه منه زادت هدايته، ورُجيت له بِشارته. |
﴿ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ ﴾ [النمل: 3]
المهتدون بالقرآن يؤدون صلاتهم على الدوام، ولا يقصرون في الحفاظ على ما وجب فيها. الإيمان بالآخرة يصدُّ المؤمن عن جموح الشهوات، ويغمُر روحه بتقوى الله وخَشيته، ويجعله يستحيي من الوقوف بين يديه موقفَ العاصي. |
﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلۡقُرۡءَانَ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ﴾ [النمل: 6]
كفى بهذا الكتاب شرفًا أنه جاء من عند الله الحكيم العليم، الذي أودعه من بدائع حكمته وعلمه ما جعله تشريعًا تامًّا يراعي مصالحَ الناس في معاشهم ومعادهم. ما في القرآن الكريم من التوجيهات والأخبار، والمواعظ والأسرار، هو من آثار حكمة الله وعلمه، فما أحسنَ مَن تدبَّر كتاب ربِّه فعرف العبرَ في تلك الآثار! |
﴿إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ أَكۡثَرَ ٱلَّذِي هُمۡ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ ﴾ [النمل: 76]
ما أعظمَ النعمةَ بالقرآن! فإنه يكشف الحقائقَ ويبيِّن الصواب فيما اختلف فيه الناس؛ ليهديهم إلى الطريق السديد، ويدلُّهم على النهج الرشيد. لو طهُرت قلوب المعرضين من أهل الكتاب لكانوا من أكثر الناس قَبولًا للقرآن؛ فقد أتى على اختلافات أسلافهم، فبيَّن الحقَّ فيها من الباطل. |
﴿وَإِنَّهُۥ لَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ ﴾ [النمل: 77]
القرآن هدايةٌ للمؤمن في جميع شؤونه الدنيوية والأخروية، ورحمةٌ له فيما يسلكه من هدايته. |
﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقۡضِي بَيۡنَهُم بِحُكۡمِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡعَلِيمُ ﴾ [النمل: 78]
احرِص على سلوك طريق العدل والإنصاف عنـد الاختـلاف، متـذكرًا يـوم الفصـل والقضاء بين يدي الحكم العدل الذي لا يغلبه في حكمه أحد لعزته، ولا يخفى عليه شيء لتمام علمه. |
﴿فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۖ إِنَّكَ عَلَى ٱلۡحَقِّ ٱلۡمُبِينِ ﴾ [النمل: 79]
لمَّا كان الله تعالى وليَّ الحقِّ وناصرَه ومؤيِّدَه، فما على صاحب الحقِّ إلا أن يتوكل عليه، ويكتفيَ به ويأويَ إليه. يا لها من شهادة عظيمة من الله تعالى لنبيِّه الكريم بكمال الاهتداء! فهو عليه الصلاة والسلام متمكِّنٌ من الحقِّ الجامع لحقائق الأشياء، وذلك الحقُّ واضح ليس فيه خَفاء. |
﴿تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ ﴾ [القصص: 2]
ما من كتابٍ مبيَّنٍ ككتابِ الله، ثم يأتي مَن يزعمُ أن له تأويلاتٍ باطنةً تخالفُ ظاهرَه، ومعانيَ غائبةً عن الأذهان لا تُفهم! |
﴿نَتۡلُواْ عَلَيۡكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرۡعَوۡنَ بِٱلۡحَقِّ لِقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ ﴾ [القصص: 3]
حين يكون الإيمان عامرًا في القلب يُقبل صاحبه على القرآن متدبِّرًا إيَّاه، مستزيدًا به من يقينه، مهتديًا بعِبَره، منتفعًا بمواعظه. |
﴿فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلۡحَقُّ مِنۡ عِندِنَا قَالُواْ لَوۡلَآ أُوتِيَ مِثۡلَ مَآ أُوتِيَ مُوسَىٰٓۚ أَوَلَمۡ يَكۡفُرُواْ بِمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبۡلُۖ قَالُواْ سِحۡرَانِ تَظَٰهَرَا وَقَالُوٓاْ إِنَّا بِكُلّٖ كَٰفِرُونَ ﴾ [القصص: 48]
شأن مَن لا يريد الحقَّ أن يتعلَّق بحجَّة لردِّه، فإذا زالت تعلَّق بغيرها ليستمرَّ في ضلاله وصدِّه. ما أعظمَها من نعمة أن يجيء الحقُّ إلى الإنسان في أرضه، ولا يخرج هو منها للبحث عنه واقتباس نوره! غير أن مَن كره الهدى لا يدرك قدرَ هذه النعمة. يلتقي أهل الضلال والفساد سابقُهم ولاحقهم على طريق التهمة لدعاة الحق؛ استمرارًا في طغيانهم، وصدًا للناس عن الحق الذي جاءهم. لم يتَّبعوا موسى حتى يكذِّبوا محمَّدًا ﷺ ويقلِّلوا من شأن ما جاء به، ولكنه التكذيبُ بأصل الرسالة، والإمعانُ في الغَيِّ والضلالة. |
﴿قُلۡ فَأۡتُواْ بِكِتَٰبٖ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ هُوَ أَهۡدَىٰ مِنۡهُمَآ أَتَّبِعۡهُ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ﴾ [القصص: 49]
مَن أنزل التوراة وبيَّن فيها الأحكام هو مَن يأمر باتِّباع القرآن الكريم؛ ذلك أنه ليس في كتب الله تعالى كتابٌ أهدى منه. لن تستطيعَ البشرية كلُّها ولو اجتمعت أن تأتيَ بتشريع هو أهدى من تشريعات الله تعالى وأحكم منها. كم يعلِّمنا الأنبياء في مجادلتهم أقوامَهم دروسًا من الإنصاف، وحسن البيان، وقوَّة الاحتجاج، والصدق في البحث عن الحق! |
﴿فَإِن لَّمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعۡلَمۡ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهۡوَآءَهُمۡۚ وَمَنۡ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ بِغَيۡرِ هُدٗى مِّنَ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [القصص: 50]
لا طريقَ إلى الحقِّ سوى الاتِّباع لرسول الله ﷺ فمَن لم يأتمَّ به في أحكامه، ويستجِبْ له فيما جاء به، فقد جعل الهوى له إمامًا. أيُّ ضلال أعظمُ من ضلال مَن ترك الطريق الموصلة إلى الجنَّة والرضوان، واتَّبع سبُل الهوى المفضية إلى العذاب والهوان؟ مَن اتَّبع الهوى وترك الهدى فقد ظلم نفسَه، ولو أنه ابتغى العدل، ووضعَ الأمور مواضعها، ما اختار غير طريق الحق. ما أشأم الظلمَ في منع الهداية عن صاحبه! |
﴿۞ وَلَقَدۡ وَصَّلۡنَا لَهُمُ ٱلۡقَوۡلَ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [القصص: 51]
تأمَّل طريقةَ القرآن الكريم في سرده الزواجــرَ والمواعــظ والأحــــكام والبراهــين، بحيث تُقبل عليها النفوسُ بشغَف فلا تمَلُّها ولا تسأمُ منها. |
﴿وَمَا كُنتَ تَرۡجُوٓاْ أَن يُلۡقَىٰٓ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبُ إِلَّا رَحۡمَةٗ مِّن رَّبِّكَۖ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرٗا لِّلۡكَٰفِرِينَ ﴾ [القصص: 86]
ما في القرآن من أوامرَ ونواهٍ وحكمٍ وعِبَر هي مظهرٌ من مظاهر رحمة الله بخلقه؛ لأنها تدعوهم إلى رضوانه والبعد عن معصيته. رحم الله رسوله بإنزال القرآن عليه؛ لأنه به أيَّده وأظهر حُجَّته، وبيَّن عجز مَن خاصمه وكذَّبه. من شُكر الله تعالى على نعمة هذا القرآن أن يعملَ المؤمن بما فيه، وألا يكونَ مُعينًا ولا ناصرًا لمَن يعاديه. |
﴿وَكَذَٰلِكَ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَۚ فَٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۖ وَمِنۡ هَٰٓؤُلَآءِ مَن يُؤۡمِنُ بِهِۦۚ وَمَا يَجۡحَدُ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَّا ٱلۡكَٰفِرُونَ ﴾ [العنكبوت: 47]
إذا كان مَن أُوتي الكتابَ هو مَن يعمل بما فيه ويؤمن بما جاء مصدِّقًا له، فما أشبهَ الذي لم يؤمن ويعمل بمَن لم يؤته! حين أشرقت أنوار صدق القرآن وصحته على قلوب بعض مشركي قريش أضاءت بالإيمان، فآمنوا به كما آمن أهل الكتاب الصادقون، فيا له من كتاب عزيز اجتمع على الإيمان به وتصديقه الأوفياء والمنصفون! كتاب الله تعالى آية عظيمة من آياته، لِما احتوى عليه من المعاني الدالة على أنه من عنده سبحانه، فما أعظمها من آياتٍ ينسُبها العظيم إلى نفسه، فلا يجحد بها إلا مَن كفر به جل جلاله. |
﴿وَمَا كُنتَ تَتۡلُواْ مِن قَبۡلِهِۦ مِن كِتَٰبٖ وَلَا تَخُطُّهُۥ بِيَمِينِكَۖ إِذٗا لَّٱرۡتَابَ ٱلۡمُبۡطِلُونَ ﴾ [العنكبوت: 48]
أزاح الله عن رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام كل شبهة توصل إلى اتهامه؛ تنزيهًا لجناب رسوله، ورحمةً للناس ليؤمنوا بالحق الذي أرسل به. مَن عرف حال رسول الله من القراءة والكتابة لم يشُكَّ في كون هذا الكتاب الذي جاء به هو من عند الله تعالى لا من عنده، بل حتى لو كان رسول الله كاتبًا، فإن أهل الإيمان لا يشكُّون بأن القرآن من عند الله. في قوله تعالى: ﴿إذًا لارتاب المبطلون﴾ توجيهٌ لأهل الإسلام ألا يفعلوا شيئًا يجعل غيرهم من أهل الملل يرتاب في صحَّة هذا الدين، أو تشويه صورته. |
﴿بَلۡ هُوَ ءَايَٰتُۢ بَيِّنَٰتٞ فِي صُدُورِ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَۚ وَمَا يَجۡحَدُ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَّا ٱلظَّٰلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 49]
ينبغي أن تُعمر صدورُ أهل العلم بحفظ آيات الله تعالى، فإنها الأوعية الأمينة التي فيها تُحفظ، والآفاق المشرقة التي منها يقتبس الأنام. الظلم دعا الجاحدين إلى الإنكار؛ إذ ليس في القرآن إشكال يمنع العقلاء العادلين من الإقرار. |
﴿وَقَالُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَٰتٞ مِّن رَّبِّهِۦۚ قُلۡ إِنَّمَا ٱلۡأٓيَٰتُ عِندَ ٱللَّهِ وَإِنَّمَآ أَنَا۠ نَذِيرٞ مُّبِينٌ ﴾ [العنكبوت: 50]
ليس كلُّ ما يطلبه المكذِّبون من البراهين يُـحقَّق لهم؛ إذ لو كان لديهم إقبالٌ على الحقِّ ورغبة فيه لاكتفَوا ببعض البراهين الدالَّة عليه. إن النِّذارة المرجوَّة لا بدَّ أن تكونَ واضحةً بيِّنة؛ حتى تقطعَ عن المبطلين الحجَّة. |
﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشۡتَرِي لَهۡوَ ٱلۡحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًاۚ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ ﴾ [لقمان: 6]
يربي الله جلَّ جلاله عباده بالنعم، ولا سيما الهداية، وأي تربية لهم أعظم من ذلك؟ لن يبلغ العبد رتبة الفلاح إلا بعلم نافعٍ يهتدي به، وبإقامة صلاته، وأداء زكاته، والإحسان إلى الخلق. بئسَ الرجلُ الذي لا يقتصر على استماع لهو الحديث، بل يسعى إلى إضلال غيره به بعد ضلال نفسه، فيجمع بين سيِّئتي الضلال والإضلال. من اشترى الباطل بالحقِّ، والضلال بالهدى، فما فعل ذلك عن علم؛ أليس العلمُ يفيد صاحبه ربحًا في الدين والدنيا؟! من أساليب المضلين أنهم يصُدون الناس عن الحق بالقدح فيه والسخريَّة من أهله، مع مدح الباطل والترغيب فيه. استخف أهل الباطل بالحق واستهزؤوا به، فجوزوا بعذاب يهينهم ويُذلهم، والجزاء من جنس العمل. |
﴿وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِ ءَايَٰتُنَا وَلَّىٰ مُسۡتَكۡبِرٗا كَأَن لَّمۡ يَسۡمَعۡهَا كَأَنَّ فِيٓ أُذُنَيۡهِ وَقۡرٗاۖ فَبَشِّرۡهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [لقمان: 7]
حين يُقبل المرء على سماع لهو الحديث، ويُصم أذنيه عن سماع الحق، بل يسخر منه ومن أهله؛ فلن تزيده كثرة الوعظ إلا عُتوًّا. مَن سمع آيات الله بأذنيه، وأصغى إليها بقلبه حقَّ الإصغاء، فلا يُتصوَّر منه التولِّي والاستكبار؛ لِما فيها ممَّا يوجب الإقبالَ عليها والخضوع لها. يا مَن تبحث عن اللذة في سماع اللهو واتباعه أقصِر، فما وراء تلك اللذات إلا العذابُ الأليم. |
﴿تَنزِيلُ ٱلۡكِتَٰبِ لَا رَيۡبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ﴾ [السجدة: 2]
ليس في الكتاب من ريب، ولا في تنزيله من شك، بل هو حقٌّ وصدق، فاطمئنَّ إلى ما فيه، واتبعه وسلِّم له. يربي الله تعالى عباده، ويدبر مصالحهم، فلا يتركهم دون كتاب يرشدهم ويقومهم ويزكيهم. |
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتۡلُونَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ يَرۡجُونَ تِجَٰرَةٗ لَّن تَبُورَ ﴾ [فاطر: 29]
محافظة المرء على تلاوة القرآن، وتتابع قراءته له، تثمر ثناء الله تعالى على صاحبه. إن التجارة الرابحة أن يداومَ المسلم على تلاوة القرآن، وإقامة الصلاة التي يظهر أثرُها في القلب والجوارح، وإنفاق المال فيما يحب الله تعالى في السرِّ والعلانية. مَن أراد الخير من ربِّه فليُخلص له عمله ويوجِّه إليه قصده في قراءته وصلاته وإنفاقه وسائر أعماله الصالحة، فذلك الذي يبيع لله، فما أعظمَ ربحَه! |
﴿لِيُوَفِّيَهُمۡ أُجُورَهُمۡ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ غَفُورٞ شَكُورٞ ﴾ [فاطر: 30]
حين يوفِّي الله عبده ثوابَ عمله كاملًا غير منقوص، ويضاعف له الحسنات من فضله غير مبخوس، فإن ذلك خيرٌ عظيم من الربِّ الكريم. انظر إلى معاملة الله لأهل طاعته الذين عملوا من أجله، فإنه يغفر لهم تقصيرهم في حقه، ويشكر لهم عملهم الذي قصدوه به. |
﴿وَٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ هُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِعِبَادِهِۦ لَخَبِيرُۢ بَصِيرٞ ﴾ [فاطر: 31]
القرآن الكريم هو الحقُّ الذي لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه. إن هذا القرآن مصدِّقٌ لما في الكتب السابقة من الحقِّ، وموافقٌ لها فيما جاءت به من عند الله، فمَن كان مؤمنًا بتلك الكتب حقًّا فيلزمه الإيمانُ بهذا الكتاب العظيم. إن القرآن الكريم هو الحقُّ، وما فيه هو الحق؛ لأنه نزل من عند الله الخبير بعباده، العليم بمصالحهم. |
﴿ثُمَّ أَوۡرَثۡنَا ٱلۡكِتَٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصۡطَفَيۡنَا مِنۡ عِبَادِنَاۖ فَمِنۡهُمۡ ظَالِمٞ لِّنَفۡسِهِۦ وَمِنۡهُم مُّقۡتَصِدٞ وَمِنۡهُمۡ سَابِقُۢ بِٱلۡخَيۡرَٰتِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡكَبِيرُ ﴾ [فاطر: 32]
اصطفاء هذه الأمَّة إكرامٌ من الله تعالى لها، وهو في الوقت نفسه حثٌّ لها على تحمُّل مسؤوليَّة اصطفائها، فهو تشريفٌ يتبعه تكليف. لا ييئسُ الظالم لنفسه من رحمة ربِّه ما دام معه أصلُ الإيمان، فإن الاصطفاء يَشمَله، فليحرِص على ترك ظلمه حتى يعلوَ حظُّه في درجات الاصطفاء العليا. السابق بالخيرات همُّه في تحصيل الأرباح الأخروية، وشدِّ أحمال التجارات العليا، فليس هو المقصِّرَ في الزاد ولا المقتصدَ فيه، بل يرى خسرانًا أن يدَّخرَ شيئًا ممَّا بيده ولا يتَّجر به فيجد ربحه يوم يغتبط التجار بأرباح تجاراتهم. لا يغترَّ سابقٌ بنفسه أنه سبق، فما بلغ إلا بتوفيق الله ومعونته، فليشكر الله الذي أنعم عليه. إن الفضل الكبير ليس بالمال الكثير، ولا بالجاه الخطير، ولكن بكون الإنسان ممَّن اصطفاه الله، وقام بكتابه حقَّ قيام. |
﴿وَإِن كَانُواْ لَيَقُولُونَ ﴾ [الصافات: 167]
الذكر المُنزَل من الله يدعو النفوسَ لعبادة الله والإخلاص له. لا تغترَّ بأمانيِّ المتمنِّين؛ فكم من قائل: لو أن عندي كذا لأطعت الله، فلمَّا آتاه ذلك زاد عصيانًا! |
﴿فَكَفَرُواْ بِهِۦۖ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ ﴾ [الصافات: 170]
الذكر المُنزَل من الله يدعو النفوسَ لعبادة الله والإخلاص له. لا تغترَّ بأمانيِّ المتمنِّين؛ فكم من قائل: لو أن عندي كذا لأطعت الله، فلمَّا آتاه ذلك زاد عصيانًا! |
﴿صٓۚ وَٱلۡقُرۡءَانِ ذِي ٱلذِّكۡرِ ﴾ [ص: 1]
في القرآن العظيم من المواعظ والذِّكر ما يوقظ القلوبَ، ويوجِّهها إلى غاية خلقها، ألا وهي معرفة الله تعالى، وإخلاصُ العبادة له. |
﴿بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٖ وَشِقَاقٖ ﴾ [ص: 2]
أجل، إن في القرآن لتذكرةً وعبرة لمَن كان له قلب، أمَّا مَن ران على قلبه لاستكباره وعِناده فأنَّى له الانتفاعُ أو الاعتبار؟! |
﴿كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنٖ فَنَادَواْ وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٖ ﴾ [ص: 3]
ما من أمَّة انحرفت عن صراط ربِّها القويم، وأصرَّت على ذلك إلا أهلكها وجعلها أحاديث، مهما أوتيت من قوَّة، فإنه سبحانه العزيز القهَّار، والمهيمن الجبَّار. |
﴿وَعَجِبُوٓاْ أَن جَآءَهُم مُّنذِرٞ مِّنۡهُمۡۖ وَقَالَ ٱلۡكَٰفِرُونَ هَٰذَا سَٰحِرٞ كَذَّابٌ ﴾ [ص: 4]
حين تنتكس الفطرة تَعمى القلوب فتُنكر الحقَّ وتَنفِر منه، فكيف يَعجَبون من إرسال رسولٍ من بين ظَهرانيهم، يعرِف أحوالهم ويحاكي لسانهم؟ |
﴿أَجَعَلَ ٱلۡأٓلِهَةَ إِلَٰهٗا وَٰحِدًاۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ عُجَابٞ ﴾ [ص: 5]
يعجَب الكفَّار أشدَّ العجَب من دعوة الرسُل إلى التوحيد، ولو صَدَقوا مع أنفسهم لأدركوا بفِطرتهم أنه ما من إلهٍ إلا إلهٌ واحد. |
﴿وَٱنطَلَقَ ٱلۡمَلَأُ مِنۡهُمۡ أَنِ ٱمۡشُواْ وَٱصۡبِرُواْ عَلَىٰٓ ءَالِهَتِكُمۡۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٞ يُرَادُ ﴾ [ص: 6]
أهل الباطل أصبرُ على نصر باطلهم من صبر كثير من أهل الحقِّ على نُصرة دينهم، فإيَّاكم والاغترارَ بنصر جولة، فإن المعركة طويلة. حين يَعجِز الفُجَّار عن غلَبة أهل الحقِّ، فإنهم يتَّجهون إلى اتِّهام نيَّاتهم، وأن لهم مآربَ مشبوهةً من دعوتهم، ليؤلِّبوا عليهم الخاصَّة والعامَّة. |
﴿إِن كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ ﴾ [ص: 14]
التولِّي عن منهاج المرسَلين مُؤذِنٌ بالهلاك، فلنكن على حذر. |
﴿إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ ﴾ [ص: 87]
مهما اختلف البشَر وتفاوتوا في عقولهم وفهومهم ومشاربهم وثقافاتهم فإنهم بلا ريب ينتفعون بالقرآن العظيم ما صدَقوا في الإقبال عليه. |
﴿وَلَتَعۡلَمُنَّ نَبَأَهُۥ بَعۡدَ حِينِۭ ﴾ [ص: 88]
مَن كذَّب بهذا الكتاب العظيم سيؤمن به ولو بعد حين، فرحم الله مَن خضع لربِّه، وآمن بكتابه في الدنيا، قبل ألا ينفعَه الإيمان به في الآخرة. |
﴿تَنزِيلُ ٱلۡكِتَٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ ﴾ [الزمر: 1]
كما أن الله تعالى كاملٌ في ذاته وأسمائه وصفاته، فإن كلامه كذلك كاملٌ من كلِّ وجه، فطوبى لمَن تعلَّمه وتدبَّره وعمل بما فيه. إن القرآن الكريم تنزيلٌ من الله العزيز القوي، فمَن أخذه بقوَّة وصدق عاش عزيزًا كريمًا، وناله من العزَّة والتمكين بقدر نصيبه منه. مهما كاد الكفَّار لهذا القرآن، وحاكوا له من مؤامرات، فإنه لظاهرٌ باقٍ بنفاذ أحكامه وجرَيان آدابه؛ لأنه من لدُن عزيز لا يُغلب. |
﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ فَٱعۡبُدِ ٱللَّهَ مُخۡلِصٗا لَّهُ ٱلدِّينَ ﴾ [الزمر: 2]
إنزال الكتاب الذي فيه تِبيانُ كلِّ شيء نعمةٌ عظمى تقتضي أن يقابلَها رسولُ الله ﷺ وكلُّ مسلم بالشكر، وأبلغُ الشكر إفراد مُنزله بالعبادة والطاعة. |
﴿أَلَا لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلۡخَالِصُۚ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَ مَا نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلۡفَىٰٓ إِنَّ ٱللَّهَ يَحۡكُمُ بَيۡنَهُمۡ فِي مَا هُمۡ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي مَنۡ هُوَ كَٰذِبٞ كَفَّارٞ ﴾ [الزمر: 3]
إن الله هو الذي شرع الدين لعباده، فهل يليق أن يُشرَكَ العبدُ مع المعبود في إقامة الدين؟! ألا فأخلصوا لله العبادة. تتجلَّى عظمةُ الإسلام في عنايته بالتوحيد الخالص، ورفض أيِّ واسطة بين الخلق والخالق، فيا لَضلالِ مَن جعل بينه وبين ربِّه أحدًا! أعجَبُ العَجَب أن تسمعَ بعض العباد يسألون من دون الله وليًّا صالحًا، فإذا أنكرتَ عليهم قالوا: ما دعوناهم إلا ليقرِّبونا إلى الله زُلفى! بعض الدَّعاوى مهما كانت ظاهرةَ التهافت والبطلان ينبغي نقضُها وتفنيدها؛ لئلا يبقى لأحدٍ من الخلق شُبهة أو حُجَّة بباطل. يُـحرَم الإنسانُ من الهداية بقدر وقوعه في المعاصي عمومًا، ومنها الكذب، وكلَّما لزم المرء جادَّة الصدق في قوله وعمله كان أحظى بهداية ربِّه، وأجدرَ بالتوفيق إلى الثبات على الحقِّ. |
﴿ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحۡسَنَ ٱلۡحَدِيثِ كِتَٰبٗا مُّتَشَٰبِهٗا مَّثَانِيَ تَقۡشَعِرُّ مِنۡهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُمۡ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمۡ وَقُلُوبُهُمۡ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهۡدِي بِهِۦ مَن يَشَآءُۚ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٍ ﴾ [الزمر: 23]
كيف لا يكون القرآن أحسنَ الحديث وهو كتابٌ لا ريبَ فيه هدًى للمتَّقين، وشفاءٌ ورحمة للمؤمنين؟ يا مَن تجد قَسوةً في قلبك، وبرودًا في مشاعرك، دونك الدواءَ الشافي، والبلسمَ الوافي، الذي يليِّن الجلود والقلوب؛ إنه كتاب الله؛ تدبَّر آياتِه، وتفكَّر بحِكَمه وأحكامه. |
﴿وَلَقَدۡ ضَرَبۡنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٖ لَّعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [الزمر: 27]
التنوُّع في أساليب الخطاب وضرب الأمثلة من سيماء الخطاب القرآنيِّ المؤثِّر، وينبغي أن يستفيدَ منه المربِّي والداعية. لم يورد الله سبحانه قصصَ الأمم الخالية، وما اعتراها من هلاك بكفرها إلا تخويفًا وتحذيرًا من مصيرها، أفلا نتَّعظ ونتذكَّر؟! |
﴿قُرۡءَانًا عَرَبِيًّا غَيۡرَ ذِي عِوَجٖ لَّعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ ﴾ [الزمر: 28]
على مدار القرون وأعداءُ الإسلام يفحصون وينقِّبون عن عيب أو خلل في القرآن القويم، فما عادوا إلا بالخيبة والإخفاق. إن كنت تحرِص على استقامة حياتك، واجتناب العِوَج واللَّبْس، فعليك بالوحي الرشيد؛ فإنه يهدي إلى الحقِّ وإلى صراط مستقيم. |
﴿مَن يَأۡتِيهِ عَذَابٞ يُخۡزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيۡهِ عَذَابٞ مُّقِيمٌ ﴾ [الزمر: 40]
أرأيتم إلى صدق التوكُّل على الله والاعتصام بعزَّته، كيف يمنح العبدَ قوَّة وجرأة في الحقِّ، لا يخشى معها أحدًا من البشَر؟ يُقال للضالِّين الغاوين: امضُوا على غَيِّكم، فكلٌّ يعمل على شاكلته، وستعلمون غدًا أيَّ منقلَبٍ تنقلبون. يا له من تهديد يُزلزل القلوب لو وعَت؛ كلُّ عذابات الدنيا تَحُول وتزول، ووحدَه عذاب الآخرة مقيمٌ لا يرحل. |
﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ لِلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّۖ فَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيۡهَاۖ وَمَآ أَنتَ عَلَيۡهِم بِوَكِيلٍ ﴾ [الزمر: 41]
أيُّها الناسُ اسمعوا وعُوا، وإذا وعَيتُم فانتفعوا؛ إن الله إنما أنزل القرآنَ لأجلكم ولخيركم، فاعتصِموا بحبله، واستمسكوا بهديه. ما تَقبلُ به من حقٍّ وتُقبلُ عليه من هدًى فإنما هو رصيدٌ لك تدَّخره إلى يومٍ لا ينفع فيه مالٌ ولا ولد، إلا مَن أتى الله بعمل صالح خالص. إن الله غنيٌّ عنك وعن عملك، لا ينفعه صلاحُك وبِرُّك، كما لا يَضُرُّه عُقوقك وجحودُك، وقد أفلح مَن زكَّى نفسَه، وخاب مَن دسَّاها. |
﴿تَنزِيلٞ مِّنَ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ﴾ [فصلت: 2]
مَن تمسَّك بكتاب الله وجبَت له الرحمة وحقَّت له السعادة، فما أحرانا أن نغرفَ من هدي القرآن، لنحيا به في طُمَأنينة وأمان. |
﴿كِتَٰبٞ فُصِّلَتۡ ءَايَٰتُهُۥ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا لِّقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ ﴾ [فصلت: 3]
آيات القرآن بلغت الغايةَ في الكمال؛ شمولًا وإحكامًا وتفصيلًا وبيانًا؛ لترتويَ النفوسُ من مَعينها، وتستنـيرَ القلوب بضيائها. جلال ما اشتمل عليه القرآنُ من معان سامية، وأحكام دقيقة وافية، اقتضى أن يكونَ بلغة رائقة المباني، غنيَّة المعاني، وهل في سموِّ العربيَّة لغةٌ أو بيان؟! |
﴿بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا فَأَعۡرَضَ أَكۡثَرُهُمۡ فَهُمۡ لَا يَسۡمَعُونَ ﴾ [فصلت: 4]
وحيُ الله بشيرٌ يملأ قلوبَ الطائعين بالرجاء، ونذيرٌ لمَن عصى ربَّه وسلك دروبَ الشقاء. إن لم ينتفع المرء بما يسمع، ولم يتَّعظ بما يرى، كان كمَن لا سمعَ له ولا بصر. |
﴿وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيٓ أَكِنَّةٖ مِّمَّا تَدۡعُونَآ إِلَيۡهِ وَفِيٓ ءَاذَانِنَا وَقۡرٞ وَمِنۢ بَيۡنِنَا وَبَيۡنِكَ حِجَابٞ فَٱعۡمَلۡ إِنَّنَا عَٰمِلُونَ ﴾ [فصلت: 5]
يُصرف المرء عن الحقِّ بمقدار إعراضه عنه، وذلك دليلُ مَقت الله له وبغضه إياه؛ ﴿وقالوا قلوبُنا غُلفٌ بل لعنَهُم الله بكُفرهم فقليلًا ما يؤمنون﴾ . |
﴿فَلَنُذِيقَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَذَابٗا شَدِيدٗا وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَسۡوَأَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ﴾ [فصلت: 27]
إنه العذابُ الأليم الذي يتجرَّعون غُصَصه، ويقاسون مرارته، لا ينفكُّ عنهم أبدًا، ولا يجدون إلى الخلاص منه سبيلا. رأس الذنوب الشِّرك بالله تعالى، وقد سُئل النبيُّ ﷺ: أيُّ الذنب أعظمُ عند الله؟ فقال: «أن تجعلَ لله نِدًّا وهو خلقَك»، فلمَّا كانت السيِّئة عظيمةً كان العذاب شديدا. |
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَبۡشِرُواْ بِٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت: 30]
أصل الكمال الإنسانيِّ إيمانٌ بالله يطرح خبائثَ الشكوك المحيِّرة، واستقامةٌ على أمر الله بإصابة الحقِّ وسلوك دربه. جوهر الاستقامة الاعتدالُ، بلا غلوٍّ وإفراط، ولا تقصيرٍ وتفريط، فهي مسلكُ المؤمنين الصادقين، ودربُ العارفين المُخبِتين. لمَّا كانت الاستقامة أمرًا شاقًّا على النفس، كان جزاء مَن لزِمَها وصبرَ على تكاليفها أن تُحبَّه الملائكة وتبشِّرَه بالرضوان، والفوز بالجنان. سبقت للمؤمنين البشرى، فلا خوفٌ يعتريهم، ولا فزعٌ يؤذيهم، يخرجون من هذه الحياة الدنيا آمنين مطمئنِّين، وبوعد ربِّهم مستبشرين. ليستحضرِ المؤمنُ دومًا هذا الوعدَ الإلهيَّ المتجدِّد له بالجنَّة ونعيمها، ليسارعَ بهمَّة إلى الطاعات، وينأى بحزم عن المنكرات. |
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلذِّكۡرِ لَمَّا جَآءَهُمۡۖ وَإِنَّهُۥ لَكِتَٰبٌ عَزِيزٞ ﴾ [فصلت: 41]
ما أبأسَ حالَ مَن لم يَرفع بالقرآن رأسًا؛ إيمانًا وذكرًا وعملًا! تراه في الدنيا يَخبِط على غير هدًى، ويوم القيامة يرى باطلَ عمله مُحضرًا. وكيف لا يكون القرآن عزيزًا، وقد حفظه ربُّه من التغيير والتبديل، وجعله بصحَّة معانيه حِصنًا حصينا، وبرِفعةِ بيانه صرحًا مَكينا؟! اتلُ أيُّها المسلم كتابَ ربِّك بعينَي فؤادك وقلبك، وتدبَّر مقاصدَ آياته وعِظاته، تجد فيه ما تجيش له النفسُ، تعظيمًا لحكمة الله، وحمدًا على نعمته. |
﴿لَّا يَأۡتِيهِ ٱلۡبَٰطِلُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَلَا مِنۡ خَلۡفِهِۦۖ تَنزِيلٞ مِّنۡ حَكِيمٍ حَمِيدٖ ﴾ [فصلت: 42]
ما أبأسَ حالَ مَن لم يَرفع بالقرآن رأسًا؛ إيمانًا وذكرًا وعملًا! تراه في الدنيا يَخبِط على غير هدًى، ويوم القيامة يرى باطلَ عمله مُحضرًا. وكيف لا يكون القرآن عزيزًا، وقد حفظه ربُّه من التغيير والتبديل، وجعله بصحَّة معانيه حِصنًا حصينا، وبرِفعةِ بيانه صرحًا مَكينا؟! اتلُ أيُّها المسلم كتابَ ربِّك بعينَي فؤادك وقلبك، وتدبَّر مقاصدَ آياته وعِظاته، تجد فيه ما تجيش له النفسُ، تعظيمًا لحكمة الله، وحمدًا على نعمته. |
﴿مَّا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدۡ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبۡلِكَۚ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغۡفِرَةٖ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٖ ﴾ [فصلت: 43]
تشابهَت قلوبُ المكذِّبين في الكُفر، فتماثلت مقالاتهم في الجَحد؛ يمضي الخَلَف منهم على إثر السلف في عداوة الحقِّ وأهله، فبئسَ التابعُ والمتبوع. أيُّ شعور للداعية بالأُنس والعزيمة، والاستعلاء على مصاعب الدعوة ورفض الهزيمة، حين يعلم أن أسلافه في هذا الطريق هم تلك العصبةُ المختارة من الأنبياء والصالحين؟! |
﴿وَلَوۡ جَعَلۡنَٰهُ قُرۡءَانًا أَعۡجَمِيّٗا لَّقَالُواْ لَوۡلَا فُصِّلَتۡ ءَايَٰتُهُۥٓۖ ءَا۬عۡجَمِيّٞ وَعَرَبِيّٞۗ قُلۡ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدٗى وَشِفَآءٞۚ وَٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ فِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرٞ وَهُوَ عَلَيۡهِمۡ عَمًىۚ أُوْلَٰٓئِكَ يُنَادَوۡنَ مِن مَّكَانِۭ بَعِيدٖ ﴾ [فصلت: 44]
لمَّا كان اللسان العربيُّ أكملَ الألسنة وأحسنَها بيانًا للمعاني، كان نزول الكتاب به من أعظم النِّعَم، ولكنَّ الظالمين بآيات الله يجحَدون. القرآن هدًى وشفاء، ولكن هيهاتَ أن ينتفعَ به إلا المؤمنون، الصادقون المخلصون، فإنَّ بمقدار اليقين به يكون الانتفاع. حال الناس مع القرآن كحال الليل والنهار، فمنهم مَن تفتَّحت إليه عقولهم، وأبصرت به قلوبهم، ومنهم مَن أظلمت دونه أفئدتهم، وعَمِيت عنه بصائرهم. أنَّى للمُعرضين عن القرآن أن تخالطَهم بشاشةُ هداياته؟! فمَن أعرض عنه طُمس على قلبه وخُتم على بصيرته، وصُمَّت أذناه دون ندائه، فلا يتبيَّن بعدُ من الحقِّ شيئًا. |
﴿قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كَانَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ ثُمَّ كَفَرۡتُم بِهِۦ مَنۡ أَضَلُّ مِمَّنۡ هُوَ فِي شِقَاقِۭ بَعِيدٖ ﴾ [فصلت: 52]
دعوةٌ للتأمُّل والتفكُّر في حالنا مع القرآن؛ عملًا بأحكامه وامتثالًا لأوامره ونواهيه، فإنه حقٌّ أكيد، وليس بعد الحقِّ إلا الضلال. |
﴿أَلَآ إِنَّهُمۡ فِي مِرۡيَةٖ مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمۡۗ أَلَآ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَيۡءٖ مُّحِيطُۢ ﴾ [فصلت: 54]
سُبحان ربِّنا من إله عظيم عليم! فبقدرته سيجمع العبادَ للحساب، وبعلمه وإحاطته بأعمالهم سيُثيبهم أو يعاقبهم. |
﴿ٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ وَٱلۡمِيزَانَۗ وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٞ ﴾ [الشورى: 17]
كان أصحابُ رسول الله ﷺ يستحضرون الساعةَ في أوقاتهم كلِّها؛ تعظيمًا لشأنها، وفزَعًا من أهوالها، فأين نحن منهم؟! يحجُب الله قلوبَ المرتابين عن استشعار خطر الساعة، فيمضون عنها غافلين، وبعذابها غيرَ مبالين. لا يدري المؤمنون مصيرَهم في الآخرة، فيعيشون في فزَع من لقائها، ولا يدري الكافرون حقيقةَ أمرها فلا يبالون بها ولا بما فيها! وهل أضلُّ ممَّن يرى آيات ربِّه في نفسه وآفاق كونه، ثم يُماري ويُجادل في الساعة وحقيقة قيامها؟ نعم إنه ضلالٌ بعيد؛ لأن إنكار الجزاء غالبًا ما يُفضي إلى الذهاب بعيدًا في الظلم والعدوان، والبغي والعصيان، وارتكاب صنوف الآثام. |
﴿وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ ﴾ [الزخرف: 2]
إن في إقسام الله بالكتاب إظهارًا لشرفه وعلوِّ منزلته، فهو أولى ما صُرفت فيه الأوقات، وأحقُّ ما تدبَّره المرء من آيات. هذا الكتاب المفصَّل قد أبان للناس الشرائع والسنَن، وكانت لهم فيه العِصمةُ من الشرور والفتن، فما عليهم إلا التسليمُ له؛ لأنه بإبانته برهانٌ عظيم للمهتدين، وحُجَّة كبيرة على المعرضين. |
﴿إِنَّا جَعَلۡنَٰهُ قُرۡءَٰنًا عَرَبِيّٗا لَّعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ ﴾ [الزخرف: 3]
لمَّا أقبل العربُ على هذا الكتاب الذي نزل بلسانهم انتقلوا من رعي الغنم، إلى سيادة الأمم، وعودةُ مجدهم اليوم تقتضي عودتهم إلى ما كانوا عليه من الإقبال على هذا الكتاب. لا يكون المرءُ ذا عقل ما لم يمنعه عقله من ارتكاب المحظور، ويحجُزه عن الوقوع في الإثم، فمَن كان كذلك استحقَّ أن يُنعتَ بالعقل. |
﴿وَإِنَّهُۥ فِيٓ أُمِّ ٱلۡكِتَٰبِ لَدَيۡنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾ [الزخرف: 4]
أرأيتَ الشمس في سَنائها؟ لا يمكن لأحد حجبُ أنوارها، وكذا القرآنُ مهما حاول المشكِّكون طمسَ أنواره سينتهي عملهم إلى بَوار، ومكرهم إلى إخفاق. |
﴿وَإِنَّهُۥ لَذِكۡرٞ لَّكَ وَلِقَوۡمِكَۖ وَسَوۡفَ تُسۡـَٔلُونَ ﴾ [الزخرف: 44]
بقدر تمسُّك المؤمنين بالقرآن تكون رفعتهم، وبقدر اقترابهم منه تكون عزَّتهم، فالقرآن هو الشرفُ العظيم الذي لا ينبغي التفريط فيه. |
﴿وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ ﴾ [الدخان: 2]
إنه لقسَم لو تعلمون عظيم، إنه لقرآنٌ مبين، يَهدي إلى صراطٍ قويم، واضح اللفظ والمعنى، جميل الفحوى والمبنى. |
﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةٖ مُّبَٰرَكَةٍۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ﴾ [الدخان: 3]
ما أعظمَ ليلةَ القدر وأجلَّ بركاتها! ومن أظهرها بهاءً وأبرزها جلاء: ابتداءُ نزول الوحي فيها؛ ليكونَ هدًى للبشريَّة، بمنهج الفِطرة السويَّة. |
﴿فِيهَا يُفۡرَقُ كُلُّ أَمۡرٍ حَكِيمٍ ﴾ [الدخان: 4]
الأرزاق والآجال أقدارٌ سابقة، كتبها الله تعالى في اللوح المحفوظ، لا تتبدَّل ولا تتغيَّر، وفي ليلة القدر يُفصَل ما يتعلَّق بالسنة منها إلى الكتَبة من الملائكة، فيُميت مَن يشاء، ويَرزُق مَن يريد، سبحانه من إله حكيم عليم. |
﴿أَمۡرٗا مِّنۡ عِندِنَآۚ إِنَّا كُنَّا مُرۡسِلِينَ ﴾ [الدخان: 5]
كلُّ ما يقدِّره الله على خلقه، ويأمرهم به بوحيه، إنما هو بإذنه وعلمه، فأقبِل عليه راضيًا مطمئنًّا، وسلِّم لأمره مغتبطًا مُمتنًّا. لم يكتفِ الله تعالى بإنزال الكتب للأنام، ولكنَّه أرسل الرسُلَ في الأمم، ليقيموا الحُجَّة على الخلق. |
﴿فَإِنَّمَا يَسَّرۡنَٰهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [الدخان: 58]
ما أرسل الله من رسول إلا بلسان قومه؛ ليَعقِلوا عنه، وتقومَ عليهم الحُجَّة، وعلى الدعاة أن يُخاطبوا الناسَ بما يعقلون. |
﴿فَٱرۡتَقِبۡ إِنَّهُم مُّرۡتَقِبُونَ ﴾ [الدخان: 59]
كلٌّ يرتقب ويتمنَّى، ولكن شتَّان بين ارتقاب المؤمنين المتحقِّق بالتمكين والانتصار، وارتقاب الكافرين المنتهي بالخيبة. |
﴿تَنزِيلُ ٱلۡكِتَٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ ﴾ [الجاثية: 2]
لن تكونَ للمرء عِزَّة ما لم يستنِر بنور القرآن ويهتدي بهديه، فإذا خالط القرآنُ لحمه ودمه بوَّأه الله مكانًا عليًّا. لا تجد لفظةً في كتاب الله إلا ولها حكمةٌ في لفظها وموضعها، ولذلك كان القرآن محكمًا، لا يَصمُد معاندوه أمامه طرفةَ عين. |
﴿هَٰذَا بَصَٰٓئِرُ لِلنَّاسِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّقَوۡمٖ يُوقِنُونَ ﴾ [الجاثية: 20]
القرآن للناس كالشمس للدنيا، يُبصِرون بها طريقهم، ويُحصِّلون معايشهم، والمرء بالقرآن يدرك دربَ الآخرة ويُبصِرها. كلُّ ما في القرآن هدًى، فلا يخلو لفظٌ من ألفاظه من تذكير أو فائدة، وهو مصدر كلِّ صلاح ورشاد. لمَّا كان القرآن نورًا للسالكين، وهدًى ورحمةً للمؤمنين، كان من الغَبْن المبين أن يفرِّطَ عاقل فيه، أو ينأى عنه ويجافيَه. اقتصرت هدايةُ القرآن على عباد الله المؤمنين، الذين تقبَّلوا دينه وأحكامه فعملوا بها، أمَّا الكافر فإنه لا ينتفع بهداه، ولا تَشمَله رحمته. لمَّا ارتفعت أعلام الحقِّ في طريق المؤمنين استيقنت قلوبُهم بصدقه فثبتوا عليه، رافضين التنازلَ عنه أو المَحِيدَ مقابل فِتن الباطل التي يزيِّنها أهله. |
﴿تَنزِيلُ ٱلۡكِتَٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ ﴾ [الأحقاف: 2]
دونك مَنهلَ العزَّة والحكمة فتَضلَّع منهما، فإنْ رجوتهما في غير كتاب ربِّك فقد أتعبتَ نفسك وأرهقت بدنك. |
﴿قُلۡ أَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكٞ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِۖ ٱئۡتُونِي بِكِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ هَٰذَآ أَوۡ أَثَٰرَةٖ مِّنۡ عِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ﴾ [الأحقاف: 4]
قدرة الله عزَّ وجلَّ التي لا منتهى لها ولا حدَّ تُظهر عجزَ الخلائق الذين لن يستطيعوا خلقَ شيء ولو اجتمعوا له. إن مَن عبدَ غيرَ الله تعالى لا دليلَ له على صحَّة ما هو عليه من الضلال، بخلاف المؤمن الموحِّد الذي يمتلك الحججَ القاطعة على صدق عقيدته وسلامة منهجه، فما أحسنَ الحياةَ في اطمئنان التوحيد! وما أسوأها في حَيرة الشرك! |
﴿وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٖ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمۡ هَٰذَا سِحۡرٞ مُّبِينٌ ﴾ [الأحقاف: 7]
لا بدَّ أن تكونَ البراهين الدالَّة على صدق الدعوة واضحةً بيِّنة؛ حتى تُقامَ بها الحجَّة، وتُدفع بها الشُّبهة، فلا يبقى للمُعارض اعتراضٌ صحيح على تلك البراهين، وهكذا كانت آيات الأنبياء عليهم السلام. حينما يَعدَم المُبطل حجَّة لدفع الحقِّ الناصع يلجأ إلى وصفه بالنعوت الكاذبة، ورمي أهله بالتُّهم الباطلة التي يعلم في قرارة نفسه أنه كاذبٌ فيها. |
﴿وَمِن قَبۡلِهِۦ كِتَٰبُ مُوسَىٰٓ إِمَامٗا وَرَحۡمَةٗۚ وَهَٰذَا كِتَٰبٞ مُّصَدِّقٞ لِّسَانًا عَرَبِيّٗا لِّيُنذِرَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُحۡسِنِينَ ﴾ [الأحقاف: 12]
يتنزَّل القرآنُ رحمةً بالناس وإرشادًا لهم إلى الخير، وأخذًا بأيديهم إلى ما فيه صلاحُ دينهم ودنياهم، فما أعظمَه من نعمة! شرَّف الله عزَّ وجلَّ أمَّة العرب أن أنزل القرآنَ بلسانها، فاعتنى بها اعتناءً خاصًّا، وقدَّمها على غيرها من الأمم، فعليها أن تعرِفَ قَدْر هذا الشرف بتدبُّر هذا الكتاب والعمل به. |
﴿وَإِذۡ صَرَفۡنَآ إِلَيۡكَ نَفَرٗا مِّنَ ٱلۡجِنِّ يَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوٓاْ أَنصِتُواْۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوۡاْ إِلَىٰ قَوۡمِهِم مُّنذِرِينَ ﴾ [الأحقاف: 29]
في تسخير الجنِّ للإيمان به ﷺ تسليةٌ له، وتثبيتٌ لفؤاده، وتعويضٌ له عن أولئك البشر الذين آذَوه وقاتلوه، ومَن أعرض استبدله الله بخير منه. من تمام الأدب مع الله التأدُّبُ مع كلامه، فلا يعبث المرء بشيء حالَ استماعه، بل يُنصت في خشوع وخضوع، وتفكُّر وتدبُّر. إذا ما وعى القلب الرسالةَ وأدرك معانيَها فلا بدَّ أن ينهضَ لتبليغها، مقتديًا في ذلك بالأنبياء والمرسلين ومَن تَبِعهم في هذا الطَّريق. |
﴿يَٰقَوۡمَنَآ أَجِيبُواْ دَاعِيَ ٱللَّهِ وَءَامِنُواْ بِهِۦ يَغۡفِرۡ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ وَيُجِرۡكُم مِّنۡ عَذَابٍ أَلِيمٖ ﴾ [الأحقاف: 31]
إجابة الداعي لا تكون بالادِّعاء، وإنما تكون بنصرة دعوته، واقتفاء أثره، وإيصال رسالته إلى خلق الله. العبد المؤمن دائم التذكُّر لذنوبه، كثير العدِّ لها، فيكون منها على وجَل دائم، وخوف شديد. |
﴿أَمۡ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُۥۚ بَل لَّا يُؤۡمِنُونَ ﴾ [الطور: 33]
خيرُ وسيلة للدفاع الهجومُ؛ فمَن أورد عليك شُبهةً باطلة فخيرُ ما تَدحَضُ به شُبهتَه أن تتحدَّاه بأن يقيمَ عليها دليلًا. ما أكثرَ الدَّعاوى الباطلةَ التي لا تلبثُ أن تتلاشى حين توضع على مِـحكِّ الحُجَج والبراهين، فيُعرَف أن أصحابها ما هم إلا أدعياء مفتَرون! |
﴿فَلۡيَأۡتُواْ بِحَدِيثٖ مِّثۡلِهِۦٓ إِن كَانُواْ صَٰدِقِينَ ﴾ [الطور: 34]
خيرُ وسيلة للدفاع الهجومُ؛ فمَن أورد عليك شُبهةً باطلة فخيرُ ما تَدحَضُ به شُبهتَه أن تتحدَّاه بأن يقيمَ عليها دليلًا. ما أكثرَ الدَّعاوى الباطلةَ التي لا تلبثُ أن تتلاشى حين توضع على مِـحكِّ الحُجَج والبراهين، فيُعرَف أن أصحابها ما هم إلا أدعياء مفتَرون! |
﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمۡ وَمَا غَوَىٰ ﴾ [النجم: 2]
إن الله يُدافع عن أوليائه وأهل طاعته، فاثبُت أيها المسلمُ على الحقِّ وامضِ في دعوتك، ولا تخشَ في الله لومةَ لائم. |
﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ ﴾ [النجم: 3]
إذا ما جاهدَ المسلم نفسَه، وأخضع للحقِّ قلبَه، لم يصدُر في شيء من أقواله وأفعاله إلا عمَّا يحبُّه المولى ويرضى. |
﴿إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ ﴾ [النجم: 4]
مَن أطاعَ هواه، أضاعَ هُداه، فإمَّا اتِّباعُ الهدى، وإمَّا السقوطُ في الرَّدى. ما القرآنُ والسنَّة إلا وحيُ السماء لأهل الأرض؛ فيا لضلال مَن حادَ عنهما؛ اغترارًا بعقله وهوى نفسه! |
﴿عَلَّمَهُۥ شَدِيدُ ٱلۡقُوَىٰ ﴾ [النجم: 5]
على قَدر أهل العزم تأتي العزائمُ، فلا ترضَ إلا أن تكونَ قويًّا في دينك، أمينًا في دعوتك، ذا عزيمة وهمَّة. |
﴿لَقَدۡ رَأَىٰ مِنۡ ءَايَٰتِ رَبِّهِ ٱلۡكُبۡرَىٰٓ ﴾ [النجم: 18]
آياتُ الله أكبرُ من تكذيب المكذِّبين، وجَحد الجاحدين، وهي أظهرُ من أن تخطئَها العيونُ المبصرة، والقلوبُ المتبصِّرة، ولكن ما الحيلةُ في مَن عميَ فؤادُه؟! |
﴿وَلَقَدۡ يَسَّرۡنَا ٱلۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ ﴾ [القمر: 17]
القرآن كلامُ الله المعجِز الذي يراه البلغاء قد استوفى البيانَ ولطائفَ التعبير، ويراه العامَّة أحسنَ كلام وأقربَه إلى نفوسهم وعقولهم. |
﴿۞ فَلَآ أُقۡسِمُ بِمَوَٰقِعِ ٱلنُّجُومِ ﴾ [الواقعة: 75]
إنَّ ربَّنا سبحانه هو أصدقُ القائلين، وإنه لغنيٌّ عن القسَم والحَلِف؛ ولكنَّه يُقسم إيقاظًا لقلوب عباده، وتبصيرًا لهم بعِظَم ما يُقسم به. خصَّ الله مواقعَ النجوم بالقسَم؛ لأنها من أشرف الأزمان والأوقات؛ ففيها يطيب التهجُّد والذِّكر، وتنزلُ الرحَماتُ والبركات. |
﴿تَرۡجِعُونَهَآ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ﴾ [الواقعة: 87]
إذا كنتم عاجزينَ عن إعادة الرُّوح إلى جسد الميِّت وهو بين أيديكم، فأنَّى لكمُ التجاسرُ على إنكار البعث والنشور؟! |
﴿لَوۡ أَنزَلۡنَا هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ عَلَىٰ جَبَلٖ لَّرَأَيۡتَهُۥ خَٰشِعٗا مُّتَصَدِّعٗا مِّنۡ خَشۡيَةِ ٱللَّهِۚ وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الحشر: 21]
لو أنزل الله القرآنَ على جبل وأمره بما أمرنا، وخوَّفه بالذي خوَّفنا، لخشعَ وتصدَّع من خوف الله، أوَلَسنا أحقَّ بالخوف والخشية منه؟ إذا كانت الجبالُ الضخمة الصُّلبة تتزلزل وتتصدَّع من خشية ما في القرآن من مواعظَ وعِبَر، أفلا تَلينُ لها قلوبُ الخَلق من البشَر؟ إنَّ أمر القرآن لعظيم، وإن قدره لرفيع، وحريٌّ بنا أن تخشعَ له قلوبُنا، وتذرِفَ عيونُنا؛ لما فيه من الوعد الحقِّ والوعيد الأكيد. عن مالك بن دينار قال: (أُقسم لكم، لا يُؤمن عبدٌ بهذا القُرآن إلَّا صدَّع قلبَه). من لطف الله تعالى بعباده المسلمين ورأفته بهم أنه يضربُ لهم الأمثالَ تبصيرًا لعقولهم، وإيقاظًا لقلوبهم، فمَن تدبَّرها حسُن فكرُه، واستنارَت بصيرتُه. |
﴿فَذَرۡنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا ٱلۡحَدِيثِۖ سَنَسۡتَدۡرِجُهُم مِّنۡ حَيۡثُ لَا يَعۡلَمُونَ ﴾ [القلم: 44]
كم من مُستدرَج بالإحسان إليه، وكم من مفتون بالإشادة به، وكم من مغرور بالسَّتر عليه، ولكن يوشك أن يبرَحَ الخفاء ولاتَ ساعةَ مندَم! إقبالُ النِّعَم على العبد؛ من صحَّةٍ ومال وولد، ليست دومًا دليلَ قَبول، فقد تكون استدراجًا لإقامة الحُجَّة عليه. إذا أراد اﷲ إهلاكَ ظالم أغراه بالقوَّة والعظمة، واستدرجه بكثرة الأتباع؛ ليسيرَ بنفسه إلى مصرعه، فيهلكَ شرَّ هلاك. |
﴿وَأُمۡلِي لَهُمۡۚ إِنَّ كَيۡدِي مَتِينٌ ﴾ [القلم: 45]
إذا كان خيرُ الناس مَن طال عمرُه وحسُنَ عملُه، فإن شرَّهم بلا ريب مَن أُملِيَ له فطال عمرُه، وازدادت على مدار السنين آثامُه! حين يعزم امرؤٌ على النَّيل من خصم له يدبِّر له المكايدَ سرًّا؛ لئلَّا يحتاطَ الخصمُ ويحذر، أمَّا ربُّنا الرحيم فإنه يكشفُ عن تدبيره ويُنذر عبادَه؛ ليَنجُوا من عذابه ونقمته. |
﴿وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزۡلِقُونَكَ بِأَبۡصَٰرِهِمۡ لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكۡرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُۥ لَمَجۡنُونٞ ﴾ [القلم: 51]
الحقد داءٌ بغيض يحمل صاحبَه على رجاء هلاك مَن يحقدُ عليه، فلا تجعل للحقد إلى قلبك سبيلًا. ليس بغضُ الكفَّار الأوَّلين للذِّكر دون بغض الكفَّار المعاصرين، فليحذَر الدعاةُ منهم فإنهم غيرُ مأمونين. |
﴿وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ ﴾ [القلم: 52]
دعوتنا دعوةٌ عالميَّة، وهذا يقتضي منَّا اتِّباعَ أرقى وسائل الحكمة في الدعوة، مع مراعاة تبايُن الشعوب واختلاف ألسنتها وثقافاتها. كيف يوصَف بالجنون من أُرسل بهذا الذِّكر الكامل والشريعة المحكَمة التي لا يحتملُ عِبءَ تبليغها إلا مَن كان أعقلَ الناس وأرجحَهم رأيًا؟ لكنَّه العِناد الذي يحمل صاحبَه على قول المتناقضات. |
﴿فَلَآ أُقۡسِمُ بِمَا تُبۡصِرُونَ ﴾ [الحاقة: 38]
هذا أعمُّ قسَمٍ في القرآن؛ يشمل العُلويَّات والسُّفليَّات، والدنيا والآخرة، وما يُرى وما لا يُرى؛ ليكونَ القرآن آيةً على صدق رسوله، وما جاء به من لدُن ربِّه. كيف لا يكون كريمًا من حَباه الله باجتماع الكمالات، ونزَّهه عن النقائص المَعيبات؟ وإنَّ من أجلِّ الكمال تبليغَ الرسالة بأمانة وإخلاص. |
﴿فَسَبِّحۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلۡعَظِيمِ ﴾ [الحاقة: 52]
إن هذا القرآنَ قويٌّ في الحقِّ عميقٌ في اليقين، كيف لا وهو يكشفُ في كلِّ آيةٍ منه عن الحقِّ الخالص، واليقين المَحض؟ أفلا نتَّخذه منهجًا لحياتنا؟ امتنَّ الله على خَلقه بأن أنزلَ عليهم كتابًا عظيمًا فيه صلاحُهم في الدنيا وفلاحُهم في الآخرة، فلنعترف بفضله، بدوام تنزيهه وشُكره. سُئل عليٌّ رضي الله عنه عن كلمة التسبيح (سبحان الله)، فقال: (كلمةٌ رضيَها الله لنفسه فأوصى بها خَلقَه). فأكثروا من التسبيح عملًا بوصيَّة الربِّ الكريم. |
﴿قُلۡ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسۡتَمَعَ نَفَرٞ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَقَالُوٓاْ إِنَّا سَمِعۡنَا قُرۡءَانًا عَجَبٗا ﴾ [الجن: 1]
لنتأمَّل حالَ الجنِّ بعد إصغائهم إلى آيات القرآن، كيف امتلأت نفوسُهم بمعاني الإعجاب والتعظيم، لهذا البيان المحكَم الكريم، أوَ لسنا أولى بهذا منهم؟ ما أحرانا أن نجتهدَ وننشطَ في تبليغ القرآن وإسماعه للعالمين؛ لعلَّ الله يُجري الخيرَ على أيدينا ويجعلنا سببًا لهداية الناس بكلامه المبين. مَن لم يهدِه القرآنُ للحقِّ والتوحيد الخالص، فلن تنفعَه آلافُ كتب الجدل والفلسفة والمنطق، فاستمسك بالقرآن تُفلح. |
﴿يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلرُّشۡدِ فَـَٔامَنَّا بِهِۦۖ وَلَن نُّشۡرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَدٗا ﴾ [الجن: 2]
لنتأمَّل حالَ الجنِّ بعد إصغائهم إلى آيات القرآن، كيف امتلأت نفوسُهم بمعاني الإعجاب والتعظيم، لهذا البيان المحكَم الكريم، أوَ لسنا أولى بهذا منهم؟ ما أحرانا أن نجتهدَ وننشطَ في تبليغ القرآن وإسماعه للعالمين؛ لعلَّ الله يُجري الخيرَ على أيدينا ويجعلنا سببًا لهداية الناس بكلامه المبين. مَن لم يهدِه القرآنُ للحقِّ والتوحيد الخالص، فلن تنفعَه آلافُ كتب الجدل والفلسفة والمنطق، فاستمسك بالقرآن تُفلح. |
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُزَّمِّلُ ﴾ [المزمل: 1]
صلاةُ الليل وذكرُ الله زادٌ يعين المؤمنَ على تحمُّل أثقال الحياة وتجاوز عقَباتها، وأَولى من يتزوَّد به العلماءُ والدعاة. المقصود من الترتيل حضورُ القلب وتدبُّر المعاني؛ فمَن تدبَّر القرآنَ ابتهج فؤادُه، واستشعر حلاوةَ الإيمان وبردَ اليقين. إن الله لا يكلِّف نفسًا إلا وسعَها، فقُم من الليل ما تستطيع، وتهجَّد ما كان قلبك حاضرًا، وفؤادك ناشطًا، فإذا أثقلك النعاسُ فنَم. |
﴿قُمِ ٱلَّيۡلَ إِلَّا قَلِيلٗا ﴾ [المزمل: 2]
صلاةُ الليل وذكرُ الله زادٌ يعين المؤمنَ على تحمُّل أثقال الحياة وتجاوز عقَباتها، وأَولى من يتزوَّد به العلماءُ والدعاة. المقصود من الترتيل حضورُ القلب وتدبُّر المعاني؛ فمَن تدبَّر القرآنَ ابتهج فؤادُه، واستشعر حلاوةَ الإيمان وبردَ اليقين. إن الله لا يكلِّف نفسًا إلا وسعَها، فقُم من الليل ما تستطيع، وتهجَّد ما كان قلبك حاضرًا، وفؤادك ناشطًا، فإذا أثقلك النعاسُ فنَم. |
﴿نِّصۡفَهُۥٓ أَوِ ٱنقُصۡ مِنۡهُ قَلِيلًا ﴾ [المزمل: 3]
صلاةُ الليل وذكرُ الله زادٌ يعين المؤمنَ على تحمُّل أثقال الحياة وتجاوز عقَباتها، وأَولى من يتزوَّد به العلماءُ والدعاة. المقصود من الترتيل حضورُ القلب وتدبُّر المعاني؛ فمَن تدبَّر القرآنَ ابتهج فؤادُه، واستشعر حلاوةَ الإيمان وبردَ اليقين. إن الله لا يكلِّف نفسًا إلا وسعَها، فقُم من الليل ما تستطيع، وتهجَّد ما كان قلبك حاضرًا، وفؤادك ناشطًا، فإذا أثقلك النعاسُ فنَم. |
﴿أَوۡ زِدۡ عَلَيۡهِ وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِيلًا ﴾ [المزمل: 4]
صلاةُ الليل وذكرُ الله زادٌ يعين المؤمنَ على تحمُّل أثقال الحياة وتجاوز عقَباتها، وأَولى من يتزوَّد به العلماءُ والدعاة. المقصود من الترتيل حضورُ القلب وتدبُّر المعاني؛ فمَن تدبَّر القرآنَ ابتهج فؤادُه، واستشعر حلاوةَ الإيمان وبردَ اليقين. إن الله لا يكلِّف نفسًا إلا وسعَها، فقُم من الليل ما تستطيع، وتهجَّد ما كان قلبك حاضرًا، وفؤادك ناشطًا، فإذا أثقلك النعاسُ فنَم. |
﴿۞ إِنَّ رَبَّكَ يَعۡلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدۡنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيۡلِ وَنِصۡفَهُۥ وَثُلُثَهُۥ وَطَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَۚ وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحۡصُوهُ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۖ فَٱقۡرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِۚ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرۡضَىٰ وَءَاخَرُونَ يَضۡرِبُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَبۡتَغُونَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَءَاخَرُونَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ فَٱقۡرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنۡهُۚ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَقۡرِضُواْ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗاۚ وَمَا تُقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُم مِّنۡ خَيۡرٖ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيۡرٗا وَأَعۡظَمَ أَجۡرٗاۚ وَٱسۡتَغۡفِرُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمُۢ ﴾ [المزمل: 20]
قليلٌ يدوم خيرٌ من كثير ينقطع؛ فمهما كانت حالك، وأيًّا كان عُذرك فاحرِص على القيام، ولو بصلاة ركعتين ترتِّل فيهما القرآنَ في هَدأة الليل. لنتأمَّل هذا التأكيدَ الصَّريح: ﴿فاقرَءُوا ما تيسَّرَ مِنه﴾ ، ولنتأمَّل حالنا وأين نحن منه! قلَّما يخلو امرؤٌ في عمله وعبادته من تفريط، فلنلزَم الاستغفارَ في جميع أحوالنا؛ جبرًا لما بدرَ منَّا من تقصير، فإنَّ الله غفور رحيم. فضل الله واسعٌ عظيم، وجوده وافرٌ عميم، وما عليك إلا أن تسعى في مناكبِ الأرض تبتغي من رزقه الحلال. هل بعد هذا الإغراء من إغراء؟ ما تُقدِّم من عملٍ صالح أشبهُ بقَرض مضمونِ الأداء، مع زيادةٍ مضاعفة أضعافًا كثيرة، فهلمَّ نستبق إلى الخيرات. |
﴿وَمَا جَعَلۡنَآ أَصۡحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلَّا مَلَٰٓئِكَةٗۖ وَمَا جَعَلۡنَا عِدَّتَهُمۡ إِلَّا فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيَسۡتَيۡقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَيَزۡدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِيمَٰنٗا وَلَا يَرۡتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَٱلۡكَٰفِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلٗاۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَمَا يَعۡلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكۡرَىٰ لِلۡبَشَرِ ﴾ [المدثر: 31]
إذا رأيت علمَ الغيب لا يزيدُك إيمانًا ويقينًا، فراجع قلبَك؛ خشيةَ أن يكونَ قد أُشرب فتنةً ونفاقًا، يُوديان بك إلى شرِّ مصير. قلوب المؤمنين مفتَّحةٌ للحقِّ أبدًا، فهي تتلقَّاه من ربِّها تلقِّيًا يزيدها إيمانًا به سبحانه، وأُنسًا بشرعه، ويقينًا بهَديه. لا يزول بالشكِّ اليقينُ، ولا يقينَ إلا بالإيمان، فاعمل أيها المسلمُ دومًا على زيادة إيمانك، بكثرة الصالحات، ولزوم الطاعات. بئسَ العَيشُ عَيشُ الكافر والمنافق، فهما في حَيرةٍ وقلقٍ واضطراب، لا يطمئنُّون إلى صدق خبرٍ ولا إلى حكمةِ أمر، حتى يُردُّوا إلى أشدِّ العذاب. اطمئنَّ أيها المسلم وقَرَّ عينًا بالنصر والتأييد، فإنَّ لله جنودًا لا يعلمها إلا هو، وما عليك إلَّا الأخذُ بالأسباب مع اليقين بوعد الله. |
﴿كـَلَّآ إِنَّهُۥ تَذۡكِرَةٞ ﴾ [المدثر: 54]
القلوب الحيَّة بالإيمان، هي وحدَها التي تتَّعظ بآيات القرآن، وتنتفع بالذِّكرى، فهنيئًا لمَن اتَّعظَ وذَكَر. |
﴿فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُۥ ﴾ [المدثر: 55]
القلوب الحيَّة بالإيمان، هي وحدَها التي تتَّعظ بآيات القرآن، وتنتفع بالذِّكرى، فهنيئًا لمَن اتَّعظَ وذَكَر. |
﴿وَمَا يَذۡكُرُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُۚ هُوَ أَهۡلُ ٱلتَّقۡوَىٰ وَأَهۡلُ ٱلۡمَغۡفِرَةِ ﴾ [المدثر: 56]
إن الله حَقيقٌ أن يتَّقيَه عبادُه ويخافوا عقابَه، بالإيمان به وبطاعة أمره، وإنه حقيقٌ أن يغفرَ لهم ما سلفَ منهم. قلوب العباد بين إصبَعَين من أصابع الرحمن يقلِّبها كيف يشاء، فداوم أُخيَّ على سؤال الله الهدايةَ والثبات وحُسن الختام. |
﴿لَا تُحَرِّكۡ بِهِۦ لِسَانَكَ لِتَعۡجَلَ بِهِۦٓ ﴾ [القيامة: 16]
يا مَن ترومُ الفوزَ بشرف حفظ القرآن، لا تتعجَّل الحفظ، وأكثر من القراءة والإصغاء إلى القرَّاء، واستعِن على الحفظ بتدبُّر الآيات وفهم المعاني. ما أجدرَ أن نتَّبعَ القرآنَ تلاوةً وعملًا، حتى يصيرَ لنا خُلقًا، فيقودَنا إلى كلِّ بِرٍّ وخير؛ ﴿إنَّ هذا القُرآنَ يَهدي للَّتي هي أقوَمُ﴾ . |
﴿إِنَّ عَلَيۡنَا جَمۡعَهُۥ وَقُرۡءَانَهُۥ ﴾ [القيامة: 17]
يا مَن ترومُ الفوزَ بشرف حفظ القرآن، لا تتعجَّل الحفظ، وأكثر من القراءة والإصغاء إلى القرَّاء، واستعِن على الحفظ بتدبُّر الآيات وفهم المعاني. ما أجدرَ أن نتَّبعَ القرآنَ تلاوةً وعملًا، حتى يصيرَ لنا خُلقًا، فيقودَنا إلى كلِّ بِرٍّ وخير؛ ﴿إنَّ هذا القُرآنَ يَهدي للَّتي هي أقوَمُ﴾ . |
﴿فَإِذَا قَرَأۡنَٰهُ فَٱتَّبِعۡ قُرۡءَانَهُۥ ﴾ [القيامة: 18]
يا مَن ترومُ الفوزَ بشرف حفظ القرآن، لا تتعجَّل الحفظ، وأكثر من القراءة والإصغاء إلى القرَّاء، واستعِن على الحفظ بتدبُّر الآيات وفهم المعاني. ما أجدرَ أن نتَّبعَ القرآنَ تلاوةً وعملًا، حتى يصيرَ لنا خُلقًا، فيقودَنا إلى كلِّ بِرٍّ وخير؛ ﴿إنَّ هذا القُرآنَ يَهدي للَّتي هي أقوَمُ﴾ . |
﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيۡنَا بَيَانَهُۥ ﴾ [القيامة: 19]
يا مَن ترومُ الفوزَ بشرف حفظ القرآن، لا تتعجَّل الحفظ، وأكثر من القراءة والإصغاء إلى القرَّاء، واستعِن على الحفظ بتدبُّر الآيات وفهم المعاني. ما أجدرَ أن نتَّبعَ القرآنَ تلاوةً وعملًا، حتى يصيرَ لنا خُلقًا، فيقودَنا إلى كلِّ بِرٍّ وخير؛ ﴿إنَّ هذا القُرآنَ يَهدي للَّتي هي أقوَمُ﴾ . |
﴿كـَلَّا بَلۡ تُحِبُّونَ ٱلۡعَاجِلَةَ ﴾ [القيامة: 20]
من جعل الدنيا همَّه آتاه الله إن شاء من طيِّباتها، وعجَّل له من بهارجها، وحرمه من بركات الآخرة، ومن النجاة فيها. لو آثَرتُم الآخرةَ على الدنيا، ونظرتم في العواقب نظرَ البصير العاقل، لربحتم ربحًا لا خسارَ معه، وفزتم فوزًا لا شقاء بعده. |
﴿إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ تَنزِيلٗا ﴾ [الإنسان: 23]
إن الله أكرمكم معشرَ المسلمين بالقرآن العظيم منهجًا ودستورًا، فاصبروا وصابروا على ما تلقَونه باستعصامكم به سبحانه، فإنه وليُّكم، وهو لا شكَّ ناصرُكم. في الأثر: (المرءُ على دينِ خَليلِه)، فلنحذَر من رفقة السُّوء؛ فإن طاعتَهم خسرانٌ ومَهلَكة. |
﴿كـَلَّآ إِنَّهَا تَذۡكِرَةٞ ﴾ [عبس: 11]
مواعظ القرآن نافعةٌ لكلِّ من تجرَّد عن حظوظ النفس والعِناد والمكابرة، فمَن لم يتَّعظ بها فلأنه لم يشأ أن يتَّعظ، ويا له من محروم! |
﴿فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُۥ ﴾ [عبس: 12]
مواعظ القرآن نافعةٌ لكلِّ من تجرَّد عن حظوظ النفس والعِناد والمكابرة، فمَن لم يتَّعظ بها فلأنه لم يشأ أن يتَّعظ، ويا له من محروم! |
﴿فِي صُحُفٖ مُّكَرَّمَةٖ ﴾ [عبس: 13]
إن حظَّك أيها المسلمُ من الرفعة والطُّهر بقدر حظِّك من كتاب الله تعالى، وإن الله ليرفعُ بالقرآن أقوامًا ويضعُ به أقوامًا. |
﴿مَّرۡفُوعَةٖ مُّطَهَّرَةِۭ ﴾ [عبس: 14]
إن حظَّك أيها المسلمُ من الرفعة والطُّهر بقدر حظِّك من كتاب الله تعالى، وإن الله ليرفعُ بالقرآن أقوامًا ويضعُ به أقوامًا. |
﴿بِأَيۡدِي سَفَرَةٖ ﴾ [عبس: 15]
هذه صفاتُ حمَلة القرآن من الملائكة الكرام، وما أحراكَ يا حافظَ القرآن أن تكونَ مطهَّرًا في أخلاقك، بارًّا في فِعالك. |
﴿كِرَامِۭ بَرَرَةٖ ﴾ [عبس: 16]
هذه صفاتُ حمَلة القرآن من الملائكة الكرام، وما أحراكَ يا حافظَ القرآن أن تكونَ مطهَّرًا في أخلاقك، بارًّا في فِعالك. |
﴿إِنَّهُۥ لَقَوۡلُ رَسُولٖ كَرِيمٖ ﴾ [التكوير: 19]
أثنى الله تعالى على أفضل الملائكة بحَمل القرآن الكريم، فما أعظمَ شرفَ أهل القرآن، وما أجلَّ ما يحملون. جعلنا الله من حفظتِه، العاملين بآياتِه. |
﴿وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ﴾ [التكوير: 29]
ما أحسنَ ما قاله الأوَّل: (يقيني يقيني)؛ فإنَّ يقينَك أيها العبدُ بأنه لا مشيئةَ لك إلا أن يشاء الله، يقيكَ أن تتوجَّهَ بطلب الهداية والخير من سواه. |
﴿وَإِذَا قُرِئَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقُرۡءَانُ لَا يَسۡجُدُونَۤ۩ ﴾ [الانشقاق: 21]
ليتَهم أصغَوا إلى القرآن بأفئدتهم، إذن لسجَدوا لجلاله وعظَمته بأرواحهم قبل جباههِم، ولكنَّهم أعرضوا عنه ونكَصُوا على أعقابهِم. |
﴿بَلۡ هُوَ قُرۡءَانٞ مَّجِيدٞ ﴾ [البروج: 21]
ما من أمَّةٍ حملت هذا القرآنَ بحقِّه، وأقامت حدودَه وأحكامه، إلا نالت المجدَ والعزَّة، وتمامَ السُّؤدَد والرِّفعة. |
﴿فِي لَوۡحٖ مَّحۡفُوظِۭ ﴾ [البروج: 22]
ما من أمَّةٍ حملت هذا القرآنَ بحقِّه، وأقامت حدودَه وأحكامه، إلا نالت المجدَ والعزَّة، وتمامَ السُّؤدَد والرِّفعة. |
﴿إِنَّهُۥ لَقَوۡلٞ فَصۡلٞ ﴾ [الطارق: 13]
لا ينبغي للقول الفصل إلَّا أن يؤخذَ بجِدٍّ وقوَّة؛ ﴿خُذُوا ما آتَيناكُم بقُوَّة﴾ ؛ تدبُّرًا لآياته، وتحليقًا في سماء معانيه ومقاصده، علمًا وعملًا. |
﴿وَمَا هُوَ بِٱلۡهَزۡلِ ﴾ [الطارق: 14]
لا ينبغي للقول الفصل إلَّا أن يؤخذَ بجِدٍّ وقوَّة؛ ﴿خُذُوا ما آتَيناكُم بقُوَّة﴾ ؛ تدبُّرًا لآياته، وتحليقًا في سماء معانيه ومقاصده، علمًا وعملًا. |
﴿إِنَّ هَٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلۡأُولَىٰ ﴾ [الأعلى: 18]
الدعوة إلى إيثار الآخرة على الدنيا منَ القضايا الكبرى التي اتَّفقَت عليها شرائعُ الله العظيم؛ من صحُف الأوَّلين، إلى القرآن المُبين. |
﴿صُحُفِ إِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ ﴾ [الأعلى: 19]
الدعوة إلى إيثار الآخرة على الدنيا منَ القضايا الكبرى التي اتَّفقَت عليها شرائعُ الله العظيم؛ من صحُف الأوَّلين، إلى القرآن المُبين. |
﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ ﴾ [القدر: 1]
في إسناد إنزال القرآن إلى الله تعالى بيان عظمة ما اشتمل عليه من الحقِّ والهُدى، وما بلغه من تمام الشَّرف والرِّفعة، وقد أفلح من استمسك به. |
﴿وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ ﴾ [القدر: 2]
ليلةٌ واحدة فاقَت في الخيريَّة ألفَ شهر كاملًا، فالعِبرة ليست بطول الأعمار، ولكن بالبركة وحُسن الأعمال. |
﴿لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ خَيۡرٞ مِّنۡ أَلۡفِ شَهۡرٖ ﴾ [القدر: 3]
ليلةٌ واحدة فاقَت في الخيريَّة ألفَ شهر كاملًا، فالعِبرة ليست بطول الأعمار، ولكن بالبركة وحُسن الأعمال. |
﴿تَنَزَّلُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمۡرٖ ﴾ [القدر: 4]
يا له من ترغيبٍ في الطَّاعة! فإنَّ الإنسان ينشَط بالطَّاعات عند حضور الأكابر من العلماء والزهَّاد، فما بالك بالملأ العلويِّ وعلى رأسهم أمينُ الوحي عليه السَّلام؟ |
﴿سَلَٰمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطۡلَعِ ٱلۡفَجۡرِ ﴾ [القدر: 5]
ليلة القدر هي ليلةُ السَّلام والأمان، لكثرة السَّلامة فيها من العقاب والعذاب، كِفاءَ ما يقوم به العبادُ من طاعات، وجزاءَ ما يفعلون من قُربات. |
مواضيع أخرى في القرآن الكريم
الفطرة أو الغريزة الخلود في النعيم فضل المجاهدين الغفلة الرجاء بالله تنزل الملائكة الإيمان باليوم الآخر الإعجاز العلمي الأدعية ظلمات الكفر ونور التوحيد
الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم
Friday, December 27, 2024
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب