قائمة السور | مواضيع القرآن الكريم مرتبة حسب الآيات :آيات القرآن الكريم مقسمة حسب كل موضوع و فئة | لقراءة سورة كاملة اختر من : فهرس القرآن | - للاستماع للقراء : القرآن الكريم mp3
آيات قرآنية عن وحدانية الله في القرآن الكريم
✅ مواضيع القرآن الكريم
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21]
الأمر بإفراد الله وتوحيده بالعبادة هو أوَّل أوامر القرآن للناس كافَّة، فليكن هذا الأمر رأسَ أعمالك، وأهمَّ وظائفك، وأَولى أولويَّاتك في حياتك. يا مَن تروم الترقِّيَ في درجات التقوى، تحقَّق بالعبودية الصادقة؛ فما تقرَّب عبدٌ إلى ربِّه بمثل عبادته وإخلاص الدِّين له. |
﴿ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فِرَٰشٗا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءٗ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجَ بِهِۦ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزۡقٗا لَّكُمۡۖ فَلَا تَجۡعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادٗا وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ﴾ [البقرة: 22]
بسَط الله الأرض وذلَّلها لتكونَ لنا كالفِراش؛ سكنًا مريحًا، وموئلًا كريمًا، فما أحرانا كلَّما مشَينا في مناكبها، ومضَينا في طرقها، أن نلهجَ بحمد ربِّنا ونشكرَ له. أرض تُقِلُّك، وسماء تُظِلُّك، وسكن يؤويك، ورزق يكفيك، ألا ما أكثرَ شواهدَ وحدانيَّته حولك، وما أقربَها منك! فتبصَّر يا رعاك الله. لا تقتصر الأندادُ على وثنٍ يُعبد من دون الله، ولكنَّها قد تكون في تعليق الرجاء بغير الله، والخوف من غير الله، والاعتقاد بنفعٍ أو ضُرٍّ من غير الله. فلنرعَ جَناب التوحيد. |
﴿كَيۡفَ تَكۡفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنتُمۡ أَمۡوَٰتٗا فَأَحۡيَٰكُمۡۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمۡ ثُمَّ يُحۡيِيكُمۡ ثُمَّ إِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ ﴾ [البقرة: 28]
إن أمر الكفَّار لعجَب، كيف يجحدون بالله وأدلَّةُ عظمته وقدرته في أنفسهم وما يحيط بهم كثيرةٌ ظاهرة؟! (وفي كلِّ شيءٍ له آيةٌ / تدلُّ على أنه واحدُ). إلى الله تعالى مرجعُ الأوَّلين والآخرين، فعلامَ يعاند الكافرون ويصرُّ المستكبرون؟! هلَّا رجعوا إلى ربِّهم الحقِّ تائبين منيبين؟ |
﴿هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ ﴾ [البقرة: 29]
هما نعمتان جليلتان تستحقَّان عظيمَ الشكر لله؛ تسخيرُ ما في الأرض جميعًا للناس، وتكريمُهم وتفضيلهم واستخلافهم فيها. إن الذي خلق سبع سماواتٍ طباقًا أهلٌ لأن يُشكرَ صنعُه، ويُطاعَ أمرُه، ويُقامَ في الأرض منهجُه وشرعُه. فطوبى لمَن عرَف فلزم. شمولُ علمِه سبحانه كشمول تدبيره، إنه ليَحفِزُ إلى الإيمان به وحدَه، والإقرار بكماله، وإفراده بالعبادة والطاعة. |
﴿أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [البقرة: 107]
يا له من تقريرٍ لقدرة الله تعالى وكمال تصرُّفه، وبيانٍ لجلال مُلكه وعظيم سُلطانه! لا يملك معه المؤمنُ إلا الإقرارَ والتسليم، والطاعةَ والقَبول. لنكن على ذُكرٍ دومًا أنه ليس لنا من دون الله وليٌّ معين، ولا نصيرٌ يمنع من عذابه، أو يدفع من عقابه، فلنقصِده وحدَه، ولنلُذ بجَنابه. أخذ بك ربُّك من إشهادك ملكَه إلى إشهادك افتقارَك إليه، فما أحراكَ أن تتحقَّقَ بوصف الافتقار إليه في كلِّ لحظة، وما أسرعَ غناك إن حقَّقتَ ذلك! |
﴿وَلِلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ فَأَيۡنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجۡهُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ ﴾ [البقرة: 115]
بيانٌ لشمول ملَكوت الله سبحانه لجميع الآفاق، وفي ذلك تحذيرٌ للناس من المعاصي وزجرٌ لهم عن ارتكابها، فأين يفرُّون منه وهو ربُّ المشارق والمغارب؟! أنعِم بها من تسليةٍ للنبيِّ ﷺ وأصحابه الذين ظُلِموا بإخراجهم من المسجد الحرام، وتسليةٍ لأتباعه على مرِّ الدهر متى شرَّدتهم يدُ الطغيان! |
﴿بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَإِذَا قَضَىٰٓ أَمۡرٗا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ ﴾ [البقرة: 117]
إذا أعجبك صنعُ الإنسان فانظر إلى بديع خَلق الله في سماواته وأرضه، يخلُق سبحانه ما يشاء بكلمة "كُن". |
﴿أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَآءَ إِذۡ حَضَرَ يَعۡقُوبَ ٱلۡمَوۡتُ إِذۡ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعۡبُدُونَ مِنۢ بَعۡدِيۖ قَالُواْ نَعۡبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ ءَابَآئِكَ إِبۡرَٰهِـۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ إِلَٰهٗا وَٰحِدٗا وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ ﴾ [البقرة: 133]
إنها العقيدة؛ هي التَّرِكة والذُّخر، وهي القضيَّة الكبرى والحقيقة العُظمى، وهي الأمر الجَلَل الذي لا تشغل عنه سكراتُ الموت. إنها لإجابةٌ كافية وافية لا يستحضرها إلَّا أبناء من ربَّوا فأحسنوا التربية، فازرع العقيدةَ في قلوب أبنائك تحصُد يومًا ثمارها. |
﴿وَإِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلرَّحۡمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 163]
أعظِم بالتوحيد شأنًا! ألا ترى أن الله قد أضاف إليه عبادَه بالاسم المفرد، ثم أخبر عن نفسه بتكرار الوصف فقال: ﴿إله واحد﴾ ، ثم أكَّد الوَحدانيَّة بقوله: ﴿لا إله إلا هو﴾ ، ثم ختم بما يُقيم الحُجَّة على عبادته وحدَه بمقتضى الإنعام عليهم لكونه ﴿الرحمن الرحيم﴾ ؟! |
﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَادٗا يُحِبُّونَهُمۡ كَحُبِّ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَشَدُّ حُبّٗا لِّلَّهِۗ وَلَوۡ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِذۡ يَرَوۡنَ ٱلۡعَذَابَ أَنَّ ٱلۡقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعٗا وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعَذَابِ ﴾ [البقرة: 165]
اجعل كلَّ محبَّة دون محبَّتك لله، وتبعًا لمحبَّتك إيَّاه؛ ليكمُلَ إيمانك، وتسعدَ حياتك، فإن محبَّتك الصادقة لربِّك دليلٌ على محبَّته إيَّاك. ليسوا سواءً؛ فالمؤمن لا يقدِّم على محبَّة الله محبَّةَ شيءٍ سواه، ومحبَّته لربِّه فوق محبَّة مَن أشرك في المحبَّة، فهي خالصةٌ عليَّة، ومحبَّة أولئك ملطَّخةٌ دنيَّة. خَليقٌ بمَن علم ضعفَ كلِّ متعلَّقٍ به سوى الله، وعلم أن القوَّة جميعًا لله، ألا يعلِّقَ قلبه إلا بالله. وليسأله بجَنانه قبل لسانه: اللهم اقطع تعلُّقَ قلبي بأحدٍ سواك. |
﴿ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡحَيُّ ٱلۡقَيُّومُۚ لَا تَأۡخُذُهُۥ سِنَةٞ وَلَا نَوۡمٞۚ لَّهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ مَن ذَا ٱلَّذِي يَشۡفَعُ عِندَهُۥٓ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦۚ يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيۡءٖ مِّنۡ عِلۡمِهِۦٓ إِلَّا بِمَا شَآءَۚ وَسِعَ كُرۡسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَۖ وَلَا يَـُٔودُهُۥ حِفۡظُهُمَاۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255]
لا معبودَ بحقٍّ إلا الله، لا نافعَ ولا ضارَّ سواه، ولا مُعطيَ ولا مانعَ إلا هو. لا دينَ إلا دينُه، ولا حُكمَ إلا حكمُه. ما أفقرَ العبادَ إلى الحيِّ الذي اكتملَت حياتُه لكمال ذاته وأسمائه وصفاته! وما أقوى يقينَ المؤمن الذي تعلَّق قلبه بالقيُّوم الذي قام بنفسه، وقامت حياةُ الخلق به! راقب الله حقَّ المراقبة؛ فإنه لا يغفُل عنك لحظة، واقدُره حقَّ قدره؛ فإنه القيُّوم الذي أقدرَك، والحيُّ الذي أحياك. استحضار مُلك الله تعالى لما في السَّماوات والأرض يسكبُ في روحك القناعةَ برزقه، والرضا بقضائه، والجودَ بعطائه. لا يملك أحدٌ شيئًا من دونه سبحانه، فهو المالك الحقُّ، والخلق كلُّهم عبيده، فلا تتوجَّه إلى غيره، ولا تخضَع لسواه. إن كان كرسيُّه سبحانه وتعالى قد وسع السماواتِ والأرضَ، فكيف بعظَمة خالق الكرسيِّ جلَّ جلاله؟! مهما عَلا شأنك، وعظُم قدرك، فاعلم أنك لا تزال عبدًا لله العليِّ العظيم، فطامِن من كبريائك، وتواضع لإخوانك، وتذكَّر قدرةَ الله عليك! قد تكفَّل الله لمَن قرأ هذه الآيةَ بالحفظ، وألَّا يقربَه شيطانٌ في ليلته، سيحفظك أيها المخلوق الصغير من لا يثقله حفظ السماوات والأرض ومن فيهن! |
﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَخۡفَىٰ عَلَيۡهِ شَيۡءٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِي ٱلسَّمَآءِ ﴾ [آل عمران: 5]
كم من مَخبوءٍ عند الناس مكشوفٍ عند ربِّ الناس، وكم من سَريرةٍ يُخفيها صاحبها وهي عند الله عَلانية! أين الذي يمكنه أن يُخفيَ كيدَه، أو يسترَ نيَّته عن الله سبحانه، فيُفلتَ من جزائه، وينجوَ من عقابه؟! |
﴿هُوَ ٱلَّذِي يُصَوِّرُكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡحَامِ كَيۡفَ يَشَآءُۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 6]
لقد دلَّك سبحانه وتعالى على نفسه أوضحَ دلالةٍ بما أشهدك في نفسك من بديع خلقك، وما أراك من عجائب كونه وآيات قُدرته. أفيصوِّر الله تعالى الإنسانَ أحسن تصوير، ويرعاه في رحم أمِّه أرأفَ رعاية، ويكلؤه في مراحل حياته، ثم يعبُد غيرَه؟! |
﴿شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلۡعِلۡمِ قَآئِمَۢا بِٱلۡقِسۡطِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 18]
شأن التوحيد عظيمٌ ومكانته عالية؛ ولذا شهد الله عليه بنفسه قولًا، وبما نصبَه من دلائله كونًا وشرعًا. مَن ضعُف علمه بـ (لا إله إلا الله)، وعَشِيَت بصيرتُه عن مقتضياتها، فليس معدودًا في العلماء وإن تزيَّا بلباسهم، وحشر نفسَه في زُمرتهم. حسبُ أهل العلم شرفًا أن الله تعالى استشهد بالعلماء على أجلِّ مشهودٍ عليه وهو توحيدُه، وقرَن شهادتهم بشهادته، وبشهادة ملائكته، ولا يستشهد سبحانه من خلقه إلا بالعُدول. ما أعظمَها من شهادةٍ تضمَّنت الدَّلالةَ على وحدانيَّة الله المنافية للشِّرك، وعدله المنافي للظُّلم، وعزَّته المنافية للعَجز، وحِكمته المنافية للجهل! العزَّة والحكمة صفتان لازمتان للقيام بالقِسط الذي هو وضعُ الأمور في مواضعها، مع القُدرة على إنفاذها. |
﴿تُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِۖ وَتُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَتُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتَ مِنَ ٱلۡحَيِّۖ وَتَرۡزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٖ ﴾ [آل عمران: 27]
من مظاهر نفوذ قدرة الله تعالى تعاقبُ الليل والنهار وتداخلُهما، وإن مَن قدَر على ذلك لقادرٌ على جعلِ العزِّ ذلًّا، والمُلك حرمانًا وضعفًا. هنالك حياةٌ حسيَّةٌ معروفة مألوفة، وأخرى معنويَّةٌ إيمانيَّة مشهودة، فاحرِص على الأُخرى حِرصكَ على الأولى وزيادة. قد ضمن الله لك رزقَك فلا تقلق لأجله، وأمرك بالتزام ما أوجبَه عليك، فلا تقصِّر فيه، واحذر أن تنشغلَ بما كفَلَه لك عمَّا طلبه منك. |
﴿إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡقَصَصُ ٱلۡحَقُّۚ وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّا ٱللَّهُۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 62]
قِصَص القرآن ليست كسائر القِصَص، فهو أصدقُ القول وأحكم البيان، والعاقل مَن صدَّق بأخباره وانتفع بقِصَصه واعتبرَ بحوادثه. هو العزيز فلا يُعبَد غيرُه، ولا يُخضَع لسواه، وهو الحكيم فلا شرعَ إلا شرعُه، ولا أمرَ إلا أمرُه. |
﴿أَفَغَيۡرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبۡغُونَ وَلَهُۥٓ أَسۡلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعٗا وَكَرۡهٗا وَإِلَيۡهِ يُرۡجَعُونَ ﴾ [آل عمران: 83]
مَن ابتغى سعادتَه وصلاحَ حاله رجع إلى منهج الله في ذات نفسِه، ونظام حياته، ومنهج مجتمعه، ليتناسقَ مع نظام الكون كلِّه. كلٌّ راجعٌ إلى الله، أمَّا المؤمن فيستسلم بقلبه وقالَبه لله، فيعود إليه فائزًا، وأمَّا الكافر فيستسلم له تحت الكُره والسلطان، فيعود إليه خاسرًا. على العبد أن يحذرَ كلَّ الحذر من الرجوع إلى ربِّه على غير ملَّة الإسلام التي ارتضاها تعالى دينًا واحدًا لعباده. |
﴿وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ ﴾ [آل عمران: 109]
من علم أنه لن يُغنيَ مملوكٌ عن مملوك شيئًا، وأن الخلق كلَّهم لله يتصرَّف فيهم كيـف يشـاء، ويجـازي كلًّا بمـا يستحقُّ، استعدَّ لما أمامه، ولم يرضَ أن يكونَ ذيلًا لأحدٍ في الباطل. إذا كان جميع ما في السماوات والأرض لله، وجميع الأمور ترجع إلى الله، فاجعل أمرك كلَّه لله؛ فذلك سبيلُ نجاتك ونجاحك. |
﴿وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ يَغۡفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ﴾ [آل عمران: 129]
الخلق كلُّه ملكٌ لله تعالى، يغفر لمَن يشاء برحمته، ويعذِّب مَن يشاء بعدله. |
﴿وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 189]
المُلك كلُّه لله تعالى وحدَه، فهو المالك المتفرِّد، وما العبدُ إلا وكيل، فهل يتصرَّف الوكيلُ في مُلك سيِّده إلا بإذنه؟ |
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبٗا ﴾ [النساء: 1]
إنه لا أحقَّ بالاتِّقاء من الله المكرِم، الخالق المنعِم، الذي جعل من خَلقه للعباد آيةً دالَّةً على قدرته، وناطقةً بعظمته. خلق الله الناسَ من نفسٍ واحدة؛ ليعطِفَ بعضُهم على بعض، ويَرفُقَ بعضُهم ببعض، مهما تفرَّقوا في الأقطار، ونأت بهم الدِّيار. عَلاقة الزوجيَّة من أوثق العَلاقات، وبين الزوجين نسَبٌ واتِّصال ما أشدَّه! أوَ ليست حوَّاء خُلقت من ضِلَع آدم؟ والفرع يحنُّ إلى أصله، والأصلُ يحنو على فَرْعه. قبيحٌ بالمرء أن يُظهرَ التعظيم لله تعالى حتى يحصِّلَ مرادَه، فإذا أمره ونهاه كان غافلًا عن مراد الله منه، تلك عبادةُ تجَّار، لا عبادةُ أبرار. قرَنَ الله بين شريفِ حقِّه، وحقوقِ أرحامِ عباده وأقربيهم، فمَن ذا الذي يستهين بحقٍّ قرنَه الله بحقِّه، ويغفُل عن أمرٍ عظَّمه الله بجعله مع أمره؟ إن الرقيب عليك هو الله تعالى، الخالق الذي يعلم مَن خلق، العليم الخبير الذي لا تخفى عليه خافية، لا في ظواهر الأفعال ولا خفايا القلوب. |
﴿ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ لَيَجۡمَعَنَّكُمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ لَا رَيۡبَ فِيهِۗ وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثٗا ﴾ [النساء: 87]
يا له من تخويف؛ بدأ باسمه العظيم، وتوحيده الجليل، وقسَمِه المؤكِّد؛ ليذكِّرَنا يوم الجمع، حيث نُساق إلى الحساب سَوقًا! التذكير الدائمُ بيوم القيامة، وحقيقةِ وقوعه، وعِظَمِ ما يحصل فيه، يعظ القلوبَ ويوقظ من سِنة الغفلة، ويعينُ على المسارعة إلى مضامير الخيرات. إذا تدبَّر المسلم كلامَ ربِّه ازدادَ يقينًا بعِظَم صدقه؛ لأنه لا كلامَ أكثر مطابقةً للواقع من كلامه، ولا خطابَ أبلغ صدقًا من خطابه. |
﴿وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٖ مُّحِيطٗا ﴾ [النساء: 126]
الإيمان بتمام مُلك الله عزَّ وجلَّ، وإحاطتِه بكلِّ شيء قدرةً وعلمًا، يبعث على المراقبة والإخلاص وإحسان العمل، وهذا من آثار الإيمان بأسماء الله الحسنى وصفاته العُلى. |
﴿وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ وَلَقَدۡ وَصَّيۡنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَإِيَّاكُمۡ أَنِ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ وَإِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدٗا ﴾ [النساء: 131]
سبحان ربِّنا، ملَك كلَّ شيءٍ خَلقًا وتدبيرًا، أفلا يملكه أمرًا ونهيًا، وطاعةً وتسليمًا؟! أوصى اللهُ بالتقوى أهلَ الكتاب، وجعلها في شريعتنا في كلِّ باب، فهي وصيَّةٌ مستمرَّة، لم يلحَقها تبديلٌ ولا نسخ ولا تحويل. تعالى الله المجيد، هو الغنيُّ عن خلقه، ولا يخرج شيءٌ عن مُلكه، لا يزداد جلالُه بالطاعات، ولا تَنقُص عظمتُه بالسيِّئات؛ مَن عبدَه شكر له، ومَن كفر به لم يضرَّ إلا نفسَه. لئن كان الغنيُّ لا يُمدح إلا بمقدار ما يَمنح، فإن الله حميدٌ في ذاته وصفاته، حميدٌ إن أعطى وإن منع؛ لأن ذلك قائمٌ على علمه وحكمته. |
﴿وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلًا ﴾ [النساء: 132]
من تمام الوكالة تدبيرُ الأمور على وجه الحكمة؛ لأنها تستلزم العلمَ بما هو وكيلٌ عليه، ثم القوَّةَ والقدرة على تنفيذه على وجه المصلحة. |
﴿لَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ مَرۡيَمَۚ قُلۡ فَمَن يَمۡلِكُ مِنَ ٱللَّهِ شَيۡـًٔا إِنۡ أَرَادَ أَن يُهۡلِكَ ٱلۡمَسِيحَ ٱبۡنَ مَرۡيَمَ وَأُمَّهُۥ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗاۗ وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَاۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ ﴾ [المائدة: 17]
وصف النصارى بالكفر حُكمٌ شرعيٌّ قضى به الله تعالى، فلا سبيلَ للاستخفاء به، بل هو وصفٌ صادقٌ لمَن سبَّ اللهَ أعظم مَسبَّة. لا أحدَ يدفع إرادةَ الله؛ لأنه المالكُ لأمر الوجود كلِّه، ولا يستطيع أن يصرفَه عن عملٍ يريده، أو يحملَه على أمرٍ لا يريده، أو يستقلَّ بعملٍ دونه. إن كنت تعلم أنه لا يملك منعَ مُراد اللهِ تعالى أحدٌ من الخَلق، أفيَليقُ بك أن تتوجَّهَ إلى غيره، ممَّن لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضُرًّا؟ لا يعترضُ على مالك السماوات والأرض، الخالقِ لكلِّ شيء، والقادرِ على كلِّ شيء، إلا ذاهبُ اللبِّ، وإن لم ينتظِم في قافلة المجانين. |
﴿لَقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ مَرۡيَمَۖ وَقَالَ ٱلۡمَسِيحُ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمۡۖ إِنَّهُۥ مَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدۡ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ ٱلۡجَنَّةَ وَمَأۡوَىٰهُ ٱلنَّارُۖ وَمَا لِلظَّٰلِمِينَ مِنۡ أَنصَارٖ ﴾ [المائدة: 72]
كيف يتردَّد عاقلٌ في كفر قوم ساق اللهُ تعالى الحُكمَ بكفرهم، وبيَّن موجِباتِه في مواضعَ من آياته، أيبقى بعد هذا تردُّدٌ وامتِراء؟ إن الضلال بعد إدراك الهداية ضلالٌ مبين، فما رُفع عيسى إلا وقد حذَّر قومَه الإشراكَ بالله، فعلامَ غَلا فيه مُدَّعو اتِّباعه؟! لا التقاءَ بين المشركين الضالِّين والموحِّدين المتَّقين، ففي الدنيا افترقوا في الاعتقاد، وفي الآخرة تباينوا في سُكنى الدار؛ الجنَّة دارُ الموحِّدين الأبرار، والنارُ دار المشركين الفجَّار. قد يتباهى المشركُ في الدنيا بقوَّته وأنصاره، وأسبابِ نجاته من أخطاره، لكنَّه في الآخرة لا نصيرَ له ولا مجير، فهلَّا رحم نفسَه اليوم حالَ قوَّته، بتوحيدٍ يُنجيه يومَ ضعفه وحاجته؟ |
﴿قُلۡ يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَا تَغۡلُواْ فِي دِينِكُمۡ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوٓاْ أَهۡوَآءَ قَوۡمٖ قَدۡ ضَلُّواْ مِن قَبۡلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرٗا وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ ﴾ [المائدة: 77]
نهى القرآنُ عن الغلوِّ في الدين؛ لأنه الآفةُ التي رُفع بسببها نبيُّ الله عيسى وأمُّه الصدِّيقةُ إلى منزلة الربِّ العظيم، وابتُدِعَ من المحدثات ما لم يشرعه العليمُ الحكيم. |
﴿لِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا فِيهِنَّۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرُۢ ﴾ [المائدة: 120]
مَن ذا الذي يملكُ السماواتِ والأرض، ويتصرَّفُ فيهما كيف يشاء إلا الحيُّ القيُّوم؟ فهل يعقِلُ هذا من يدَّعي الألوهيَّةَ لعبدٍ من عبيده؟ |
﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَۖ ثُمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمۡ يَعۡدِلُونَ ﴾ [الأنعام: 1]
الحمد لله الذي جعل في السماوات آياتٍ على إبداع خلقه وإتقانه، وفي الأرض براهينَ على قدرته وسلطانه، وفي آلائه على عباده شواهدَ على فضله وإنعامه. عجيبٌ أن ينطِقَ الكون كلُّه بعظمة الله وتوحيده، ويُعرِضُ عن ذلك أكثرُ من كلَّفَ من عبيده! |
﴿هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٖ ثُمَّ قَضَىٰٓ أَجَلٗاۖ وَأَجَلٞ مُّسَمًّى عِندَهُۥۖ ثُمَّ أَنتُمۡ تَمۡتَرُونَ ﴾ [الأنعام: 2]
يا بنَ آدم، تأمَّل في خلق أصلِك، وتدبَّر في مبدأ أمرك؛ حتى تتواضعَ لمَن خلقَ السماواتِ والأرضَ، والظلماتِ والنور. لو كانت معرفةُ الموت وميعادِ القيامة ممَّا يُدركه الخلقُ لم يتحقَّـق تمـامُ العبوديـة؛ لأن النفـس البشـرية مطبوعةٌ على حبِّ اللهو، والرغبةِ في التفلُّتِ من التكاليف، فإخفاءُ ذلك من أعظم النِّعَم. |
﴿قُل لِّمَن مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ قُل لِّلَّهِۚ كَتَبَ عَلَىٰ نَفۡسِهِ ٱلرَّحۡمَةَۚ لَيَجۡمَعَنَّكُمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ لَا رَيۡبَ فِيهِۚ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 12]
الإقرار بوجود الله ومُلكه يَلزمُ منه الإقرارُ بوَحدانيَّته وانفراده. إذا كانت رحمةُ الله في الدنيا لا تُحصى مظاهرُها، وهي رحمةٌ واحدة، فكيف رحمتُه بعباده يومَ المَعاد، وهي تسعٌ وتسعون رحمة؟! كتب الله على نفسِه الرحمة، ولم يكتبها عليه أحد؛ فضلًا منه وكرما، ورأفةً بعباده وحِلما. لو شاء اللهُ لحاسب كلَّ أحدٍ من خلقه وحدَه دون ذلك الجمع، ولكنَّه جمعَ الخلقَ كلَّهم في صعيدٍ واحد؛ تشريفًا لأهل طاعته بين الخلائق بثوابه، وإذلالًا لأهل معصيته بعقابه. الإيمان بطاقةُ النجاة بين يدَي الله تعالى، فمَن أضاعها فقد خسر خسرانًا مبينًا. |
﴿قُلۡ أَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّٗا فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَهُوَ يُطۡعِمُ وَلَا يُطۡعَمُۗ قُلۡ إِنِّيٓ أُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ أَوَّلَ مَنۡ أَسۡلَمَۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 14]
أيُّ عاقلٍ يدعُ خالقَـه الغنيَّ الجليل، ذا القدرة الباهـــرة التي شهـدت لها سماواتُه وأرضُه وينصرفُ إلى مخلوقٍ لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضَرًا، راجيًا وَلايتَه، وطالبًا نصرتَه؟! لا تُطمِـع الكافرين أن يستغلُّـوا ما وهبـك الله من لطف، وما أمرَك به دينُك من رحمةٍ ولينٍ وعطف، فيستميلوك إليهم. إعلان الانتماءِ الكامل للتوحيد والموحِّدين، والبراءةِ التامَّة من الشرك والمشركين، عنوانٌ صريح يقطع أطماعَ الكافرين. |
﴿وَإِن يَمۡسَسۡكَ ٱللَّهُ بِضُرّٖ فَلَا كَاشِفَ لَهُۥٓ إِلَّا هُوَۖ وَإِن يَمۡسَسۡكَ بِخَيۡرٖ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ ﴾ [الأنعام: 17]
جديرٌ بالعبـد أن يتعلَّـقَ بربِّه سبحـانه في جلب منافعه ودفع مضارِّه؛ فهو وحدَه تعالى القادر على نفعه وضَرِّه، لا يُعجزه شيءٌ يريده، ولا يمتنع منه شيءٌ يطلبه. |
﴿ٱنظُرۡ كَيۡفَ كَذَبُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡۚ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ ﴾ [الأنعام: 24]
يحِقُّ للمؤمن في هذا الموقف أن يستوليَ عليه العَجَب! كيف اجترأ المشركون على الكذب على أنفسهم من أجل نجاتها، وهم قد عملوا في الدنيا على إهلاكها؟! أفيظنُّونَ الكذبَ نافعَهم هناك؟! لا تغترَّ بانتفاخ الباطل اليومَ وظهوره؛ فإن أربابَه يوم القيامة لا يستطيعون نصرَ أنفسهم، ولا إنجاءَ أتباعهم. |
﴿قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِنۡ أَخَذَ ٱللَّهُ سَمۡعَكُمۡ وَأَبۡصَٰرَكُمۡ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُم مَّنۡ إِلَٰهٌ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَأۡتِيكُم بِهِۗ ٱنظُرۡ كَيۡفَ نُصَرِّفُ ٱلۡأٓيَٰتِ ثُمَّ هُمۡ يَصۡدِفُونَ ﴾ [الأنعام: 46]
الإمداد بنِعَم السمع والبصر والقلب، والإفضالُ بسلامتها، نعمةٌ عظيمة توجِبُ على المنعَمِ عليه تسخيرَها فيما يرضي واهبَها سبحانه، وجعلَها قنواتٍ مفتوحةً لاستقبالِ الحق. نوَّعَ اللهُ براهينَ الإيمان وآياتِه؛ رحمةً بعباده لعلَّهم يؤمنون، فمَن لم تتَّضح له آيةٌ آمنَ بأخرى، غيرَ أن كثيرًا منهم أعرضوا ولم يستجيبوا. |
﴿قُلۡ أَرَءَيۡتَكُمۡ إِنۡ أَتَىٰكُمۡ عَذَابُ ٱللَّهِ بَغۡتَةً أَوۡ جَهۡرَةً هَلۡ يُهۡلَكُ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلظَّٰلِمُونَ ﴾ [الأنعام: 47]
يغترُّ الظالمُ بإمهالِ الله له، وينسى أن العقوبةَ آتيةٌ لا محالةَ، فقد تأتيه فجأةً بلا مقدِّمات فتفجعه، وقد تأتيه بعد مقدِّمات فتُذلُّه وتقهره، فلا يُفلتُ من تلك العاقبة المنتظَرة مهما امتدَّ به زمنُ الإمهال. |
﴿۞ وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ ٱلۡغَيۡبِ لَا يَعۡلَمُهَآ إِلَّا هُوَۚ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۚ وَمَا تَسۡقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعۡلَمُهَا وَلَا حَبَّةٖ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡأَرۡضِ وَلَا رَطۡبٖ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٖ ﴾ [الأنعام: 59]
مَن لا يَعزُبُ عن علمه من الأحوال ما لا ثوابَ فيه ولا عقاب؛ كسقوطِ ورقةٍ من نبتة، ووجودِ حَبَّة في بقعة نائيةٍ من كونه؛ فلن تغيبَ عنه أعمالُ عباده التي جرى عليها التكليف. مهمـا بلغَت علومُ البشر وعقـولُهم فلا يمكن أن تحيطَ بشيءٍ من علم الله تعالى إلا بما شاء. لم يعلَمها سبحانه فحسب؛ بل جعل ذلك في كتاب؛ زيادةً في ظهور علمه وقدرته، وحجَّة على أعمال عباده. |
﴿وَهُوَ ٱلۡقَاهِرُ فَوۡقَ عِبَادِهِۦۖ وَيُرۡسِلُ عَلَيۡكُمۡ حَفَظَةً حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ تَوَفَّتۡهُ رُسُلُنَا وَهُمۡ لَا يُفَرِّطُونَ ﴾ [الأنعام: 61]
العبد تحت رِقابة الله وعلمه، وهو خاضعٌ لأمر ربِّه وحُكمه؛ فملائكةٌ من الله تحفظ عليه عمله حتى ينقضيَ عُمرُه، وملائكةٌ تتوفَّاه متى حضر أجلُه. |
﴿۞ إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلۡحَبِّ وَٱلنَّوَىٰۖ يُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَمُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتِ مِنَ ٱلۡحَيِّۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ ﴾ [الأنعام: 95]
مَن نظر إلى هذا الكون الفسيح بعين التدبُّر والتأمُّل، وجد فيه دلائلَ باهرة، وحُججًا على قدرة الله ظاهرة، غيرَ أن الغفلةَ قد تَصرِفُ الفِكرةَ عن العِبرة. ذلكم الفاعلُ الأفعالَ العظيمةَ هو الذي يعرفه الخلقُ باسمه الدالِّ على أنه الإلهُ الحقُّ، فلا تَعدِلوا به أحدًا، فلا موجِبَ يصرفُكم عن توحيده. |
﴿لَّا تُدۡرِكُهُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَهُوَ يُدۡرِكُ ٱلۡأَبۡصَٰرَۖ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلۡخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 103]
تعالى ربُّنا أن تدركَه الأبصار، وسمَت عظمتُه أن تُحيطَ به الأنظار، فهل ثَمَّ مَن هو أعظم منه؟ أحاطَ علمُه سبحانه بالظواهرِ والبواطن، والمحدَثات والكوائن، ووسِعَ سمعُه جميعَ الأصوات، وشمِلَ بصرُه كلَّ المُبصَرات، وأدركَ بلُطفه وخِبرته السرائرَ والخفِيَّات؛ لا إله إلا هو. |
﴿قُلۡ إِنَّنِي هَدَىٰنِي رَبِّيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ دِينٗا قِيَمٗا مِّلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفٗاۚ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 161]
مَن أراد سلوكَ الصِّراطِ المستقيم فليتَّبع مَن هُدِيَ إليه، فإن وجد نفسَه على غير ذلك الأثر فقد حادَ عن الجادَّة. مَن عمل بالإسلام كما جاء به رسولُ الله ﷺ فهو من أهل الصِّراط المستقيم، والدين الحقِّ القويم، الذي به استقامةُ حياته، وصلاحُ آخرته. دين الإسلام دينٌ قائمٌ بمصالح الدنيا والآخرة، فما لعبدٍ عنه من غِنًى. للهِ ما أعظمَ مكانةَ إبراهيمَ عليه السلام! لقد أجمعَت الأممُ على فضل إمامته، وحُسن هَديه، وكلُّ الأمم تَدَّعي بدينه وصلًا. |
﴿وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمۡ خَلَٰٓئِفَ ٱلۡأَرۡضِ وَرَفَعَ بَعۡضَكُمۡ فَوۡقَ بَعۡضٖ دَرَجَٰتٖ لِّيَبۡلُوَكُمۡ فِي مَآ ءَاتَىٰكُمۡۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلۡعِقَابِ وَإِنَّهُۥ لَغَفُورٞ رَّحِيمُۢ ﴾ [الأنعام: 165]
ما جعلَ الله العبادَ خلائفَ إلا وقد أنعمَ عليهم مرَّتين: مرَّةً بإذهاب غيرهم، وأخرى بإنشائهم، وذلك موجبٌ للشكر، محذِّرٌ من الكفر. اقتضت حكمةُ الله تبايُنَ الناس في الدرجات؛ ليحصُلَ التمايزُ في التصرُّفات، ويخدُمَ بعضُهم بعضًا في تحصيل مصالح الحياة، وليَجريَ بذلك ابتلاءُ العبد بما أُعطي، فيظهرَ المطيعُ من العاصي. طرُق تأثُّر العبادِ مختلفة؛ فمنهم مَن يتأثَّرُ بالترغيب، ومنهم مَن يتأثَّر بالترهيب، ومنهم مَن يَنجَعُ معه كلاهما؛ فلذلك سلك القرآنُ المسالكَ كلَّها. |
﴿إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يُغۡشِي ٱلَّيۡلَ ٱلنَّهَارَ يَطۡلُبُهُۥ حَثِيثٗا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَٰتِۭ بِأَمۡرِهِۦٓۗ أَلَا لَهُ ٱلۡخَلۡقُ وَٱلۡأَمۡرُۗ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ﴾ [الأعراف: 54]
أيها العباد، إنه سبحانه هو مربِّيكم والمنعم عليكم والهادي لقلوبكم إلى سواء الصراط، فلا ينبغي أن يُعبدَ معه غيرُه. هو القادرُ سبحانه على خلق ما يشاء كما يشاء في طَرفةِ عين، ولكن كم في التأنِّي من الحكمة ولطف التدبير، وإرشاد الخَلق إلى الأخذ بذلك في أمور حياتهم. ألا تَرهبُ النفسُ ربًّا استوى على عرش عظيم، وتمتلئ له إجلالًا وإعظامًا، وإكبارًا وتقديسًا؟ كما للخالق كمالُ الخلق وإتقانه، وإبداعُه وإحكامه، فله ذلك سبحانه في أمره ونهيه. تبارك ربُّنا في نفسه؛ لعظمة أوصافه، وكمالِ ذاته، وباركَ في غيره بإحلال الخير الجزيل فيه، فكلُّ بركةٍ في الكون فمن آثار بركاته ورحماته. |
﴿قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡ جَمِيعًا ٱلَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحۡيِۦ وَيُمِيتُۖ فَـَٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِيِّ ٱلۡأُمِّيِّ ٱلَّذِي يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَٰتِهِۦ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ ﴾ [الأعراف: 158]
رسالة رسولنا محمَّد ﷺ إلى الناس كافَّة، وإن كان للعرب شرفٌ بخروجه منهم، لكنَّ هذا الشرفَ لا يدركُه إلا مَن اتَّبعه حقًّا من العرب أو العجم. كيف يُعبَد غيرُ الله، ويُعصى مَن أرسلَه، والمُلك كلُّه لله وحدَه؛ يحيي ويميت، ويبعثُ العبادَ للحساب؛ من غير شريك ولا نِدٍّ! إن العلم العظيمَ الذي تلقَّاه رسولنا الأميُّ الكريم ﷺ كان من كلمات الله، فهل بعد هذا العلم من علم؟ أميَّةُ نبيِّنا الكريم ﷺ كمال، وأميَّةُ غيره نقص، فمجيئُه بهذا العلم مع أميَّته دليلٌ على نبوَّته. لا يكفي الإيمانُ في القلب ما لم يكن معه اتِّباعٌ عملي، فدلِّل على إيمانك بصحيح اتِّباعك. يا من تطلب الهدايةَ والنجاة، كن متَّبعًا ولا تكن مبتدِعًا. |
﴿أَوَلَمۡ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيۡءٖ وَأَنۡ عَسَىٰٓ أَن يَكُونَ قَدِ ٱقۡتَرَبَ أَجَلُهُمۡۖ فَبِأَيِّ حَدِيثِۭ بَعۡدَهُۥ يُؤۡمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 185]
لا ينظرُ في الكون امرؤٌ بقلبِ عاقلٍ وعينِ بصيرٍ إلا عرفَ فيه إبداعًا وإعجازًا يشهد على قدرة خالقه جلَّ جلالُه. في الكون من الدلائل على وجود الله تعالى ما لا يلتبسُ على ناظر، ولا يخفى على قارئ؛ لأنه اللغةُ التي لا تحتاجُ إلى ترجمة. العاقل إذا علم اقترابَ أجلِه بادر إلى طلب الحقِّ؛ عساه يفوزُ بمغفرة ربِّه، وينجو من عذابه. قد بلغ إلى الكافرين مُنتهى البيان بما وصل إليهم من لسان رسول الله ﷺ من الآيات، وبما نصبَ اللهُ لعباده من البيِّنات في أصناف المخلوقات. |
﴿۞ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَجَعَلَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا لِيَسۡكُنَ إِلَيۡهَاۖ فَلَمَّا تَغَشَّىٰهَا حَمَلَتۡ حَمۡلًا خَفِيفٗا فَمَرَّتۡ بِهِۦۖ فَلَمَّآ أَثۡقَلَت دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنۡ ءَاتَيۡتَنَا صَٰلِحٗا لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّٰكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 189]
تذكير الإنسان بأصل خَلقه وأوَّل أمره، سبيلٌ إلى امتثاله أمرَ ربِّه، وقد خلقَه ليكونَ له عبدًا شكورًا، لا نِدًّا أو كفورًا. النفس واحدةٌ في أصلها ومَنشئها، وإن اختلفت في تكوينها ووظيفتها بين الذكر والأنثى، وقد كان هذا الاختلافُ المحمود ليسكنَ الزوجُ إلى زوجه، ويستريحَ إليه ويُكمِّلَه. باستقرار الحياة الزوجيَّة يؤهَّل الجيلُ الناشئ للقيام بواجب العبودية، واستمرار الحياة، وحمل تراث التمدُّن البشريِّ والإضافة إليه. متى اختلَّت الطُّمَأنينةُ في الحياة الزوجيَّة، وغدت حياةً قلِقة، فإن الخلل قد بلغ مبلغًا يقتضي إعادةَ النظر فيها، والحرص على إصلاحها. الزوجة الصالحة تُضفي على البيت المسلم الراحةَ والسَّكينةَ والأمان. العَلاقة الزوجيَّةُ عَلاقةٌ يجب أن تُبنى على السَّتر؛ فلذلك علَّمنا القرآنُ الأدبَ في انتقاء الألفاظ الأنيقة للحديثِ عنها. عند الطمع في الخير تستيقظ الفِطرة فتتوجَّهُ إلى الله وحدَه، مقرَّةً له بالربوبيَّة، وطامعةً في فضلِه وكرمه؛ لإحساسها العميق بمصدر القوَّة والإفضال الوحيد في هذا الوجود. الولد الصالح في خَلقه وخُلُقه نعمةٌ عظيمة، ومنحةٌ كريمة، تستوجب شكرَ الله عليها. |
﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ يُحۡيِۦ وَيُمِيتُۚ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٖ ﴾ [التوبة: 116]
كما أن أحكامَه سبحانه صادرةٌ عن كمال علمه، فهي أيضًا صادرةٌ في ملكه الكامل، فالمعترِض على حكمه جاهلٌ ومُعتدٍ أيضًا. السموات والأرضُ على عظمتهما لله عز وجل، يتصرَّفُ فيهما كيف يشاءُ، فكيف بما دونهما؟! فتعلَّق أيُّها المؤمن بربِّك، فلا ناصرَ لك سواه. متى والى المسلمون ربَّهم واتَّكلوا عليه وامتثلوا أمرَه نصَرَهم ولم يَكِلهم إلى الأسباب التي يتعلَّقُ بها الناس. |
﴿إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَۖ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ إِذۡنِهِۦۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [يونس: 3]
لو شاءَ اللهُ تعالى لخلقَ خلقَه في أقلَّ من طَرفةِ عين، لكن له سبحانه في خلقه حِكمة، نعلم منها التأنِّيَ وإحكامَ الأمور وإتقانَ الأعمال. سبحانه من إلهٍ مستوٍ على عرشه! لا يزالُ يدبِّرُ أمرَ خلقِه كلَّ حين في سماواته وأرضه. كما لا مدبِّرَ مع الله جلَّ شأنه منذ أن بدأَ الخلق؛ فإنه لا شفيعَ معه دون إذنه يوم الحساب. الأمرُ كلُّه للهِ وحدَه، فهو تعالى يُلهِمُ الداعيَ الدعاءَ فيستجيبُ له، ويأذنُ للشافعِ بالشفاعة فيقبلُ شفاعتَه. ألا يتوجَّهُ الناسُ بالعبادةِ إلى مَن أوجد هذا الكونَ العظيم، ثمَّ بعثَ إليهم برحمته هذا النبيَّ الكريم ﷺ؛ يحذِّرُهم ويُبشِّرُهم؟! |
﴿هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمۡسَ ضِيَآءٗ وَٱلۡقَمَرَ نُورٗا وَقَدَّرَهُۥ مَنَازِلَ لِتَعۡلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلۡحِسَابَۚ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۚ يُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ ﴾ [يونس: 5]
الشمس والقمر آيتان عظيمتان؛ ضياءٌ لك في النهار، ونورٌ لك في الليل، فهلَّا شكرتَ الله عليهما. لا تَشُقُّ معرفةُ التاريخ على الناس، ما دام القمرُ الضابط له قائمًا في جوِّ السماء، فأيَّةُ نعمةٍ هذه! ندبَ الإسلامُ إلى تعلُّمِ العلومِ النافعة، من معرفةِ منازل القمر، وضبط الحساب، وسواهما من العلوم الكَونية. لقد أحكم ربُّنا الكونَ لخلقه؛ أفلا يَضبِطُ جزاءَ أعمالهم يوم لقائه بحُكمه وعدله؟! ما أجهلَ مَن لم يهتدِ بالدلائل الدالَّةِ على ربِّه! بل يراها ظواهرَ متكرِّرةً في حياته، لا يقفُ إلا على ظاهرها، ويغفُل عن الغاية من تسخيرها. |
﴿وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمۡ وَلَا يَنفَعُهُمۡ وَيَقُولُونَ هَٰٓؤُلَآءِ شُفَعَٰٓؤُنَا عِندَ ٱللَّهِۚ قُلۡ أَتُنَبِّـُٔونَ ٱللَّهَ بِمَا لَا يَعۡلَمُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ ﴾ [يونس: 18]
لا ترجُ غيرَ خالقك، ولا تخشَ سوى ربِّك، فإن غيرَه لن يملِك لك ضَرًّا ولا نفعًا، إلا ما شاء الله. لن تبلغَ المعبوداتُ أن تضُرَّ من شاء اللهُ حمايتَه من الضَّرِّ، أفليسَ من يمنعُ الضَّرَّ عن عباده هو الأحقَّ بالشكر؟! إن كانت عبادةُ غيرِ اللهِ ليست نافعةً أصحابَها؛ فإن عبادةَ الله تعالى بلا شكٍّ ستنفعُ أهلَها في العاجل والآجل. عجيبٌ كيف يصرُّ عبَّادُ الأصنام على الاستمرار في عبادتها، مع اعترافهم الدائم بأن المتصرِّفَ هو اللهُ تعالى وحدَه! ليس لما يعبُد الناسُ من دون الله عنده يدٌ، ولا نوعُ تصرُّفٍ، فمن طلبَ رضا هؤلاء الوُسطاء بعبادتهم فقد ظنَّ بالله ظنَّ السَّوء. اللهُ تعالى أقربُ إلى عباده مِن حاجته إلى شُفعاءَ يوصلونهم إليه، وأعظمُ من أن يكون له وُسَطاءُ يُزكُّون الناسَ لديه. تعالى ربُّنا أن يجهلَ أحوالَ خَلقه حتى يخبرَه بها أحد! لقد جَهلَ مقامَ الربوبيةِ والألوهية مَن شبَّهَ ربَّ العالمين بعبيده من الملوك الجاهلين العاجزين وغيرِهم. |
﴿هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمۡ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۖ حَتَّىٰٓ إِذَا كُنتُمۡ فِي ٱلۡفُلۡكِ وَجَرَيۡنَ بِهِم بِرِيحٖ طَيِّبَةٖ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتۡهَا رِيحٌ عَاصِفٞ وَجَآءَهُمُ ٱلۡمَوۡجُ مِن كُلِّ مَكَانٖ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمۡ أُحِيطَ بِهِمۡ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ لَئِنۡ أَنجَيۡتَنَا مِنۡ هَٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّٰكِرِينَ ﴾ [يونس: 22]
الجأ إلى ربِّك ساعةَ الشدَّة وحالَ الرخاء، فقدرتُه تعالى على رعايتك في الحالين سِيَّان. المؤمنُ الصادقُ ثابتُ الدِّيانةِ في كل أحواله، فلا يتلوَّنُ في دين الله حسبَ مصالحه، كرجل السوء، الذي لم يقدُرِ اللهَ حقَّ قدره. التوحيد وفاءٌ بحقِّ الله، وليس مشارطةً على النِّعمة. ما أبعدَ أولئك القوم الذين إذا نزلت بهم مصيبةٌ استغاثوا بالأموات، دون ربِّ الأرض والسماوات! · إذا انقطعَت بالعبد الأسباب، ورجع مضطرًّا إلى ربِّ الأرباب؛ أُجيبَ دعاؤه ولو كان كافرًا، فإن إجابة الدعاء من مقتضى الربوبيَّة، وليس كلُّ من أجاب اللهُ دعاءه يكون راضيًا عنه. |
﴿وَيَوۡمَ نَحۡشُرُهُمۡ جَمِيعٗا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ مَكَانَكُمۡ أَنتُمۡ وَشُرَكَآؤُكُمۡۚ فَزَيَّلۡنَا بَيۡنَهُمۡۖ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمۡ إِيَّانَا تَعۡبُدُونَ ﴾ [يونس: 28]
كلُّ ولاءٍ في غيرِ ذات الله فهو زائل، وإلى التَّناكُرِ يوم القيامة آيِل. ما أسوأَ حالَ المشركين يوم القيامة، حين يتبرَّأُ منهم شركاؤهم، وتذهب عبادتُهم لهم ذنوبًا فوق ظهورهم! |
﴿وَمَا يَتَّبِعُ أَكۡثَرُهُمۡ إِلَّا ظَنًّاۚ إِنَّ ٱلظَّنَّ لَا يُغۡنِي مِنَ ٱلۡحَقِّ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا يَفۡعَلُونَ ﴾ [يونس: 36]
تمنيةُ النفسِ بالأوهامِ والظنون التي لا تُبنَى على العلوم؛ لا تنفعُ ولا تُفيد، ولا هي من الأمرِ الرَّشيد. للعاقلِ أن يقفَ متعجِّبًا من أناسٍ كثيرين يَدَعون الحقائقَ واليقين والبراهين، ويتَّبعون الظنونَ والأوهام والتخمين! إخبارُ اللهِ تعالى بعلمه المحيطِ بالأفعال يجعلُ العاقلَ يُراقبُ أفعالَه حتى لا يكون فيها ما يُسخِطُ مولاه الذي سيحاسبُه عليها، بناءً على علمه الواسع بها. |
﴿أَلَآ إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ أَلَآ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ ﴾ [يونس: 55]
مَن يملِكُ ما في السماوات والأرض يملِكُ أن يجعلَ وَعده حقًّا، فلا يُعجزُه عن تحقيقه مُعجِز، ولا يُعوِّقُه عن تصديقه مُعوِّق. العِلمُ النافعُ هو ما يُعينُ صاحبَه على الاستعدادِ للقاءِ الله، وذاك العلمُ لا يُعذَر في الجهل به والتفريطِ فيه أحد. |
﴿هُوَ يُحۡيِۦ وَيُمِيتُ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ ﴾ [يونس: 56]
مَن يملِكُ الحياةَ والموت يملِكُ الرَّجعةَ والحساب، ولا يكونُ ذلك إلا لربِّ الأرباب. |
﴿أَلَآ إِنَّ لِلَّهِ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِۗ وَمَا يَتَّبِعُ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُرَكَآءَۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا يَخۡرُصُونَ ﴾ [يونس: 66]
لا فخرَ في وَلايةِ الإنسان لمخلوقٍ ضعيف عاجز، وإنما الفخرُ في ولايةِ مَن ملك المخلوقين كلَّهم؛ في السماوات أو في الأرض. كم الفرقُ بين عابدٍ مطمئنِ القلب، ساكنِ النفس، عبدَ الإلهَ الحقَّ على يقين، وبين عابدٍ مفرَّقِ الفكر، مضطربِ القلب، عبدَ غيرَ اللهِ بأوهامٍ وظنون، وبدع وأباطيل! |
﴿مَتَٰعٞ فِي ٱلدُّنۡيَا ثُمَّ إِلَيۡنَا مَرۡجِعُهُمۡ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ ٱلۡعَذَابَ ٱلشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكۡفُرُونَ ﴾ [يونس: 70]
ليس الفلاحُ أن يتمتَّعَ المرءُ بالدنيا ثم ينقطعَ في نهايةِ الطريق، لكنَّ الفلاحَ أن يتزوَّد من دنياه بما يُنجيه في أُخراه، ويبلِّغُه آمالَه لدى مولاه. كيف يطِيبُ متاعٌ يَعقُبُه عذاب، وكيف يَعصي عبدٌ ربًّا وهو عمَّا قريبٍ سيصيرُ إليه، ويقف بين يديه؟! |
﴿قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَا تُغۡنِي ٱلۡأٓيَٰتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوۡمٖ لَّا يُؤۡمِنُونَ ﴾ [يونس: 101]
هذا الكون كتابٌ مفتوح، تَلوحُ على صفحاتِه صورُ عظمةِ الخالق وجلالِه، وآياتُ إبداعه وكمالِه، فالمؤمن ينظر فيجدِّد إيمانه وينمِّيه، والكافر يرى فيجدِّد إعراضَه وجُحوده. ما أيسرَ دلائلَ الهدى لمن رغبَ فيه! فإنه لو نظرَ إلى أقربِ الأشياء منه فسيجدُها واضحةَ البرهان، داعيةً إلى الإيمان. استجابة القلبِ للآيات والعظات من أدلة قوة الإيمان، فإذا ضعُفت الاستجابةُ فليستشفِ المرءُ لقلبه، وإن انعدمت فليبحث له عن قلبٍ، فإنه لا قلبَ له. |
﴿وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ وَكَانَ عَرۡشُهُۥ عَلَى ٱلۡمَآءِ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۗ وَلَئِن قُلۡتَ إِنَّكُم مَّبۡعُوثُونَ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡمَوۡتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ ﴾ [هود: 7]
الخالقُ لكلِّ شيء من غير شيء، قادرٌ على إعادة المكلَّفين بعد موتهم، فيجازيهم على أفعالهم؛ إنه عظيمُ الشأن، حكيم التدبير لشؤون خلقه. احرِص أن تكونَ أحسنَ عملًا قبل أن تكونَ أكثرَ عملًا، فإن العمل بإخلاص واتِّباع يُبارَك فيه وإن قلَّ، والعمل بلا إخلاص واتِّباع يُمحَق ولو كثُر. |
﴿هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلۡبَرۡقَ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَيُنشِئُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ ﴾ [الرعد: 12]
المطر وبوادرُه من آيات الله الدالة على قدرته، فأحيانًا يُرسلُه برحمته، وأحيانًا يُنزِلُه بعذابه. |
﴿أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَسَالَتۡ أَوۡدِيَةُۢ بِقَدَرِهَا فَٱحۡتَمَلَ ٱلسَّيۡلُ زَبَدٗا رَّابِيٗاۖ وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيۡهِ فِي ٱلنَّارِ ٱبۡتِغَآءَ حِلۡيَةٍ أَوۡ مَتَٰعٖ زَبَدٞ مِّثۡلُهُۥۚ كَذَٰلِكَ يَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡحَقَّ وَٱلۡبَٰطِلَۚ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذۡهَبُ جُفَآءٗۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمۡكُثُ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ كَذَٰلِكَ يَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَالَ ﴾ [الرعد: 17]
قال ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما: (هذا مثَلٌ ضربه الله، احتملتِ القلوبُ من الوحي على قَدر يقينها وشكِّها، فأمَّا الشكُّ فما ينفع معه العمل، وأمَّا اليقينُ فينفع الله به أهلَه). بحسَب إقبالك على القرآن الكريم علمًا وعملًا يفتح اللهُ تعالى لك من هداياته وبيِّناته، وأسراره وأنواره. كلُّ ما وقع في قلب المؤمن من خواطرِ الكفر والنفاق فكرهَه وألقاه؛ ازدادَ به إيمانًا ويقينًا، وكلُّ مَن حدَّثته نفسُه بذنبٍ فكرهه ونفاه عن نفسه، وتركَه لله؛ ازدادَ به صلاحًا وبِرًّا وتقوى. لا تخشَ على الحقِّ، فإن اللهَ تعالى قد تولّاه بعنايته، فحفظَه كما حفظَ ما ينفعُ الناسَ، وما لا تقومُ الحياةُ إلا به. أيُّ دعوةٍ ليس مصدرُها وحيَ السماء فمصيرُ ما فيها من أقوالٍ واعتقادات، وأفكارٍ وادعاءات؛ الذهابُ والامِّحاء. لا شيءَ أنفعُ من العمل الصالح، فاحرِص عليه يَدُم لك خيرُه في عاجل أمرك وآجله. |
﴿أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۚ إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ وَيَأۡتِ بِخَلۡقٖ جَدِيدٖ ﴾ [إبراهيم: 19]
السماوات والأرض في خلقهما برهانٌ على قدرة الله ووَحدانيَّته، وإبداعه العظيم في خلقه، أفلا يستحقُّ مَن هذا صنعُه أن يُعبدَ وحده دون شريك؟! لا يظُنَّ المتمرِّدون على الله تعالى، البعيدون عن توحيده، أنهم يُعجِزون الله في أرضه؛ فإنه سبحانه قادرٌ على أن يُفنيَهم جميعًا، ويأتيَ بخلق آخرَ أطوعَ له منهم، يعبدونه ويوحِّدونه. سبحانه من إله عظيم؛ يخلُق ويُفني، خلق ما هو أكبرُ من الناس: السماواتِ والأرضَ، وهو القادرُ على إفناء مَن لم يعبدوه ويوحِّدوه! |
﴿وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٖ ﴾ [إبراهيم: 20]
لا يقفُ أمام قدرة الله تعالى شيء، وليس بممتنع عليه أن يفعلَ ما يريد بمَن أشرك به، فكن يا عبدَ الله لربِّك على التوحيد، وامضِ إليه على النهج السديد. |
﴿ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجَ بِهِۦ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزۡقٗا لَّكُمۡۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلۡفُلۡكَ لِتَجۡرِيَ فِي ٱلۡبَحۡرِ بِأَمۡرِهِۦۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلۡأَنۡهَٰرَ ﴾ [إبراهيم: 32]
تأمَّل تصويرَ آياتِ الله القرآنيةَ لآياته الكونية، حتى إذا رأيتَ بعينيك الإبداعَ في الخلق سبَّحتَ الخالقَ جلَّ جلاله. في البحارِ والأنهار مصالحُ للعباد، وكلُّها مسخَّرةٌ في زيادة نِعم الله عليهم، فالواجب شكرُها، لا أن تُتخذَ مواطنَ يُعصى اللهُ تعالى فيها. |
﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ دَآئِبَيۡنِۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ ﴾ [إبراهيم: 33]
خلق الله الشمسَ والقمر لغاية، وهما باقيانِ عليها في دَأبٍ منذ خلقهما. وأنت يا بنَ آدم، خلقك الله لغاية، من أجلها سخَّر لك الشمسَ تضيء، والقمرَ ينير، والليلَ لسكونك، والنهارَ لمعاشك، فهل أنت تعملُ لهذه الغاية؟ |
﴿وَءَاتَىٰكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلۡتُمُوهُۚ وَإِن تَعُدُّواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَآۗ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَظَلُومٞ كَفَّارٞ ﴾ [إبراهيم: 34]
ألا تَذكرُ كم مرَّةٍ توجَّهتَ صادقًا بقلبك إلى ربِّك تسألُه، وهو يجيبُك ولا يردُّك؟ فاعدِل يا بنَ آدم ولا تجحد نعمَه. كان الحسنُ البصريُّ يردِّد هذه الآيةَ في ليلة، فقيل له في ذلك، فقال: (إن فيها معتبَرًا، ما نرفع طَرْفًا ولا نردُّه إلا وقع على نعمة، وما لا نعلمُه من نِعَم الله أكثر). |
﴿وَلَقَدۡ جَعَلۡنَا فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجٗا وَزَيَّنَّٰهَا لِلنَّٰظِرِينَ ﴾ [الحجر: 16]
لو تأمَّل المشركون في هذه السماء ذاتِ الأبراج لأيقنوا أنها من صنع الله، وليست بسحرٍ يصرِفهم عن الحقيقة. |
﴿وَٱلۡجَآنَّ خَلَقۡنَٰهُ مِن قَبۡلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ ﴾ [الحجر: 27]
يخلُق من التراب إنسانًا، ومن النار جانًّا، ومن النور ملائكة! إنه سبحانه الخلَّاق العليم. |
﴿يُنَزِّلُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ بِٱلرُّوحِ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦٓ أَنۡ أَنذِرُوٓاْ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱتَّقُونِ ﴾ [النحل: 2]
سورةُ النِّعم هذه تبدأ بأجلِّ النِّعم، وهو التعريف بـ (لا إله إلا الله)، فلا نعمةَ أعظمُ من التوحيد. سبحان مَن يغيث بالوحي العباد، لتنهلَ منه القلوبُ التوحيد، فتَحيا به النفوسُ والعقول والضمائر، كما تحيا بالغيث البلاد! |
﴿خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۚ تَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ ﴾ [النحل: 3]
إن متمماتِ النِّعم ومكملاتها لَتدلُّ العبدَ على أصولها وقواعدها، ألا ترى كيف تنادي عظمةُ خلقِ السماوات والأرض بأنه لا إله إلا الله؟ |
﴿خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِن نُّطۡفَةٖ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٞ مُّبِينٞ ﴾ [النحل: 4]
لو تفكَّرَ الإنسانُ في خَلقه وعرَف أوَّلَ أمره ما تكبَّر، ومَن كان أصلُه من نطفةٍ فعلامَ يترفَّع؟! |
﴿وَٱلۡأَنۡعَٰمَ خَلَقَهَاۖ لَكُمۡ فِيهَا دِفۡءٞ وَمَنَٰفِعُ وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ ﴾ [النحل: 5]
قد جعل الله في الأنعام منافعَ تشمَلها، ففي جميع جلودها الدَّفء الذي تمَسُّ الحاجة إليه، ومنافعَ تختصُّ ببعضها؛ من الدَّرِّ والركوب والحَمل والحراثة والأكل الذي يستفيد منه معظم الناس، فهل شكرَ العبدُ ربَّه على هذه النعم؟ |
﴿لَا جَرَمَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡتَكۡبِرِينَ ﴾ [النحل: 23]
لن يحظى متكبرٌ بمحبة الله، فإن الله لا يحب إلا المتواضعين الخاضعين لجلاله. مَرَّ الحسينُ بنُ عليٍّ رضي الله عنهما على مساكينَ يأكلون، فدَعوه فأجابهم وأكلَ معهم، وتلا: ﴿إنه لا يحب المستكبرين﴾ ، ثم دعاهم إلى منزله، فأطعمَهم وأكرمَهم. |
﴿وَلَقَدۡ بَعَثۡنَا فِي كُلِّ أُمَّةٖ رَّسُولًا أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجۡتَنِبُواْ ٱلطَّٰغُوتَۖ فَمِنۡهُم مَّنۡ هَدَى ٱللَّهُ وَمِنۡهُم مَّنۡ حَقَّتۡ عَلَيۡهِ ٱلضَّلَٰلَةُۚ فَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ ﴾ [النحل: 36]
أوجبُ الواجباتِ على الأمم التوحيد، فمتى فرَّطت فيه أمَّةٌ فقد فرَّطت في رأس الأمر الذي أُرسل به رسولُها. يزوِّد الله تعالى العبدَ بمعالم الطريق؛ في نفسه وفي الآفاق، وله مشيئتُه الحرَّة في الاختيار، والأمر لله تعالى في هدايته أو تركه. كما أن الغذاءَ الصالح ينفع المزاجَ السَّويَّ ويُقوِّيه، ويضُرُّ المزاجَ المنحرف ويُفنيه، فكذلك ما بُعث به الأنبياءُ يقبلُه السعَداء، ولا يستسيغُه الأشقياء. سَلِ اللهَ تعالى التوفيقَ وألا يَكلَك إلى نفسك، فإنه مَن لجأ إلى الله هداه، ومَن وَكَله إلى نفسه وكلَه إلى عجزٍ وضَيعةٍ وجهل. مَن تأمَّل آثارَ الأمم الغابرة وعرَف أخبارَها زادته بأخبارِ القرآن يقينًا، وبقصصه اعتبارًا. |
﴿أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيۡءٖ يَتَفَيَّؤُاْ ظِلَٰلُهُۥ عَنِ ٱلۡيَمِينِ وَٱلشَّمَآئِلِ سُجَّدٗا لِّلَّهِ وَهُمۡ دَٰخِرُونَ ﴾ [النحل: 48]
هذا الكونُ برُمَّته منقادٌ لخالقه، طائعٌ لأوامره، فكلُّ عصيان وكلُّ تكذيب فإنما هو شذوذٌ عن ذلك النهج القويم. مشهد الظِّلال وهي تمتدُّ وتتراجع وتثبُت وتتمايل، مشهدٌ موحٍ لمَن يفتح قلبَه ويوقظ حِسَّه ويتجاوبُ مع الكون حوله، يُستدَلُّ به على مُدبِّره العظيم، فيا خسارةَ مَن استمتع بنِعَمه ثم كفرها! ما سجد لله جلَّ جلاله مَن أظهرت جوارحُه التذلُّلَ بين يديه، في حين قلبُه قد مُلئ كِبْرًا، ونفسُه أُشبِعَت عُجبًا. يَرقى الموحِّدُ بتوحيده إلى أشرف المراتب، وينزلُ المشركُ بشِركه إلى ما دون رتبةِ البهائم. لو أنفق المؤمن التقيُّ عُمرَه كلَّه في الطاعة لخشيَ التقصيرَ في جنب الله، وحُقَّ لمَن عرَف مقامَ الله أن يخافَه. |
﴿وَلِلَّهِۤ يَسۡجُدُۤ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن دَآبَّةٖ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَهُمۡ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ ﴾ [النحل: 49]
هذا الكونُ برُمَّته منقادٌ لخالقه، طائعٌ لأوامره، فكلُّ عصيان وكلُّ تكذيب فإنما هو شذوذٌ عن ذلك النهج القويم. مشهد الظِّلال وهي تمتدُّ وتتراجع وتثبُت وتتمايل، مشهدٌ موحٍ لمَن يفتح قلبَه ويوقظ حِسَّه ويتجاوبُ مع الكون حوله، يُستدَلُّ به على مُدبِّره العظيم، فيا خسارةَ مَن استمتع بنِعَمه ثم كفرها! ما سجد لله جلَّ جلاله مَن أظهرت جوارحُه التذلُّلَ بين يديه، في حين قلبُه قد مُلئ كِبْرًا، ونفسُه أُشبِعَت عُجبًا. يَرقى الموحِّدُ بتوحيده إلى أشرف المراتب، وينزلُ المشركُ بشِركه إلى ما دون رتبةِ البهائم. لو أنفق المؤمن التقيُّ عُمرَه كلَّه في الطاعة لخشيَ التقصيرَ في جنب الله، وحُقَّ لمَن عرَف مقامَ الله أن يخافَه. |
﴿۞ وَقَالَ ٱللَّهُ لَا تَتَّخِذُوٓاْ إِلَٰهَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِۖ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَإِيَّٰيَ فَٱرۡهَبُونِ ﴾ [النحل: 51]
ما لله تعالى من شريكٍ ولا له من نظير، فلا يُدعى سواه ولا يُرتَجى غيرُه. الرهبة عبادةٌ من العبادات، فاصرِفها لربِّ الأرض والسماوات، ولا تَصرِفها لغيره من المخلوقات. |
﴿وَلَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِبًاۚ أَفَغَيۡرَ ٱللَّهِ تَتَّقُونَ ﴾ [النحل: 52]
مَن كان له المُلك كاملًا على الدوام، وجبَت له الطاعاتُ كلُّها على الدوام؛ ﴿هو أهل التقوى وأهل المغفرة﴾ . |
﴿وَٱللَّهُ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَآۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَسۡمَعُونَ ﴾ [النحل: 65]
إن الأرض بخِصبها بعد جَدبها، وحياتها بعد موتها، آيةٌ مشهورة في ألسنة الناس، مَن سمعها وتدبَّرها لم يخالف في قدرة الله على إحياء الإنسان بعد موته. مَن سمعَ آياتِ القرآن بقلبٍ حاضر، وتدبَّرها وتفكَّر فيها انتفع بها، ومَن لم يكن كذلك فكيف سينتفعُ بها؟! |
﴿وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَمۡلِكُ لَهُمۡ رِزۡقٗا مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ شَيۡـٔٗا وَلَا يَسۡتَطِيعُونَ ﴾ [النحل: 73]
رزقُك بيد ربِّك لا بيد غيره من خلقه، فاطلُبه من الله ولا تَرجُه من سواه. المعبودات من دون الله سبحانه وتعالى مهما قيل فيها فإنها لا تستطيع أن تملِك رِزق مَن يعبدها، وهذا برهانٌ ملازم يدلُّ على عجزها، فما أجهلَ من يعبدها ويبتغي الرزق منها! |
﴿وَٱللَّهُ أَخۡرَجَكُم مِّنۢ بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ شَيۡـٔٗا وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَٱلۡأَفۡـِٔدَةَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ﴾ [النحل: 78]
ما مِن عالمٍ وإن ملأ سمعَ الدنيا وبصرَها إلا وقد جاء الدنيا بلا عِلم، فهلَّا شكر ربَّه على ما وهبَه من العلم؟ لا ينبغي استفتاءُ مَن لم يُعرَف بين الناس بالعلم، فإن الأصلَ في الناس الجهل، حتى يتبين خلافُ هذا الأصل. يا مَن حباك اللهُ تعالى السمعَ والبصر والفؤاد؛ لقد أُوتيتَ مفاتيحَ العلم جميعَها، فسَله سُبحانه أن يُعينَك على أن تفتحَ بها مغاليقَ العلم، ويذلِّلَ لك صعابَه. بجوارحِك تعرفُ اللهَ وتعملُ بأحكامه، فاجعلها لربها شاكرةً تقية، ومن مساخطه طاهرةً نقية. |
﴿وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَٰلٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡجِبَالِ أَكۡنَٰنٗا وَجَعَلَ لَكُمۡ سَرَٰبِيلَ تَقِيكُمُ ٱلۡحَرَّ وَسَرَٰبِيلَ تَقِيكُم بَأۡسَكُمۡۚ كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تُسۡلِمُونَ ﴾ [النحل: 81]
هل تأمَّلتَ في نعمة الظلِّ فشكرتَ اللهَ عليها؟ فمَن غفَل عن ذلك ففي لهيب الشمسِ ما يذكِّره بهذه النعمة. لا يريد الله بعبده عُسرًا؛ ولهذا جعل لجسمك ممَّا خلق وقايةً وحماية، ففي المساكن والملابس ما يقيك البردَ والحرَّ، ويدفع عنك الشرَّ والضرَّ، ويستر منك ما تكره اطِّلاعَ الناس عليه. العاقل من الخلق إذا رأى إحسانَ الله إليه، وإنعامَه عليه، سلَّم أمرَه لربِّه، وانقادَ لوحيه. من غايات النِّعَم سَوقُ الناس إلى الله، لتكمُلَ لهم النعمةُ في جنَّته، فيا ويلَ مَن أعرض عن ربه وهو يريد أن يوصله إلى نجاة نفسه وتمامِ نعمته! |
﴿وَجَعَلۡنَا ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ ءَايَتَيۡنِۖ فَمَحَوۡنَآ ءَايَةَ ٱلَّيۡلِ وَجَعَلۡنَآ ءَايَةَ ٱلنَّهَارِ مُبۡصِرَةٗ لِّتَبۡتَغُواْ فَضۡلٗا مِّن رَّبِّكُمۡ وَلِتَعۡلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلۡحِسَابَۚ وَكُلَّ شَيۡءٖ فَصَّلۡنَٰهُ تَفۡصِيلٗا ﴾ [الإسراء: 12]
الليل والنهار خَلقانِ من خلق الله، وآيتان على وجوده، جعلهما الله على هذا الوجه تسخيرًا لعباده، فطوبى لمَن دلَّتاه على ربِّه، وانتفع بهما في وجوه الخير في حياته. ليس لمَن يبتغي تحصيلَ الرزق سوى أن يطلبَه ويبذلَ فيه جُهده، أمَّا العطاءُ فهو من الله وحده، يتفضَّل به على من يشاء. آيات الله تبارك وتعالى الشرعيَّةُ تضع للبشرية نظامًا مفصَّلًا، فكلُّ ما يحتاج إليه العباد لتحصيل السعادتين من عقائد الحق، وأخلاق الصدق، وأحكام العدل، ووجوه الإحسان، كلُّ هذا فُصِّل في القرآن تفصيلًا على غاية البيان والإحكام. |
﴿أَفَأَصۡفَىٰكُمۡ رَبُّكُم بِٱلۡبَنِينَ وَٱتَّخَذَ مِنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنَٰثًاۚ إِنَّكُمۡ لَتَقُولُونَ قَوۡلًا عَظِيمٗا ﴾ [الإسراء: 40]
عجيبٌ أن ينسُب امرؤٌ لربِّه ما هو منزَّهٌ عنه، وهو ذو الربوبيَّة والكمال، والغنى والجلال! فكيف ينسُب العبد لخالقه ما يكرهه هو لنفسه؟! لا يستهِن عبدٌ في كلمة يقولها في حقِّ الله تعالى وتوحيده، فقد تكون عظيمةً في شناعتها وجُرأتها، وضخامة الافتراء فيها، وخروجها عن التصوُّر والتصديق. |
﴿قُل لَّوۡ كَانَ مَعَهُۥٓ ءَالِهَةٞ كَمَا يَقُولُونَ إِذٗا لَّٱبۡتَغَوۡاْ إِلَىٰ ذِي ٱلۡعَرۡشِ سَبِيلٗا ﴾ [الإسراء: 42]
سبحان من تنزَّه أن يكون معه في عبادته شريك ينازعه، أو نِدٌّ يقاسمه حقَّه الذي انفرد به سبحانه وتعالى. الله سبحانه هو ذو العرش المجيد، الذي يجب التوجُّه إليه وعبادته وحدَه دون مَن سواه، وإن التفكُّر في عظمة عرشه داعٍ إلى توحيده. |
﴿سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّٗا كَبِيرٗا ﴾ [الإسراء: 43]
تبارك اللهُ ذو الأسماء الحسنى والصفات العُلا، الذي نزَّه نفسه أن يماثله أحدٌ من خلقه في ذلك. |
﴿تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبۡعُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِيهِنَّۚ وَإِن مِّن شَيۡءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمۡدِهِۦ وَلَٰكِن لَّا تَفۡقَهُونَ تَسۡبِيحَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورٗا ﴾ [الإسراء: 44]
آفاقُ السماءِ وفِجاجُ الأرض تسبِّح بحمد ربِّها؛ فلِمَ لا ندخل في سِلك المسبِّحين كما يسبِّح الكونُ كلُّه؟ ألا ما أعظمَ حِلمَه سبحانه عن قول المفترين! وما أعظمَ مغفرتَه للعباد المقصِّرين! |
﴿وَقُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمۡ يَتَّخِذۡ وَلَدٗا وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ شَرِيكٞ فِي ٱلۡمُلۡكِ وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ وَلِيّٞ مِّنَ ٱلذُّلِّۖ وَكَبِّرۡهُ تَكۡبِيرَۢا ﴾ [الإسراء: 111]
يستحقُّ الحمدَ والثناء، والتعظيمَ والإجلال، مَن بلغت نعوتُه الغايةَ في حُسنها وكمالها، وذلك اللهُ جلَّ جلاله. مهما أثنيتَ على ربِّك، واجتهدتَّ في طاعته وحمده، ونزَّهته ومجَّدتَّه، فاعلم أنك مقصِّر، فإن العبدَ لا يُحصي على الله ثناءً. |
﴿مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٖۖ سُبۡحَٰنَهُۥٓۚ إِذَا قَضَىٰٓ أَمۡرٗا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ ﴾ [مريم: 35]
إنما يطلب الولد مَن يستعزُّ به أو يتقوَّى، فأمَّا الذي يقضي الأمورَ العظام بكلمةٍ فإنه الغنيُّ سبحانه عن ذلك. |
﴿وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحۡمَٰنُ وَلَدٗا ﴾ [مريم: 88]
جهلوا قدرَه، وتناسَوا فضله، فزعموا له الولد، فما أشنعها من كلمة، وما أسوأه من جهل صيَّرهم إلى هذا المنحدر السحيق! ليس الكفر بالله تعالى حريَّةً فكريَّة، ولا سَعة تعبيرية، بل هو الجرم الكبير، والذنب الخطير الذي تتنزه عنه وَحدانية الله تعالى، وتستنكره مخلوقاته. قال ابنُ عباس رضي الله تعالى عنهما: (إن الشرك فزعت منه السماوات والأرض والجبال وجميع الخلائق إلا الثقَلين، وكادت أن تزول منه لعظمة الله). إذا كانت الجبالُ تنهدُّ غيرةً على التوحيد والإيمان، فكيف بقلب المؤمن الذي يخاف الله تعالى ويرجو رحمته؟! أما إنه لأولى وأحرى. عجبًا للنصارى الذين يزعمون أن لله تعالى ولدًا صلبَه ليخلص سائر البشرية من خطاياها، مع أن رحمة الله تعالى ووَحدانيته تأبى ذلك! |
﴿أَن دَعَوۡاْ لِلرَّحۡمَٰنِ وَلَدٗا ﴾ [مريم: 91]
جهلوا قدرَه، وتناسَوا فضله، فزعموا له الولد، فما أشنعها من كلمة، وما أسوأه من جهل صيَّرهم إلى هذا المنحدر السحيق! ليس الكفر بالله تعالى حريَّةً فكريَّة، ولا سَعة تعبيرية، بل هو الجرم الكبير، والذنب الخطير الذي تتنزه عنه وَحدانية الله تعالى، وتستنكره مخلوقاته. قال ابنُ عباس رضي الله تعالى عنهما: (إن الشرك فزعت منه السماوات والأرض والجبال وجميع الخلائق إلا الثقَلين، وكادت أن تزول منه لعظمة الله). إذا كانت الجبالُ تنهدُّ غيرةً على التوحيد والإيمان، فكيف بقلب المؤمن الذي يخاف الله تعالى ويرجو رحمته؟! أما إنه لأولى وأحرى. عجبًا للنصارى الذين يزعمون أن لله تعالى ولدًا صلبَه ليخلص سائر البشرية من خطاياها، مع أن رحمة الله تعالى ووَحدانيته تأبى ذلك! |
﴿وَلَهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَنۡ عِندَهُۥ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَلَا يَسۡتَحۡسِرُونَ ﴾ [الأنبياء: 19]
الملائكة عليهم السلام مطيعون لله، مجتهدون في عبادته، مع سلامتهم من معصيته؛ فالبشر مع نقصهم وعصيانهم أولى بأن يطيعوه دائبين مجتهدين. |
﴿وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ فِي فَلَكٖ يَسۡبَحُونَ ﴾ [الأنبياء: 33]
التأمل في توالي الليل والنهار، وفي حركة الشمس والقمر، بهذه الدقة التي لا تختل؛ جديرٌ بأن يهدي القلب إلى توحيد الخالق المبدع. |
﴿حُنَفَآءَ لِلَّهِ غَيۡرَ مُشۡرِكِينَ بِهِۦۚ وَمَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخۡطَفُهُ ٱلطَّيۡرُ أَوۡ تَهۡوِي بِهِ ٱلرِّيحُ فِي مَكَانٖ سَحِيقٖ ﴾ [الحج: 31]
الإقبال على الله تعالى، والميل إلى الشرك به لا يجتمعان؛ لأن التوحيد والشرك أمران متغايران لا يلتقيان. المُعرِض عن وحي السماء، واللاهثُ خلف مَن يراهم لله شركاء، كالمتردي من قمم عاليات إلى منحدرات ساحقات. مَن ترك الاعتصام بالإيمان تخطَّفته الشياطين من كل مكان، ومزقت شمله وأمره، وأذهبت دنياه ودينه. |
﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٖ جَعَلۡنَا مَنسَكٗا لِّيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۗ فَإِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَلَهُۥٓ أَسۡلِمُواْۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُخۡبِتِينَ ﴾ [الحج: 34]
من عظيم البراهين على منزلة عبادة من العبادات أن تراها مشروعةً في جميع الشرائع، وهكذا كان النحر، فهل يقدر المسلم هذه الشعيرةَ قدرها؟ مالُك هو من رزق الله لك، ومن فضله عليك، فمن شُكره أن تبتغي به رضاه، فتنسُبه إليه. ذبحُ النسيكة مشهدٌ من مشاهد التوحيد؛ فبها يتقرَّب المسلم الموحِّد إلى الله، وعلى اسمه يذبحها، وله وحدَه يصرف شكرَها. طوبى للحجيج المخبِتين الذي استسلموا لربِّ العالمين، وانقادوا له راضين، وكانوا له متواضعين. مَن أخبتَ لله قلبُه استنارت بالأعمال الصالحات جوارحُه، فنالته البِشارات، وهطَلَت عليه الخيرات، فأصلِح قلبك؛ فإنه موضع نظر ربِّك منك. |
﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٞ ﴾ [الحج: 61]
من المظاهر الدالَّة على أن الله وحدَه له الحكم في الخلق، ما أودع في هذا الكون من ليل ونهار، وتقليبه لهما بنظام مُحكَم يسيرُ عليه العباد في مصالحهم، ويبتغون تحت ظلاله منافعَهم. سبحان مَن لا تخفى على سَمعه الأصواتُ مهما دقَّت، ولا تخفى عن بصره المبصَرات مهما خفِيت! |
﴿وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَحۡيَاكُمۡ ثُمَّ يُمِيتُكُمۡ ثُمَّ يُحۡيِيكُمۡۗ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَكَفُورٞ ﴾ [الحج: 66]
كم نعمةٍ على الإنسان في هذه الحياة! ولكن أفعال الإنسان مُعرِضة عن الرب؛ بالعبادة لغيره أو التقصير في حقِّه، والمهتدي مَن قابل هذه النعم بالشكر لا بالجحود. من طبع الإنسان أن يعُدَّ مصيباته وينسى نِعمَ الله عليه، ويذكر شدائد أحواله ويغفُل عن شكر الله الذي أخرجه منها. |
﴿وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗا وَمَا لَيۡسَ لَهُم بِهِۦ عِلۡمٞۗ وَمَا لِلظَّٰلِمِينَ مِن نَّصِيرٖ ﴾ [الحج: 71]
الدليل من الوحي هو الحجَّة القاطعة، والسلطان الذي له القهر والغلبة، والعلم الذي يُرجع إليه، وعند ظهوره تضمحلُّ الآراء، وتتلاشى الأقيسة والأهواء. ما لِوضعٍ ولا لشرع من قوَّة إلا أن يستمدَّ قوَّته من الله تعالى، فما لم ينزل به الله سبحانه قوَّةً من عنده فهو ضعيفٌ هزيل، خالٍ من عنصر القوَّة الأصيل. ليس للظالمين في الدنيا نصيرٌ ينصرهم على الحقِّ حتى يذهب؛ فإن الحقَّ ظاهر لا يُغلب، ولو اجتمع عليه كلُّ أهل الباطل، وليس لهم في الآخرة مَن ينصرهم بدفع العذاب عنهم، فيا خسارةَ الظالمين في الدنيا والآخرة! |
﴿وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا فَوۡقَكُمۡ سَبۡعَ طَرَآئِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ ٱلۡخَلۡقِ غَٰفِلِينَ ﴾ [المؤمنون: 17]
كما تتقلب بالعبد الأطوار، تتصرَّم الأعمار، وتنتهي الآجال، حتى يشهد الناسُ يومَ الدين، حين يقومون لربِّ العالمين، فمَن قدر على خلق الإنسان من عدم، ونقله في إنشائه من طَور إلى آخر، فإنه قادر على إحيائه بعد موته. مَن خلق السماواتِ السبعَ لحكمة، فقد خلق الإنسان لحكمة كذلك، وكيف يَرِد عليه في خلقه غفلة وعبث وهو الخالق الحكيم العليم؟ |
﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ فَقَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾ [المؤمنون: 23]
مَن أنعم على عباده بما يُصلح أبدانهم بما ذلَّل لهم في هذه الحياة هو مَن طالبهم باتِّباع وحيه الذي يصلح أرواحهم، فمَن اتَّبع فقد شكر الله تعالى. لا يقي المرءَ من عذاب الله تعالى سوى تحقيق توحيده، والعمل على ما يحبُّ في أمره ونهيه، فمَن تعامى عن ذلك كان حقيقًا بالإنكار عليه. |
﴿وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنشَأَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَٱلۡأَفۡـِٔدَةَۚ قَلِيلٗا مَّا تَشۡكُرُونَ ﴾ [المؤمنون: 78]
ما أعظمَ نعمةَ الله علينا بالسمع والأبصار والأفئدة التي هي وسائل العلم والإدراك! فهل شكرنا الله عليها بثنائنا عليه، واستعمالها في مراضيه؟ |
﴿وَهُوَ ٱلَّذِي ذَرَأَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَإِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ ﴾ [المؤمنون: 79]
يا مَن تنتشرون في بقاع هذه الأرض ساعين فيها إلى مصالحكم؛ لا تَغفُلوا عن الاستعداد لآخرتكم؛ فإنكم إلى الله عائدون، وعلى أعمالكم محاسبون. |
﴿وَهُوَ ٱلَّذِي يُحۡيِۦ وَيُمِيتُ وَلَهُ ٱخۡتِلَٰفُ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ ﴾ [المؤمنون: 80]
ليس إلا الله يملك الموتَ والحياة، فالذي يهَب الحياة هو الذي يعرف سرها، ويملك أن يهَبها ويستردها. الكون كلُّه بيد الله تعالى وحده، يحكم في نظامه بما شاء وكيف شاء، فيبدئ ويعيد، ويَنقُص ويَزيد، بحكمته تعالى وقدرته، فمَن يعقِل هذا النظام، ويستسلم لله على الدوام؟ |
﴿قُل لِّمَنِ ٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِيهَآ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ﴾ [المؤمنون: 84]
الإقرار بأفعال الرب لا ينجي من عذاب الآخرة حتى يضاف إليه الإقرار باستحقاق الله وحده للعبادة، فعبَدة الأصنام كانوا يقرون بأن الله خالق كل شيء وربُّه، فما أغنى عنهم. |
﴿عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ ﴾ [المؤمنون: 92]
سبحان مَن تنزه عن الصاحبة والأولاد، وتعالى عن الأمثال والأنداد، لكمال وَحدانيته، وغناه وقيوميته! ليس من مخلوقٍ شذ عن سلطان الله فيُقال فيه: خَلَقَهُ غيرُ الله، وليس من أحدٍ نازعَ الله في سلطانه فتكون له العظمة من دون الله، ﴿ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين﴾ . مَن تمَّ علمه تمَّت قدرته، وكملت قوته وقهره، فسبحان ربِّنا العليم بكل شيء، القادر على كل شيء، الذي لا شريك له ولا نظير. |
﴿أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلطَّيۡرُ صَٰٓفَّٰتٖۖ كُلّٞ قَدۡ عَلِمَ صَلَاتَهُۥ وَتَسۡبِيحَهُۥۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِمَا يَفۡعَلُونَ ﴾ [النور: 41]
لستَ وحدك العابدَ في هذا الكون الواسع، فحيث امتدَّ بك النظر، أو طافت بك الفِكَر، فثمةَ خلائق تعبد الله تعالى وتذكره في السماء والأرض وما بينهما. تلك الطيور الباسطة أجنحتَها في السماء تذكر الله تعالى بتسبيحها، متواضعة لربها وهي في علوها وارتفاعها. لقد علمت المخلوقات ما تقوم به من صلاة وتسبيح، فسبحان مَن علَّمها وهداها، وأحاط علمًا بعملها! |
﴿وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ ﴾ [النور: 42]
كيف لا يُعبد مَن لم يخلق الكونَ سواه، ولا يملك التصرُّف فيه غيرُه، ومَن لا مرجعَ للخلق إلا إليه، ولا مفرَّ للعبد من أن يُعرضَ عليه؟! |
﴿أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزۡجِي سَحَابٗا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيۡنَهُۥ ثُمَّ يَجۡعَلُهُۥ رُكَامٗا فَتَرَى ٱلۡوَدۡقَ يَخۡرُجُ مِنۡ خِلَٰلِهِۦ وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٖ فِيهَا مِنۢ بَرَدٖ فَيُصِيبُ بِهِۦ مَن يَشَآءُ وَيَصۡرِفُهُۥ عَن مَّن يَشَآءُۖ يَكَادُ سَنَا بَرۡقِهِۦ يَذۡهَبُ بِٱلۡأَبۡصَٰرِ ﴾ [النور: 43]
يصيب سبحانه وتعالى بالمطر والبَرَد مَن يشاء من خلقه، ويصرفه عمن يريد من عباده، حسب حكمته وتقديره، لا حسب طلب المخلوق ومشيئته. في دويِّ الرعد وزمجرته ولمَعان البرق وتألقه تنبيهٌ للعقول السابحة في متاهات الغفلة، كي تتذكر قدرة الخالق وقوته، وعجز المخلوق وضعفه. |
﴿يُقَلِّبُ ٱللَّهُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبۡرَةٗ لِّأُوْلِي ٱلۡأَبۡصَٰرِ ﴾ [النور: 44]
تقليب الليل والنهار؛ بمجيء أحدهما بعد الآخر، واختلافهما طولًا وقِصَرًا من دلائل قدرة الله سبحانه وتعالى، فهل تأمَّلنا ذلك؟ ما من ذي بصيرة مشرقة إلا وهو يعتبر بما يراه من مظاهر القدرة الإلهيَّة، ويشهد لمبدعها سبحانه وتعالى بالقدرة التامَّة والعلم الكامل، وأنه الإله الواحد لا شريك له. |
﴿وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٖ مِّن مَّآءٖۖ فَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰ بَطۡنِهِۦ وَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰ رِجۡلَيۡنِ وَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰٓ أَرۡبَعٖۚ يَخۡلُقُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ ﴾ [النور: 45]
هذا الماء قد جعله الله تعالى أصلَ وجودك، ومنه ما هو سببٌ لدوام حياتك، فهلَّا حمِدتَّ الله تعالى على نعمة وجوده؟ تشترك الحيَوانات جميعها في مادَّة تكوينها، وتختلف في أشكالها وأفعالها وأسلوب حياتها، وكلُّها لله تعالى مطيعة منقادة إلى ما خلقها له، فسبحان الخالق العليم! |
﴿تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلۡفُرۡقَانَ عَلَىٰ عَبۡدِهِۦ لِيَكُونَ لِلۡعَٰلَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان: 1]
ما أعظمَ بركاتِه سبحانه وتعالى، وما أوسعها وأكملَها وأكثرها! وما أسعدَ مَن يتدبَّر كتابه بها، وأقربه منها! إذا أردتَّ أن تعرفَ عظمة القرآن الكريم وبركته وقدْره وجلاله فاعرِف عظمةَ قائله ومُنزله وحافظه سبحانه وتعالى. القرآن العزيز يفرِّق بين الحقِّ والباطل، والهدى والضلال، ومناهج البشر وعهودهم، فما أهدى مَن اتَّبع هذا الكتابَ العظيم، في هذا التميُّز القويم! |
﴿ٱلَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَمۡ يَتَّخِذۡ وَلَدٗا وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ شَرِيكٞ فِي ٱلۡمُلۡكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيۡءٖ فَقَدَّرَهُۥ تَقۡدِيرٗا ﴾ [الفرقان: 2]
سبحان مَن ملكَ السماواتِ والأرضَ، وانفرد في تدبيرهما وتصريف شؤون مَن فيهما! أفيستحقُّ بعد هذا أن يُعبدَ غيره؟! كيف يكون له ولدٌ أو شريك وهو المالك وغيرُه مملوك، وهو القاهر وغيره مقهور، وهو الغنيُّ وكلُّ ما سِواه مفتقرٌ إليه؟! فمَن كان كذلك لم يجُز أن يُجعلَ له ندٌّ، ولا معه معبود. تدبَّر ما تراه في خلق الله تعالى تجد كل مخلوق قد أُعطيَ ما يليق به ويناسبه من الخلق، مما يدل على علمه تعالى وقدرته، ومشيئته وحكمته. |
﴿وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ ءَالِهَةٗ لَّا يَخۡلُقُونَ شَيۡـٔٗا وَهُمۡ يُخۡلَقُونَ وَلَا يَمۡلِكُونَ لِأَنفُسِهِمۡ ضَرّٗا وَلَا نَفۡعٗا وَلَا يَمۡلِكُونَ مَوۡتٗا وَلَا حَيَوٰةٗ وَلَا نُشُورٗا ﴾ [الفرقان: 3]
لا شُبهةَ لأحدٍ في اتخاذ غير الله تعالى إلهًا، ولا عذر له في جعل ذلك المألوه مع الله معبودًا؛ لأن مَن عقَل لن يعبد ما لا يملك شيئًا من خصائص الربوبيَّة. إن مَن لا يقدر على نفع نفسه، فهو عن نفع غيره أعجز. إنما يُخلِص التوحيدَ لربه تعالى مَن يعتقد أن لا شيء ينفع أو يضرُّ إلا بإذنه سبحانه. إذا تقرر أنه لا بد من الموت، وأن بعده حياةً أخرى، فإنه لا يكون إلهًا إلا مَن يَتوفى الأنفس، ويملك الحياة الدنيا والحياة الأخرى. |
﴿أَلَمۡ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيۡفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ وَلَوۡ شَآءَ لَجَعَلَهُۥ سَاكِنٗا ثُمَّ جَعَلۡنَا ٱلشَّمۡسَ عَلَيۡهِ دَلِيلٗا ﴾ [الفرقان: 45]
تأمَّل كيف مدَّ الله الظِّلَّ من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ولو شاء لجعله ثابتًا مستقرًّا لا تزيله الشمس، فسبحانه من ربٍّ قدير رحيم! في الظلِّ منافعُ للناس ومصالح، ففي مَدِّه وقَبضه تُضبَط أوقات الناس وأعمالهم، ويصِلون إلى حاجاتهم وآمالهم، فمنهم مَن ينتفع بمَدِّ الظل، ومنهم مَن ينتفع بانقباضه. |
﴿وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَٰهُ بَيۡنَهُمۡ لِيَذَّكَّرُواْ فَأَبَىٰٓ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ إِلَّا كُفُورٗا ﴾ [الفرقان: 50]
في تصريف الله تعالى نعمةَ المطر بين عباده تذكيرٌ لمَن نزل عليهم بالنعمة لكي يشكروها، وتذكيرٌ لمَن مُنِعوها بالمسارعة إلى التوبة ليحصُلوا عليها. من العجائب أن يتنعَّمَ العبد بما يفيضه عليه مولاه، فيجحَدَ ما أنعم به عليه أو ينسُبَه إلى سواه! |
﴿۞ وَهُوَ ٱلَّذِي مَرَجَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ هَٰذَا عَذۡبٞ فُرَاتٞ وَهَٰذَا مِلۡحٌ أُجَاجٞ وَجَعَلَ بَيۡنَهُمَا بَرۡزَخٗا وَحِجۡرٗا مَّحۡجُورٗا ﴾ [الفرقان: 53]
في اختلاط ماء النهر العذب السائغ بماء البحر المِلح آيةٌ دالَّة على قدرة الله تعالى حين جعل بينهما حاجزًا يمنع إفسادَ أحدهما الآخر وتغيير صفته التي هو عليها، فسبحان الخالق العظيم! |
﴿وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ مِنَ ٱلۡمَآءِ بَشَرٗا فَجَعَلَهُۥ نَسَبٗا وَصِهۡرٗاۗ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرٗا ﴾ [الفرقان: 54]
جلَّ الذي خَلق من ماء مَهين هذا الإنسانَ فصيَّره بشرًا يرغب ويُرغب إليه، ويناسب ويصاهر، بعد أن لم يكن شيئًا مذكورًا. |
﴿ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ ٱلرَّحۡمَٰنُ فَسۡـَٔلۡ بِهِۦ خَبِيرٗا ﴾ [الفرقان: 59]
هلَّا توكلت على مَن خلق الأجرام العظام بإبداع وإحكام، على نمط فائق، ونسق رائق، بتدبير متين، وترتيب رصين. يا مَن تريد أن تعرف الله تعالى حقَّ المعرفة، تدبَّر في كتابه الكريم معانيَ جميلِ أسمائه، وجليل صفاته، وحسن أفعاله في خلقه. |
﴿تَبَارَكَ ٱلَّذِي جَعَلَ فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجٗا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَٰجٗا وَقَمَرٗا مُّنِيرٗا ﴾ [الفرقان: 61]
انظر كيف زين الله السماء بالنجوم الكبار بمنازلها، وجعل فيها شمسًا تضيء في النهار، وقمرًا ينير في الليل، ألا يدعو ذلك إلى تعظيمه وتوحيده؟! |
﴿أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ كَمۡ أَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوۡجٖ كَرِيمٍ ﴾ [الشعراء: 7]
كلما نظر المؤمن إلى مشاهد هذا الكون تنبه إلى بدائع صنع الله تعالى المبثوثة فيه، فلا يزال يستشعر عظمة الخالق كلما وقعت عيناه على روائع هذا الخلق. |
﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗۖ وَمَا كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّؤۡمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 8]
مَن تأمَّل في نبات الأرض كيف أنشأه الله بعد أن لم يكن رأى آيةً لله دالَّة على إمكانيَّة البعث، ولكن الآية مهما عظمت لا تنفع المُعرض. |
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ﴾ [الشعراء: 9]
إنما يرحم الله تعالى عباده مع عزته وقدرته وسلطانه رأفةً وتلطفًا ورحمة. |
﴿أَلَّاۤ يَسۡجُدُواْۤ لِلَّهِ ٱلَّذِي يُخۡرِجُ ٱلۡخَبۡءَ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَيَعۡلَمُ مَا تُخۡفُونَ وَمَا تُعۡلِنُونَ ﴾ [النمل: 25]
عجبًا لأولئك القوم كيف تركوا عبادة إله يُنزل المطر من السماء فيخرج به النبات من الأرض، ويعلم ما تُسره نفوسهم وما تعلنه، ثم راحوا يعبدون الشمس من دونه؟! إن مَن يُخرج الخبء من الأرض يعلم ما تخبئه النفوس من الأمر، فمتى شاء أظهره، وإن كان المخلوق قد ستره. |
﴿ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِيمِ۩ ﴾ [النمل: 26]
مَن كان يوقن بأنه لا يُخرج مستورَ السماوات والأرض إلا الله، فكيف ينصرف إلى عبادة ما سواه؟ مهما عظُم مُلك الدنيا فمُلك الله أعظم، فأين عرش ملكة سبأ من عرش رب الأرض والسماء؟! |
﴿قُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ وَسَلَٰمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصۡطَفَىٰٓۗ ءَآللَّهُ خَيۡرٌ أَمَّا يُشۡرِكُونَ ﴾ [النمل: 59]
ألا تحمَد الله تعالى على جميل نعمه وآلائه، ولا سيَّما هدايتك إليه، وطريقه الذي عرَّفك إيَّاه وارتضاه لك؟ كم تعنَّى رسُل الله تعالى في نشر دينه بين العالمين، والصبر على المعرضين المكذِّبين! فكانوا جديرين بالسلام عليهم بعد حمد الله تعالى. ما أحسنَ ما أخذ به الخطباء والكتَّاب من الابتداء بحمد الله تعالى، والصلاة على رسوله ﷺ بين يدَي كلِّ عِلم، وفي مُفتَتح كلِّ خُطبة! أيُّ عاقل يؤثِر ما لا ينفعه ولا يضره على مَن أمرُه وخيره ونفعه كله بيديه؟ |
﴿قُل لَّا يَعۡلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلۡغَيۡبَ إِلَّا ٱللَّهُۚ وَمَا يَشۡعُرُونَ أَيَّانَ يُبۡعَثُونَ ﴾ [النمل: 65]
يوم البعث حقيقة لا شك فيها، ولا يعلم وقت مجيئها إلا عالمُ الغيب وحده، وليس للمعبودات الباطلة ولا لعابديها علمٌ بوقت بعثهم وقيامهم من قبورهم. |
﴿أَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا جَعَلۡنَا ٱلَّيۡلَ لِيَسۡكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبۡصِرًاۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ ﴾ [النمل: 86]
إن مشهد الليل الساكن والنهار المبصر لخليقان بأن يوقظا في الإنسان الرغبة في الاتصال بالله تعالى، وتقوية الإيمان به، فهو الذي يقلب الليل والنهار، عبرة لأولي الأبصار. |
﴿وَتَرَى ٱلۡجِبَالَ تَحۡسَبُهَا جَامِدَةٗ وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِۚ صُنۡعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ أَتۡقَنَ كُلَّ شَيۡءٍۚ إِنَّهُۥ خَبِيرُۢ بِمَا تَفۡعَلُونَ ﴾ [النمل: 88]
ما أشد ذلك اليوم الذي تزول فيه الجبال عن أماكنها، ويذهب عنها ثباتها وشموخها! فأيُّ قوة تصنع فيها ذلك إلا قوة الله العظيم؟! يتجلى إتقان صنعته سبحانه في كل شيء في هذا الوجود، فلا فلتة ولا مصادفة، ولا ثُغرة ولا نقص، ولا تفاوت ولا نسيان. كيف يعصي عاقل ربه وهو يرى آثار علمه المحيط، وقدرته العظيمة فيما خلق وصنع، فأين يذهب عن علمه ويفر عن قدرته؟! |
﴿وَقُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ فَتَعۡرِفُونَهَاۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ ﴾ [النمل: 93]
صدق الله تعالى، ففي كلِّ يوم يُري عبادَه بعضَ آياته في الأنفس والآفاق، ويكشف لهم عن بعض ما في هذا الكون من أسرار. مَن كان على بصيرة من أن مَن سيحاسبه غيرُ غافل عنه ولو للحظة استقام على أمره، وخشيَ أن يقعَ في نهيه وزجره. |
﴿وَيَوۡمَ يُنَادِيهِمۡ فَيَقُولُ أَيۡنَ شُرَكَآءِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمۡ تَزۡعُمُونَ ﴾ [القصص: 62]
لا تعلِّق قلبك إلا بالله تعالى، ولا تلتفت إلا إليه، ولا تتوجه إلا له، فإن أشقى الناس مَن يزعم أن لله تعالى ندًّا يدعوه ويرجوه، فإذا ما احتاج إليه خذله. |
﴿وَنَزَعۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةٖ شَهِيدٗا فَقُلۡنَا هَاتُواْ بُرۡهَٰنَكُمۡ فَعَلِمُوٓاْ أَنَّ ٱلۡحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ ﴾ [القصص: 75]
ماذا يتوقَّع المكذِّبون بنبيِّهم أن يقولَ عنهم بين يدَي ربِّهم؟ فهل لديهم حُجَّة يدفعون بها عقوبةَ شركهم وشهادةَ نبيِّهم عليهم؟ يومَ القيامة يذهب عن المشركين الاستكبار، وتنقشع عنهم غِشاوة الأبصار، فيعرفون أنهم كانوا على ضلال، وأن افتراءهم على الله تعالى أوردهم سوء المآل. |
﴿أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ كَيۡفَ يُبۡدِئُ ٱللَّهُ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥٓۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ ﴾ [العنكبوت: 19]
تأمَّل انتشار الخلائق كلَّ صباح من رُقادها، وحياةَ النباتات كلَّ سنةٍ بعد ذبولها، تتيقَّن أن الله تعالى باعثٌ عباده بعد أن يصيروا رِمَمًا. لا شيء على الله تعالى عسير، فالبدء في قدرته كالإعادة، ولكن للبشر مقياس يعتقدون به أن الإعادة أهون من البدء، وبهذا المقياس يخاطبهم. أنعِم نظرَك في الأرض وما فيها، وأرسل طَرْفك للتأمُّل فيما عليها، تجِد أن مَن أنشأ هذا الخلق المتقن البديع قادرٌ على إعادة خلقه عقِب فنائهم، وبعثِهم بعد موتهم. ليس في قدرة الله ما يُعجز عن النشأة الآخرة بعد أن سُبقت بالنشأة الأولى من العدم، فمَن خلق خلقه بلا مثال قادرٌ على إعادته. مَن كان على شيء قديرا، صار كلُّ شيء في مُكنَته يسيرا. |
﴿أَوَلَمۡ يَتَفَكَّرُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۗ مَّا خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَأَجَلٖ مُّسَمّٗىۗ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِ بِلِقَآيِٕ رَبِّهِمۡ لَكَٰفِرُونَ ﴾ [الروم: 8]
طبيعة تكوين الناس، وطبيعةُ هذا الكون توحي بأن هذا الوجود قائمٌ على الحق، له غايةٌ من ورائه، وله أجلٌ ينتهي إليه، وليس الشأن في مجرَّد معرفة ذلك، بل بالإيمان به والعمل له. |
﴿أَوَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَانُوٓاْ أَشَدَّ مِنۡهُمۡ قُوَّةٗ وَأَثَارُواْ ٱلۡأَرۡضَ وَعَمَرُوهَآ أَكۡثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِۖ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظۡلِمَهُمۡ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ ﴾ [الروم: 9]
يا مَن يقف عند النظر في ظاهر الملك ببصره، ويقصر عن الاعتبار في باطن الملكوت بفكره؛ هلا امتطيت هذه الدرجة العليَّة، التي تدعوك إليها هذه الآية الجليَّة؟ الأرض مجال رحْب للتأمل والتفكر، والاعتبار والتدبر، فمَن سار فيها، وجال في نواحيها، وقرأ ببصيرته عِبرها عاد متَّعظًا بما رأى منها، وبما جرى لأهلها عليها. سنة الله تعالى جارية على الجميع، ثابتة يقوم عليها هذا الوجود، لا تحابي أمة، ولا تجامل جيلًا. مَن نظر في آثار السابقين وجد أممًا بائدة، وخلقًا مُهلَكين، ومنازل موحشة، وكل ذلك إشارة إلى حياة أخرى يكون فيها الحساب والجزاء. إن كان العرب الأوائل قد اغترُّوا بدنيا، إنما هي جبالٌ سوداء، وفيافٍ غبراء، فلقد أهلك الله قبلهم مَن شقَّ الصُّخور وبنى العمَد، ورفع الصَّواري والأهرام، فما أغنت عنهم من عذاب الله شيئًا. لقد ظلم نفسه مَن لم يستعمل عقله فيما خُلق له، ولم يقبل من الهُداة ما جاؤوا به، وانتقل من الغفلة إلى العناد، ولم يعتبر بآيات الله الباهرات المبثوثة بين العباد. من رحمة الله وحِلمه أنه يُمهل عباده الظالمين، وإن تكرر منهم الظلم وتجدد، فإذا لم يُقلعوا مع تتالي النُّذر والعِبر أخذهم أخذ عزيز مقتدر. |
﴿ثُمَّ كَانَ عَٰقِبَةَ ٱلَّذِينَ أَسَٰٓـُٔواْ ٱلسُّوٓأَىٰٓ أَن كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ بِهَا يَسۡتَهۡزِءُونَ ﴾ [الروم: 10]
مَن أساء إلى رسُل الملك العظيم سبحانه عذَّبه الملك بما يسوءه؛ جزاءً وِفاقًا. يستحقُّ أسوأ العواقب مَن جمع بين التكذيب بما حقُّه التصديق، والاستهزاء بما حقُّه التوقير. |
﴿ٱللَّهُ يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ ثُمَّ إِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ ﴾ [الروم: 11]
لا ينازع عمومُ البشر في أن الله تعالى هو مَن بدأ الخلق، فعلامَ ينازع بعضهم في الإعادة بعد الموت، مع أن التسليم بها أولى وأجدر؟ |
﴿ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ ثُمَّ رَزَقَكُمۡ ثُمَّ يُمِيتُكُمۡ ثُمَّ يُحۡيِيكُمۡۖ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَفۡعَلُ مِن ذَٰلِكُم مِّن شَيۡءٖۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ ﴾ [الروم: 40]
لمَّا كان الخلق خلقَ الله، والرزقُ رزقَه، والمرَدُّ إليه، والموقف بين يديه، والحساب عليه، فلمَ الجَورُ بنسبة الشريك إليه؟ تنزَّه الله تعالى عن شرك المشركين، وهو سبحانه الكامل في ذاته وصفاته، وسواه من المعبودات الباطلة ناقصٌ عن كل كمال. |
﴿ٱللَّهُ ٱلَّذِي يُرۡسِلُ ٱلرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابٗا فَيَبۡسُطُهُۥ فِي ٱلسَّمَآءِ كَيۡفَ يَشَآءُ وَيَجۡعَلُهُۥ كِسَفٗا فَتَرَى ٱلۡوَدۡقَ يَخۡرُجُ مِنۡ خِلَٰلِهِۦۖ فَإِذَآ أَصَابَ بِهِۦ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦٓ إِذَا هُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ ﴾ [الروم: 48]
اسمُ ببصرك لترى السحابَ في طبقات الجوِّ كيف يرسل الله عليه الرياح فيجعله متكاثفًا أو متناثرًا، تارةً في جهة الشَّمال، وتارةً في جهات غيرها، على الكيفيَّة التي يختارها سبحانه وتعالى. الصور العجيبة المتجدِّدة التي يدلُّ عليها التعبير بـ (يرسل، وتثير، ويبسطه، ويجعله)؛ تبعث في النفس الاعتبارَ بتلك المشاهد على قدرة الإله الواحد سبحانه وتعالى. لو تأمَّلت في كيفيَّة إنزال الله للأمطار على عباده نِقاطًا صغيرة متفرِّقة لأدركت نوعًا من اللطف والرحمة، يدعوك إلى شكر الله تعالى. |
﴿وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيۡهِم مِّن قَبۡلِهِۦ لَمُبۡلِسِينَ ﴾ [الروم: 49]
ما أعجزَ الإنسانَ وما أضعفَه حينما تحيط به الحاجة! فإذا أجدب وقف متحيِّرًا يائسًا منقطعًا لم يكن له على الإتيان بشيء من المطر حيلة، ولا للمعبودات الباطلة صلاحيَّة لذلك ولا وسيلة. |
﴿فَٱنظُرۡ إِلَىٰٓ ءَاثَٰرِ رَحۡمَتِ ٱللَّهِ كَيۡفَ يُحۡيِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَآۚ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ ﴾ [الروم: 50]
انظر بتفكُّرٍ إلى الأرض بعد نزول المطر، كيف ابتسمت بعد عبوسها، وأشرقت بعد ظلامها؛ لتأخذ منها العبرة، فيمتدُّ نظرُك من الإحياء الأصغر إلى الإحياء الأكبر، وهو بعثُ النُّفوس ليوم المحشر. |
﴿۞ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعۡفٖ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ ضَعۡفٖ قُوَّةٗ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٖ ضَعۡفٗا وَشَيۡبَةٗۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡقَدِيرُ ﴾ [الروم: 54]
الضعف مادَّة الإنسان التي صِيغَ منها كِيانه، وقام عليها بنيانه، ولولا تقويةُ الله له ما وصل إلى قوَّة ولا قدرة، فعليه أن يعرفَ قدره، ولا يتعدَّى طوره، بل ينصاع لمَن فطره وخلقه. تلك الأطوارُ التي تمرُّ بها البشرية تشهد على أن للعباد خالقًا حكيمًا يفعل ما يشاء، ومَن تأمَّل أفعاله تلك تبدَّى له علمُه تعالى وقدرته. |
﴿خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيۡرِ عَمَدٖ تَرَوۡنَهَاۖ وَأَلۡقَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمۡ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٖۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوۡجٖ كَرِيمٍ ﴾ [لقمان: 10]
من مظاهر عزَّة الله وحكمته ما تراه من سماء فوقنا قد أمسكها بقدرته، وحفظها دون عمَد بتدبيره ومشيئته، وما تشهده حولك من قرار الأرض تحتك، وثباتها لأجل منفعتك. تأمَّل كيف سخَّر الله بحكمته ممَّا بثَّ في الأرض دوابَّ للناس يحملون عليها، ويتجمَّلون بها، وينتفعون بألبانها وأصوافها وجلودها. ما أكثرَ منافعَ ما يخرجه الله تعالى للناس من النبات، وما أحسنَ ذلك النبات المتعدِّدَ الأصناف، الحسنَ المنظر! |
﴿هَٰذَا خَلۡقُ ٱللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦۚ بَلِ ٱلظَّٰلِمُونَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ ﴾ [لقمان: 11]
أيُّ ظلمٍ وجهلٍ عند مَن يسوِّي المخلوق العاجز بالخالق العزيز الحكيم، الذي ظهرت في مخلوقاته آثارُ عزته وحكمته وإحسانه؟ |
﴿وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۚ قُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ ﴾ [لقمان: 25]
من قواعد المنهج الجدليِّ البدءُ بالحوار من قاعدة يتَّفق عليها المتناظران، ثم ينطلقان بعد ذلك إلى ما يختلفان فيه. ألا يُحمد مَن أقام من دلائل الكون على وجوده واستحقاقه للعبودية دون غيره ما تشهد به الفطرة، ويقرِّه العقل، ويطمئن إليه القلب؟ لا ينفع علمٌ صاحبَه، مهما عظم، ما لم يعرِّفه بمعبوده الواحد سبحانه وتعالى. |
﴿لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ ﴾ [لقمان: 26]
إنما يستحقُّ العبادة مَن له الخَلق والمُلك والتصرُّف في الكون وحده سبحانه وتعالى. مَن كفر فإن الله تعالى غنيٌّ عن حمده، ومَن حمِده من عباده المؤمنين فقد أصاب الثناء عليه بحقه، فإنه جلَّ جلاله حميد في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله. |
﴿أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ يَجۡرِيٓ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى وَأَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ ﴾ [لقمان: 29]
مَن تأمَّل في تصريف الله لليل والنهار، ودقَّة سيرهما بلا اختلال، علمَ عظمةَ الله وقدرته، وعلمه ورحمته. المتفكِّر في النظام الدقيق الذي يسير عليه الوجود القائم على قدرة الله وعلمه يدرك أن الله عليمٌ بكلِّ ما نعمل، فلا تخفى عليه خافيةٌ من أعمالنا دقيقِها وعظيمها، خيرِها وشرِّها. اعلم أن الله خبيرٌ بعملك، مطَّلع على سرِّك وعلنك، فما أحراك أن تراقبَ عملك، وتحاسبَ نفسَك. |
﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدۡعُونَ مِن دُونِهِ ٱلۡبَٰطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡكَبِيرُ ﴾ [لقمان: 30]
هو الحقُّ سبحانه في ذاته وصفاته، ودينُه حقٌّ، ورسُله حقٌّ، ووعده حقٌّ، ووعيده حقٌّ، وعبادته حقٌّ، وما يدعو المشركون من دونه هو الباطل في ذاته وصفاته وعبادته. كلُّ ما دون الله تعالى فهو متذلِّل له، منقاد إليه، متصاغر له، لا يدانيه في عليائه ضد، ولا يباريه في كبريائه ند. |
﴿أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱلۡفُلۡكَ تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِنِعۡمَتِ ٱللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنۡ ءَايَٰتِهِۦٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ ﴾ [لقمان: 31]
ألا تفكَّر راكبُ البحر وهو يَمخُر عُبابَه أن الذي يحرُس الفُلكَ في البحر ويحميها وَسْطَ الأمواج والعواصف، هو الله وحده لا شريك له؟ ومَن نظر إلى جرَيان السفُن في ظهور البحار ومتون المحيطات ألفى آياتٍ تدلُّ على عظمة الخالق وقدرته، ورحمته بعباده ولطفه بهم. المؤمن القويُّ لا يجزَع عند البلاء، بل يستشعر على الدوام لطفَ الله تعالى وحسنَ تدبيره وإحسانه إليه، فلا يزال يحمَده ويشكره. هنالك أقوامٌ طبَعهم الله على الخير، ووفقهم للهدى، وأعانهم على الاستقامة، فهم يعرفون عظمته سبحانه في الرخاء كما يعرفونها في الشدة. |
﴿ذَٰلِكَ عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ﴾ [السجدة: 6]
إذا كان الله تعالى يعلم ما سيكون في المستقبل، فكيف بما قد كان في الماضي، ومَن كان يعلم الغيب ألا يعلم الحاضر؟ بكمال عزَّته وقدرته جلَّ وعلا خلق العوالم، وبرحمته سبحانه سخَّرها لمنافع العباد. |
﴿ٱلَّذِيٓ أَحۡسَنَ كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقَهُۥۖ وَبَدَأَ خَلۡقَ ٱلۡإِنسَٰنِ مِن طِينٖ ﴾ [السجدة: 7]
كلُّ ما خلقه الله سبحانه وتعالى فهو حسنٌ، ولا سيَّما ابن آدم، وذلك لشرفه وفضله، وفي ذلك دعوةٌ للنظر في النفس وفي الآفاق. |
﴿ثُمَّ جَعَلَ نَسۡلَهُۥ مِن سُلَٰلَةٖ مِّن مَّآءٖ مَّهِينٖ ﴾ [السجدة: 8]
سبحان مَن جعل من ماء مَهين لا يُعبأ به جنسًا ذا تركيب بديع، وهيئة حسنة، وعقل يفكر، ومشاعر تفيض! |
﴿ثُمَّ سَوَّىٰهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِۦۖ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَٱلۡأَفۡـِٔدَةَۚ قَلِيلٗا مَّا تَشۡكُرُونَ ﴾ [السجدة: 9]
لا يليق بعبد كان ماء مهينًا، ثم غدا بشرًا سويًّا، أن يُعرض عن شكر مَن سوَّاه وأكرمه ورفع قدره. خلق الله للإنسان السمعَ والأبصار والأفئدة، وجعلها طرقًا للعلم ونوافذَ للمعرفة؛ ليتعرَّفَ بها العبد ربَّه، ويُكثرَ من شكره عليها. لو أن امرَءًا قضى عمره شاكرًا لله تعالى على نعمه ما وفَّى النعمة بعض حقِّها؛ أفيليق به مع توارد نعم الله عليه كلَّ لحظة ألا يشكرَها إلا قليلًا؟ |
﴿أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلۡمَآءَ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡجُرُزِ فَنُخۡرِجُ بِهِۦ زَرۡعٗا تَأۡكُلُ مِنۡهُ أَنۡعَٰمُهُمۡ وَأَنفُسُهُمۡۚ أَفَلَا يُبۡصِرُونَ ﴾ [السجدة: 27]
يا له من مشهد يفتح نوافذَ القلب للاعتبار بهذه الحياة النامية، والإحساس بإنعام واهبها، وذلك ما يزيد القلب حبًّا له، وإيمانًا بقدرته وحكمته وإتقانه. منظر السحاب يجتمع، والغيث ينهمر، والماء يأتي إلى الأرض العطشى فيرويها، والنبات يشقُّ الأرض، والبهائم ترعى في خمائلها، نعمة منظورة تملأ البصر حسنًا، والقلب بهجة وفرحًا، وإيمانًا بالله تعالى. |
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡۚ هَلۡ مِنۡ خَٰلِقٍ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ ﴾ [فاطر: 3]
الزم تذكُّر نِعمَ ربِّك عليك في جَنانك ولسانك، فلا مُوجدَ لك إلا الله، ولا رازقَ لك سواه، فلا تَصرِف قلبك في رزقك لمخلوق مثلك. لو أنصف المشرك وعقَلَ لعلمَ أن مَن خلقه ورزقه هو أولى بعبادته من غيره، فكيف ينصرف عنه إلى سواه؟! |
﴿وَٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابٗا فَسُقۡنَٰهُ إِلَىٰ بَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَحۡيَيۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۚ كَذَٰلِكَ ٱلنُّشُورُ ﴾ [فاطر: 9]
يقرِّب الله تعالى لخلقه صورةَ إحيائه الموتى بصور حسيَّة؛ رجاءَ أن يؤمنوا ولا يكذِّبوا؛ رحمةً منه بهم وهو الغنيُّ عن إيمانهم تبارك وتعالى. |
﴿وَٱللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ جَعَلَكُمۡ أَزۡوَٰجٗاۚ وَمَا تَحۡمِلُ مِنۡ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلۡمِهِۦۚ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٖ وَلَا يُنقَصُ مِنۡ عُمُرِهِۦٓ إِلَّا فِي كِتَٰبٍۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ ﴾ [فاطر: 11]
سبحان مَن يخلُق من الشيء اليسير الخلقَ الكبير، فمن ترابٍ كان أصل الإنسان، ومن نطفةٍ جاء هذا المخلوق بعد ذلك في كلِّ زمان. الزواج هو السبيل النقيُّ الذي جعله الله تعالى كفيلًا باستمرار النوع الإنساني. توقَّف قليلًا، واسرح بخيالك وتفكَّر كم من أنثى من آدميٍّ أو جانٍّ أو حيَوان في هذه الحال تحمل، وأخرى تضع، وثالثة تُجهض! كل هذا مغمورٌ في سَعة علم الله تعالى. قال عطاءٌ الخُراسانيُّ: (لا يذهب من عمُرِ إنسانٍ يومٌ ولا شهرٌ ولا ساعة إلا ذلك مكتوبٌ محفوظ معلوم). مَن كان كلُّ شيء عليه يسيرًا فهو المستحقُّ أن يكونَ هو المعبودَ حقًّا لا غيره. |
﴿وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡبَحۡرَانِ هَٰذَا عَذۡبٞ فُرَاتٞ سَآئِغٞ شَرَابُهُۥ وَهَٰذَا مِلۡحٌ أُجَاجٞۖ وَمِن كُلّٖ تَأۡكُلُونَ لَحۡمٗا طَرِيّٗا وَتَسۡتَخۡرِجُونَ حِلۡيَةٗ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ﴾ [فاطر: 12]
من رحمة الله تعالى بعباده أن خلق في النهر صفة العذوبة التي تناسب تحقق بعض مصالح الإنسان بها، وخلق في البحر الملوحة التي ينتفع بوجودها فيه في منافع أخرى. يا بنَ آدم، انظر إلى عظَم نعمة الله عليك بالسفن التي تقطع مياه البحار، ويحفظها الله تعالى حتى تصلَ بها إلى مصالحك وحاجاتك. الموفَّق مَن انتفع بما في الأنهار والبحار من المنافع، فشكر ربه عليها، واستعملها في مرضاته. |
﴿يُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ يَجۡرِي لِأَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ لَهُ ٱلۡمُلۡكُۚ وَٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ مَا يَمۡلِكُونَ مِن قِطۡمِيرٍ ﴾ [فاطر: 13]
مَن أنعم بتسخير تلك الأجرام العظيمة حريٌّ بأن يُشكر فيُعبد وحده كما أبدع وحده. العبد له في كل نَفَس ولحظة وطَرفة عينٍ عدة حوائج، فليرفعها إلى الرب الذي له الملك كله، وما سوى الله فهو مملوك لا مالك، ومرزوق لا رازق. |
﴿أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ ثَمَرَٰتٖ مُّخۡتَلِفًا أَلۡوَٰنُهَاۚ وَمِنَ ٱلۡجِبَالِ جُدَدُۢ بِيضٞ وَحُمۡرٞ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٞ ﴾ [فاطر: 27]
فيما خلق الله تعالى من الأشياء المتنوِّعة التي أصلها واحدٌ ومادَّتها واحدة وفيها من التفاوت والفرق ما هو مشاهَدٌ معروف، وهذا ممَّا يدلُّ العباد على كمال قدرة الله وبديع حكمته. |
﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ مُخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُۥ كَذَٰلِكَۗ إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَٰٓؤُاْۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ [فاطر: 28]
خلق الله الناسَ من شيء واحد، وفاوت بينهم في ألوانهم وصفاتهم، وطباعهم وميولهم، فلا يتَّفق شخصٌ مع شخص في كلِّ شيء منذ أوَّل مخلوق إلى آخر مخلوق، فسبحان الخالق العظيم! إنما العلم الخَشيةُ، فإذا لم يَقُدِ العلمُ صاحبه إلى خشية الله، فيتقي عقابه بطاعته واجتناب معصيته، فلا خير في ذلك العلم. مَن أيقن بأن الله تعالى بعزته يعاقب مَن عصاه ويقهره، وبمغفرته يثيبه ويأجُره، دعاه ذلك إلى خشيته وحسن عبادته. |
﴿۞ إِنَّ ٱللَّهَ يُمۡسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ أَن تَزُولَاۚ وَلَئِن زَالَتَآ إِنۡ أَمۡسَكَهُمَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنۢ بَعۡدِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورٗا ﴾ [فاطر: 41]
لا قوَّةَ للخلق يمكنها إمساكُ السماوات والأرض ولا إزالتهما، فمَن خلقهما هو القادر وحدَه على إمساكهما وإزالتهما متى شاء سبحانه. سبحان مَن جمع إلى قوَّته وقدرته عظيمَ حِلمه ومغفرته، فمَن خلق السماوات والأرض وأمسكهما هو الحليم في تأخير عقوبة العصاة من عباده، الغفور لمَن تاب من ذنبه ورجع منهم إليه. |
﴿﴾ [يس: 0]
|
﴿إِنَّا نَحۡنُ نُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَنَكۡتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَٰرَهُمۡۚ وَكُلَّ شَيۡءٍ أَحۡصَيۡنَٰهُ فِيٓ إِمَامٖ مُّبِينٖ ﴾ [يس: 12]
تفقَّد آثارك بعد موتِك، وأبقِ في صحيفتك ما يشفع لك بين يدَي ربِّك، فما أبعدَ البَونَ بين ظالمٍ وعادل، وبين داعيةٍ إلى بدعةٍ وآخر إلى سنَّة! |
﴿أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا خَلَقۡنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتۡ أَيۡدِينَآ أَنۡعَٰمٗا فَهُمۡ لَهَا مَٰلِكُونَ ﴾ [يس: 71]
تذكيرُ الله لخلقه بنعمه وآلائه، وواسع فضله وعطائه، هو نعمةٌ منه أخرى، ومنَّةٌ جليلة كبرى، تستوجب منهم دوامَ الشكر له. لو تأمَّلنا في مأكلنا ومشربنا وملبسنا ومركبنا لاستشعرنا أننا مغمورون بفيض وافر من نعم الله تعالى، فما أعظمَ فضلَه سبحانه! وما أقلَّ شكرَنا! إن الذي ذلَّل الدوابَّ للبشر، فأسلس قيادها، ويسَّر ظهرها، لقادرٌ على تطويعك، فانقَد إليه حبًّا قبل أن تخضعَ له كُرهًا. |
﴿وَذَلَّلۡنَٰهَا لَهُمۡ فَمِنۡهَا رَكُوبُهُمۡ وَمِنۡهَا يَأۡكُلُونَ ﴾ [يس: 72]
تذكيرُ الله لخلقه بنعمه وآلائه، وواسع فضله وعطائه، هو نعمةٌ منه أخرى، ومنَّةٌ جليلة كبرى، تستوجب منهم دوامَ الشكر له. لو تأمَّلنا في مأكلنا ومشربنا وملبسنا ومركبنا لاستشعرنا أننا مغمورون بفيض وافر من نعم الله تعالى، فما أعظمَ فضلَه سبحانه! وما أقلَّ شكرَنا! إن الذي ذلَّل الدوابَّ للبشر، فأسلس قيادها، ويسَّر ظهرها، لقادرٌ على تطويعك، فانقَد إليه حبًّا قبل أن تخضعَ له كُرهًا. |
﴿وَلَهُمۡ فِيهَا مَنَٰفِعُ وَمَشَارِبُۚ أَفَلَا يَشۡكُرُونَ ﴾ [يس: 73]
تذكيرُ الله لخلقه بنعمه وآلائه، وواسع فضله وعطائه، هو نعمةٌ منه أخرى، ومنَّةٌ جليلة كبرى، تستوجب منهم دوامَ الشكر له. لو تأمَّلنا في مأكلنا ومشربنا وملبسنا ومركبنا لاستشعرنا أننا مغمورون بفيض وافر من نعم الله تعالى، فما أعظمَ فضلَه سبحانه! وما أقلَّ شكرَنا! إن الذي ذلَّل الدوابَّ للبشر، فأسلس قيادها، ويسَّر ظهرها، لقادرٌ على تطويعك، فانقَد إليه حبًّا قبل أن تخضعَ له كُرهًا. |
﴿أَوَلَمۡ يَرَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقۡنَٰهُ مِن نُّطۡفَةٖ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٞ مُّبِينٞ ﴾ [يس: 77]
مهلًا أيها الجاحد المعاند؛ إن الذي سوَّاك في أحسن تقويم من نطفةٍ ضعيفة حقيرة لرادُّك إلى مَعاد، فحذار أن تطغى بعد ضعفك وافتقارك. |
﴿فَسُبۡحَٰنَ ٱلَّذِي بِيَدِهِۦ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيۡءٖ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ ﴾ [يس: 83]
ما تأمَّل عبدٌ في ملكوت الله وسلطانه إلا خشع بصره، وخضع قلبه، ونطق لسانه بتمجيد ربِّه وتنزيهه، فله وحدَه كمالُ المحامد والمدائح، والبراءة من كلِّ العيوب والقبائح. مهما طالت بنا الحياةُ فإن مردَّنا إلى مَن بيده ملكُ كلِّ شيء؛ أفلا يورثنا ذلك الرهبةَ منه والرغبةَ إليه؟! |
﴿إِنَّ إِلَٰهَكُمۡ لَوَٰحِدٞ ﴾ [الصافات: 4]
الله تعالى هو الخالق لهذه المخلوقات، والرازق والمدبِّر لها، فكما أنه لا شريك له في ربوبيَّته إيَّاها فكذلك لا شريك له في ألوهيَّته لها. |
﴿فَٱسۡتَفۡتِهِمۡ أَهُمۡ أَشَدُّ خَلۡقًا أَم مَّنۡ خَلَقۡنَآۚ إِنَّا خَلَقۡنَٰهُم مِّن طِينٖ لَّازِبِۭ ﴾ [الصافات: 11]
إن خلق الإنسان من طين ليس بأعظمَ من خلق السماوات والأرضين. |
﴿فَٱسۡتَفۡتِهِمۡ أَلِرَبِّكَ ٱلۡبَنَاتُ وَلَهُمُ ٱلۡبَنُونَ ﴾ [الصافات: 149]
لقد أنكر الله عليهم جعلَهم له ما يكرهون ممَّا لو بُشِّر به أحدهم به لظلَّ وجهه مسودًا وهو كظيم، فأيُّ تعظيم هذا؟! وتعالى الله عن أن يكونَ له ولدٌ من البنات أو البنين! |
﴿سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [الصافات: 159]
بعض الأقاويل الباطلة يكفي في ردِّها تعظيمُ الله، فهي أقلُّ من أن تكونَ حجَّة، بل إن تذَكُّر عظمة الله هو دليلُ إبطالها. |
﴿قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ مُنذِرٞۖ وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّا ٱللَّهُ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّارُ ﴾ [ص: 65]
ليس عليكم أيُّها الدعاةُ هدايةُ الناس، ولكنَّ الله يهدي مَن يشاء إلى صراط مستقيم، فاجتهدوا بالدعوة، وتسلَّحوا بالصبر، ودَعوا النتائج للواحد القهَّار. إن القهَّار لغيره على ما يريد، ومقدِّر الأقدار وَفْقَ ما يشاء، هو وحدَه المستحقُّ للتعظيم والعبادة، ولا ينبغي أن يُشرَكَ معه سواه. |
﴿رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفَّٰرُ ﴾ [ص: 66]
ما أرحمَكَ ربَّنا وأرأفك بعبادك! قدَّمت لهم من الوعيد ما قدَّمت إن تجاوزوا، وتركتَ باب التوبة أبدًا مفتوحًا لتُقيلَ عثرتهم وتغفرَ حَوبتهم. |
﴿لَّوۡ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَدٗا لَّٱصۡطَفَىٰ مِمَّا يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ سُبۡحَٰنَهُۥۖ هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّارُ ﴾ [الزمر: 4]
لا يكون قهَّارًا حتى يكونَ مستغنيًا عن الولد وسائر الخلق، أمَّا المحتاجُ إلى الولد فهو المقهورُ بالضعف والموت، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا. |
﴿خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۖ يُكَوِّرُ ٱلَّيۡلَ عَلَى ٱلنَّهَارِ وَيُكَوِّرُ ٱلنَّهَارَ عَلَى ٱلَّيۡلِۖ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ يَجۡرِي لِأَجَلٖ مُّسَمًّىۗ أَلَا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفَّٰرُ ﴾ [الزمر: 5]
تمام قدرة الله على تسخير الشمس والقمر والتصرُّف بالليل والنهار، آية على كمال صفاته وعظيم عفوه ومغفرته. مع عزَّة الله وقوَّته فتحَ الطريقَ أمام العباد للتوبة والإنابة، فأين المستغفرون التائبون؟ |
﴿خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ ثُمَّ جَعَلَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ ثَمَٰنِيَةَ أَزۡوَٰجٖۚ يَخۡلُقُكُمۡ فِي بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡ خَلۡقٗا مِّنۢ بَعۡدِ خَلۡقٖ فِي ظُلُمَٰتٖ ثَلَٰثٖۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ لَهُ ٱلۡمُلۡكُۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُصۡرَفُونَ ﴾ [الزمر: 6]
الذي جعل للرجل زوجةً يسكُن إليها، وجعل لبني آدمَ أزواجًا من الأنعام ينتفعون بها؛ هو الإله الحقُّ الذي يُطلب منه المدد، وليس الذي لا يَخلُق ذكرًا ولا أنثى، ولا يَجلِب رزقًا ولا نفعًا. من أعظم ما يتجلَّى فيه بديع صُنع الله تعالى هو تجدُّد الخلق والولادة، وأطوارُ الجنين في ظلمات لا يُبصرها أحدٌ سواه، فهل من متأمِّل متدبِّر؟ إن الذي لطَفَ بك ورعاك وأنت جنينٌ ضعيف في ظلمات الرحم هو الذي يرعاك في مراحل حياتك، فأحسِن الظنَّ بربِّك، وأخلص له التوكُّل. |
﴿۞ وَإِذَا مَسَّ ٱلۡإِنسَٰنَ ضُرّٞ دَعَا رَبَّهُۥ مُنِيبًا إِلَيۡهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُۥ نِعۡمَةٗ مِّنۡهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدۡعُوٓاْ إِلَيۡهِ مِن قَبۡلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادٗا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِۦۚ قُلۡ تَمَتَّعۡ بِكُفۡرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلنَّارِ ﴾ [الزمر: 8]
في المحن تتجلَّى الحقائق، ويدرك المرء من عُمق فؤاده أنه لا يفرِّج الهمَّ ويزيل الغمَّ ويَكشِف السوء إلا الله تعالى، فيتوجَّه إليه مخلصًا في الدعاء والتذلُّل. عجبًا للإنسان ما أسرعَ نسيانَه لأنعُم الله عليه حينما يفرِّج عنه أحزانه! فما أحراه أن يستحضرَ أفضاله على الدوام؛ ليعيشَ شاكرًا حامدًا! أيَّام الفرد على هذه الأرض معدودةٌ محدودة، وكلُّ متاعٍ فيها قليلٌ قصير مهما كثُر وامتدَّ، والعاقل مَن آثرَ الباقي على الذاهب الفاني. |
﴿أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَسَلَكَهُۥ يَنَٰبِيعَ فِي ٱلۡأَرۡضِ ثُمَّ يُخۡرِجُ بِهِۦ زَرۡعٗا مُّخۡتَلِفًا أَلۡوَٰنُهُۥ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَىٰهُ مُصۡفَرّٗا ثُمَّ يَجۡعَلُهُۥ حُطَٰمًاۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكۡرَىٰ لِأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ ﴾ [الزمر: 21]
كما رغَّب الله في الجنَّة وأغرى بالعمل لها، فإنه نفَّر من الدنيا والركون إلى زُخرفها والاغترار بمتاعها، وبيان حقيقتها بهذا التشبيه البليغ، ولكنْ قليلٌ مَن ينتصح. ما من نبتة في الأرض إلا وتحكي قصَّة الدنيا ومصيرها المحتوم، في خُضرتها وصُفرتها ويُبسِها وحُطامها، فهل من متَّعظ مُعتبِر؟ الغافلون عن الآيات لا ينتفعون بموعظةٍ ولا نُصح، ووحدَهم أصحابُ العقول مَن يتدبَّر المواعظ فيتذكَّر وينتفع، جعلنا الله منهم. |
﴿ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا رَّجُلٗا فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَٰكِسُونَ وَرَجُلٗا سَلَمٗا لِّرَجُلٍ هَلۡ يَسۡتَوِيَانِ مَثَلًاۚ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ ﴾ [الزمر: 29]
يعيش المؤمن الموحِّد الراحةَ والسلام لإقباله بكليَّته على ربٍّ واحد، أمَّا مَن تفرَّقت به الأهواء والشهَوات فيعيش ممزَّقَ النفس. بعض الحقائق لا تتطلَّب كثيرَ أخذ وردٍّ، ويكفي فيها مثَلٌ أو سؤال يُخاطب الفطرة ويُقيم الحُجَّة؛ كما في هذه الآية، وكما في قوله: ﴿أأربابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيرٌ أمِ اللهُ الواحِدُ القَهَّار﴾ . أكثِروا من حمد الله أيُّها الموحِّدون على ما وفَّقكم إليه وهداكم له من توحيدٍ خالص، فإنه نعمةٌ جليلة، وبالشكر تدوم النعم. |
﴿ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلۡأَنفُسَ حِينَ مَوۡتِهَا وَٱلَّتِي لَمۡ تَمُتۡ فِي مَنَامِهَاۖ فَيُمۡسِكُ ٱلَّتِي قَضَىٰ عَلَيۡهَا ٱلۡمَوۡتَ وَيُرۡسِلُ ٱلۡأُخۡرَىٰٓ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمًّىۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الزمر: 42]
إنه تنبيهٌ لكلِّ ذي لُبٍّ أن الله وحدَه المستحِقُّ لتمام العبوديَّة وكمال الألوهيَّة، فهو الذي يُحيي ويُميت، ويفعل ما يشاء، فإيَّاك أن تَصرِفَ شيئًا من العبوديَّة لسواه. لمَّا كان نومُنا مَوتةً صُغرى أوصانا نبيُّنا ﷺ إذا أوينا إلى فرُشنا أن ندعوَ: (باسمك ربِّي وضعتُ جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكتَ نفسي فارحمها، وإن أرسلتَها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين). آيات الله الدالَّةُ على كمال قدرته وشمول رحمته كثيرةٌ وافرة، ولو أننا تأمَّلنا في نومنا ويقظتنا لأدركنا آيةً منها، ما أعظمَها وأجلَّها! مع كلِّ نومة تنامها تفكَّر أنها ربما تكون آخرَ عهدك بالدنيا، فاستقبِل النومَ بطهارة الظاهر والباطن، فما يُدريك لعلَّك لا تقوم بعدها إلا للحشر! |
﴿أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُفَعَآءَۚ قُلۡ أَوَلَوۡ كَانُواْ لَا يَمۡلِكُونَ شَيۡـٔٗا وَلَا يَعۡقِلُونَ ﴾ [الزمر: 43]
استحسَنوا بعقولهم القاصرة ما اتَّخذوه دينًا والدين منه بَراء، فأضلَّهم الله وأبعدهم عن رحمته، وذاك جزاءُ المبتدِعين بلا دليل ولا برهان. أنَّى لمَن ليس له من الأمر شيء أن يَشفَع لغيره؟ ألا إن الشفاعة لجبَّار السماوات والأرض، لا يَشرَكه فيها أحد. اقطع حبالَ الطمع بكلِّ مَن يَخفِق قلبُك بالحاجة إليه؛ فإن الخلق جميعًا مهما بلغوا قوَّةً وقدرة، إنما هم ملكٌ لله، عبيدٌ لجبَروته. |
﴿قُلِ ٱللَّهُمَّ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ عَٰلِمَ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ أَنتَ تَحۡكُمُ بَيۡنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ ﴾ [الزمر: 46]
إن خير ما سألت به ربَّك أيُّها العبد وتضرَّعت به إليه سؤالُه بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا، وفي الآية من أسماء الله وصفاته ما يدفع العبدَ للتضرُّع بها في رفع الكيد والضُّرِّ عنه. عندما تشتبه عليك الحقائقُ في ظلِّ الاختلاف لا تنسَ هذا الدعاء: (اللهم ربَّ جبريلَ وميكائيل وإسرافيل، فاطرَ السماوات والأرض، عالمَ الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لِما اختُلف فيه من الحقِّ بإذنك، إنك تهدي مَن تشاء إلى صراطٍ مستقيم). |
﴿ٱللَّهُ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡءٖۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ وَكِيلٞ ﴾ [الزمر: 62]
كما أن الأشياء كلَّها محتاجةٌ إلى الله تعالى في وجودها؛ فهي محتاجةٌ إليه أيضًا في دوامها وبقائها، فتبارك الله الغنيُّ عن العالمين. |
﴿وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦ وَٱلۡأَرۡضُ جَمِيعٗا قَبۡضَتُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطۡوِيَّٰتُۢ بِيَمِينِهِۦۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ ﴾ [الزمر: 67]
مَن عرَف ربَّه حقًّا لم يجرؤ أن يَصرِفَ لسواه شيئًا من التعظيم والطاعة؛ ﴿رَبُّ السَّماواتِ والأرضِ وما بَينَهُما فاعبُدهُ واصطَبِر لِعِبادَتِهِ هَل تَعلَمُ لَه سَمِيًّا﴾ . إن رُمتَ سعادة الدنيا والفوزَ في الآخرة فتمثَّل في حياتك معنى: (لا إله إلا الله)، واشكر الله أنْ وفَّقك إليها. مهما بلَغتِ الإنسُ والجنُّ في إدراكها العقليِّ والعلميِّ لم يصل تصوُّرها إلى إدراك عظمة قُدرة الله، فتبارك سبحانه في عَليائه. تعظيم شعائر الإسلام، وتوقيرُ آي القرآن من مظاهر تعظيم الله وتقديسه، وقد خاب مَن لم يعرِف لله قَدْرًا! |
﴿غَافِرِ ٱلذَّنۢبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوۡبِ شَدِيدِ ٱلۡعِقَابِ ذِي ٱلطَّوۡلِۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ إِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ ﴾ [غافر: 3]
معرفة أسماء الله الحسنى وصفاته العلا لها أثرٌ عميق في نفوس العباد وسلوكهم، بإثارة طمعهم بمغفرته، وإيقاظ خَشيتهم من عقابه وعذابه. لا يَقدِر على غُفران ما يشاء لمَن يشاء إلا كاملُ العزَّة، ولا يعلم جميعَ الذنوب ليُسمَّى غافرًا إلا كاملُ العلم، فيا خيبةَ مَن لم يخضع للعزيز العليم! من تمام فضل الله تعالى أنه يجمع للعبد المذنب التائب بين رحمتين؛ قَبول توبته وجَعْلها له طاعةً، ومحو ذنوبه وكأنه لم يفعلها، فإيَّاكم والقنوطَ من رحمة الله! أيُّها العبدُ، إنك لعلى صراط ربِّك المستقيم ما جمعتَ بين الخوف والرجاء، الخوف من الله وعقابه، والطمع برحمته وعفوه. لله وحدَه الغنى المطلق، وإليه وحدَه يرجِع الأمر كلُّه، فمنه المبتدأ وإليه المنتهى، أفيليق أن يُعظَّمَ سواه، وأن يُلاذَ بغير حِماه؟ |
﴿هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ رِزۡقٗاۚ وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ ﴾ [غافر: 13]
بيَّن الله لعباده الآياتِ الدالَّةَ على وَحدانيَّته وربوبيَّته؛ إذ بها قِوام دينهم، وأنزل لهم الأرزاق؛ إذ بها قِوام أبدانهم، فأين الذي يرجِع إلى الله وحده في طلب الهدى وفي طلب الرزق؟! آيات الله تعالى تحيط بنا من كلِّ جانب، وهي ظاهرةٌ جليَّة في المخلوقات الكبيرة والدقائق الصغيرة، فأين المعتبرون؟ قال رسول الله ﷺ: «كلُّ بني آدمَ خطَّاء، وخير الخطَّائين التوَّابون»، الذين يجدِّدون توبتهم وأوبتهم بتجدُّد أنفاسهم، وتكرُّر ذنوبهم. |
﴿رَفِيعُ ٱلدَّرَجَٰتِ ذُو ٱلۡعَرۡشِ يُلۡقِي ٱلرُّوحَ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ لِيُنذِرَ يَوۡمَ ٱلتَّلَاقِ ﴾ [غافر: 15]
سبحان العليِّ العظيم، الذي لم يترك عباده من غير هادٍ يهديهم إلى سبيل الحقِّ القويم، فيبشِّرهم بما عند الله من النعيم، ويحذِّرهم بما لديه سبحانه من العذاب الأليم. |
﴿لَخَلۡقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ أَكۡبَرُ مِنۡ خَلۡقِ ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ ﴾ [غافر: 57]
لم تعجِز قدرةُ الله عن خلق الكون العظيم بما فيه، فهل تعجِز عن إعادة خلق الناس بعد الموت؟ ما أضلَّها من عقول عميَت عن هذه الحقيقة! مَن لم يورثه تدبُّر آيات الله الكونيَّة اليقينَ بعظمة الله وكمال قدرته، فهو جاهلٌ ولو حمل من الشهادات أعلاها، وتبوَّأ من المناصب أرقاها. |
﴿ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ لِتَسۡكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبۡصِرًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشۡكُرُونَ ﴾ [غافر: 61]
ينبغي للمؤمن أن يكونَ يقِظَ القلب دومًا، بتأمُّل آلاء الله الكثيرة، ونعمه العظيمة الغزيرة، وشكره عليها؛ فبالشكر تدوم النعم. ترى كثيرًا ممَّن يغلو في الصالحين يحتجُّ بأن فعله من باب معرفة فضلهم وشكر نبلهم، أفلا يعرفون فضل ربِّهم عليهم، ويشكرونه حقَّ الشكر؟! |
﴿هُوَ ٱلۡحَيُّ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَٱدۡعُوهُ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَۗ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ﴾ [غافر: 65]
وحدَه سبحانه الحيُّ الباقي، وما سواه إلى زوال ماضٍ، فأيهما أحقُّ بخالص العبوديَّة؟ إقبال قلبك على ربِّك، وإخلاصُ الطاعة والدعاء له، نعمةٌ جليلة تستوجب حمدَك له ودوامَ شكرك، وبالشكر تدوم النعم. |
﴿هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ مِنۡ عَلَقَةٖ ثُمَّ يُخۡرِجُكُمۡ طِفۡلٗا ثُمَّ لِتَبۡلُغُوٓاْ أَشُدَّكُمۡ ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخٗاۚ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبۡلُۖ وَلِتَبۡلُغُوٓاْ أَجَلٗا مُّسَمّٗى وَلَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ ﴾ [غافر: 67]
بين أطوار خلقك أيُّها الإنسانُ أقدارٌ وأقدار لا يعلمها إلا مقدِّرها، مهما تقدَّمت المعارفُ والعلوم، ومهما ارتقت العقولُ والفهوم. لا يكاد يبلغ الإنسانُ من التمام، حتى يَجنحَ إلى النقصان. قال عمرُ رضي الله عنه: (لم يكمُل شيءٌ إلا نقَص). فلا يغترَّنَّ قويٌّ بقوَّته وهمَّته، ولا معافًى بنشاطه وصحَّته. مَن عَلِم عِلمَ اليقينِ أن الله وحده هو الذي خلقه من نطفة، وحفظه في أطوار نموِّه حتى غدا رجلًا جَلدًا، لم يملك إلا أن يَعقِل حُججَ الله وينقادَ لها. |
﴿أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ أَنَّىٰ يُصۡرَفُونَ ﴾ [غافر: 69]
أرأيتَ إلى المجادلين في آيات الله البيِّنات؛ إنهم لا يردُّون الحُجَج بما هو أقوى وأحكم، ولكنَّهم يردُّونها باتِّباع الشبُهات وموافقة الأهواء. |
﴿ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَنۡعَٰمَ لِتَرۡكَبُواْ مِنۡهَا وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ ﴾ [غافر: 79]
كيف ستكون حياتك أيُّها الإنسانُ لولا فضلُ الله عليك، بما سخَّره لك من بقر وغنم وإبل، تأكل منها وتركب؟ فاجتهِد في شكر نِعَمه؛ فإنه أهلٌ لكلِّ شكر. |
﴿فَلَمَّا رَأَوۡاْ بَأۡسَنَا قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَحۡدَهُۥ وَكَفَرۡنَا بِمَا كُنَّا بِهِۦ مُشۡرِكِينَ ﴾ [غافر: 84]
آلآنَ تُقرُّون بالحقِّ، وتتبرَّؤون ممَّا كنتم عليه من ضلال؟! إن سنَّة الله جرَت ألا تُقبلَ توبةُ الفزع؛ لأنها توبةٌ فات زمانها. |
﴿قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَٱسۡتَقِيمُوٓاْ إِلَيۡهِ وَٱسۡتَغۡفِرُوهُۗ وَوَيۡلٞ لِّلۡمُشۡرِكِينَ ﴾ [فصلت: 6]
التواضع يرفعُك عند الله، ويقرِّبك من عباد الله، أوَليس لك قُدوة في رسول الله؟ لقد علَّمه ربُّه التواضعَ، ورفعه به مكانًا عليًّا، فما أحسنَ حالَ الداعية حين يتواضع في ردِّه على المخالفين، ويخاطبهم بمنطق الفطرة، ويبيِّن لهم الحقَّ المبين. الاستقامة على أمر الله لا تكــون إلا بنقــاء التوحيـد وإخلاص العبادة، ثمَّ الاستغفار لما قد يشوب العملَ من قصور، وما يصيب صاحبَه من فتور. عن قَتادة قال: (كان يُقال: الزكاة قنطرةُ الإسلام، مَن قطعها واجتازها فقد برئ ونجا، ومَن لم يقطعها فقد خسر وهلَك). مَن أيقن بزوال الدنيا وفنائها، وخلود الآخرة وبقائها، لم يمنع حقًّا أوجبه الله عليه، بل جعل من أدائه له طُهرةً لنفسه، ونماءً لإيمانه وإخلاصه. |
﴿۞ قُلۡ أَئِنَّكُمۡ لَتَكۡفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡأَرۡضَ فِي يَوۡمَيۡنِ وَتَجۡعَلُونَ لَهُۥٓ أَندَادٗاۚ ذَٰلِكَ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ﴾ [فصلت: 9]
أين هؤلاء الأندادُ الضعفاء من الله تعالى؟! أفمَن يخلُق كمَن لا يخلُق؟! لكنَّ ضلالهم المبين أوردهم هذا الموردَ المهين. لو شاء الله سبحانه أن يخلُقَ الكون كلَّه في لحظة لفعل، ولكنَّه أفسح في مدَّة الخلق لحِكَمٍ يعلمها، منها أن يبلوَ عباده أيُّهم أحسنُ عملًا. . |
﴿فَقَضَىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَاتٖ فِي يَوۡمَيۡنِ وَأَوۡحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمۡرَهَاۚ وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفۡظٗاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ ﴾ [فصلت: 12]
انظر إلى النجوم في السماء ناشرةً أنوارها، مزيِّنةً ما حولها، قد جعلها الله حفظًا لها من شياطين الجنِّ الذين يَستَرِقون السمع، فما أعظمَ تلك النجومَ من آية! |
﴿وَمِنۡ ءَايَٰتِهِ ٱلَّيۡلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُۚ لَا تَسۡجُدُواْ لِلشَّمۡسِ وَلَا لِلۡقَمَرِ وَٱسۡجُدُواْۤ لِلَّهِۤ ٱلَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ ﴾ [فصلت: 37]
إن في آيات الله الظاهرة أوضحَ دليل على وَحدانيَّة الله، فمَن تفكَّر فيها أفاق من غفلته، ونهض من كَبوته، وأقبل نحو ربِّه، طالبًا رضاه. مهما رأيتَ من عظيمٍ فإنَّ الله أعظم، وما ينبغي للمؤمن أن ينقادَ أو يذِلَّ إلا للعليِّ العظيم، إليه تُرفَع الرغائب، وبه تُستجلَب المطالب. |
﴿فَإِنِ ٱسۡتَكۡبَرُواْ فَٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُۥ بِٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَهُمۡ لَا يَسۡـَٔمُونَ۩ ﴾ [فصلت: 38]
مَن علم عظمة الخالق وافتقارَ الخلق إليه جَدَّ في عبادته وطاعته، وجرى تسبيحُه على لسانه جريَ أنفاسه، ولنا في الملائكة خيرُ قدوة. الله غنيٌّ عن عباده، لا تضرُّه معصيتهم ولا تنفعه طاعتهم، ولئن استكبر المشركون عن طاعته إنَّ له عبادًا مقربين لَهِجَت ألسنتُهم بذكره، وعمرت قلوبهم بمحبَّته. |
﴿وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنَّكَ تَرَى ٱلۡأَرۡضَ خَٰشِعَةٗ فَإِذَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡهَا ٱلۡمَآءَ ٱهۡتَزَّتۡ وَرَبَتۡۚ إِنَّ ٱلَّذِيٓ أَحۡيَاهَا لَمُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰٓۚ إِنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ ﴾ [فصلت: 39]
ما نراه من تقلُّب الأحوال من الجَدْب إلى الخِصْب ومن الضَّعة إلى الرِّفعة ليس أمرًا عابرًا، ولكنه دعوةٌ إلى تعظيم قدرة الله، والاعتبار بحال كلِّ شيء وعاقبته. |
﴿سَنُرِيهِمۡ ءَايَٰتِنَا فِي ٱلۡأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّۗ أَوَلَمۡ يَكۡفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ ﴾ [فصلت: 53]
بلى؛ حسبُنا أن الله شاهدٌ على أعمالنا وعلى تقلُّبات حياتنا، لا نسأل سواه ولا نلوذ إلا بحِماه، عليه توكَّلنا وإليه أنبنا. |
﴿أَلَآ إِنَّهُمۡ فِي مِرۡيَةٖ مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمۡۗ أَلَآ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَيۡءٖ مُّحِيطُۢ ﴾ [فصلت: 54]
سُبحان ربِّنا من إله عظيم عليم! فبقدرته سيجمع العبادَ للحساب، وبعلمه وإحاطته بأعمالهم سيُثيبهم أو يعاقبهم. |
﴿لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡعَظِيمُ ﴾ [الشورى: 4]
عجبًا لمَن يعلم أن الله تعالى ملِكٌ متفرِّد في علوِّه، ومتفرِّد في عظمته وجبروته، ثمَّ يلوذ بغير جنابه، ويطرق غير بابه! مهما جمحَ بك الخيال في تقدير عظمة العظماء، وقوَّة الزعماء، فاعلم أن الله أعظم وأقوى؛ ﴿وَهُوَ القاهِرُ فَوقَ عِبادِهِ﴾ . |
﴿تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرۡنَ مِن فَوۡقِهِنَّۚ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَيَسۡتَغۡفِرُونَ لِمَن فِي ٱلۡأَرۡضِۗ أَلَآ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ﴾ [الشورى: 5]
هذه السماواتُ العظيمة في بنيانها، المتينةُ في عليائها، تكاد تتقطَّع تعظيمًا لله وتوقيرًا لجلاله، فـ ﴿ما لَكُم لا تَرجُونَ لله وَقارًا﴾ ؟! أمَّا الملائكةُ فعلموا مقامَ ربِّهم ذي الكبرياء والجبَروت، فخافوه وخشُوه، وأمَّا أهل الأرض فكثيرٌ منهم ما قدَروا الله حقَّ قَدْره! لولا رحمةُ الله وعفوُه لأهلكَت العبادَ معاصيهم، ولكنَّ الله يؤخِّر عقوبتهم حتى يَفيئوا إلى هديه، ويرجِعوا إلى صِراطه وشرعه. |
﴿أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَۖ فَٱللَّهُ هُوَ ٱلۡوَلِيُّ وَهُوَ يُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ ﴾ [الشورى: 9]
أفمَن يخلُق كمَن لا يخلق، أفمَن يُحيي كمَن لا يحيي، أيكون القادر على كلِّ شيء كالعاجز؟ فاعجَب بعدُ لمَن يتَّخذ من دون الله وليًّا! |
﴿فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَمِنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ أَزۡوَٰجٗا يَذۡرَؤُكُمۡ فِيهِۚ لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]
العقول السليمة تُقرُّ أن الخالق المبدع هو وحدَه الجديرُ بالحكم والمستحقُّ للطاعة؛ لأن حكمه قائم على ما فيه مصالحُ العباد وخيرهم. خلق الله حوَّاءَ من ضِلَع آدمَ لتكون أبدًا قريبةً من قلبه، وسندًا له في حياته، فطوبى لكلِّ امرأة كانت لزوجها كحوَّاءَ لآدم. جلَّت أسماء ربِّنا فهي كلُّها حُسنى، وعظُمت صفاته كمالًا وجمالًا، وتعالت أفعاله مجدًا وسناء، فليس كمثله شيءٌ سبحانه. آيةٌ واحدة مُحكَمة أبطلت مذهبين فاسدين؛ ﴿ليس كمِثلِه شيءٌ﴾ ردٌّ على المشبِّهة، و ﴿هو السَّميعُ البصيرُ﴾ ردٌّ على المعطِّلة. أفلا يتدبَّرون؟ |
﴿لَهُۥ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقۡدِرُۚ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ ﴾ [الشورى: 12]
إذا كان الله تعالى هو رازقَهم وكافلَهم ومطعمَهم وساقيَهم؛ أفلغيره يتَّجهون ليحكمَ فيما فيه يختلفون؟ مَن كان علمه كاملًا شاملًا، كانت أفعاله جاريةً على أتقن ما يكون من قوانين الحكمة، فما أحرانا أن نرضى بها، وإن غابت عنَّا الحكمةُ منها! قد أحاط الله بكلِّ شيء علماً، فلا تخفى عليه سبحانه خافية، من كبير أو صغير، ومن جليل أو حقير، فكن أيُّها المسلم على حذر. |
﴿وَهُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ ٱلۡغَيۡثَ مِنۢ بَعۡدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحۡمَتَهُۥۚ وَهُوَ ٱلۡوَلِيُّ ٱلۡحَمِيدُ ﴾ [الشورى: 28]
الله تعالى وحدَه الذي يُنزل الغيث، وينشُر رحمته في كلِّ شيء، فلنُفرده بالتعظيم والرغبة. لكلِّ مقام مقال، وفي مقام الاستغاثة يحسُن دعاء (الوليِّ الحميد)؛ لأن الوليَّ يُحسن إلى مواليه، والحميد يعطي ما يُحمَد عليه. |
﴿وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ خَلۡقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٖۚ وَهُوَ عَلَىٰ جَمۡعِهِمۡ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٞ ﴾ [الشورى: 29]
كما لم يتعذَّر على الله خلقُ الخلق وبثُّهم في كونه الذي أحاط به، لا يتعذَّر عليه سبحانه جمعُهم يوم القيامة، فأين المفرُّ من الله؟ |
﴿وَمِنۡ ءَايَٰتِهِ ٱلۡجَوَارِ فِي ٱلۡبَحۡرِ كَٱلۡأَعۡلَٰمِ ﴾ [الشورى: 32]
هل نظرتم إلى السفُن العظيمة الجارية في البحر كأنها الجبالُ الشامخة؟ هلَّا تدبَّرتم قليلًا وسألتم مَن الذي أجراها؟ إنه ذو السلطان النافذ، لا إله إلا هو. |
﴿إِن يَشَأۡ يُسۡكِنِ ٱلرِّيحَ فَيَظۡلَلۡنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهۡرِهِۦٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٍ ﴾ [الشورى: 33]
لولا قدرةُ الله تعالى ما كان لتلك الفُلك العظيمة أن تَمخُرَ عُبابَ الماء، ولو شاء سبحانه لأوقف أسباب جريانها، فتعطَّلت كثيرٌ من مصالح العباد، ولكنه تعالى برحمته بهم سخَّرها لهم، أفلا شكرنا الله على هذه النعمة؟ الصبر على الابتلاء، والشكر على النعماء، هما قِوامُ النفس المؤمنة في الضرَّاء والسرَّاء، والزاد للاعتبار بالآيات البيِّنات. |
﴿أَوۡ يُوبِقۡهُنَّ بِمَا كَسَبُواْ وَيَعۡفُ عَن كَثِيرٖ ﴾ [الشورى: 34]
سبحانه من إله رحيم يسخِّر لعباده نعمة المركب في البحر وهم مع ذلك يعصُونه! ولو لم يعفُ عنهم لما بقيت لهم هذه النعمة. |
﴿وَيَعۡلَمَ ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٖ ﴾ [الشورى: 35]
أنَّى لمشرك الفِرارُ من عقاب الإله القادر الذي لا يُعجزه شيء، العليم الذي لا تخفى عليه خافية، العزيز الذي لا يَغلِبه مُغالب، الذي آياتُ كماله، وبراهين جلاله تملأ الوجود؟! |
﴿لِّلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَٰثٗا وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ ﴾ [الشورى: 49]
مَن أيقن بأنه مُلكٌ من مُلك الله، وأن أمر الخلق إلى ربِّه، وليس إلى اختياره وهواه؛ لزم حصنَ التسليم، لأمر الخالق العظيم، ورضي بما قسمه الله له من العطاء والهبة. الذكور والإناث من هبة الله ونعمته، وقد ضلَّ مَن حذا حذوَ الجاهليِّين بكراهة البنات، ولم يفرح بنعمة الله، ولم يَرضَ بمشيئته واختياره له. هل من بَلسَم أبلغُ شفاء وتطييبًا للخواطر من هذا البلسم؟ إن كلَّ ما يؤتاه العبدُ إنما هو بتقدير الله العليم بما فيه خيرُه وصلاحُه. إن الله سبحانه قديرٌ على خلق ما يشاء، وإعطاء مَن يشاء، ومنع مَن يشاء، ومَن عُبدوا من دونه عاجزون، لا يخلُقون شيئًا ولا يَهَبُون، ولا يمنعون من أمر الله شيئًا ولا يستطيعون، فماذا تقول فيمَن يتقرَّب إليهم ويسألهم الأولاد؟! |
﴿أَوۡ يُزَوِّجُهُمۡ ذُكۡرَانٗا وَإِنَٰثٗاۖ وَيَجۡعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًاۚ إِنَّهُۥ عَلِيمٞ قَدِيرٞ ﴾ [الشورى: 50]
مَن أيقن بأنه مُلكٌ من مُلك الله، وأن أمر الخلق إلى ربِّه، وليس إلى اختياره وهواه؛ لزم حصنَ التسليم، لأمر الخالق العظيم، ورضي بما قسمه الله له من العطاء والهبة. الذكور والإناث من هبة الله ونعمته، وقد ضلَّ مَن حذا حذوَ الجاهليِّين بكراهة البنات، ولم يفرح بنعمة الله، ولم يَرضَ بمشيئته واختياره له. هل من بَلسَم أبلغُ شفاء وتطييبًا للخواطر من هذا البلسم؟ إن كلَّ ما يؤتاه العبدُ إنما هو بتقدير الله العليم بما فيه خيرُه وصلاحُه. إن الله سبحانه قديرٌ على خلق ما يشاء، وإعطاء مَن يشاء، ومنع مَن يشاء، ومَن عُبدوا من دونه عاجزون، لا يخلُقون شيئًا ولا يَهَبُون، ولا يمنعون من أمر الله شيئًا ولا يستطيعون، فماذا تقول فيمَن يتقرَّب إليهم ويسألهم الأولاد؟! |
﴿وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡعَلِيمُ ﴾ [الزخرف: 9]
معرفة أن الله هو الخالقُ والرازق لا تنفع صاحبها شيئًا ما لم تثمر هذه المعرفةُ في حياته العبوديَّة الحقَّة التي أرادها الله سبحانه وتعالى. عزَّة الله وعلمه صفتان تبدِّدان حُججَ المشركين في جعل الأصنام أندادًا لله، فتلك الأصنام على خلاف ذلك؛ إذ إنها عاجزةٌ عن فعل شيء، جاهلة بما يدور حولها. |
﴿أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخۡلُقُ بَنَاتٖ وَأَصۡفَىٰكُم بِٱلۡبَنِينَ ﴾ [الزخرف: 16]
يصفون الله بما لا يليق به، ويَنسُبون له سبحانه ما تأبى نفوسهم نِسبتَه إليهم، لقد بلغوا من العناد والضلال مبلغًا استحقُّوا به العذابَ والهلاك. لا يدري امرؤٌ أين يكون الخير، أفي الولد أم البنت، ولرُبَّ جارية خيرٌ لأهلها من غلام، وما يملك المرء أمام القدر سوى الإيمان والاستسلام. |
﴿قُلۡ إِن كَانَ لِلرَّحۡمَٰنِ وَلَدٞ فَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡعَٰبِدِينَ ﴾ [الزخرف: 81]
الرسُل أسبقُ الناس للكمالات، وأبعدهم عن الشرور، فهم يأتمرون بأمر ربِّهم، لا يَحيدون عنه لمعرفتهم به، فما أسعدَ مَن اقتدى بهداهم! |
﴿وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَهُمۡ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ ﴾ [الزخرف: 87]
الذي عرَف خالقه حقَّ المعرفة، وأسلم نفسه إليه، لا يخالف أوامره، ولا يتجرَّأ على انتهاك حدوده، فضلًا عن اتخاذ آلهة من دونه. |
﴿رَحۡمَةٗ مِّن رَّبِّكَۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ ﴾ [الدخان: 6]
رسول الله ﷺ رحمةٌ من الله تعالى، فمَن آمن به، واتَّبع سنَّته أخذ بحظ وافر من رحمة الله تعالى. |
﴿رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَآۖ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ ﴾ [الدخان: 7]
يقظة العقول ويقينُ القلوب سبيلٌ مأمونة إلى حقيقة الربوبيَّة وكمال العبوديَّة، ومَن حُرمَهما عاش في ظلمات الشكِّ وأوهام الرِّيبة. عجبًا لمَن يتَّجه بالتعظيم والتقديس لعبدٍ مثله لا يملك من أمره شيئًا! هلَّا أخلص العبادة لمَن بيده ملكوتُ كلِّ شيء؟ إن الله هو خالقُك وخالق آبائك من قبلُ، وهو وحدَه مدبِّر شؤونكم جميعًا؛ فتوجَّه إليه بالعبادة، فلا إله إلا هو سبحانه وتعالى. |
﴿لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحۡيِۦ وَيُمِيتُۖ رَبُّكُمۡ وَرَبُّ ءَابَآئِكُمُ ٱلۡأَوَّلِينَ ﴾ [الدخان: 8]
يقظة العقول ويقينُ القلوب سبيلٌ مأمونة إلى حقيقة الربوبيَّة وكمال العبوديَّة، ومَن حُرمَهما عاش في ظلمات الشكِّ وأوهام الرِّيبة. عجبًا لمَن يتَّجه بالتعظيم والتقديس لعبدٍ مثله لا يملك من أمره شيئًا! هلَّا أخلص العبادة لمَن بيده ملكوتُ كلِّ شيء؟ إن الله هو خالقُك وخالق آبائك من قبلُ، وهو وحدَه مدبِّر شؤونكم جميعًا؛ فتوجَّه إليه بالعبادة، فلا إله إلا هو سبحانه وتعالى. |
﴿۞ ٱللَّهُ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ ٱلۡبَحۡرَ لِتَجۡرِيَ ٱلۡفُلۡكُ فِيهِ بِأَمۡرِهِۦ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ﴾ [الجاثية: 12]
من واجب العبد تُجاه ربِّه المنعم أن يستعملَ هذه النعمَ في طاعته، وأن يَلهَج دومًا بحمده وشكره والثناء عليه. مَن أنت أيُّها الإنسان ليسخِّر الله لك هذه المخلوقات؟! لا شكَّ أنه تكريمٌ منه تعالى يستوجب عبادته حقَّ العبادة. |
﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مِّنۡهُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 13]
كلُّ ما في الكون من أجرام عظيمة ذلَّلها الله لابن آدم، فكيف به ينشغل بها، وينسى مَن خلقها وذلَّلها؟! التفكُّر في عظيم صُنع الله عزَّ وجلَّ يورث المرء اليقينَ بقدرة الله وعظمته، والعلمَ بحكمة الله تعالى، فيزداد إيمانُه ويقوى يقينُه. |
﴿وَمَنۡ أَضَلُّ مِمَّن يَدۡعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لَّا يَسۡتَجِيبُ لَهُۥٓ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَهُمۡ عَن دُعَآئِهِمۡ غَٰفِلُونَ ﴾ [الأحقاف: 5]
إن العقل إذا كمَل أورث صاحبَه صحَّة المعتقد وسلامةَ العمل، فمَن دعا غيرَ الله من المعبودات الباطلة أو الأموات في أجداثهم فقد كشف عن جهله وقلَّة عقله ولو كان لديه أرقى شهادات الدنيا العلميَّة. |
﴿وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمۡ أَعۡدَآءٗ وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمۡ كَٰفِرِينَ ﴾ [الأحقاف: 6]
لو علم العابدُ ما سيلقاه من معبوده الباطل يوم القيامة من السوء ما عبده، فالمعبودات الباطلة تلعن عابديها يوم القيامة وتتبرَّأ منهم، وتُنكر علمها بعبادتهم إيَّاها، فما أسوأها من عاقبة! |
﴿فَٱعۡلَمۡ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مُتَقَلَّبَكُمۡ وَمَثۡوَىٰكُمۡ ﴾ [محمد: 19]
العلم بالله تعالى وصفاته يَغرِسُ في قلب المؤمن اليقينَ بكلِّ ما أخبرَ به تعالى من إنجاز وعده ونصرة أوليائه. التوحيد أشرفُ الأعمال وأجلُّها، ولا يقوم عملٌ إلا به، ولا ينفع المرءَ ما أتى من الصالحات ما لم يكن قد أتى به أولًا. إذا علم المرء قَدْر ربِّه وأنه تعالى أحقُّ مَن دُعي، أخلص له بالدعاء والاستغفار والإنابة والاعتذار. لا يزال الناس في تقلُّبهم في هذه الحياة، لا يَقَرُّون ولا يستقرُّون إلى أن يُوافوا موضعَ مَقرِّهم وإقامتهم في الدار الآخرة. |
﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ لِيَزۡدَادُوٓاْ إِيمَٰنٗا مَّعَ إِيمَٰنِهِمۡۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا ﴾ [الفتح: 4]
الطُّمَأنينة لما قضى الله تعالى إذا نزلت في القلب سكنت الجوارح، وذهب عن المرء الضجَر والقلق، فأعقبه ذلك خيرًا كثيرًا. القلوب هي المكان الذي إذا استنار بنور السَّكينة كسا النفوسَ رضًا وانشراحًا، فسل اللهَ أن يكونَ قلبك مطمئنًّا حتى تسعَد كلُّ أعضائك. أفرغَ في قلوب عباده سَكينته، فازدادوا ثقةً بوعده، وصبرًا على حُكمه، فكانوا كما أراد جلَّ جلاله. يمضي المؤمن في دربه، واثقًا بمَعيَّة ربِّه، مطمئنًّا إلى ذلك النصر الذي يحقِّق به الله وعده، وينصُر به جنده. لا تلتفت إلى غير الله، ولا تطلب من سواه، فهو عليم بحالك، حكيم إن أعطى وإن منع. |
﴿لِّيُدۡخِلَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عِندَ ٱللَّهِ فَوۡزًا عَظِيمٗا ﴾ [الفتح: 5]
ستر الله عن المؤمنين والمؤمنات السيِّئات، فطابت نفوسُهم بما في الجِنان من لَذَّات، وهو سبحانه أكرم من أن يذكِّرهم بها بعد أن أدخلهم جنَّته. ذلك هو الفوزُ العظيم، فلا شقاءَ ولا عناء، وكيف يشقى مَن ورث الجِنان، ودخل في رحمة الكريم الرحمن؟ |
﴿وَيُعَذِّبَ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ وَٱلۡمُشۡرِكَٰتِ ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوۡءِۚ عَلَيۡهِمۡ دَآئِرَةُ ٱلسَّوۡءِۖ وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَلَعَنَهُمۡ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرٗا ﴾ [الفتح: 6]
اجتمعوا على عداوة الإسلام والمسلمين، فجاء العذاب ليجمعَهم كذلك، فالطريق الذي اتَّفقوا فيه أوصلهم إلى غاية واحدة. ظنَّ المنافقون والمشركون أن الله سيخذُل دينه، ويُسلِم رسوله، فكان الخِذلانُ حظَّهم، والسوءُ نصيبَهم. ما أعظمَها من عقوبات تنتظر أولئك الكافرين! فالعذاب جزاؤهم، والغضب واللعن تحيَّة لهم، ونار جهنَّم دارهم التي يأوون إليها، نسأل الله السلامة من غضبه وجميع عقابه. |
﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [الفتح: 7]
مَن له ملكُ السماوات والأرض فله القوَّة التي لا تُقهر، والجند التي لا تُغلب، فلا عزَّ إلا عزُّه، ولا نصرَ إلا نصره. من حكمة الله أن يبتليَ المؤمنين بالكافرين؛ ليُحقَّ الحقَّ ويُبطل الباطل، فتعلوَ راية عباده، ويزلزل أركان أعدائه. |
﴿وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٖ ﴾ [ق: 38]
من الأدلَّة على كمال قدرة الله سبحانه إيجادُه أعظمَ مخلوقاته من عدَم، دون تعَب ولا نصَب. لو شاء الله أن يخلقَ الكونَ كلَّه في لحظـة لفعـلَ سبحـانه، ولكـن فيمـا اختـاره توجيـهٌ لطيف للإنسان، بضرورة التأنِّي في العمل والإتقان. |
﴿وَفِي ٱلۡأَرۡضِ ءَايَٰتٞ لِّلۡمُوقِنِينَ ﴾ [الذاريات: 20]
مَن تكونُ له في الأرض الآياتُ العظيمة تكونُ له القدرةُ التامَّة، أفلا يستحقُّ أن يُخشى ويُتَّقى؟! نسَمات اليقين تُحيي مشاهدَ الأرض فتبوحُ للفؤاد بأسرارها المكنونة؛ ناطقةً بما وراءها من إبداع الخالق وحُسن تدبيره. |
﴿وَفِيٓ أَنفُسِكُمۡۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 21]
قال قَتادة: (مَن تفكَّر في نفسه علمَ أنما لُيِّنَت مفاصِلُه للعبادة). إذا ما تفكَّر الإنسانُ في نفسه استنارَت له آياتُ الربوبيَّة، وسطعَت له أنوارُ اليقين، واضمحلَّت غمَراتُ الشكِّ عنه. |
﴿وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزۡقُكُمۡ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾ [الذاريات: 22]
في السماء مادة الرزق من الأمطار وصنوف الأقدار، ومنها ينزل الثواب ويحل العقاب، فادعُ الذي في السماء ولا تتعلق بسواه. |
﴿فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ إِنَّهُۥ لَحَقّٞ مِّثۡلَ مَآ أَنَّكُمۡ تَنطِقُونَ ﴾ [الذاريات: 23]
إن رزقك أيها الإِنسانُ مقدَّرٌ مقسوم، وهو لك حقٌّ مؤكَّدٌ مضمون، فما عليك سوى الدأب لكسبه بالحلال، وإن قُطِع عنك من طريق، أتاك من غير طريقٍ وطريق. |
﴿وَٱلسَّمَآءَ بَنَيۡنَٰهَا بِأَيۡيْدٖ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾ [الذاريات: 47]
ما أعظمَ السماءَ وأحسنَ خلقَها! لقد بناها الله بقوَّة وإتقان؛ لتكونَ للأرض سقفًا مرفوعًا يدلُّ على عِظَم خالقها ومُحكِمها. في امتداد السماء وسَعة خَلقها، إيحاءٌ إلى سَعة الأرزاق التي أخبر الله أنها فيها. |
﴿وَلَا تَجۡعَلُواْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَۖ إِنِّي لَكُم مِّنۡهُ نَذِيرٞ مُّبِينٞ ﴾ [الذاريات: 51]
ما أرحمَ الله بخَلقه؛ يدلُّهم على سبُل الرشاد ويرغِّبُهم فيها، ويُنذرهم مواردَ الهلاك وينفِّرُهم منها، ثم يأبى أكثرُ الناس إلا كفورًا! كم من إلهٍ يتَّخذه الناسُ بالباطل؛ من هوى نفسٍ واغترارٍ بعقلٍ وتعظيم عادة، وهم عن ذلك غافلون! |
﴿وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلۡمُنتَهَىٰ ﴾ [النجم: 42]
إذا كان مصيرُ الخَلق جميعًا ومُنتهاهم إلى الله وحدَه، أفلا تجعلُه سبحانه مُنتهاكَ في جميع أمرك؟! مَن كان اللهُ سبحانه انتهاءَ محبَّته ورغبته ورهبتِه، ظَفِرَ أبدًا بنِعَمه وأُنسه ومعيَّتِه. لا يُقبَل عملٌ حتى يكونَ مُنتهاه إلى الله تعالى؛ أي خالصًا لوجهه الكريم، ولا خيرَ فيما سوى ذلك. |
﴿فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكَ تَتَمَارَىٰ ﴾ [النجم: 55]
آلاء الله ونِعَمُه تستوجبُ منَّا الشكرَ والعرفان، لا التنكُّرَ والكُفران. |
﴿ٱلرَّحۡمَٰنُ ﴾ [الرحمن: 1]
استحضر دومًا أن لك ربًّا رحيمًا قد وسعت رحمتُه كلَّ شيء، وغمرَ فضلُه كلَّ شيء، فحَذارِ أن تغفُلَ عن عبادته لحظة، أو أن تصرفَ منها لسواه قليلا! |
﴿عَلَّمَ ٱلۡقُرۡءَانَ ﴾ [الرحمن: 2]
قدَّم نعمةَ تعليم القرآن على نعمة خَلق الإنسان؛ لأن بالقرآن حياةَ الروح، وبالخَلق حياةَ الجسد، وما قيمةُ الجسد بلا روح؟! البيان منحةٌ شريفة من منح المنَّان، يعبِّر به المرءُ عن خطَرات نفسِه، وهمَسات روحِه، فإيَّاك أن تجعلَ منها نقمةً توردُك المهالك! |
﴿خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ ﴾ [الرحمن: 3]
قدَّم نعمةَ تعليم القرآن على نعمة خَلق الإنسان؛ لأن بالقرآن حياةَ الروح، وبالخَلق حياةَ الجسد، وما قيمةُ الجسد بلا روح؟! البيان منحةٌ شريفة من منح المنَّان، يعبِّر به المرءُ عن خطَرات نفسِه، وهمَسات روحِه، فإيَّاك أن تجعلَ منها نقمةً توردُك المهالك! |
﴿عَلَّمَهُ ٱلۡبَيَانَ ﴾ [الرحمن: 4]
قدَّم نعمةَ تعليم القرآن على نعمة خَلق الإنسان؛ لأن بالقرآن حياةَ الروح، وبالخَلق حياةَ الجسد، وما قيمةُ الجسد بلا روح؟! البيان منحةٌ شريفة من منح المنَّان، يعبِّر به المرءُ عن خطَرات نفسِه، وهمَسات روحِه، فإيَّاك أن تجعلَ منها نقمةً توردُك المهالك! |
﴿ٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ بِحُسۡبَانٖ ﴾ [الرحمن: 5]
إنَّ الشمس والقمر يَجريان في السماء متعاقبَين وَفق حساب مُتقن دقيق، لو اختلَّ قليلًا أو اضطرب لكان منه كوارثُ كونيَّةٌ مَهولة، فسبحانَ من تجلَّى إتقانُه في صُنعه! كلُّ ما في الكون من مخلوقات عُلوية وسُفلية وَعَت حقيقةَ وجودها فانقادت لأمر الله، فيا لخُسران من ضلَّ من البشَر وجحدَ فضلَ المُنعِم! |
﴿وَٱلنَّجۡمُ وَٱلشَّجَرُ يَسۡجُدَانِ ﴾ [الرحمن: 6]
إنَّ الشمس والقمر يَجريان في السماء متعاقبَين وَفق حساب مُتقن دقيق، لو اختلَّ قليلًا أو اضطرب لكان منه كوارثُ كونيَّةٌ مَهولة، فسبحانَ من تجلَّى إتقانُه في صُنعه! كلُّ ما في الكون من مخلوقات عُلوية وسُفلية وَعَت حقيقةَ وجودها فانقادت لأمر الله، فيا لخُسران من ضلَّ من البشَر وجحدَ فضلَ المُنعِم! |
﴿فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ [الرحمن: 28]
أيها العبدُ، لا تحزن ولا تبتئس، فمهما عصفَت بك المِحَن فإنَّ مصيرها إلى فَناء، ويبقى لك منها أجرُ الصبر والاحتساب. الزمنُ الذي نتقلَّب في ساعاته ما هو سوى خَلقٍ من خَلق الله، ومآلُه إلى ذهاب، فاحرِص على مَلئه بالطاعات قبل أن تتصرَّمَ الأوقات وتفنى الأعمار. كلُّ من نتعلَّق بهم راحلون، وكثيرٌ منهم في حياتهم يبخَلون، لكنَّ الله باقٍ بلا فَناء، وجُودُه دائمٌ بلا انقطاع، أفلا نعتصمُ بحبله؟! |
﴿لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ يُحۡيِۦ وَيُمِيتُۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ ﴾ [الحديد: 2]
إذا خَلوتَ بربِّك تناجيه فضع نُصبَ عينيك أنك تدعو من أحاط مُلكه بكلِّ شيء، وتمَّت قدرتُه على كلِّ شيء، وأنه لا يردُّ سائلًا. |
﴿هُوَ ٱلۡأَوَّلُ وَٱلۡأٓخِرُ وَٱلظَّٰهِرُ وَٱلۡبَاطِنُۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الحديد: 3]
ما أحسنَ أن يدعوَ العبدُ بأسماء ربِّه الحُسنى، وقد صحَّ عنه ﷺ عند النوم: «أنتَ الأوَّلُ فليس قبلك شيء، وأنت الآخِرُ فليس بعدَك شيء، وأنت الظاهرُ فليس فوقك شيء، وأنت الباطنُ فليس دونك شيء، اقضِ عنَّا الدَّينَ وأغننا من الفقر». لا يعزُب عن علم ربِّنا شيء ظاهرٌ ولا خفيٌّ، فلنتَّقِ الله في سرِّنا وعلانيتنا، فهو محيطٌ بنا وبأعمالنا. |
﴿هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يَعۡلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا يَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعۡرُجُ فِيهَاۖ وَهُوَ مَعَكُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ ﴾ [الحديد: 4]
إن الله قادرٌ أن يخلقَ الكونَ بما فيه بقول (كُن)، ولكن لعله سبحانه أراد بحكمته توجيهَ خَلقه إلى الاتِّئاد والتأنِّي. متى تيقَّنتَ أن الله معك، أدركتَ أنه عالمٌ بحالك، سميعٌ لأقوالك، بصيرٌ بأفعالك، فاحذَر أن يسمعَ منك أو يبصرَ ما لا يُرضيه. إن ضاقت بك السُّبل، وادلهمَّت الخطوب، واستوحشتَ من تخلِّي القريب والبعيد، فتذكَّر أن الله معك؛ لتطيبَ نفسُك، وينشرحَ صدرُك. |
﴿لَّهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ ﴾ [الحديد: 5]
اليقينُ برجوع كلِّ شيء إلى الله يخفِّف آلامَ المبتَلين، ويُذهب غيظَ المظلومين، ويَسوقُ إلى الصالحات أقدامَ المتَّقين، ويكفُّ النفوسَ عن معصية ربِّ العالمين. |
﴿يُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِۚ وَهُوَ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ﴾ [الحديد: 6]
كما جلَّت عظمةُ ربِّنا في تصريف الليل والنهار، جلَّ علمُه بما تُكنُّه الصدور وتُخفيه، فلنكن منه على حذَر. إنَّ الذي أحاط بأعمال عبده الظاهرة لمحيطٌ بما يُضمره في نفسه من نيَّات، فأخلص نيَّتك لربِّك يُقبَل عملُك، وينجح قصدُك. |
﴿ٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يُحۡيِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۚ قَدۡ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ ﴾ [الحديد: 17]
كما يُحيي الله الأرضَ المُجدبةَ الهامدة بالغَيث الوابل الهتَّان، يُحيي القلوبَ القاسيةَ ببراهين الأدلَّة والقرآن، ويُشعُّ فيها الهُدى بعد أن كانت خَواءً من نور الإيمان. لا تيئَس مهما مضَيتَ بعيدًا في طريق الغَواية والضَّلال، فإنَّ الذي أحيا الأرضَ بعد موتها قادرٌ على إحياء قلبك، وتنوير جَنانك، فتلمَّس مواطنَ الغيث تُفلح. إنَّ في القرآن من المواعظ والعِبَر ما يُلين القلوبَ القاسية، ويُروي النفوسَ الظَّمأى، كما يُحيي ماءُ السماء الأرضَ العَطْشى. |
﴿هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِۖ هُوَ ٱلرَّحۡمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ ﴾ [الحشر: 22]
القرآن أعظمُ الكتب دَلالةً على الله تعالى، وبيانًا لجلاله وكماله، فمَن أراد معرفةَ ربِّه فعليه بهذا الكتاب. لأسماء الله الحُسنى أثرٌ عميق في قلب المؤمن وسلوكه، وينبغي علينا جميعًا أن نُعنى بحفظها وتدبُّر معانيها، والدعاء بها وامتثال دَلالاتها. يستقرُّ في ضمير المسلم الشعورُ بعلم الله للظاهر والمستور، فتستيقظ مراقبةُ هذا الضمير لله في السرِّ والعلانية، فلا يغفُل بعده قلبٌ ولا ينام. يحيا المؤمن دومًا في طُمأنينة وراحة نفس؛ إذ يتعادلُ لديه الخوفُ والرجاء، خوفٌ من علم ربِّه المحيط به، ورجاءٌ لرحمته التي وسعت كلَّ شيء. |
﴿هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡقُدُّوسُ ٱلسَّلَٰمُ ٱلۡمُؤۡمِنُ ٱلۡمُهَيۡمِنُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡجَبَّارُ ٱلۡمُتَكَبِّرُۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشۡرِكُونَ ﴾ [الحشر: 23]
لو عرف الناسُ كمالَ ربِّهم بأسمائه وصفاته علمَ اليقين لما اتخذوا من دونه إلهًا يعظِّمونه ويقدِّسونه! كما أن شؤون البلاد لا تصلُح إلا بخضوع الناس لمَلِك واحد لا يُنازعه في مُلكه أحد، كذلك لا تقبلُ الفطرة السويَّة إلا أن تخضعَ في عبوديَّتها لمَلِك واحد لا شريكَ له. لكلِّ اسم من أسماء الله الحُسنى أثرٌ في هذا الكون ملحوظ، وأثرٌ في حياة البشر ملموس، فهي توحي إلى القلب معانيَها العميقة، رجاء أن ينتفع بها ويدور في أفلاكها. إن الله يسلِّم أهلَ ودِّه في الدنيا من الشرور والأحزان، ويسلِّمهم في الآخرة من العذاب والخُسران، ويقول لهم بودٍّ غامر: ادخلوا الجنَّة بسلام. أين المسلمون اليومَ من توجيه ابن مسعود رضي الله عنه حين قال: (إنَّ السلام اسمٌ من أسماء الله تعالى وضعَه في الأرض، فأفشوا السلامَ بينكم)؟ |
﴿هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡخَٰلِقُ ٱلۡبَارِئُ ٱلۡمُصَوِّرُۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ﴾ [الحشر: 24]
يقينُ المؤمن أنَّ الله هو البارئ المصوِّر، يمنعه من الاعتراض على خَلقه، أو السُّخريَّة بمَن ابتلاهم بدَمامةٍ أو عيب خِلقيٍّ. تأمَّل كيف وصفَ الله أسماءه بأنها حُسنى؛ للدلالة على أنها بلغَت الغايةَ في الحُسن، وأنه لا نقصَ فيها بوجهٍ من الوجوه. أسماء الله توحي بالحُسن للقلوب ليصوغَ المؤمن نفسَه وَفق معانيها، فيتحقَّقَ بأوصاف الكمال ويترقَّى في معاليها. |
﴿هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْۗ وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَا يَفۡقَهُونَ ﴾ [المنافقون: 7]
لا تطيب نفسُ المنافق بالعَداء لدين الله وأهل الحقِّ بنفسه، حتى يستعديَ عليهم غيرَه ويحثَّهم على إيذائهم. لا تُبالِ أيها المؤمنُ بإرجاف المنافقين؛ فإن لله خزائنَ السماوات والأرض يؤتي الرزقَ مَن يشاء، ويمنعه مَن يشاء. دَيدَنُ المنافقين الحضُّ على منع الإنفاق في وجوه الخير والبر؛ لما يعلمون من أهميَّة المال وأثره في انتشار الدعوة التي تُبغضها قلوبهُم، وتشمئزُّ منها نفوسهُم. تضاءلت فهومُ المنافقين فانحصرَت في الحياة الدنيا، ظانِّين لقمةَ العيش هي كلَّ شيء، فتواصَوا بينهم بتجويع المؤمنين الصالحين، على اختلاف الزمان والمكان. |
﴿عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ﴾ [التغابن: 18]
ما من شيء إلا مكشوفٌ لعلم الله تعالى، خاضعٌ لسلطانه، مدبَّر بحكمته، فليعِش الناسُ وهم يشعرون بأنَّ عين الله تراهُم، وبحكمته يدبِّر شؤونهم ويرعاهُم. |
﴿ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ وَمِنَ ٱلۡأَرۡضِ مِثۡلَهُنَّۖ يَتَنَزَّلُ ٱلۡأَمۡرُ بَيۡنَهُنَّ لِتَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عِلۡمَۢا ﴾ [الطلاق: 12]
يدرك العاقلُ المتأمِّل في أحكام الله أنَّ الذي أنزل هذه الشريعةَ المُحكَمة لا بدَّ أنه ربٌّ عظيم حكيم، كاملٌ في قدرته وصفاته. شعورُ الإنسان بعلم الله المطلَق، واستحضارُ أنه تعالى خبيرٌ بكلِّ شيء هو الضمانُ لرهافة الإحساس، ومراقبة الله في الخلَوات والجلَوات. إن الله الذي أنزل إليكم أحكامَ الطلاق وغيرَها، قد أحاط بكلِّ شيء علمًا، فهو أعلم بما يُصلح شؤونكم، ويُقيم أمركم، فلا تتعدَّوا حدودَه. |
﴿تَبَٰرَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلۡمُلۡكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ ﴾ [الملك: 1]
ما أعظمَكَ ربَّنا وما أكملَ قدرتَك؛ أبدعتَ ما أبدعتَ من مخلوقات على غير مثال، ولا نملكُ إلا أن نقول: تبارك الله أحسنُ الخالقين! إن الله هو المالكُ والمهيمن على كلِّ شيء، وإذا ما استقرَّت هذه الحقيقةُ في الضَّمير، فإنها تحدِّد للعبد الوجهةَ والمصير، لإفراد الله بالعبادة والتقدير. |
﴿ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ ﴾ [الملك: 2]
هي حقيقةٌ ينبغي أن تكونَ في وعي كلِّ مسلم على الدوام؛ إن الدنيا دارُ ابتلاء وامتحان، ليبقى مراقبًا للصغيرة والكبيرة من ظاهر عمله، وباطن نيَّته. العاقل اللبيب يُدرك أن الدنيا مزرعةُ الآخرة، فينشَطُ فيها بالعمل والإحسان؛ رجاءَ أن يفوزَ بالجنَّة والرضوان. قليل صائب خيرٌ من كثير على غير هدًى، فالعبرة بحُسن العمل لا بكثرته، ولا يكون حسنًا حتى يوافقَ شرعَ الله ويكونَ له خالصًا. |
﴿ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ طِبَاقٗاۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖۖ فَٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ هَلۡ تَرَىٰ مِن فُطُورٖ ﴾ [الملك: 3]
إن الله يُباهي بإحكام خَلقه وإتقان صَنعته، أفلا نتعلَّم من هذا إحسانَ العمل وتجويدَه، وجعلَه إلى الكمال والتمام أقرب؟ أقام الله الكونَ وَفق نظام مُحكَم سديد، يُلائم عيشَ البشر ويلبِّي احتياجاتهم، ولو كان فيه أدنى اضطراب لاختلَّ نظامُهم وفسدَت معيشتُهم. طولُ الإلف يُفضي إلى الغفلة، فما أحسنَ أن نجدِّدَ بين حين وحين التأمُّلَ في ملكوت الله تعالى؛ لنقفَ على ما فيه من روائعَ ناطقةٍ بجليل خَلقه، وتمام صُنعه. إذا كان الله سبحانه قد أحكم خَلقه إحكامًا، فإنَّ شرعه الذي أرسله لعباده لهو أشدُّ إحكامًا وأتمُّ كمالًا، فيا خيبةَ من حاد عنه! |
﴿ثُمَّ ٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ كَرَّتَيۡنِ يَنقَلِبۡ إِلَيۡكَ ٱلۡبَصَرُ خَاسِئٗا وَهُوَ حَسِيرٞ ﴾ [الملك: 4]
إن الله يُباهي بإحكام خَلقه وإتقان صَنعته، أفلا نتعلَّم من هذا إحسانَ العمل وتجويدَه، وجعلَه إلى الكمال والتمام أقرب؟ أقام الله الكونَ وَفق نظام مُحكَم سديد، يُلائم عيشَ البشر ويلبِّي احتياجاتهم، ولو كان فيه أدنى اضطراب لاختلَّ نظامُهم وفسدَت معيشتُهم. طولُ الإلف يُفضي إلى الغفلة، فما أحسنَ أن نجدِّدَ بين حين وحين التأمُّلَ في ملكوت الله تعالى؛ لنقفَ على ما فيه من روائعَ ناطقةٍ بجليل خَلقه، وتمام صُنعه. إذا كان الله سبحانه قد أحكم خَلقه إحكامًا، فإنَّ شرعه الذي أرسله لعباده لهو أشدُّ إحكامًا وأتمُّ كمالًا، فيا خيبةَ من حاد عنه! |
﴿وَلَقَدۡ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَجَعَلۡنَٰهَا رُجُومٗا لِّلشَّيَٰطِينِۖ وَأَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابَ ٱلسَّعِيرِ ﴾ [الملك: 5]
قال قَتادة: (خلقَ الله النجومَ لثلاث؛ زينةً للسماء، ورجومًا للشياطين، وعلاماتٍ يُهتدى بها في البَرِّ والبحر). إدراكُ جمال الوجود من أصدقِ الوسائل لإدراك جمال الله تعالى؛ خالقِ الوجود ومصوِّره. من كمال ربوبيَّة الله وعظيم قدرته أن جعل هذه الكواكبَ الجميلة زينةً في السماء ودلالةً للسائرين، كما جعلها عذابًا ورجومًا للشياطين. |
﴿هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولٗا فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَيۡهِ ٱلنُّشُورُ ﴾ [الملك: 15]
إذا انتشرتم أيها الناسُ في نواحي الأرض وأطرافها طلبًا للرِّزق، فلا يغيبَنَّ عنكم لحظةً أن الرازق هو الله وحدَه، فلا تطلبوا رزقَه إلا من حلال. الرزق رزقُ الله، والمصيرُ إلى الله، وما كسَبتَ في الدنيا ستُسأل عنه في الآخرة؛ من أين اكتسبتَه، وفيمَ أنفقتَه؟ |
﴿ءَأَمِنتُم مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يَخۡسِفَ بِكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ﴾ [الملك: 16]
شتَّانَ بين شعورٍ بأمان يُفضي إلى الغفلة عن الله وعظيم قُدرتِه، وشعورٍ بأمان مصحوب بإيمان ينتهي إلى الطُّمَأنينة بالله وجميل رحمتِه. ليس بعد النذُر إلا الانتقام، وشدَّة العذاب والإيلام، فلنحذَر ما حذَّرَنا منه ربُّنا، ولنعتبر بمَصير من سبقَنا، قبل فوات الأوان. |
﴿أَمۡ أَمِنتُم مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يُرۡسِلَ عَلَيۡكُمۡ حَاصِبٗاۖ فَسَتَعۡلَمُونَ كَيۡفَ نَذِيرِ ﴾ [الملك: 17]
شتَّانَ بين شعورٍ بأمان يُفضي إلى الغفلة عن الله وعظيم قُدرتِه، وشعورٍ بأمان مصحوب بإيمان ينتهي إلى الطُّمَأنينة بالله وجميل رحمتِه. ليس بعد النذُر إلا الانتقام، وشدَّة العذاب والإيلام، فلنحذَر ما حذَّرَنا منه ربُّنا، ولنعتبر بمَصير من سبقَنا، قبل فوات الأوان. |
﴿قُلۡ هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنشَأَكُمۡ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَٱلۡأَفۡـِٔدَةَۚ قَلِيلٗا مَّا تَشۡكُرُونَ ﴾ [الملك: 23]
لو أنَّ أحدنا عاش بدلَ العمُر أعمارًا متطاولة يشكرُ اللهَ فيها على نعمةٍ واحدة من نِعَمه ما وفَّاه قليلًا من حقِّه، أفلا نستحي من تقصيرنا؟! ما شكرَ اللهَ حقَّ الشكر مَن لم يسمع مواعظَ الله تعالى، وينظر آثارَ عظمته وقدرته، ويتفكَّر بآياته وآلائه. خلق الله الخلقَ وبثَّهم في الأرض ليَعمُروها بالحقِّ والعدل، وإنه لجامعُهم مرَّةً أخرى وسائلُهم عمَّا استُخلفوا فيه؛ أقاموه بحقِّه أم ضيَّعوه. |
﴿قُلۡ هُوَ ٱلَّذِي ذَرَأَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَإِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ ﴾ [الملك: 24]
لو أنَّ أحدنا عاش بدلَ العمُر أعمارًا متطاولة يشكرُ اللهَ فيها على نعمةٍ واحدة من نِعَمه ما وفَّاه قليلًا من حقِّه، أفلا نستحي من تقصيرنا؟! ما شكرَ اللهَ حقَّ الشكر مَن لم يسمع مواعظَ الله تعالى، وينظر آثارَ عظمته وقدرته، ويتفكَّر بآياته وآلائه. خلق الله الخلقَ وبثَّهم في الأرض ليَعمُروها بالحقِّ والعدل، وإنه لجامعُهم مرَّةً أخرى وسائلُهم عمَّا استُخلفوا فيه؛ أقاموه بحقِّه أم ضيَّعوه. |
﴿مَّا لَكُمۡ لَا تَرۡجُونَ لِلَّهِ وَقَارٗا ﴾ [نوح: 13]
توقير الله جلَّ وعلا ليس كلماتٍ تتحرَّك بها الألسُنُ فحسب، ولكنَّه خشيةٌ في القلب تورث العملَ بخشوعٍ وإخلاص. أيُّ عذر لكم في ترك مخافة الله تعالى، مع أن أدلَّة كمال قُدرته أظهرُ ما تكون في خَلقكم أنتم ﴿وفي أنفُسِكُم أفَلا تُبصِرُون﴾ ؟! من أعظم الظُّلم وغاية الجهل أن تطلبَ الإجلالَ والتوقير من الناس، وليس في قلبك ذرَّةٌ من توقير الله وتعظيمه. |
﴿لِّتَسۡلُكُواْ مِنۡهَا سُبُلٗا فِجَاجٗا ﴾ [نوح: 20]
انظُر أيها العبدُ إلى الأرض كيف ذلَّلها الله لمعاشِك، وجعلَ فيها طرقًا ميسَّرة تبلِّغك حوائجَك، فاحمَد الله واشكُر له، ولا تكُ من الجاحدين! |
﴿وَأَنَّهُۥ تَعَٰلَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا ٱتَّخَذَ صَٰحِبَةٗ وَلَا وَلَدٗا ﴾ [الجن: 3]
تنزَّه جلالُ الله وتعالت عظمتُه عن كلِّ نقص، فحاشاه سبحانه أن يكونَ له صاحبةٌ أو ولد؛ ﴿لم يَلِدْ ولم يُولَد، ولم يكُن له كُفُوًا أحَد﴾ . إن الله مُستغنٍ عن خَلقه، والكلُّ مفتقرٌ إليه، ولكنَّ الطغيان أعمى عيونَ المفترين فما عادوا يَميزون بين خالقٍ ومخلوق ﴿وما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِه﴾ ! أشقى السفهاء إبليسُ؛ إذ عرَّض نفسَه بكبريائه وخُيَلائه للطَّرد من رحمة الله، ومنازل القرب، ليبوء بالعذاب الأبديِّ، وإن مصير كلِّ مستكبر كمَصيره. دَيدَنُ السفهاء في القديم والحديث الافتراءُ على الله وشرعه بالأكاذيب والأباطيل، فلنحذَر من صُحبتهم والإصغاء إليهم. |
﴿رَّبُّ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَٱتَّخِذۡهُ وَكِيلٗا ﴾ [المزمل: 9]
من تمسَّك بهذه الآية فوحَّد الله وتوكَّل عليه، وفوَّض أمره إليه، عاش حرًّا كريمًا، ومات عزيزًا شريفًا، ولقي الله تعالى عبدًا صافيًا، تقيًّا نقيًّا. |
﴿هَلۡ أَتَىٰ عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ حِينٞ مِّنَ ٱلدَّهۡرِ لَمۡ يَكُن شَيۡـٔٗا مَّذۡكُورًا ﴾ [الإنسان: 1]
مَن عرف ابتداء أمره، وفضلَ الله عليه في خلقه، أقرَّ بالعبوديَّة لربِّه، ولم يعرف طريقًا إلى الكِبْر والجحود. مهلًا أيها الإنسان، لا تتفاخر ولا تزدهِ بثوب الكبرياء، فقد أتى عليك زمانٌ لم تكن فيه موجودًا، أفلا تخضعُ لجبروت من أوجدكَ وتتواضعُ لجلاله؟! |
﴿إِنَّا خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن نُّطۡفَةٍ أَمۡشَاجٖ نَّبۡتَلِيهِ فَجَعَلۡنَٰهُ سَمِيعَۢا بَصِيرًا ﴾ [الإنسان: 2]
ليس للعبد من حُجَّة؛ فقد آتاه الله وسائلَ الفهم والإدراك ليسمعَ الآيات ويبصرَ الدلائل، مع إرادة يختار بها مصيرَه. إذا أردتَّ راحةَ النفس وما يُعينك على التجلُّد والصبر، فاستحضر دومًا أن الدنيا دارُ ابتلاء لا دارُ قرار وبقاء. |
﴿إِنَّا هَدَيۡنَٰهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرٗا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ [الإنسان: 3]
فضلُ الله علينا عظيم؛ إذ لم يترُكنا همَلًا، ولكنَّه بصَّرنا بطريق الحقِّ وبيَّنه لنا، فمَن آثرَ غيرَه عليه استحقَّ أشدَّ العقاب. ما أقلَّ الشاكرين لأنعُم الله العارفين فضلَه، وما أكثرَ الكافرين الجاحدين لها، فكن مع القلَّة الفائزة، ولا تكن مع الكثرة الهالكة. |
﴿نَّحۡنُ خَلَقۡنَٰهُمۡ وَشَدَدۡنَآ أَسۡرَهُمۡۖ وَإِذَا شِئۡنَا بَدَّلۡنَآ أَمۡثَٰلَهُمۡ تَبۡدِيلًا ﴾ [الإنسان: 28]
هو تنبيهٌ لقلوب المستغرقين في حبِّ العاجلة، المغترِّين بصحَّتهم وقوَّة أجسادهم؛ ليذكُروا نعمةَ الله التي بَطِروها، ويشعروا بالابتلاء الكامن وراء هذه النعمة. إن الذي أحكم خلقَ الناس من عدَم، ما كان ليذرَهم سُدًى لا يؤمَرون ولا يُنهَون، وهو قادرٌ على بعثهم من جديد للحساب والجزاء. |
﴿إِنَّ هَٰذِهِۦ تَذۡكِرَةٞۖ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ سَبِيلٗا ﴾ [الإنسان: 29]
هذه السورةُ بما حوَته من جليل المعاني إنما هي عظةٌ لك أيها الإنسان، فاتَّعظ بها واتخذ من آي القرآن سبيلًا إلى طاعته ورضوانه. مَن أراد لنفسه الخيرَ في الدنيا والآخرة اتخذ الإيمانَ والتقوى طريقًا يبلغ به مغفرةَ ربِّه ورضوانه. لا تغترَّ أيها الإنسانُ بإرادتك ومشيئتك، فهي مرتبطةٌ بمشيئة الله وحدَه، فاسأله سبحانه الهدايةَ والتوفيقَ لسبُل الرَّشاد. إن الله عليمٌ بمَن يستحقُّ الهدايةَ فيوفِّقه إليها، ومَن يستحقُّ الغَوايةَ فيصرفه عن الهدى؛ ﴿إنَّ اللهَ يُضِلُّ مَن يشاءُ ويَهدي إليهِ مَن أناب﴾ . |
﴿أَلَمۡ نَخۡلُقكُّم مِّن مَّآءٖ مَّهِينٖ ﴾ [المرسلات: 20]
تأمَّل أيها الإنسانُ كيف خلقك ربُّك من ماء ضعيف مَهين، قدَّر أن تكونَ منه إنسانًا قويًّا شديدًا فكنت، فتبارك الله ذو الجلال والإكرام. من أنجع أدوية العُجب والغرور التفكُّرُ في النفس وتدبُّر أصل الخَلق، فإنه يردُّ المرءَ إلى فِطرته عبدًا لله متواضعًا. |
﴿أَحۡيَآءٗ وَأَمۡوَٰتٗا ﴾ [المرسلات: 26]
كما أنَّ الدُّورَ من نِعَم الله على عباده الأحياء، فكذلك القبورُ هي من نِعَم الله على عباده الأموات؛ حفظًا لأجسادهم، وكرامةً لأرواحهم. أليس لكم في الأرض عِبرة؟ إنها تجمع الخلائقَ كلَّهم؛ الأحياء على ظهرها، والأمواتَ في بطنها، ثم لا تلبَثُ أن تتخلَّى عنهم ليقومَ الجميعُ للحساب. |
﴿رَّبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا ٱلرَّحۡمَٰنِۖ لَا يَمۡلِكُونَ مِنۡهُ خِطَابٗا ﴾ [النبأ: 37]
في أهوال ذلك اليوم العصيب تتشوَّقُ نفوس المؤمنين إلى ربِّها الرحمن؛ طمعًا برأفته ورحمته التي وسعَت كلَّ شيء. إذا كانت مجالسُ الرؤساء والكبراء يجلِّلها الوَقارُ والهيبة، فما ظنُّكم بهيبة الموقف بين يدي ملك الملوك وربِّ الأرباب؟! خابَ مَن لم يَرجُ لله وَقارًا. |
﴿مَّتَٰعٗا لَّكُمۡ وَلِأَنۡعَٰمِكُمۡ ﴾ [عبس: 32]
الدنيا متاعٌ تستوي فيه البهائمُ مع الناس، وإنما يمتاز الناسُ ويتفاضلون بصدق إيمانهِم، وتمام عبوديَّتهم لربِّهِم. يقينُك أيها العبدُ أن كلَّ ما تتقلَّب فيه من نعيم إنما خلقه الله لأجلك، يحملك على أن تجودَ من فضل الله على المحتاجين من خلقه. |
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلۡكَرِيمِ ﴾ [الانفطار: 6]
احذَر أيها الإنسانُ أن تغترَّ بحِلم ربِّك وكرمه وطول إمهاله، فتُمعِنَ في العصيان، فإنَّ الله يُملي للظالم حتى إذا أخذَه لم يُفلته. |
﴿ٱلَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّىٰكَ فَعَدَلَكَ ﴾ [الانفطار: 7]
إن الذي خلق هذا الخلقَ البديع وسوَّاه وعَدَله، وأحكم صورتَه وكمَّله، لجديرٌ بأن يُتَّقى بأسُه، ويُحذَرَ بطشُه، ويُستَحى من حِلمه. |
﴿فِيٓ أَيِّ صُورَةٖ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ ﴾ [الانفطار: 8]
إن الذي خلق هذا الخلقَ البديع وسوَّاه وعَدَله، وأحكم صورتَه وكمَّله، لجديرٌ بأن يُتَّقى بأسُه، ويُحذَرَ بطشُه، ويُستَحى من حِلمه. |
﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلۡإِبِلِ كَيۡفَ خُلِقَتۡ ﴾ [الغاشية: 17]
دعاهم الله إلى تأمُّل ألصقِ الكائنات ببيئتهم؛ ليقفوا على ما فيها من بديع صُنعِه، وفي هذا لفتٌ للمربِّين والدعاة إلى أهميَّة ضرب الأمثال المحسوسة في تقريب المعاني. |
﴿وَإِلَى ٱلسَّمَآءِ كَيۡفَ رُفِعَتۡ ﴾ [الغاشية: 18]
ما أكثرَ البدائعَ في السماء، ولكنَّ الله أمرنا بالتفكُّر في رفعها من غير عمَدٍ على عِظَمها واتِّساعها؛ للوقوف على كمال تدبيره سبحانه. |
﴿وَإِلَى ٱلۡجِبَالِ كَيۡفَ نُصِبَتۡ ﴾ [الغاشية: 19]
حين ينظُر المرء إلى عظيم خَلق الله نظرةَ تفكُّرٍ وتأمُّل، يتملَّكه شعورٌ بضآلته وضَعفه، فيتواضع لله ربِّه، ولا يتعالى على أحدٍ من خَلقه. |
﴿وَإِلَى ٱلۡأَرۡضِ كَيۡفَ سُطِحَتۡ ﴾ [الغاشية: 20]
هذه الأرضُ قد بسطَها الله ومهَّدها لأجلك أيها الإنسان، فإيَّاك أن تقابلَ نعمته بالجحود والكُفران. |
﴿قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]
اعلم أيها المسلمُ أن ربَّك متفرِّد في عَليائه وصفاته، ومنزَّهٌ عن كلِّ عيب ونقص، فأقبِل عليه بقلبك وعقلك، وسَله الهدايةَ والثبات؟ في أمر الله لنبيِّه ﷺ بأن يبيِّنَ للعالمين تفرُّدَه سبحانه في صفات الجلال والكمال، أمرٌ لكلِّ مسلم، وهو من أعظم الجهاد. |
﴿ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ ﴾ [الإخلاص: 2]
الله وحدَه الصمدُ الكامل في صفات الشَّرف والعظَمة، الذي يحتاج إليه جميعُ الخلائق ولا يحتاج إلى أحد، فبؤسًا لمَن جعل حاجاتِه عند سواه. |
﴿لَمۡ يَلِدۡ وَلَمۡ يُولَدۡ ﴾ [الإخلاص: 3]
بعض الافتراءات يجب ردُّها ونقضها ولو بدَت مُتهافتةً هزيلة؛ إحقاقًا للحقِّ، وإبطالًا للباطل، وإقامةً للحُجَّة. يا له من كذب وافتراء؛ أن يكونَ لله ولد! ﴿أَنَّى يكونُ له وَلَدٌ ولم تكُنْ له صاحِبةٌ وخَلَقَ كلَّ شَيءٍ وهُوَ بكُلِّ شَيءٍ عَلِيم﴾ ! |
﴿وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ ﴾ [الإخلاص: 4]
كما يجب تنزيهُ الله عن كلِّ نقصٍ وعيب، يجب تنزيهُه عن أن يُماثلَه شيءٌ، فلله تعالى المثَلُ الأعلى. أبلغ الضَّلال أن تعظِّمَ عبدًا مخلوقًا ضعيفًا مآله إلى التراب، وتستغنيَ عن ربِّك الجليل الذي لا كُفْءَ له ولا مثيل. |
مواضيع أخرى في القرآن الكريم
الفردوس المجادلة بغير علم الحض على الصلاة في وقتها القضاء والقدر الإلتزامات فضل الهجرة في سبيل الله الكفران الحرص على الصلاة الخلود التقليد الأعمى
الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم
Saturday, November 23, 2024
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب