قائمة السور | مواضيع القرآن الكريم مرتبة حسب الآيات :آيات القرآن الكريم مقسمة حسب كل موضوع و فئة | لقراءة سورة كاملة اختر من : فهرس القرآن | - للاستماع للقراء : القرآن الكريم mp3
آيات قرآنية عن صفات الكافرين في القرآن الكريم
✅ مواضيع القرآن الكريم
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيۡهِمۡ ءَأَنذَرۡتَهُمۡ أَمۡ لَمۡ تُنذِرۡهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ ﴾ [البقرة: 6]
أيها الداعية، لا تأسَ إن رغب عن دعوتك فِئام، فإنَّ أعظم الدعاة ﷺ استنكفَ عن دعوته رجالٌ وأقوام، فالهداية بيد الله وحدَه، ومَن سبق عليه الشقاء، فلا ترجُ له خيرًا ولا هَناء. |
﴿خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ وَعَلَىٰ سَمۡعِهِمۡۖ وَعَلَىٰٓ أَبۡصَٰرِهِمۡ غِشَٰوَةٞۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ ﴾ [البقرة: 7]
القلب محلُّ الإيمان، والسَّمع والبصر طرائقُ إليه، فتعاهد قلبَك بدوام الإقبال على الله، وأصلح تلك الطرقَ باجتناب المعاصي والآثام؛ لتنتفعَ حقًّا بهدي الكريم المنَّان. ما أشدَّ بؤسَهم! يبصرون الهاويةَ أمامهم وإليها مخذولين يسيرون، وعن طرق النجاة ينصرفون، قد حجَبوا قلوبهم عن الحقِّ فهم لا يعقلون! |
﴿۞ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَسۡتَحۡيِۦٓ أَن يَضۡرِبَ مَثَلٗا مَّا بَعُوضَةٗ فَمَا فَوۡقَهَاۚ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَيَعۡلَمُونَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡۖ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلٗاۘ يُضِلُّ بِهِۦ كَثِيرٗا وَيَهۡدِي بِهِۦ كَثِيرٗاۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِۦٓ إِلَّا ٱلۡفَٰسِقِينَ ﴾ [البقرة: 26]
العِبرة في أمثال القرآن ليست في الأنواع والأصناف، ولا في الأشكال والأحجام، ولكنَّها أدواتٌ للتنوير والتبصير، فتأمَّلها واعتبِر بها. لا تحتقر شيئًا مهما كان صغيرًا؛ فقد يحمل من المواعظ والعِبر ما لا يحمِلُه ما هو أكبرُ منه. لا يصُدَّنَّك عن بيان حُكم الشريعة في شؤون الحياة كلِّها توهُّمُك أن في بعض ذلك ما قد يغضُّ من مكانتك، أو لا يناسب أذواق أهل عصرك. أمَّا المصدِّقون بكلام الله فيفتحُ لهم أبوابَ فضله، ويشرحُ صدورهم لفهم مراده، فيزدادون إيمانًا ويقينًا، وأمَّا الكافرون فتَشتَبِه عليهم البيِّنات، وتستغلق الواضحات. مَن سأل عن شيءٍ من كلام ربِّه وأحكام شرعه، فليحذَر سؤالَ المحجوبين عن نور الله وحكمته، المقطوعين عن سنَّة الله وتدبيره، مَن لا يرجون لله وَقارًا. من كمال الأدب مع الله أن يسألَ العبد عمَّا غَمَضَ عليه من كتاب ربِّه وأحكام شريعته سؤالَ الباحث عن الحقِّ، لا سؤالَ المعاند المعترض. يضرب الله المثلَ الواحد، ويشرَع الحكمَ الواحد، فينقسم الناس بشأنه طوائفَ شتَّى؛ بين مؤمنٍ مهتدٍ وكافرٍ ضال، ﴿واللهُ لا يهدي القومَ الظَّالمين﴾ . |
﴿وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ ﴾ [البقرة: 39]
صُحبة النار هي صُحبة عذابٍ وشقاء، وهوانٍ وعناء، نعوذ بالله تعالى منها وممَّا قرَّب إليها من قولٍ أو عمل. |
﴿مَن كَانَ عَدُوّٗا لِّلَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَجِبۡرِيلَ وَمِيكَىٰلَ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوّٞ لِّلۡكَٰفِرِينَ ﴾ [البقرة: 98]
إن قومًا عادَوا ملائكةَ السماء الذين يسبِّحون بحمد ربِّهم ويستغفرون لمَن في الأرض، لأحرى ألا ينتظرَ منهم المسلمون إلَّا الحقدَ والبغض. لا تخشَ من عداوة مَن كان الله عدوَّه؛ إذ لن تنفعَه من دونه قوَّةٌ ولا كثرة. ولا تطمَع في موالاته؛ فإنه ليس لك من دون الله وليٌّ ولا نصير. |
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَقُولُواْ رَٰعِنَا وَقُولُواْ ٱنظُرۡنَا وَٱسۡمَعُواْۗ وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٞ ﴾ [البقرة: 104]
إن المنع ممَّا لا بأسَ به خشيةَ أن يشتبهَ بما به بأسٌ مسلكٌ شرعي، وإن رعاية الأدب في الألفاظ من هدي القرآن، فدَع ما يَريبُك إلى ما لا يَريبُك. إيَّاك أن يجرَّك أهل الضلالة إلى الانسياق وراء الألفاظ المشتبِهة؛ أنت تريد بها المعنى الحسَنَ الصحيح، وهم يريدون بها المعنى الفاسدَ القبيح. ومَن اتَّقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعِرضه. أحسِن الاستماعَ للوحي بإحضار قلبك وتفريغه من الشواغل، وإذا سمعتَ فأنصِت إنصاتَ قَبولٍ وطاعة. الانتقاص والطعن في رسول الله ﷺ كفرٌ يوجب لفاعله العذابَ الأليم، ولو كان على سبيل المُزاح والدُّعابة! |
﴿مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ وَلَا ٱلۡمُشۡرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيۡكُم مِّنۡ خَيۡرٖ مِّن رَّبِّكُمۡۚ وَٱللَّهُ يَخۡتَصُّ بِرَحۡمَتِهِۦ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ ﴾ [البقرة: 105]
لا تخدعَنَّك المظاهر وتغرَّك الكلمات، فتُحسنَ الظنَّ بمَن يحادُّ الله ورسوله، قد كشف الله لك ما في نفوسهم فاحذَرهم. ها قد علمنا ما يُكنُّه الكفَّار للمؤمنين من عداوة وبغضاء، ألا فلنجتهد في مخالفتهم، وترك التشبُّه بهم، فما أفلح مَن احتذى حذوَ أعدائه، ولو في أكله وشُربه. فيه تنبيهٌ على ما أنعم الله به على المؤمنين من الشرع التامِّ الذي شرَعه لهم، وتذكيرٌ للحاسدين بما ينبغي أن يكونَ زاجرًا لهم؛ لأنه سبحانه هو المتفضِّل على عباده، فلا ينبغي لأحدٍ أن يحسدَ أحدًا على خير أعطاه الله إيَّاه. |
﴿وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذۡكَرَ فِيهَا ٱسۡمُهُۥ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَآۚ أُوْلَٰٓئِكَ مَا كَانَ لَهُمۡ أَن يَدۡخُلُوهَآ إِلَّا خَآئِفِينَۚ لَهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا خِزۡيٞ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٞ ﴾ [البقرة: 114]
من أشنع الظلم صدُّ الكفَّار المؤمنين عن المسجد الحرام، وتخريبُ اليهود الكنائسَ، وتقويضُ النصارى بيتَ المقدِس، وكلُّ مَن فعل فعلَهم شمِلَه الله بغضبه ومقته. لا يقلُّ تخريب المساجد معنويًّا؛ بمنع العبادة فيها، خطرًا وشناعةً عن تخريبها ماديًّا؛ بهدم أركانها، وتحطيم جدرانها، فويلٌ للصادِّين عنها، والمانعين منها. إنها لبُشرى للمؤمنين، ووعيدٌ للمعتدين على المساجد المعطِّلين لها؛ أنهم لن يدخلوها إلا خائفين، مترقِّبين انتقامَ الله تعالى منهم. أشدُّ الخِزي نِكايةً بالكفَّار في الدنيا أن يُتِمَّ الله نورَه بنصر المؤمنين، والتمكين لأهل المساجد والدين، ثم لهم يوم القيامة مزيدٌ من الخزي والعذاب الأليم. |
﴿ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَتۡلُونَهُۥ حَقَّ تِلَاوَتِهِۦٓ أُوْلَٰٓئِكَ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ ﴾ [البقرة: 121]
قِس إيمانك بارتباطك بكتاب الله تعالى وأداء حقِّه؛ قراءةً وتدبُّرًا وعملًا. مِنَّة الله عليك ليست في حفظ كتابه فحَسب، ولكن في حفظه وفقهه والقيام بحقِّه. مَن أعظمُ خسارةً ممَّن كذَّب نبأ أصدق القائلين، وأعرضَ عن الإيمان به والاهتداء بنوره؟! |
﴿وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِـۧمُ رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا بَلَدًا ءَامِنٗا وَٱرۡزُقۡ أَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ مَنۡ ءَامَنَ مِنۡهُم بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُۥ قَلِيلٗا ثُمَّ أَضۡطَرُّهُۥٓ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 126]
سأل إبراهيم ربَّه ما يستعين به الناسُ على العبادة، من أمنٍ ورغَد عيش، فليكن للدعاة به قدوة. قُدِّم الأمن هنا على الرزق؛ لأنه لولا الأمنُ لم يُقبِل الناسُ على البيت العتيق، ولا جُلِبت إلى أراضيه الثمرات، ولا وصلَت إلى مجاوريه الأرزاق. نِعَم المؤمن في الدنيا موصولةٌ بالنِّعَم في الآخرة، بخلاف الكافر فإن نعمته في الدنيا تنقطع عند الموت، ثم مآله إلى النار، فما أحقرَ الدنيا ومتعتَها! من فقه المربِّي الناجح أن يُشرِكَ أبناءه وطلَّابه ومَن يقوم على تربيتهم في مشاريعه الصَّالحة، وذلك أعوَنُ له وأعوَدُ على من يربِّيه بالخيرات. |
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمۡ كُفَّارٌ أُوْلَٰٓئِكَ عَلَيۡهِمۡ لَعۡنَةُ ٱللَّهِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ ﴾ [البقرة: 161]
الكافر يعرِّض نفسه للعنة كلِّ الناس؛ أمَّا الصالحون فيلعنونه لجحوده وغَيِّه، وأمَّا أحبابُه وأشياعه فإن لم يلعنوه في الدنيا فسوف يلعنونه في الآخرة؛ إذ ﴿الأخلَّاء يومئذٍ بعضُهم لبعضٍ عدوٌّ إلا المتَّقين﴾ . |
﴿خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ يُنظَرُونَ ﴾ [البقرة: 162]
هذا العذابُ الذي لا يخفَّف عنهم، ولا يُمهَلون فيه، دونه كلُّ عذاب، إنهم منبوذون من العباد ومن ربِّ العباد، وهذا هو العذابُ المهين. |
﴿وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي يَنۡعِقُ بِمَا لَا يَسۡمَعُ إِلَّا دُعَآءٗ وَنِدَآءٗۚ صُمُّۢ بُكۡمٌ عُمۡيٞ فَهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ ﴾ [البقرة: 171]
إذا تُليَ عليك كتابُ الله فأَرْعِه سمعَك، وتدبَّره بقلبك وعقلك، واربَأ بنفسك عن سماع البهائم؛ فإنها تسمع دَويَّ الصوت ولا تفهم منه شيئًا. من الإعاقة أن تفقدَ نفع سمعٍ موجود، وجَدوى عينٍ مبصرة، وفائدة لسانٍ ناطق. إن لم تجعل جوارحَك منافذَ لوصول الضياء إلى قلبك فأيُّ قيمة لها؟! |
﴿هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن يَأۡتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٖ مِّنَ ٱلۡغَمَامِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَقُضِيَ ٱلۡأَمۡرُۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ ﴾ [البقرة: 210]
ماذا ينتظر المفسدون، الذين هم لخطُوات الشيطان متَّبعون؟! الهُدى بين أيديهم، والبيِّنات نُصبَ أعينهم، ولم يبقَ إلا قضاء الله فيهم. إلى الله وحدَه ترجع الأمور كلُّها، فيحكم فيها بعدله، ويرحم مَن يشاء بفضله، فلا تعلِّق رجاءك بغيره. |
﴿يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهۡرِ ٱلۡحَرَامِ قِتَالٖ فِيهِۖ قُلۡ قِتَالٞ فِيهِ كَبِيرٞۚ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفۡرُۢ بِهِۦ وَٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَإِخۡرَاجُ أَهۡلِهِۦ مِنۡهُ أَكۡبَرُ عِندَ ٱللَّهِۚ وَٱلۡفِتۡنَةُ أَكۡبَرُ مِنَ ٱلۡقَتۡلِۗ وَلَا يَزَالُونَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمۡ عَن دِينِكُمۡ إِنِ ٱسۡتَطَٰعُواْۚ وَمَن يَرۡتَدِدۡ مِنكُمۡ عَن دِينِهِۦ فَيَمُتۡ وَهُوَ كَافِرٞ فَأُوْلَٰٓئِكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ ﴾ [البقرة: 217]
الإسلام يرعى حرُمات مَن يرعَون الحرُمات، ولا يسمح بأن تُتَّخذَ الحرُمات دروعًا يحتمي بها مَن ينتهكها ويرتكب كلَّ منكر ظانًّا أنه في منجاةٍ من القِصاص بحُجَّة صون الحرُمات. جريمة القتل مع عِظَمها تهون أمام جريمة الكفران، والصدِّ عن سبيل الرحمن، وتشريد أهل الهُدى والإيمان. إن كلَّ جريمة من هذه الجرائم أشدُّ ضررًا، وأعظم خطرًا. إن وجود الإسلام في الأرض فيه غيظٌ لأعداء الدِّين، ورعبٌ لهم في كلِّ حين، فهو من القوَّة بحيثُ يخشاه كلُّ مبطِل، ويرهبه كلُّ باغ، ويكرهه كلُّ مفسد. مع يقين الكفَّار في قرارة نفوسهم أن المؤمنين على الحقِّ، وأنهم منصورون، تراهم لا يفتَؤون يقاتلونهم ليردُّوهم عن دينهم، أوَليس المؤمنون أحقَّ بقتالهم دفاعًا عن دينهم، وإعلاءً لكلمة ربِّهم؟! أعظم غايات الكافرين وأسمى أمانيِّهم التي يقاتلون المسلمين للوصول إليها؛ أن يردُّوا المسلمَ عن دينه، ويفتنوه في عقيدته التي هي أغلى ما عنده. في لحظةٍ واحدة قد يحبَط عملك كلُّه، وتتلاشى جهودك كلُّها، فإيَّاك أن تأمنَ على نفسك، واحذر الردَّة واجتنب أسبابها. |
﴿ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوۡلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّٰغُوتُ يُخۡرِجُونَهُم مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَٰتِۗ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ ﴾ [البقرة: 257]
لو لم يكن من بركات الإيمان بالله تعالى إلا نيلُ وَلايته التي تنقل المؤمنَ من ظلمات الكفر والعصيان، إلى نور اليقين والإحسان، لكفى بها ثمرة. شتَّان بين مَن كان وليَّه اللهُ تعالى القادرُ الكامل الديَّان، ومَن كان وليَّه الأندادُ والأصنام والأوثان. جعل الكفرَ ظُلمةً؛ لأنه مانعٌ من الإدراك، فصاحبه يتخبَّط في الآثام. وجعل الإيمانَ نورًا؛ إذ به تمامُ الإدراك، فصاحبه ممتَّعٌّ بنور البصيرة في الدنيا، آمنٌ من وَحشة القبر وظُلمته في البَرزَخ، يسعى نورُه بين يديه ومن خلفِه يوم القيامة. هو نورٌ واحد، اهتدى به الأنبياء والصالحون، وبحسَب قرب العبد من ذلك النور، وبُعده عن فتن الشبُهات والشهَوات تكون وَلايةُ الله له. مَن أضلَّ الناسَ عن سبيل الله تعالى بإخراجهم إلى ما لا يرضاه طاغوتٌ من أولياء الشيطان. ما يزال الكفَرة وأولياؤهم يترَدَّون في درَكات الظلمات حتى يكونَ مستقرُّهم في ظلمات جهنَّم، وساءت مصيرًا. |
﴿مِن قَبۡلُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ ٱلۡفُرۡقَانَۗ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٞ ذُو ٱنتِقَامٍ ﴾ [آل عمران: 4]
أنزل الله الكتُب لتكونَ هُدًى للناس، فيا ضيعةَ من كان الهُدى بين يديه وهو حائرٌ لا يبصر طريقه، قلقٌ لا يعرف مآله! مَن استعصم بالقرآن ميَّز بين الحقِّ والباطل تمام التمييز، ومَن ابتعد عنه كان تخليطُه بمقدار ابتعاده. كلُّ مَن كفر بما أنزل الله من الحقِّ القويم، مستحقٌّ لعذاب الله الأليم، سواءٌ كفر به كلِّه أو كفر ببعضِه. كيف يتجرَّأ عبدٌ ضعيف على مخالفة أمر ربِّه ذي العزَّة والانتقام؟! |
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغۡنِيَ عَنۡهُمۡ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡـٔٗاۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمۡ وَقُودُ ٱلنَّارِ ﴾ [آل عمران: 10]
قد يفتدي الإنسان نفسَه في الدنيا بماله، وقد يحتمي من عدوِّه بولده، لكنَّهما لن يُغنيا يوم القيامة عنه شيئًا من عذاب ربِّه. إن كلمة الإيمان والتوحيد لتَفوقُ في ميزان الحقِّ كلَّ مظاهر القوَّة؛ من مالٍ وولد وجاهٍ وسلطان، فمَن اغترَّ بهذه المظاهر وركَن إليها لم تُغنِ عنه يومَ الجزاء فتيلًا. |
﴿كَدَأۡبِ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمۡۗ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ ﴾ [آل عمران: 11]
سنَّة الله جلَّ جلاله فيمَن يكذِّب بآياته واحدة، لا ضمانَ لهم ولا أمان، إنما هو الأخذُ بالعذاب والهَوان. ألا فلننتفع بعِبَر القرآن في أخبار السَّابقين، قبل أن نصيرَ عِبرةً للَّاحقين، ولنا في فِرعونَ أبلغ عِظة، أجارنا الله من الكِبْر والطغيان، وهدانا سبُلَ الرُّشد والإيمان. |
﴿قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغۡلَبُونَ وَتُحۡشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ ﴾ [آل عمران: 12]
إنما الأعمال بخواتيمها، وخاتمة الكفَّار الخِزيُ والخَسار، مهما كسَبوا من جَولات وجَولات، ولعَذابُ الآخرة أشدُّ وأَنكى. يا له من وعيدٍ للكفَّار المارقين، ومن بِشارةٍ للمؤمنين المتَّقين؛ إنكم ما استقمتُم على الحقِّ وثبَتُّم لفائزون منصورون، وإن الطغاة لمهزومون مدحورون، وإن غدًا لناظره قريب! |
﴿إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ ﴾ [آل عمران: 19]
لا دينَ يقبله الله إلا الإسلام، ولا إسلامَ بغير استسلامٍ لله تعالى وطاعةٍ لرسوله، واتِّباعٍ لمنهجه، وتحكيمٍ لكتابه في كلِّ أمور الحياة. الإسلام دينُ أنبياء الله ورسُله جميعًا من أوَّلهم إلى آخرهم، لم يكن للبشر قطُّ دينٌ غيرُه. يا حسرةً على مَن جاءه العلمُ فلم يزدَد بالعلم إلا بغيًا وضلالا، ولم يكن العلمُ إلا حُجَّةً عليه ووَبالا. مرتَعُ البغي وَخيم، وجزاء صاحبه معجَّلٌ أليم. |
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَيَقۡتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡقِسۡطِ مِنَ ٱلنَّاسِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [آل عمران: 21]
وهل يكون قتلُ النبيِّ إلا بغيًا وعدوانًا؟ ولكنَّه تأكيدٌ لبشاعة هذه الجريمة النكراء، وتنبيهٌ على أن النفوس الخبيثةَ ترتكب القبائحَ بلا حياء. |
﴿أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّٰصِرِينَ ﴾ [آل عمران: 22]
لا تغرنَّكَ إنجازات المجرمين القتَلة، ولا تحتفِل بما يتظاهرون به من أعمال البِرِّ والخير، فأعمالهم باطلةٌ في الدنيا، هالكةٌ في الآخرة. لمَّا قابلوا أعظمَ الإحسان إليهم دعوةً ونصحًا بشرِّ مقابلةٍ تكذيبًا وقتلًا، حقَّت عليهم العقوبة العُظمى في العاجل والآجل. |
﴿قُلۡ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡكَٰفِرِينَ ﴾ [آل عمران: 32]
ليس الشأن أن تحبَّ الله ادِّعاءً، ولكنَّ الشأن أن يحبَّك الله حقًّا، فاتَّبع رسولَ الله ﷺ لتصدُقَ في محبَّتك لله، فيحبَّك الله ويرضى عنك. التولِّي عن طاعة الله وطاعة رسوله؛ رغبةً عنها، وإعراضًا عن التزامها، يَؤولُ بصاحبه إلى الكفر، والعياذ بالله. |
﴿فَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمۡ عَذَابٗا شَدِيدٗا فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّٰصِرِينَ ﴾ [آل عمران: 56]
ويلٌ لمَن أُقيمت عليه الحُجَّة ولم يقبل الحقَّ، ويلٌ له في الدنيا بما سيُصيبه بأيدي المؤمنين أو بقوارع الدهر ومصائبه، وويلٌ له في الآخرة بالعذاب الشديد. |
﴿كَيۡفَ يَهۡدِي ٱللَّهُ قَوۡمٗا كَفَرُواْ بَعۡدَ إِيمَٰنِهِمۡ وَشَهِدُوٓاْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقّٞ وَجَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [آل عمران: 86]
كيف يوفَّق إلى الهداية مَن عرَفها ثم انحرف عنها، ومَن استبانت له الحقيقةُ ثم تركها؟! ليس كلُّ مَن شهد أن الرسول حقٌّ فهو من المهتدين، حتى يتَّبعَه ويكونَ مع المؤمنين، وما أضلَّ مَن شهد برسالته واتَّبع الشياطين! |
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمۡ كُفَّارٞ فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡ أَحَدِهِم مِّلۡءُ ٱلۡأَرۡضِ ذَهَبٗا وَلَوِ ٱفۡتَدَىٰ بِهِۦٓۗ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ وَمَا لَهُم مِّن نَّٰصِرِينَ ﴾ [آل عمران: 91]
لو نطَق الكافر بكلمة الإيمان بصدقٍ ويقين، وعمل في الدنيا من الصالحات، لأغنَته يوم القيامة عن مِلء الأرض ذهبًا، فما أعجبَ مَن يزهد في الدنيا بكلمةٍ لها هذا الوزنُ الثقيل! مع الإيمان قد يقي من النار شِقُّ تمرة، ومع الكفر لا يقي من العذاب مِلءُ الأرض ذهبًا. كلُّ أسباب النجاة التي يعرفها العباد في الدنيا لن تغنيَ عنهم يوم القيامة؛ إذ لا فِديةَ يومئذٍ ولا توبة، ولا كفيلَ ولا شافع. |
﴿وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخۡتَلَفُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ ﴾ [آل عمران: 105]
يا له من تحذيرٍ من التأسِّي باليهود في تنازعهم، واختلاف قلوبهم، وتفرُّق كلمتهم! الآيات البيِّناتُ يتلقَّاها أصحاب القلوب الطاهرة فتعصِمُهم من الفُرقة، ويتلقَّاها أهل الأهواء فلا تزيدهم إلا تدابرًا ونزاعًا. إن رضوان الله لا يُنال بالفُرقة والاختلاف مهما زعم أهلُ الضلال أنهم في سبيل الله، أولى لهم أن يتجنَّبوا سخطَ الله وعذابَه إن كانوا صادقين. |
﴿يَوۡمَ تَبۡيَضُّ وُجُوهٞ وَتَسۡوَدُّ وُجُوهٞۚ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسۡوَدَّتۡ وُجُوهُهُمۡ أَكَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ ﴾ [آل عمران: 106]
قال ابن عبَّاس رضي الله عنهما: (تبيَضُّ وجوه أهل السنَّة والائتلاف، وتسوَدُّ وجوه أهل البِدَع والاختلاف). وجهُك الحسن في الآخرة مرآةٌ لنقاء قلبك في الدنيا، فجمِّلهما بالتقوى، وزيِّنهما للقاء الله. |
﴿لَن يَضُرُّوكُمۡ إِلَّآ أَذٗىۖ وَإِن يُقَٰتِلُوكُمۡ يُوَلُّوكُمُ ٱلۡأَدۡبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ ﴾ [آل عمران: 111]
متى ما تحقَّقت الأمَّة بالخيريَّة فلن يستطيعَ أعداؤها اجتثاثها، ولن ينالوا منها إلا ألمًا يسيرًا يذهب مع الأيَّام، وتبقى الأمَّة شامخةً ظاهرةً على الدوام. ليس لليهود من غلبةٍ على أهل الإيمان، حين تلتقي الصفوفُ في المَيدان، فأقصى ما يصلون به إليهم إنما هو الإضرارُ بالأذى. |
﴿ضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيۡنَ مَا ثُقِفُوٓاْ إِلَّا بِحَبۡلٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبۡلٖ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَسۡكَنَةُۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ يَكۡفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 112]
لتحذر الأمَّة من الكفر بآيات الله، وترك الاحتكام إليها، والعصيان والعدوان؛ فإنها أسبابٌ لغضب الله، وطريقٌ إلى الهزيمة والهَوان. الإقدام على المعاصي، والاستهانة بمجاوزة الحدود قد تكون بريدًا إلى الكفر، فلا تزال السيِّئة تستدعي أخواتِها حتى تُوردَ صاحبَها المهالك. كم من معصيةٍ أحاطت بأمَّةٍ أو مجتمع أو فردٍ حتى ألقَت بهم في مهاوي الرَّدى! |
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغۡنِيَ عَنۡهُمۡ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡـٔٗاۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ ﴾ [آل عمران: 116]
إن الكافر حابطٌ عملُه، ومستوجبٌ للعذاب يوم القيامة، ولن تنفعَه أموالُه التي كان يستدفعُ بها الشدائدَ والكروب، ولا أولادُه الذين كان يستنصر بهم عند النوائب والخطوب. أصحاب الدنيا ومُؤثِروها اليوم هم أصحابُ النار وصالوها غدًا، فاختَر في دنياك ما تشاء صُحبتَه في أُخراك. |
﴿إِن تَمۡسَسۡكُمۡ حَسَنَةٞ تَسُؤۡهُمۡ وَإِن تُصِبۡكُمۡ سَيِّئَةٞ يَفۡرَحُواْ بِهَاۖ وَإِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لَا يَضُرُّكُمۡ كَيۡدُهُمۡ شَيۡـًٔاۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطٞ ﴾ [آل عمران: 120]
من الكفَّار مَن يُضمر للمؤمنين عداوةً خبيثة باطنة، فضلًا عن عداوتهم اللئيمة الظاهرة، فلا يفتؤون يتمنَّون زوالَ النعمة عنهم. ما أشدَّ بغضَ الكفَّار المحاربين للمؤمنين؛ إنه ليَسوءُهم أقلُّ ما يحصل لهم من خير، ولا يسرُّهم إلا تحقُّق إصابتهم بالشَّر! المؤمن حقًّا لا يتنازل عن عقيدته مهما كانت التكاليف، ويستعين على مواجهة قوَّة الأعداء ومكرهم بالعزيمة والصبر. إن الله ليحفــظ عبــدَه المتــوكِّلَ عليـه، المستعينَ به على بلائه، فلا يزال به حتى يظفَرَ بطَلِبَته ويغلبَ خصومه. طِيبوا نفسًا أيها المتَّقون؛ فإن أعداءكم لن يوقعَ ﴿كيدُهم﴾ مهما بلغ وعَظُم ﴿شيئًا﴾ من الضرر بكم مهما قلَّ وصغُر. اعلم أن الله تعــالى محيـطٌ بمـا تُخفيـه الخلائق، فمَن أضمر شرًّا انتقم منه، ومن صبر واتَّقى أظفره بحاجته، فليطمئنَّ المؤمن، وليحذر عدوَّه. |
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمۡ عَلَىٰٓ أَعۡقَٰبِكُمۡ فَتَنقَلِبُواْ خَٰسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 149]
لا يُعرف في التاريخ أن أمَّةً مسلمة أطاعت أعداءها وسارت في ركابهم ثم أفلحَت في أمر دينها أو دنياها. مَن دخل في طاعة الكافرين، فقد خرج من طاعة ربِّ العالمين؛ ضِدَّان لا يجتمعان في قلب مؤمنٍ صادق الإيمان. حذارِ أن تطيعَ الكافرين؛ فتخسرَ دنياك بانقيادك لعدوِّك، وتخسرَ أُخراك بما ينتظرك من العذاب الأليم. ويا لها من خسارة! |
﴿سَنُلۡقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعۡبَ بِمَآ أَشۡرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗاۖ وَمَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُۖ وَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [آل عمران: 151]
هيهات أن يكونَ الأمن والأمان، والهُدى والاطمئنان، إلا في جوار الله وكنَفه، أمَّا الخوفُ والرعب والشقاء والضَّلال، فإنها كائنةٌ بمقدار البعد عنه سبحانه. الحُجَّة سلطان، مَن ملكها كان له من قوَّة السلطان بحسَب قوَّة حُجَّته. إنما يأوي الخائفُ إلى حيثُ يأمَن ويستريح، لكنَّ مأوى المشركين الخائفين يومَ الفزع الأكبر إنما هو إلى حيثُ العذابُ الأليم. |
﴿وَلَا يَحۡزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡكُفۡرِۚ إِنَّهُمۡ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيۡـٔٗاۚ يُرِيدُ ٱللَّهُ أَلَّا يَجۡعَلَ لَهُمۡ حَظّٗا فِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران: 176]
مَن استجابَ لله فإنما نفسَه نفَع، ومن كفرَ فإنما نفسَه بخَع، فلا تحزن على من اختار سبيلَ الشيطان، وسارعَ في الكفر والعصيان. إذا رأيتَ الله تعالى يتابع نعمَه على عبدٍ من عباده وهو مسارعٌ إلى معاصيه، فاعلم أنه قد هانَ عليه أمرُه؛ فإن الإعطاء والإمهال، لا يَعنيان الرضا والإهمال. لمَّا كان إسراعُهم إلى الكفر عظيمًا، ظانِّين عظمةَ ما أسرعوا إليه؛ تلقَّاهم في النهاية عذابٌ عظيم؛ جزاءَ ما اجترحوا من ذنبٍ عظيم. |
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلۡكُفۡرَ بِٱلۡإِيمَٰنِ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيۡـٔٗاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ ﴾ [آل عمران: 177]
الرغبة عن الإيمان والإحسان؛ حبًّا للكفر وإيثارًا للعصيان، صفقةٌ خاسرة، وتجارةٌ بائرة، لا ربحَ فيها إلا العذابُ الأليم. |
﴿وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّمَا نُمۡلِي لَهُمۡ خَيۡرٞ لِّأَنفُسِهِمۡۚ إِنَّمَا نُمۡلِي لَهُمۡ لِيَزۡدَادُوٓاْ إِثۡمٗاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ ﴾ [آل عمران: 178]
المـوت خـــيرٌ للمـرء مـن أن يصـرفَ عمـرَه في الغفلـة عن الله تعالى، فشرُّ الناس مَن طال عمرُه وساء عملُه. على المؤمن ألا يغتر بما يراه من إمهال الله للكافر، فيظن أن حياته الرغيدة هي الحياة الطيبة، وليتفكر في عواقبها فإن فيها المعتبر. أهل الخطايا المنعَّمون بطيِّبات الدنيا يرتقون بها إلى آفاق الكِبْر والغرور على الخلق، فكان جزاؤهم الأُخرويُّ الإهانةَ والذل؛ فعُلوُّ الدنيا بالمعصية جزاؤه الهوانُ في الآخرة. |
﴿لَّقَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٞ وَنَحۡنُ أَغۡنِيَآءُۘ سَنَكۡتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتۡلَهُمُ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ ﴾ [آل عمران: 181]
ليس أحدٌ أصبرَ على أذًى سمعه من الله؛ إنه لقادرٌ على أن يبادرَهم بعقابه، غير أنه يُمهلهم فيرزقهم دون أن يناجزَهم بعذابه؛ عساهم يرجعون إلى بابه، فيسلَموا من أليم حسابه. هذه صفحةٌ من تاريخ اليهود المظلم، وها هم أولاءِ أبناؤهم على دربهم سائرون؛ محاربةً لله تعالى، وعَداءً لأوليائه. |
﴿ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيكُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيۡسَ بِظَلَّامٖ لِّلۡعَبِيدِ ﴾ [آل عمران: 182]
هي إشارةٌ إلى منع عقاب الشخص بذنب غيره، فمَن كان متَّقيًا ربَّه لم يأخذ الناسَ بغير جِنايتهم، ولم يؤاخذهم بغير ما كسَبَت أيديهم. |
﴿ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيۡنَآ أَلَّا نُؤۡمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأۡتِيَنَا بِقُرۡبَانٖ تَأۡكُلُهُ ٱلنَّارُۗ قُلۡ قَدۡ جَآءَكُمۡ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِي بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَبِٱلَّذِي قُلۡتُمۡ فَلِمَ قَتَلۡتُمُوهُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ﴾ [آل عمران: 183]
مَن أعرضَ عن الحقِّ واتَّبع هواه وأُقيمَت عليه الحُجَج، فليس أهلًا لأن تمهَّدَ له الأعذار ويجابَ إلى ما أراد؛ فإن ذلك لن يزيدَه إلا تماديًا ومَطلًا، وجدالًا وعِنادًا. إفحام المعاند بما يدَّعيه، وإقامةُ الحُجَّة عليه من فِيه، أسلوبٌ جَدليٌّ ناجح؛ لأن مَن خُوصِم بما يقول لم تبقَ له حُجَّة ولا عذر. تسويغ الجريمة والدفاعُ عن أهلها اشتراكٌ فيها، وإن وقعَت قبل مئات السنين؛ ألا ترى كيف نُسِب القتلُ إلى الأحفاد مع أنَّ القتلةَ هم الأجداد؟! |
﴿لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ ﴾ [آل عمران: 196]
لا تغترَّ بما تراه بعينيك من إمهال الله للظالمين، بل تبصَّر في سُنن الله فيهم، حتى تتيقَّنَ زوالَ الباطل وخسارة أهله. قد يمكِّن الله للكافرين زمانًا، فيستدرجُهم بالنِّعَم التي يغدقُها عليهم، حتى إذا فرحوا بما أُوتوا أخذهم فلم يُفلِتهم، إنَّ أخذه أليمٌ شديد. |
﴿مَتَٰعٞ قَلِيلٞ ثُمَّ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ ﴾ [آل عمران: 197]
ليست العِبرةُ بما يُؤتاه العبد من لذَّات الدنيا ونعيمها وهو عن الله بعيد، فإن غمسةً واحدة في نار جهنَّم تُنسي كلَّ طيِّبات الدنيا. المتاع القليلُ الفاني لا يشغل العاقلَ عن النعيم الكثير الباقي. |
﴿وَلَيۡسَتِ ٱلتَّوۡبَةُ لِلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ حَتَّىٰٓ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ إِنِّي تُبۡتُ ٱلۡـَٰٔنَ وَلَا ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمۡ كُفَّارٌۚ أُوْلَٰٓئِكَ أَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا ﴾ [النساء: 18]
حاذِر أن تؤجِّلَ توبتَك إذا ما غرَّتك نفسُك فعصَيت؛ فإنك لا تدري متى يكون أجلُك، فإنه لا يستأذن أحدًا. لا يقبل الله عاصيًا لَـجَّت به غَوايتُه، فتاب حين لم يعُد لديه متَّسعٌ من الوقت لارتكاب مزيدٍ من الذنوب. التوبة المقبولةُ هي التي تُنشئ صلاحًا في القلب، واستقامةً في الحياة، وتُقِيم مسيرةَ الاتجاه على الصِّراط القويم بعد الانحراف عنه. ليحذَرِ المسوِّفون في التوبة ألا تُقبلَ منهم؛ فإن حالهم قد قُرِنت في استبعاد توبتهم بحال مَن يموتون وهم كفَّار، أعاذنا الله من حالهم. |
﴿۞ وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡـٔٗاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗا وَبِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡجَارِ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡجَارِ ٱلۡجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلۡجَنۢبِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخۡتَالٗا فَخُورًا ﴾ [النساء: 36]
توحيد الله هو أعظمُ الأوامر، فلا غَروَ أن يكونَ أوَّلَ مأمورٍ به في آية الحقوق العشَرة. ليس المطلوب مجرَّد إيصال البرِّ إلى الوالدين؛ بل عليك أن تُحسِنَ بوالديك مباشرة، فلا يسبقنَّك أحدٌ إلى العناية بهما، فإنهما إن لم يكونا محتاجَين إلى إحسانك فأنت محتاجٌ إلى برِّهما. أقارب الإنسان أولى بالإحسان، فحريٌّ به أن يبتدئهم بإحسانه وألا يمنعهم من عطائه، فإن منعهم وزاد إلى ذلك إساءتَه إليهم بقوله وفعله فقد جمع طرفي القطيعة، ودلَّ على لؤم الطبيعة. إن لم نكن لليتيم الأبَ الذي يَمحَضُه الحبَّ صِرفا، فلنكن له الأبَ الذي يحنو عليه عطفا. للمساكين حقٌّ من الإحسان تفضَّل الله به عليهم، وأوصى غيرَهم بأدائه لهم، أفنبخل عليهم بما هو حقٌّ لهم؟! قد أوصت الشريعة بالجار وإن بَعُد، وبالصاحب وإن قلَّت صُحبته، فكيف بالزوجة وهي أقربُ جارٍ وألصقُ صاحب؟ لكلِّ مَن صحبك حقٌّ ولو قلَّ؛ الرفيقُ في السفر، والجارُ في الحيِّ، والزميلُ في التعلُّم والوظيفة، والقاعد إلى جنبك في مسجدٍ وغيره. من سموِّ شريعتنا أنها خصَّت الغريبَ المنقطِعَ الذي لا يجد مَن يُؤنسه بمزيدِ إحسان. مِلكُ اليمين في حُكم الشريعة لا يعني أن يفعلَ المالكُ به ما يشاء، بل أن يستخدمَه في العمل المشروع استخدامًا يكتنفُه الإحسان. |
﴿وَمَاذَا عَلَيۡهِمۡ لَوۡ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِهِمۡ عَلِيمًا ﴾ [النساء: 39]
يحرِّض القرآن الفكرَ على البحث عن مواضع المنفعة: الإيمان والإنفاق، فلا مرضَ أشدُّ من الكفر والجهل، ولا داءَ أدوأُ من الشحِّ والبخل. متى اعتقد العبدُ أن الله عليمٌ ببواطن الأمور عِلمَه بظاهرها ارتدعَ عن ظاهر الإثم وباطنِه. |
﴿يَوۡمَئِذٖ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوۡ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضُ وَلَا يَكۡتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثٗا ﴾ [النساء: 42]
أيُّ ندمٍ يعتصر قلب مَن يتمنَّى أن تبتلعَه الأرض، فتتحطَّمَ في داخلها أضلاعُه؛ لما يرى ويسمعُ من الأهوال التي لا تقومُ بحملها الجبالُ في يوم العرض الأكبر؟ |
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِنَا سَوۡفَ نُصۡلِيهِمۡ نَارٗا كُلَّمَا نَضِجَتۡ جُلُودُهُم بَدَّلۡنَٰهُمۡ جُلُودًا غَيۡرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمٗا ﴾ [النساء: 56]
الناس مع الحقِّ فريقان؛ مؤمنون به، وصادُّون عنه أنفسَهم وغيرَهم، وهذه سُنَّة جرَت عبرَ التاريخ، فلا حزنَ إذا لم يأخذ كلُّ الناس بحقٍّ هو أوضحُ من الشمس. مَن صدَّ الناسَ عن الحقِّ فأوردَهم مواردَ الهلكة، فقد قدَّم لنفسه الجزاءَ الذي ينتظرُه، فبئس الواردُ والمورود. |
﴿ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱلطَّٰغُوتِ فَقَٰتِلُوٓاْ أَوۡلِيَآءَ ٱلشَّيۡطَٰنِۖ إِنَّ كَيۡدَ ٱلشَّيۡطَٰنِ كَانَ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 76]
الجهاد الشرعيُّ لا يقوم براياتٍ عِمِّيَّة، وأهواء قوميَّة، وإنما برايةٍ في سبيل الله مرفوعة، و«مَن قاتلَ لتكونَ كلمةُ الله هي العليا فهو في سبيل الله». أهل الباطل يُضحُّون ويبذلون أغلى ما يملكون في سبيل البغي والإفساد، مع تعدُّد راياتهم واختلاف أهوائهم، أفلا يكون أهلُ الحقِّ أَولى منهم في كثرة البذل في سبيل الحق؟! شعور المجاهد بولاية الله القويِّ له يدفعه إلى الثبات والمصابرة، ويقينُه بأن عدوَّه يتولَّاه عبدٌ ضعيف مثله يحثُّه على الإقدام والمبادرة. |
﴿وَإِذَا كُنتَ فِيهِمۡ فَأَقَمۡتَ لَهُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَلۡتَقُمۡ طَآئِفَةٞ مِّنۡهُم مَّعَكَ وَلۡيَأۡخُذُوٓاْ أَسۡلِحَتَهُمۡۖ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلۡيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمۡ وَلۡتَأۡتِ طَآئِفَةٌ أُخۡرَىٰ لَمۡ يُصَلُّواْ فَلۡيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلۡيَأۡخُذُواْ حِذۡرَهُمۡ وَأَسۡلِحَتَهُمۡۗ وَدَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡ تَغۡفُلُونَ عَنۡ أَسۡلِحَتِكُمۡ وَأَمۡتِعَتِكُمۡ فَيَمِيلُونَ عَلَيۡكُم مَّيۡلَةٗ وَٰحِدَةٗۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ إِن كَانَ بِكُمۡ أَذٗى مِّن مَّطَرٍ أَوۡ كُنتُم مَّرۡضَىٰٓ أَن تَضَعُوٓاْ أَسۡلِحَتَكُمۡۖ وَخُذُواْ حِذۡرَكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٗا مُّهِينٗا ﴾ [النساء: 102]
المربِّي الناجحُ قريبٌ من الناس، يعيش معهم مُرشدًا معلِّما، ومصحِّحًا مقوِّما، إنه طبيبٌ بصيرٌ إن هجمَ السُّقمُ بادرَ إلى علاجه، فعادت إلى الحياة عافيتُها. إنه الحرصُ على الصلاة في ساحة المعركة، والصلاةُ من أنجع أسلحة المعركة، فلا بدَّ من تنظيم استخدام هذا السلاح بما يناسبُ طبيعة المعركة. لو صلَّى المجاهدون كلُّ فرقةٍ بإمام لكان أوفقَ لهيئة الصلاة، ولكن جُمعوا على إمام واحدٍ من أجل اجتماع كلمتهم، ولما فيه من الهيبة والعزَّة. بالصلاة يدحر المسلمُ عدوًّا يحاول التغلُّبَ على دينه ونفسه، وبالسلاح يهزم عدوًّا يبغي السيطرة على دينه وأرضه، فهو يعدُّ لكلِّ معركة عُدَّتها. إن أعداء الإسلام حريصون على إضعاف المسلمين، وعلى أن تكونَ الشوكة لهم من دون المؤمنين؛ إن في قلوبهم من شدَّة الغيظ ما يودُّون معه الإجهازَ على المسلمين في أقرب فرصةٍ ممكنة. الغفلة عن واقع العدوِّ ومخطَّطاته يُعطيه الفرصةَ للانقضاض على خصمه بأسهل الطرق، وقد يكون في ذلك القضاءُ عليه مرَّة واحدة. يأمر الإسلامُ أهلَه بأخذ الحِيطة والحذَر، وعدم إلقاء النفس في التَّهلُكة والخطر، لا تخويفًا لهم من عدوِّهم، ولكن تأمينًا لهم من فجأة الضَّرر. |
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ٱزۡدَادُواْ كُفۡرٗا لَّمۡ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغۡفِرَ لَهُمۡ وَلَا لِيَهۡدِيَهُمۡ سَبِيلَۢا ﴾ [النساء: 137]
مَن أبى إلا أن يرجعَ إلى الكفر بعد إيمانه، ويزدادَ كفرًا فوق جحوده ونُكرانه؛ فإنما يعاند فِطرته، ويشهد على نفسه بأنها لا تستحقُّ لذَّة الإيمان. لا يزال المؤمن يترقَّى بإيمانه درجات، حتى يلقى من الله ما يحبُّ من الخيرات، ولا يزال الكافر يتردَّى بكفره في الدَّركات، حتى يلقى من الله ما يكره من العقوبات. أعظم الحرمان حرمانُ الهداية والغُفران، فمَن حُرِمهما فقد حُرم الخيرَ كلَّه، ومَن أُعطيَهما فقد أُعطيَ الخيرَ كلَّه. |
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيۡنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَيَقُولُونَ نُؤۡمِنُ بِبَعۡضٖ وَنَكۡفُرُ بِبَعۡضٖ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيۡنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 150]
رسُل الله عليهم السلام أنوارٌ بزغَت من مِشكاةٍ واحدة، وشرائعهم ترجع إلى أصلٍ واحد، فالواجب الإيمانُ بهم جميعًا. التفريق في الإيمان بين الشارع وحمَلةِ شرعه تفريقٌ باطل لا يصحُّ معه الإيمان، فهل يستقيم إيمانٌ بالله مع تكذيب رسُله؟! وأنَّى يَصدُق في اتِّباع رسول الله ﷺ الطاعنون في صَحابته حمَلةِ رسالته؟! مَن كفر بالله تعالى واستهانَ بدينه فقد باع نفسَه لهوان الآخرة وذلِّ الأبد. |
﴿أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ حَقّٗاۚ وَأَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٗا مُّهِينٗا ﴾ [النساء: 151]
رسُل الله عليهم السلام أنوارٌ بزغَت من مِشكاةٍ واحدة، وشرائعهم ترجع إلى أصلٍ واحد، فالواجب الإيمانُ بهم جميعًا. التفريق في الإيمان بين الشارع وحمَلةِ شرعه تفريقٌ باطل لا يصحُّ معه الإيمان، فهل يستقيم إيمانٌ بالله مع تكذيب رسُله؟! وأنَّى يَصدُق في اتِّباع رسول الله ﷺ الطاعنون في صَحابته حمَلةِ رسالته؟! مَن كفر بالله تعالى واستهانَ بدينه فقد باع نفسَه لهوان الآخرة وذلِّ الأبد. |
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ قَدۡ ضَلُّواْ ضَلَٰلَۢا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 167]
أسوأ الضلال حين يتجاوز به صاحبُه نفسَه إلى غيره ترغيبًا به وتزيينًا له؛ ليحملَ وِزرَه ووِزرَ مَن أضلَّه معه. |
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلۡحَقِّ مِن رَّبِّكُمۡ فَـَٔامِنُواْ خَيۡرٗا لَّكُمۡۚ وَإِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا ﴾ [النساء: 170]
أتاك الهُدى ساعيًا إليك، حاملًا معه الخيرَ من الله، فهلَّا استقبلتَه بنحو ما أظهر لك من الاهتمام، واستشعرتَ من ربِّك تلك العنايةَ والإكرام. إن الإيمان خيرٌ كلُّه؛ فهو خيرٌ للمؤمنين في أبدانهم، وخيرٌ لهم في أرواحهم؛ لما يترتَّب عليه في الدنيا من جليل الفوائد، ولما يُثمر في الآخرة من جميل العوائد. بعِلمه تعالى أحاطَ بكفر الكافر، وبحِكمته قضى بكفره، وبعلمه وحكمته أدخله دارَ سخَطه، لا معقِّبَ لحُكمه ولا غالبَ لأمره. |
﴿فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَيُوَفِّيهِمۡ أُجُورَهُمۡ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضۡلِهِۦۖ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسۡتَنكَفُواْ وَٱسۡتَكۡبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا ﴾ [النساء: 173]
الإيمان والعمل الصالح يورثان التواضعَ الذي يجعل الإنسان عبدًا لربِّه، ومَن كان كذلك نال الأجرَ العظيم، والزيادةَ من المعطي الكريم. حين يرى المستنكِفُون ثوابَ أهل الطاعة، ثم يُشاهدون ما يستحقُّونه من العقوبة؛ فإن آلامهم تَزيد، وحسَراتِهم تعظُم. فليستكبر مَن شاء كيف يشاء، وليعتدَّ بأهل القوَّة والشرف كما يريد، ولكن أيُّ وليٍّ ينصرُه من بأس الله إن جاءه، في يومٍ لا يُغني فيه جاهٌ ولا مال؟ |
﴿ٱلۡيَوۡمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُۖ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حِلّٞ لَّكُمۡ وَطَعَامُكُمۡ حِلّٞ لَّهُمۡۖ وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ إِذَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحۡصِنِينَ غَيۡرَ مُسَٰفِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِيٓ أَخۡدَانٖۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِٱلۡإِيمَٰنِ فَقَدۡ حَبِطَ عَمَلُهُۥ وَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ ﴾ [المائدة: 5]
أباح الله نكاحَ الكتابيَّات العفيفات الملتزمات بدينهن؛ لأن لهنَّ رادعًا من دينٍ له أصلٌ صحيح يعصِمُ من الفواحش، وهذا من التيسير للمسلم. ما طاب كلُّه خيرٌ ممَّا طاب بعضُه؛ فالمُحصَنة المؤمنة في النكاح أفضلُ من الكتابيَّة العفيفة؛ لجمعها بين العِفَّة والإيمان. في إباحة نساءِ أهل الكتاب وحِلِّ ذبائحهم مصلحةٌ دنيوية للمؤمنين، لكنَّها لا تغيِّر مصيرَ أهل الكتاب في الآخرة. |
﴿وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ ﴾ [المائدة: 10]
على الإنسان الحذرُ من مُوجِبات النار، فقد يكون دخولها بمُوجِبٍ واحد، وقد تجتمع عدةُ مُوجِبات فيصير العقابُ أشدَّ وأنكى. صُحبة الكفار للنار أبأسُ صحبة؛ لأنها تُلازمهم ملازمةَ الصاحبِ صاحبَه، لا تفارقُهم ولا يفارقونها أبدَ الآباد، نسأل الله السلامة. |
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡ أَنَّ لَهُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لِيَفۡتَدُواْ بِهِۦ مِنۡ عَذَابِ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنۡهُمۡۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ ﴾ [المائدة: 36]
كم إنسانٍ يعصي اللهَ من أجل الظفَر بحظٍّ دنيويٍّ قليل، أفلا يعلم أنه لو حاز الدنيا كلَّها فلن تحولَ بينه وبين العذاب؟ أفمن العقل أن ينشغلَ العاقلُ بها بعد هذا؟! ما أسهلَ الافتداءَ في الدنيا، وما أصعبَه يوم القيامة! ولو أن الإنسانَ افتدى نفسَه من عذاب الله حالَ حياته، وتقرَّب إلى مولاه بالجود مما أعطاه، لأفادَه ذلك في أُخراه. |
﴿يُرِيدُونَ أَن يَخۡرُجُواْ مِنَ ٱلنَّارِ وَمَا هُم بِخَٰرِجِينَ مِنۡهَاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٞ مُّقِيمٞ ﴾ [المائدة: 37]
يستطيع المرءُ تجنُّبَ أسباب دخول النار إن اهتدى واستقام، فإن ضلَّ وكفر فلن يخرجَ منها، فهل من متأمِّل؟ يا له من مشهد مَهُول من مشاهد يوم القيامة، ألوان العذاب تحيط بأهل النار من كلِّ جانب، وهم يتوجَّعون ويستغيثون، ولكن هيهات، فلا مَخرَج منها ولا مُغيث! لو لم يكن للكفار من العذاب إلا دخولُ النار لكفى ذلك لهم إيلامًا وتعذيبًا، فكيف بدخولٍ لا خروجَ بعده، وأمَدٍ لا انقضاء له؟! |
﴿۞ يَٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لَا يَحۡزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡكُفۡرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَلَمۡ تُؤۡمِن قُلُوبُهُمۡۛ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْۛ سَمَّٰعُونَ لِلۡكَذِبِ سَمَّٰعُونَ لِقَوۡمٍ ءَاخَرِينَ لَمۡ يَأۡتُوكَۖ يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ مِنۢ بَعۡدِ مَوَاضِعِهِۦۖ يَقُولُونَ إِنۡ أُوتِيتُمۡ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمۡ تُؤۡتَوۡهُ فَٱحۡذَرُواْۚ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتۡنَتَهُۥ فَلَن تَمۡلِكَ لَهُۥ مِنَ ٱللَّهِ شَيۡـًٔاۚ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمۡۚ لَهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا خِزۡيٞۖ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٞ ﴾ [المائدة: 41]
على داعي الحقِّ أن يحرِصَ على تبليغه، ولا يحزنَ على مَن لم يستجب له، فما عليه سوى التبليغ، أما الاستجابةُ فبيد الله وحدَه. أهل الزيغ والضلال لا يسارعون إلى الكفر؛ بل هم متوغِّلون فيه ومتلبِّسون به، ويتنافسون في الهبوط إلى درَكاته حتى يبلغوا قَعرَه. أقوال اللسان لا تعبِّر دائمًا عما في الفؤاد مما عليه مدارُ الأحكام، فإن الإيمان لا يكون حقًّا إلا إذا أقرَّ به الجَنان، وصدَّقته الأعمال. مَن استطاب رَضاعَ الباطل عسُر فِطامُه، فإن جاءه الحقُّ ردَّه أو حرَّفه عن مواضعه؛ لأنه لم يذُق لَذاته، ولا وجد فيه قضاءَ شهواته. لما كانت الألفاظ إنما تُراد لمعانٍ معلومة، كان تحريفُها بتأويل معانيها على غير مُراد الله منها صِنوَ تحريفها بتغيير ألفاظها التي أُنزلت عليها. خطر المحرِّفين للنصوص أشدُّ من خطر مكذِّبيها؛ لأن المكذِّب واضحُ الضلال، أما المحرِّفُ فقد كسا ضلالَه بلباس حقٍّ لكي يُقبَل. حين يغلِب ظلامُ الهوى نورَ البصيرة يصبح الحقُّ هو ما وافق الهوى، والباطلُ ما خالفه. كيف لك أن تهديَ مَن لا يقبلُ من الحقِّ إلا ما يعجبُه، ولا يجلس إلا حيثُ يسمع ما يوافق هواه، فإن كان الحقُّ يخالفه كان أبعدَ الناس عنه؟! عنوان طهارة القلب إقبالُه على كلام الشرع إقبالَ الظامئ على مَورِد الماء الزُّلال، وإصغاؤه لحديثه بكلِّ توقير وإجلال. |
﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَا ٱلتَّوۡرَىٰةَ فِيهَا هُدٗى وَنُورٞۚ يَحۡكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسۡلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلرَّبَّٰنِيُّونَ وَٱلۡأَحۡبَارُ بِمَا ٱسۡتُحۡفِظُواْ مِن كِتَٰبِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيۡهِ شُهَدَآءَۚ فَلَا تَخۡشَوُاْ ٱلنَّاسَ وَٱخۡشَوۡنِ وَلَا تَشۡتَرُواْ بِـَٔايَٰتِي ثَمَنٗا قَلِيلٗاۚ وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ ﴾ [المائدة: 44]
كيف للدين أن ينفعَ أهله وهم لا يُقيمونه في حياتهم، ولا يستَشفون بأشفيته؟ وكيف له أن يضيءَ لهم وهم لا يحملون مشاعلَه، ولا يقتبسون من أنواره؟! ليس يصلُح للحكم بين الناس إلا مَن كان من العلماء العاملين الألِباء، أتباع الرسُل والأنبياء، لا أصحاب القوانين ومبتدَع الآراء. إذا أردتَ معرفةَ الإمام الربانيِّ فاعلم أنه العالمُ بكتاب الله جلَّ في علاه، العاملُ بأحكامه ومقتضاه، القائمُ بحقوقه والواقفُ عند حدوده. احفظ كتابَ الله في صدرك فلا تنسَه، واحفظ قدرَه في نفسك فلا تَحِد عنه، وجمِّل منطقَك بتلاوته، وجوارحَك بالعمل بما فيه، ولا تتركه فتُترَك، ولا تضيِّعه فتَضيع. الحكم بما أنزل الله لا يواجهه أكثرُ الناس بالرضا والقَبول، بل بالإعراض أو الرفض، فعلى أهله الحاكمين به أن يستعدُّوا للمواجهة بالثبات والصبر، وألا يخافوا الناسَ، بل ربَّ الناس. مَثَلُ مَن يبذل دينَه مقابل عرَضٍ من الدنيا كمَثَل تاجرٍ يسعى لامتلاك البَضاعة الخسيسة بالأموال النفيسة، فيبيعُ الثمينَ ويَحوزُ المَهين. مَن أراد أن يعرفَ ما لصلاح الأمة عند الله من أهمية فلينظر إلى شدة وعيدِ مَن لم يحكم فيها بما أنزله لسعادتها العاجلة والآجلة. |
﴿وَكَتَبۡنَا عَلَيۡهِمۡ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفۡسَ بِٱلنَّفۡسِ وَٱلۡعَيۡنَ بِٱلۡعَيۡنِ وَٱلۡأَنفَ بِٱلۡأَنفِ وَٱلۡأُذُنَ بِٱلۡأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلۡجُرُوحَ قِصَاصٞۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِۦ فَهُوَ كَفَّارَةٞ لَّهُۥۚ وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ ﴾ [المائدة: 45]
تشريع القِصاص أمرٌ يلائم الفِطرة، ويخفِّف الوجعَ والحسرة، ويُذهِب ما في القلوب من الجِراحات، ويقضي على الثارات في المجتمعات. مَن نظر إلى الأحكام المترتِّبة على الاعتداء على الناس سيفكِّر طويلًا قبل أن يُقدمَ على حماقةٍ تكلِّفه نفسَه أو بعضَ جسده. فتحَ شرعُنا بالتعويضات المالية بابًا لمداواة الأنفُس المكلومة في حصول الاعتداء بالقتل أو الجَرح لها أو لذويها، فالمالُ هنا قد يكون مَرهمًا تُداوى به الجروح، وتَشفى به القروح. العفو عن المعتدين غيرِ المسرفين من شِيَم الأكرمين، فمَن ترك الانتصافَ عن قُدرةٍ نال الرفعةَ بكريم صنيعه. ألا ما أشدَّه من ظلم! ألا يُـحكَمَ بتشريع يقتصُّ فيه المظلومُ من الظالم، بل يُترك الناس فيه بلا أحكام عادلة تحمي ضعيفَهم، وتنتصف من قويِّهم. |
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَكُمۡ هُزُوٗا وَلَعِبٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَٱلۡكُفَّارَ أَوۡلِيَآءَۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ ﴾ [المائدة: 57]
لا يوالي المستهزئين بدين الله أحدٌ خالطَت بَشاشةُ الإيمان شَغافَ قلبه؛ لأنه لا يجتمع في قلب إنسانٍ إيمانٌ بالله وموالاةٌ لأعدائه. التقوى وقايةٌ من موالاة المستهزئين بالدين، فمَن كان من المتَّقين، كان لهم من المعادين. |
﴿وَإِذَا نَادَيۡتُمۡ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُوٗا وَلَعِبٗاۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡقِلُونَ ﴾ [المائدة: 58]
حين يعجِز أعداءُ الحقِّ عن إبطاله، وصدِّ الناس عن امتثاله، يلجؤون إلى حرب الاستهزاء لزعزعة مَن اعتنقَه، وردِّ مَن أراد الوصولَ إليه. لو ذاق الجاحدُ حلاوةَ الصلاة ولذَّتها، وعرَف شرفها وعظمَتها، واغتسل قلبُه بنَمِير راحتِها، وتطهَّر لسانُه بعذب أذكارها، لما استهزأ بها. |
﴿قُلۡ هَلۡ أُنَبِّئُكُم بِشَرّٖ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِۚ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيۡهِ وَجَعَلَ مِنۡهُمُ ٱلۡقِرَدَةَ وَٱلۡخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّٰغُوتَۚ أُوْلَٰٓئِكَ شَرّٞ مَّكَانٗا وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ ﴾ [المائدة: 60]
أيُّ قوم أولئك الذين أغضبوا الحليـمَ الرحيـم حـــتى باؤوا بغضبه، وعوقبوا بلعنته؟! إنهم ما نالوا تلك العقوبةَ إلا لشدة جَرائرهم، وشنيع جرائمهم. ما أعظمَ الإنسانَ عندما يحيا الحياةَ التي أرادها اللهُ له! غير أنه يهبِط عن هذا الأفق السامي إلى رُتبة أخسِّ الحيَوانات وأحقرها حين يهبِط به عملُه حائدًا عن الصراط المستقيم. من العَجب سُخريَّةُ عبَّاد الشهـوات بأهـــل الصلـوات، واحتقارُ أهل الشرك أهلَ التوحيد، ولو نظروا إلى ما هم عليه لما سخِروا، ولكنَّ دَنيَّ النفس يطلب العلوَّ باحتقار الآخرين. ما أبعدَ ذوي الخطايا الكبيرة عن بلوغ مراتب العلو! فالأعمالُ هي التي تَبلغ بصاحبها الآفاق، أو تهوي به إلى قاع الأعماق. |
﴿لَوۡلَا يَنۡهَىٰهُمُ ٱلرَّبَّٰنِيُّونَ وَٱلۡأَحۡبَارُ عَن قَوۡلِهِمُ ٱلۡإِثۡمَ وَأَكۡلِهِمُ ٱلسُّحۡتَۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ ﴾ [المائدة: 63]
نِعمَ المجتمعُ مجتمعٌ يحرسه حمَلةُ الشريعة، آمرين بالمعروف، ناهين عن المنكر! فإن لم يفعلوا فلهم وعيدٌ ترجُف منه القلوب. إذا صار السكوتُ عن الأمر بالمعروف وتركُ إنكار المنكر صناعةً يلتذُّ بها بعضُ المنتسبين إلى العلم ليجدوا فيها الراحة؛ فبئست صناعةً امتهنوها، وبئست بضاعةً حملوها! |
﴿۞ يَٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغۡ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَۖ وَإِن لَّمۡ تَفۡعَلۡ فَمَا بَلَّغۡتَ رِسَالَتَهُۥۚ وَٱللَّهُ يَعۡصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَٰفِرِينَ ﴾ [المائدة: 67]
العلم بدين الله نورٌ يضيء للناس الطريقَ المستقيم، وحاملُ هذا النور مأمورٌ بتبليغه، فإن كتمَه فإنه لم يبلِّغ رسالةَ ربِّه، وكفى بهذا ذمًّا. لله في ثنايا التكاليف ألطافٌ تعين عليها، فانظر كيف أمر الله رسولَه بالصَّدع والبلاغ، والقومُ مبغِضون له معاندون، ثم كفَلَ له العصمةَ من الناس إن قام بالتكليف، وقد فعل. فما أحرانا أن نتأسَّى بنبيِّنا في تبليغ رسالة ربِّنا، متَّكلين عليه وحدَه! يا داعيَ الحقِّ، ثِق بحُسن العاقبة إن كانت دعوتُك إليه خالصة، وعلى سبيله مستقيمة، فأنت في أمانه وكلاءته، وحفظه ورعايته، فاحفظ الله يحفَظك. حسبُك أيها الداعية البلاغُ المبين، فمَن اهتدى فلنفسه، أمَّا الكافرون الذين لا قصدَ لهم إلا اتِّباعُ أهوائهم فإن الله لا يَهديهم ولا يوفِّقهم للخير؛ لإصرارهم على الكفر وعنادهم. |
﴿لَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلَٰثَةٖۘ وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّآ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۚ وَإِن لَّمۡ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [المائدة: 73]
عجبًا لعاقلٍ يشتبه عليه الخالقُ بالمخلوقين، ولا يَميزُ بين صفاتِ العبد وصفات ربِّ العالمين! إنها كلمةُ الوَحدانيَّة التي تنفي عن الله تعالى تثليثَ النصرانيَّة المحرَّفة، فكما خلقَ الخلقَ وحدَه، فلا معبودَ يستحقُّ العبادةَ معه. يدعوهم الله إلى التوبة وقد عبَدوا معه غيرَه، وهو المعبودُ الحقُّ وحدَه! فهل وراء هذا الحِلم حِلم؟ إن أمهلهم فلحِلمه ورحمته، لا لعَجزه عن تعذيبهم أو ضعفه، فإذا تمادَوا ولم يقدِّروا حِلمَه مسَّهم بعذابه، ويا له من عذاب! |
﴿لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُۥدَ وَعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ ﴾ [المائدة: 78]
الهوى يجعل صاحبَه يسومُ في أودية الضَّلال، فيَتِيهُ عن الحقِّ في الأقوال والأعمال؛ فلذلك لا يصلُح صاحبُ الهوى قائدًا إلا إلى المهالك. |
﴿تَرَىٰ كَثِيرٗا مِّنۡهُمۡ يَتَوَلَّوۡنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ لَبِئۡسَ مَا قَدَّمَتۡ لَهُمۡ أَنفُسُهُمۡ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَفِي ٱلۡعَذَابِ هُمۡ خَٰلِدُونَ ﴾ [المائدة: 80]
من صنيع مرضى القلوب في كلِّ زمان موالاةُ أعداء الدين، من المشركين والملحدين، ومناصرتُهم على المؤمنين، وقد عانى رسولُ الله ﷺ وصحابتُه بسببهم ما عانَوا. كثيرًا ما يُؤتى الإنسانُ من قِبَل نفسه، حين تسوِّل له الشرَّ وتزيِّنه، وتُغريه به وتَفتِنه، فطوبى له إن أدَّبها وربَّاها، وعلى مراقبة الله حمَلها وزكَّاها. لو رأى مُقارفُ المعاصي ما تَجنيه عليه من العقاب لاشتدَّ منها حذرُه، ولكن نعوذ بالله من الغفلة. |
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسۡبُنَا مَا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ شَيۡـٔٗا وَلَا يَهۡتَدُونَ ﴾ [المائدة: 104]
مـا أشبـهَ الليلةَ بالبـارحة؛ أولئك يُدعَون إلى دين الله وشرعِه فيعتذرون بالاكتفاء بدين الآباء، واليومَ يُدعى قومٌ لحكم الله وشرعه فيعتذرون بالاكتفاء بقوانين البشر! العالِم المهتدي هو مَن بنى قولَه على الحجَّة والدليل، وإلا فليس رأيُه بالذي يُحتَذى في سلوك سواء السبيل. مَن جمعَ العلمَ والاهتداء صحَّ أن يكونَ أهلًا للاقتداء، فعلمُه يكشف أصحَّ الطرق التي ينبغي أن تُقصَد، واهتداؤه يبيِّنُ للسالكين كيف تُسلَك. |
﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَۖ ثُمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمۡ يَعۡدِلُونَ ﴾ [الأنعام: 1]
الحمد لله الذي جعل في السماوات آياتٍ على إبداع خلقه وإتقانه، وفي الأرض براهينَ على قدرته وسلطانه، وفي آلائه على عباده شواهدَ على فضله وإنعامه. عجيبٌ أن ينطِقَ الكون كلُّه بعظمة الله وتوحيده، ويُعرِضُ عن ذلك أكثرُ من كلَّفَ من عبيده! |
﴿وَمَا تَأۡتِيهِم مِّنۡ ءَايَةٖ مِّنۡ ءَايَٰتِ رَبِّهِمۡ إِلَّا كَانُواْ عَنۡهَا مُعۡرِضِينَ ﴾ [الأنعام: 4]
مـا أكـثرَ الآيـاتِ الداعيـةَ إلى الإيمـان، ولكن ما أقلَّ المستجيبين لها! وما يُعوِزُ المعرضين كثرةُ الآيات، ولكن يُعوِزُهم الاعتبار بالبيِّنات. أيها العبدُ، لا تعصِ مولاك فتُعرضَ عمَّا جاءك به؛ فإن من حقِّه عليك -وهو ربُّك- أن تُقبِلَ بكُلِّيَّتك على ما يأتيك منه. حين يبلغ المُعرضُ عن الاستجابة للحقِّ غايةَ ردِّ كلِّ برهانٍ وصلَ إليه، فاعلم أن طبعَ قلبه على ما هو عليه من الباطل قد بلغ غايةً قصوى لا تذهب إلا بالحصاد. |
﴿وَلَوۡ نَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ كِتَٰبٗا فِي قِرۡطَاسٖ فَلَمَسُوهُ بِأَيۡدِيهِمۡ لَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ ﴾ [الأنعام: 7]
إن الحُجـجَ القاطعـة، والبراهــينَ الساطعة، وإن بلغتِ الغايةَ في الاتضاح، والنهايةَ في الخير والصلاح، فليست بمُغنيةٍ شيئًا عند مَن لا يريدُها ولا يرغبُ في الإفادة منها. شأن المحجوج المغلوب أن يتعلَّقَ بالمعاذير الكاذبة والحِجاج الواهية، ليسترَ بها سوأةَ مكابرته، وفضيحةَ الغلَبة عليه. |
﴿وَقَالُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ مَلَكٞۖ وَلَوۡ أَنزَلۡنَا مَلَكٗا لَّقُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ ثُمَّ لَا يُنظَرُونَ ﴾ [الأنعام: 8]
طلبُ ما لا يمكن حصولُه عادةً متمسَّكٌ واهٍ يلجأ إليه من ألجمَته براهينُ الحق، ولم يجد في بيداءِ الباطل طريقًا تُخرجُه من حَيرته. ليسـت مهمَّـة رسـول الله ﷺ التصـدِّيَ لرغَباتِ الكافرين، وتلبيةَ اقتراحات المُعرضين، التي إن تحقَّقَ بعضُها طلبوا المزيد؛ عِنادًا واستكبارًا، وإنما عليه البلاغُ المبين. |
﴿وَمِنۡهُم مَّن يَسۡتَمِعُ إِلَيۡكَۖ وَجَعَلۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ أَكِنَّةً أَن يَفۡقَهُوهُ وَفِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرٗاۚ وَإِن يَرَوۡاْ كُلَّ ءَايَةٖ لَّا يُؤۡمِنُواْ بِهَاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوكَ يُجَٰدِلُونَكَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ ﴾ [الأنعام: 25]
لا أشدَّ من موتِ القلب، فإذا ما خُتم على القلب ومات، صَمَّت الآذانُ عن سماع صوت الحقِّ، وعَمِيَت العيونُ عن إبصار الآيات، فلا تصلُ إليه بعد ذلك حياةٌ. العِـبرة في الاستجـابة للحقِّ لا في مجرَّد استماعه؛ فأنَّى ينفُذ الحقُّ إلى قلبٍ قد أُغلقت منافذُه، وسُدَّت مسالكُه؟! |
﴿قَدۡ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَتۡهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغۡتَةٗ قَالُواْ يَٰحَسۡرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطۡنَا فِيهَا وَهُمۡ يَحۡمِلُونَ أَوۡزَارَهُمۡ عَلَىٰ ظُهُورِهِمۡۚ أَلَا سَآءَ مَا يَزِرُونَ ﴾ [الأنعام: 31]
كيف لا يخسر الخسارةَ الكبرى مَن كذَّب بلقاء الله، فلم يؤمن ببعثٍ ولا نشور، ومآلُ تكذيبه دخولُ النار، وغضبُ المنتقم الجبَّار؟! تحسَّرَ خاسرو القيامة على ما ضيَّعوه من عمل الجنَّة، أما لو آمنوا بالبعثِ وعملوا له لما تحسَّروا، فهل منهم عاقل يستدرك ليُوقَى العذاب، قبل أن يَستعتِبَ فلا يُجاب؟ لا يُحاسَب على ذنبك غيرُك، ولا يحملُ وِزرَك إلا ظهرُك، فخفِّف من خطاياك اليوم؛ ليخِفَّ ظهرُك غدًا، فما أثقلَ الخطايا في ذلك اليوم! |
﴿قَدۡ نَعۡلَمُ إِنَّهُۥ لَيَحۡزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَۖ فَإِنَّهُمۡ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ يَجۡحَدُونَ ﴾ [الأنعام: 33]
يكفيك أيها الداعيةُ إلى الحقِّ أن الله يعلم أحزانَك من أجل دينه، وأشجانَك على مَن أعرضَ عنه، فهو مَن يأجرُك ويبارك عملَك. يا داعيَ الحقِّ، إذا تكاثفَت في آفاقك أحزانُ الدعوة فاكشِفها بالاقتداء بخير الأنبياء، ففي سيرته سَلوى عند الشَّكوى، ونبراسٌ يشُقُّ بنوره ظلامَ البَلوى. تكذيب الكافرين لما جاء به الصادقُ الأمين، مع إقرارهم في الباطن بصدقه المبين، يكشِفُ عن ظلمهم وجحودهم. |
﴿وَقَالُواْ لَوۡلَا نُزِّلَ عَلَيۡهِ ءَايَةٞ مِّن رَّبِّهِۦۚ قُلۡ إِنَّ ٱللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰٓ أَن يُنَزِّلَ ءَايَةٗ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ ﴾ [الأنعام: 37]
سؤالهم الآيةَ محضُ تعنُّتٍ منهم، ألا تراهم أضافوا الربَّ إليه وكأنهم ليسوا عبيدَه؟! وهؤلاء كما لم ينتفعوا بما سلفَ من الآيات لن ينتفعوا بما طلبوا منها، فهم ليسوا أهلًا لأن يُجاب طلبُهم. إن الله لا يُعجِزه إنزالُ ما طلبوا من الآيات، فهو القدير العزيز، غيرَ أن مَن طُبع على قلوبهم الكفرُ لن تنفعَهم تلك البراهينُ ولو تعدَّدت. |
﴿وَذَرِ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمۡ لَعِبٗا وَلَهۡوٗا وَغَرَّتۡهُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَاۚ وَذَكِّرۡ بِهِۦٓ أَن تُبۡسَلَ نَفۡسُۢ بِمَا كَسَبَتۡ لَيۡسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٞ وَلَا شَفِيعٞ وَإِن تَعۡدِلۡ كُلَّ عَدۡلٖ لَّا يُؤۡخَذۡ مِنۡهَآۗ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ أُبۡسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْۖ لَهُمۡ شَرَابٞ مِّنۡ حَمِيمٖ وَعَذَابٌ أَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡفُرُونَ ﴾ [الأنعام: 70]
دين الإسلام حقيقٌ بالتوقير، حريٌّ بالتقدير، فلا مكانَ فيه للَّهو واللعب فيما جاء به. العاقل هو من جعلَ همَّه ما يكتسبُه من الخيرات في الدنيا، لا مجرَّدَ الحياةِ فيها. إن اغترَّ الإنسان بما يعود عليه وَبالًا في أُخراه، فليعلم أنه قد خدعَته دنياه. مَن تدبَّر القرآنَ وعمل به لم يأسِره الاغترارُ بالحياة وزينتها، ولم تَفُته مراكبُ النجاةِ من مُهلكاتها. مَن اتخذ دينَه لهوًا ولعبًا نال المؤاخذةَ الأليمة، والفضيحةَ الجسيمة، والحبسَ عن الخير، والارتهانَ بالذنوب. لا عاقلَ يقبل بمكسَب دنيويٍّ مهما عظُم، إن كانت عاقبتُه تجرُّعَ الحميم، ومعاناةَ العذاب الأليم. |
﴿وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّي بَعۡضَ ٱلظَّٰلِمِينَ بَعۡضَۢا بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ ﴾ [الأنعام: 129]
يولِّي الله كلَّ ظالمٍ ظالمًا مثلَه؛ يحثُّه على الشرِّ، ويزهِّدُه في الخير، وذلك من العقوبات العظيمة. متى فسد الناسُ أُمِّر عليهم شرارُهم، ومتى كانوا ظالمين سُلِّط عليهم ظالمٌ مثلُهم، فإن أرادوا التخلُّصَ منه فليدَعوا ظلمَهم. المعاصي من أسباب الوَلاية الظالمة، والطاعاتُ تثمر الوَلايةَ العادلة، فليختَر كلٌّ مَن يرغب في أن يتولَّى أمرَه. بعض الناس ينظُرون إلى ظلم غيرهم أنه سببُ بلائهم، فلو رجعوا إلى أنفسِهم متأمِّلين لعرَفوا أنهم من جماعة الظالمين. |
﴿يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ رُسُلٞ مِّنكُمۡ يَقُصُّونَ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِي وَيُنذِرُونَكُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَاۚ قَالُواْ شَهِدۡنَا عَلَىٰٓ أَنفُسِنَاۖ وَغَرَّتۡهُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَشَهِدُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ أَنَّهُمۡ كَانُواْ كَٰفِرِينَ ﴾ [الأنعام: 130]
ما أشدَّ موقفَ التبكيتِ في أرض المحشر! فهنيئًا لمَن نالته رحمةُ الله فنجا ذلك اليوم. سبحان مَن رحم عبادَه فبعث إليهم رسلَه، وأنزل عليهم كتبَه لإيصال رسالة الحقِّ إليهم، فمَن لم تبلُغه تلك الرسالةُ ولم تقُم عليه الحجَّةُ لم ينله عذابُه. أيُّ مصيرٍ أبأسُ من أن يجدَ الإنسان نفسَه في مأزِقٍ لا يملك أن يَدفعَ عن نفسه فيه بكلمة دفاع أو إنكار، فليتَ الغافلَ يعتبر، وعن معاصيه ينزجِر. أكبرَ الكافرون الدنيا فاغترُّوا بها، ونسُوا بذلك الآخرة، حتى وردوا القيامةَ نادمين، أما لو اتَّبعوا الوحيَ لما خسروا ولا ندموا. |
﴿وَنَادَىٰٓ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ أَصۡحَٰبَ ٱلۡجَنَّةِ أَنۡ أَفِيضُواْ عَلَيۡنَا مِنَ ٱلۡمَآءِ أَوۡ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُۚ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ ﴾ [الأعراف: 50]
تفكَّر في هذه الحقيقة: الذين يُلقُون اليوم على المؤمنين أذى السخريَّة والملامة، سيخضعون لهم فيستغيثون بهم يوم القيامة بتذلُّل ومهانة! |
﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ وَمَن يُشَاقِقِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ ﴾ [الأنفال: 13]
نصيبُ المؤمنين المتوكِّلين من الله التأييدُ والتثبيت، ونصيبُ المشاقِّين اللهَ ورسولَه الرعبُ والتشتيت. مُشاقَّةُ الله ورسوله متوعَّدٌ أهلُها بشدَّة العقاب في حياة رسول الله ﷺ وبعد مماته. |
﴿ذَٰلِكُمۡ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابَ ٱلنَّارِ ﴾ [الأنفال: 14]
ألا يكون للمشاقِّين لله ورسوله عِبرةٌ فيما جرى لأسلافهم؟ فكم ذاقَ متقدِّموهم من النَّكال والقتل والهوان بما كانوا يكسِبون! عذاب الدنيا لمَن يحارب اللهَ ورسوله على عظمته ونَكاله لا يُعدُّ شيئًا أمامَ عذاب جهنَّم. |
﴿ذَٰلِكُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُوهِنُ كَيۡدِ ٱلۡكَٰفِرِينَ ﴾ [الأنفال: 18]
البِشارة للمؤمنين بالنصر تتلوها بِشارةٌ بعاقبة أعدائهم، بأنَّ أمرهم إلى ضَعفٍ ووهن. |
﴿وَإِذۡ يَمۡكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثۡبِتُوكَ أَوۡ يَقۡتُلُوكَ أَوۡ يُخۡرِجُوكَۚ وَيَمۡكُرُونَ وَيَمۡكُرُ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلۡمَٰكِرِينَ ﴾ [الأنفال: 30]
أهل الباطل لا ينامون عن مُعاداة الحقِّ وأهله بأفكارهم وأعمالهم، فهم لا يدَعون وسيلةً يرَون أنها تُزهقُ الحقَّ وتضرُّ أهلَه إلا اتَّبعوها. إنَّ مكرَ الكافرين يشمَل كلَّ ما يمتُّ إلى الإيمان بصِلة، فهم يمكُرون برسول الإيمان، وبما جاء به، وبمَن اتَّبعه وسار على هديه. مهما بلغ مكرُ أهل الباطل فلن يستطيعوا محاصرةَ الحقِّ أو إطفاءَ جذوته، فإنَّ مكرَ الله من ورائهم، وهو محيطٌ بهم. |
﴿وَقَٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٞ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ كُلُّهُۥ لِلَّهِۚ فَإِنِ ٱنتَهَوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ ﴾ [الأنفال: 39]
لن تنجوَ البشريةُ من أنواع الفتن، ولن يَسلمَ الإنسانُ في الأرض، إلا حين يكون الدينُ كلُّه لله، فلا يكون هنالك خضوعٌ لسلطانٍ سواه. ليس للمسلمين عِلمٌ ببواطن الكافرين المنتهين عن الكفر، المقبلين على الإسلام، فلهم منهم الظاهر، واللهُ تعالى هو الذي يتولَّى السرائر. |
﴿وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ يَضۡرِبُونَ وُجُوهَهُمۡ وَأَدۡبَٰرَهُمۡ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ ﴾ [الأنفال: 50]
المتكبِّرون عن الحقِّ اليوم، سيُقادون إلى العذاب أذلَّاءَ صاغرين غدًا، ويا فوزَ مَن نأى عنهم. يترقَّى العذابُ بالذين كفروا من الأدنى إلى الأعلى حتى يزدادَ ألمُهم؛ فالملائكة يضرِبون وجوههم وأدبارَهم عند الاحتضار، ويبشِّرونهم يومَ القيامة بعذاب النار. |
﴿وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوٓاْۚ إِنَّهُمۡ لَا يُعۡجِزُونَ ﴾ [الأنفال: 59]
لا تغترَّ بحِيَل الكافرين ولا بقوَّتهم، فإنما هم في قبضة الحقِّ، متى شاء أخذَهم، وإذا أخذهم لم يُفلتهم. |
﴿وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٍۚ إِلَّا تَفۡعَلُوهُ تَكُن فِتۡنَةٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَفَسَادٞ كَبِيرٞ ﴾ [الأنفال: 73]
أهلُ الحقِّ أولى من أهل الباطل بالائتلاف، ونبذ الفُرقة والاختلاف، ومن عجبٍ أن يكون الشأنُ على خلاف ذلك! لو تُركت موالاةُ المؤمنينَ ومعاداةُ الكافرينَ لاختلط الحقُّ بالباطل، والمؤمن بالكافر، وتوقَّف الجهادُ والهجرة، وتعطَّلت بعضُ شعائر الدين. |
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَٰهِدِ ٱلۡكُفَّارَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱغۡلُظۡ عَلَيۡهِمۡۚ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ ﴾ [التوبة: 73]
سبب الأمر بجهاد الكفَّار متحقِّقٌ في المنافقين، فجهادُهم كجهاد الكفَّار؛ ومن هنا قرَن الله تعالى المنافقين بالكافرين في هذا الموطن. اعمل عملَ الصالحين، لتأويَ إلى مساكنهم في جنَّات النعيم، وجانب عملَ الطالحين، حتى لا تكونَ معهم في نار الجحيم. |
﴿رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلۡخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا يَفۡقَهُونَ ﴾ [التوبة: 87]
المنافقون وضعفاءُ الإيمانِ جُبناء، آثروا البقاءَ مع النساء والصِّبيان، ولو فَقِهوا لم يرضَوا لأنفسهم بالحال التي تحُطُّهم عن منازل الرجال. سلامةُ الفهمِ نورٌ يضيءُ لصاحبه الطريقَ الذي يوصله إلى الغايات الحميدة. من كان ذا فقهٍ عرَف ما في الجهاد من العزِّ والفَخار، وما في التخلُّفِ من الشقاء والعار. |
﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنۡ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ رَجُلٖ مِّنۡهُمۡ أَنۡ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنَّ لَهُمۡ قَدَمَ صِدۡقٍ عِندَ رَبِّهِمۡۗ قَالَ ٱلۡكَٰفِرُونَ إِنَّ هَٰذَا لَسَٰحِرٞ مُّبِينٌ ﴾ [يونس: 2]
عجبًا لهم كيف جوَّزوا أن يكونَ المنحوتُ من الخشب والمعمولُ من الصخر إلهًا معبودًا، وتعجَّبوا أن يكونَ محمَّدٌ ﷺ في جلالة قدره رسولًا؟! هذا هو الضلال البعيد. الوحيُ إنذارٌ للناس بعاقبةِ المخالفة، وتبشيرٌ للمؤمنين بعُقبى الطاعة، وبيانٌ للمكلَّفين فيما يفعلونه، وفيما يتركونه. قدِّم لنفسك من الإيمان والعملِ الصالح ما يَرضى به ربُّك عنك، فمَن قدَّم خيرًا أثبت اللهُ له أجرًا. لا يظنَّ المعاندون أن كلَّ ما ليس في مقدور البشر فعلُ مثلِه هو من باب السحر، إن كتاب الله المعجزَ ما هو إلا وحيٌ من عنده. |
﴿إِلَيۡهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِيعٗاۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقًّاۚ إِنَّهُۥ يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ لِيَجۡزِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ بِٱلۡقِسۡطِۚ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمۡ شَرَابٞ مِّنۡ حَمِيمٖ وَعَذَابٌ أَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡفُرُونَ ﴾ [يونس: 4]
أليس القادرُ على بَدءِ الخَلق قادرًا على إعادته؟ فكيف لعاقلٍ أن يؤمنَ بالأُولى ويُنكر الآخرة؟! أحسِن العملَ، فهناك جزاءٌ ينتظرُك عند الله تعالى، وجِدَّ في سيرك إلى ربِّك، لعلَّك أن تظفر بالدرجات العُلى. ما أعظمَ ما ينتظرُ الكافرين من العذاب! فهل من عاقلٍ يَعرفُ خطأه، ثمَّ يتمادى في البعد عن الصواب؟ |
﴿وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةِۭ بِمِثۡلِهَا وَتَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۖ مَّا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِنۡ عَاصِمٖۖ كَأَنَّمَآ أُغۡشِيَتۡ وُجُوهُهُمۡ قِطَعٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مُظۡلِمًاۚ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ ﴾ [يونس: 27]
فطر اللهُ الإنسانَ على الإحسان، فالمؤمنُ وافق الفطرة فعمل الحسنات، والكافرُ انتقل عنها واكتسب السيِّئات. تَعَلَّم العدلَ من تعاليم القرآن، فأحسِن إلى مَن أحسن، ولا تَجزِ المسيءَ بغير ما اكتسب، ولا تتجاوزْ معه قدرَ إساءته. ما أشدَّ ذِلةَ أهلِ النار وأعظمَها! ذِلةٌ تغشى النفوسَ، ولا تَقتصرُ على الوجوه. لا يغترَّ باللهِ أحدٌ وهو مقيمٌ على الإشراك به لا يبارحُه، فإن أخْذَه تعالى أكيدٌ، وغضبَه شديد، ولا يعصِمُ المشركَ منه أحد. للسيئةِ أثرٌ على الوجه في الدارين، فهي تُظلِمُ النفسَ والقلبَ في الدنيا، ويَظهرُ ذلك الظلامُ على الوجوهِ يوم القيامة. ما أشدَّ مسَّ النار! فكيف بمَن يكونُ من أهلها المقيمين فيها أبدًا. |
﴿وَلَوۡ أَنَّ لِكُلِّ نَفۡسٖ ظَلَمَتۡ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ لَٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَۖ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡقِسۡطِ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ ﴾ [يونس: 54]
ألا يستثمرُ العبدُ ساعاتِ حياته وما أنعمَ اللهُ عليه بما يدفعُ عنه عذابَ يومِ القيامة؟ فإنه لا يدري أيَّ عملٍ سينجيه يومَ يَرخُصُ كلُّ غالٍ في سبيل تلك النجاة. كم من حالةٍ من العذاب النفسي يتقلَّبُ فيها الكافرُ، فتارةً يُسِرُّ الندامةَ، وتارةً يُعلنُها! ربَّنا، لا يكونُ منك إلا العدلُ والفضل، لكننا نطمعُ في رحمتك وفضلِك، وجودك وإحسانك، فبلِّغنا ما نطمعُ، وأمِّنَّا ممَّا نخاف. |
﴿فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِي ٱلنَّارِ لَهُمۡ فِيهَا زَفِيرٞ وَشَهِيقٌ ﴾ [هود: 106]
يا بؤسَ مَن أشقاه عملُه حتى أورده نارَ جهنَّم التي يشتدُّ فيها كَربُه ويعظُم غمُّه، ويضيقُ حالُه وتنقطع آمالُه! لو تفكَّرَ الإنسانُ في مآلٍ يفقِدُ فيه راحتَه، ويَلقى فيه شِقوتَه، ويصدُر منه أشنعُ الأصوات، وهو في غمَراته؛ لما سلك طريقًا يوصله إليه. |
﴿خَٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَۚ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٞ لِّمَا يُرِيدُ ﴾ [هود: 107]
ما الدنيا كلُّها بما فيها أمامَ ما ينتظرُ المرءَ من خلودٍ في شقاءٍ سرمدي، أو في نعيمٍ أبدي؟ |
﴿لِلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَٱلَّذِينَ لَمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَهُۥ لَوۡ أَنَّ لَهُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لَٱفۡتَدَوۡاْ بِهِۦٓۚ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ سُوٓءُ ٱلۡحِسَابِ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ ﴾ [الرعد: 18]
بقدر استجابتك لربِّك يكون نصيبُك من الحسنى، فارفع حظَّك من الاستجابة يرتفع حظُّك في منازل الحسنى. افتداء عذابِ الآخرة بشيءٍ من الدنيا في الدنيا ينفع صاحبَه، والافتداءُ بذلك يوم القيامة غيرُ نافع، فقدِّم شيئًا من حُطام الدنيا اليوم ينفعك غدًا. يا من شغلَه عرَضُ الدنيا عن الاستجابة لله ورسوله، أما تعتبرُ بحال أقوامٍ يوَدُّون أن لو ملكوا الدنيا بأسرها ليبذلوها فداءَ ما ينتظرُهم من العذاب، فلم يُعطَوا ذلك؟ |
﴿وَلَوۡ أَنَّ قُرۡءَانٗا سُيِّرَتۡ بِهِ ٱلۡجِبَالُ أَوۡ قُطِّعَتۡ بِهِ ٱلۡأَرۡضُ أَوۡ كُلِّمَ بِهِ ٱلۡمَوۡتَىٰۗ بَل لِّلَّهِ ٱلۡأَمۡرُ جَمِيعًاۗ أَفَلَمۡ يَاْيۡـَٔسِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن لَّوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعٗاۗ وَلَا يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوۡ تَحُلُّ قَرِيبٗا مِّن دَارِهِمۡ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ وَعۡدُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُخۡلِفُ ٱلۡمِيعَادَ ﴾ [الرعد: 31]
لقد صنع القرآنُ في النفوس التي تلقَّته عجائبَ ما أبعدَ آثارَها في أقدار الحياة! فكم غيَّرَ وجهَ الأرض وصفحةَ التاريخ! القرآن أصلُ الهداية، فمَن لم يَهدِه القرآنُ الذي لو نَزل على جبلٍ لتصدَّع من خشية الله ، فما الذي سيهديه إذن؟! ليس لأهواءِ الناسِ مكانٌ أمامَ أمرِ الله تعالى وحُكمِه، فإنه العليمُ بما يُنزلُ من الآيات، وما في إنزالها من البركات. الهداية بيد الله تعالى، فلو شاء أن يهديَ عبدًا لهداه، ولو لم يدعه أحد، فالأمرُ له سبحانه يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد. حينَ لا يُجدي الدليلُ ولا ينفعُ البرهانُ، فلا بدَّ عند ذاك من شدَّةٍ تُصيبُ، أو قارعةٍ تُزلزل؛ جزاءً للمعاندين، وعِبرة لمَن يعتبر. المشركون هم أَولى الخَلق بالخوف؛ لعِظَم ذنبهم، وشناعة جُرمهم، فلا أمنَ لهم ولا طُمَأنينة، بل هم مهدَّدون بشنيع النَّقِمات، في جميع الأوقات. |
﴿۞ مَّثَلُ ٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَۖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ أُكُلُهَا دَآئِمٞ وَظِلُّهَاۚ تِلۡكَ عُقۡبَى ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْۚ وَّعُقۡبَى ٱلۡكَٰفِرِينَ ٱلنَّارُ ﴾ [الرعد: 35]
مَن ذا يقارن جِنانَ الآخرة الدائمةَ الكاملة، بجنان الدنيا التي تتقلَّب وتَفنى، ويعتريها ما ينغِّصُها؟ الآخرة عُقبى تَعقُب الأعمال، فمَن فعلَ الخيرَ واتَّقى أعقبَه بعده الخير، ومَن فعل الشرَّ ولم يتُب منه أعقبَه بعده الشرُّ. |
﴿وَقَدۡ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ فَلِلَّهِ ٱلۡمَكۡرُ جَمِيعٗاۖ يَعۡلَمُ مَا تَكۡسِبُ كُلُّ نَفۡسٖۗ وَسَيَعۡلَمُ ٱلۡكُفَّٰرُ لِمَنۡ عُقۡبَى ٱلدَّارِ ﴾ [الرعد: 42]
مهما اشتدَّ مكرُ المبطلين وحِيلُهم فإن دولتَهم لن تلبثَ أن تزول، أوَلم ينظر هؤلاء حالَ الأمم قبلهم، ما الذي حلَّ بهم؟ مهما مكر أعداءُ الحقِّ بالحقِّ وأهله، فمكرُهم عند الله معلوم، وسيجازيهم عليه، فليطمئنَّ ذوو الإيمان، فإن لهم ربًّا قد أحاط بمكر أعدائهم. |
﴿وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَسۡتَ مُرۡسَلٗاۚ قُلۡ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدَۢا بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡ وَمَنۡ عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلۡكِتَٰبِ ﴾ [الرعد: 43]
يا صاحبَ الحقِّ لا تكترث لما يقول أعداؤك فيك، من نزع صفاتِ الثناء، وإلصاقِ التُّهَم التي أنت منها بَراء، بل يكفيك أن الله راضٍ عنك. أهل العلم محلٌّ للثقة وقولِ الحقيقة، فعليهم ألا يهبطوا عن هذه الرتبة العلِيَّة، بكتمان الحقِّ والشهادة بخلافه. ما أجلَّه من تناسبٍ بين مطلعِ السورة الذي يبدأُ بإثبات الرسالة، وختامِها الذي ينتهي بإنكارِ الكفارِ لها! |
﴿ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ وَوَيۡلٞ لِّلۡكَٰفِرِينَ مِنۡ عَذَابٖ شَدِيدٍ ﴾ [إبراهيم: 2]
هلَّا تأمَّلت في هذا الكون مظاهرَ عزَّة الله تعالى وقدرتِه وعظمَة ملكه؛ لتعلمَ أنه لا يُعجزُه من خالفَ أمرَه، وأنه يُحمدُ على فضلِه وجوده وإنعامِه. مَن بيدِه ملكوتُ السماواتِ والأرض، فله أن يحكمَ على عبادِه بما يشاء؛ يأمرُ فيُطاع، ويَنهى فيُسمعُ له، وليس لمخلوقٍ أن يخالفَه في أمره ونهيه. |
﴿ٱلَّذِينَ يَسۡتَحِبُّونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا عَلَى ٱلۡأٓخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبۡغُونَهَا عِوَجًاۚ أُوْلَٰٓئِكَ فِي ضَلَٰلِۭ بَعِيدٖ ﴾ [إبراهيم: 3]
ما استحبَّ دنياه على أخراه إلا ضالٌّ، وما صَدَّ عن سبيل الله تعالى إلا مُضلٌّ، وويلٌ لمَن جمع بين هاتين السيِّئتين. إيثار المرء دنياه على ما ينفعُه في آخرته قائدٌ له إلى الانحراف عن الصِّراط المستقيم. قد يقبَل الضُّلَّال بإسلام يُصنَع على أعينهم، يوافق أهواءهم ويستجيب لشهَواتهم، أمَّا الإسلام الحقُّ القويم الذي أرسله الله تعالى للعالمين، فهم ألدُّ خصومه. |
﴿يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلۡقَوۡلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّٰلِمِينَۚ وَيَفۡعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ ﴾ [إبراهيم: 27]
اللهم يا مقلِّبَ القلوبِ ثَبِّت قلوبَنا على طاعتك، فإننا لا نستغني عن تثبيتك لها طرفةَ عين؛ لا في الحياة الدنيا وبلوائها، ولا عند الموت وشدته، وفي القبر وامتحانه. ثبات المؤمنِ على الطريق المستقيم إنما هو بتثبيتِ الله له، لا بحرصِه ولا بقدرته، فعليه أن يشكرَ اللهَ على هذه النعمة. على العبدِ أن يكثرَ من الإقبال على ربه، وإلقاءِ أزِمَّة الافتقار بين يديه، طمعًا في تثبيته، وخوفًا من أن يُوكَلَ إلى نفسه، ويؤاخذ بظلمه. |
﴿۞ أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ كُفۡرٗا وَأَحَلُّواْ قَوۡمَهُمۡ دَارَ ٱلۡبَوَارِ ﴾ [إبراهيم: 28]
إن الله تعالى بعث محمَّدًا ﷺ نعمًة للناس، فمَن قبِلها وقام بشكرها دخل الجنَّة، ومن ردَّها وكفَرها دخل النار. |
﴿جَهَنَّمَ يَصۡلَوۡنَهَاۖ وَبِئۡسَ ٱلۡقَرَارُ ﴾ [إبراهيم: 29]
لا دارَ أشدُّ بوارًا وقرارًا من جهنَّم، فكلُّ البوار وأسبابِ الهوانِ فيها، والعاقلُ مَن نأى بنفسه عن طُرقِها، والوصولِ إلى عذابها. |
﴿رُّبَمَا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡ كَانُواْ مُسۡلِمِينَ ﴾ [الحجر: 2]
كم من متمنٍّ خائبٌ في أمنيَّته، معذَّبٌ بحسرته على عدم بلوغها! فلو تمنَّى الكفَّار كونَهم مسلمين في الدنيا فأسلموا لانتفعوا. |
﴿ذَرۡهُمۡ يَأۡكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلۡهِهِمُ ٱلۡأَمَلُۖ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ ﴾ [الحجر: 3]
كيف يهنأ بعيش، أو يتمتَّع بدنيا، أو يعكُف على حظٍّ وهوى، مَن يحيط به التهديدُ العظيم، والخطرُ الجسيم؟! ليس من أخلاق المؤمنين إيثارُ التلذُّذ والتنعُّم، وما يؤدِّي إليه طولُ الأمل، بل التمرُّغُ في ذلك من أخلاق الهالكين. |
﴿كَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَى ٱلۡمُقۡتَسِمِينَ ﴾ [الحجر: 90]
لا يُصدِّقُ بعضَ كتابِ الله دون بعض إلا سائرٌ على نهج مَن حلَّ بهم العذابُ ولم يعتبر. |
﴿ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلۡقُرۡءَانَ عِضِينَ ﴾ [الحجر: 91]
مَن فرَّقَ بين آيات كتاب الله فآمنَ ببعض وكفر ببعضٍ، هو كمَن أراد الانتفاعَ بحياة حيٍّ وقد فرَّقه أعضاءً، فأنَّى يكون ذلك؟! تفرَّق أعداءُ القرآن في أوصاف ذمِّه، وعبارات التنقُّص منه، ولكنَّهم اتفقوا في الكفر به، وجحود ما جاء فيه. |
﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسۡـَٔلَنَّهُمۡ أَجۡمَعِينَ ﴾ [الحجر: 92]
ألا فليستعدَّ لسؤالِ الربِّ الخالق كلُّ مَن عادى القرآنَ وكذَّب به أو ببعضه. |
﴿عَمَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ﴾ [الحجر: 93]
ما أشقَّ أن يُحاسَبَ العبدُ على كلِّ صغيرةٍ اجترحها، وكلِّ كبيرة اقترفها! فإنه مَن نُوقشَ الحسابَ عُذِّب، فكيف بما وراءَه؟! |
﴿ثُمَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُخۡزِيهِمۡ وَيَقُولُ أَيۡنَ شُرَكَآءِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمۡ تُشَٰٓقُّونَ فِيهِمۡۚ قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ إِنَّ ٱلۡخِزۡيَ ٱلۡيَوۡمَ وَٱلسُّوٓءَ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ ﴾ [النحل: 27]
لا يخالفُ عبدٌ صريحَ ما أمر الله به إلى ضدِّه، فيكونَ في شِقٍّ والوحيُ الإلهيُّ في شِق؛ إلا كان مآلُه الخزي. نجا مَن استمعَ موعظةَ أهلِ العلم اليوم، وأما مَن جعلَها دَبْرَ أذنيه فيوشكُ يومَ القيامة أن يسمعَ منهم ما يخزيه. لأهلِ العلم فضيلةٌ عظيمة، فإنهم الناطقون بالحقِّ في الدنيا، ويومَ القيامة، ولقولهم اعتبارٌ عند الله، وعند خَلقه. |
﴿ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡۖ فَأَلۡقَوُاْ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعۡمَلُ مِن سُوٓءِۭۚ بَلَىٰٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ﴾ [النحل: 28]
الرَّزِيَّة كلُّ الرزيَّة أن يظلِمَ المرء نفسَه، ثم تُقبَضَ روحُه وقد خُتم له بذلك الوصف الشنيع. لا يَسَعُ المشركين بعد الدنيا غيرُ الاستسلام لأمرِ الله فيهم، فالإنكار لا ينفعُهم لدى علَّام الغيوب. |
﴿فَٱدۡخُلُوٓاْ أَبۡوَٰبَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَاۖ فَلَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلۡمُتَكَبِّرِينَ ﴾ [النحل: 29]
اتسعَت جهنَّمُ حتى صار لها أبواب، ولكلِّ بابٍ أصحاب يتباينون في العذاب، وكلٌّ منهم له حساب. بئس مَقامُ الذلِّ والهوان لمَن تكبَّرَ عن اتباع الرسالات، وأبى الاهتداءَ بالمواعظِ والآيات! |
﴿هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن تَأۡتِيَهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ أَوۡ يَأۡتِيَ أَمۡرُ رَبِّكَۚ كَذَٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ ﴾ [النحل: 33]
ليحذَر الظالمُ من التمادي في ظلمه، فإنه متى حقَّ العذابُ على أهله، نزل عليهم من الله بعدلِه، وما ظلمَهم بأخذِه، ولكن ظلموا أنفسَهم بمعصيته. |
﴿وَلَقَدۡ بَعَثۡنَا فِي كُلِّ أُمَّةٖ رَّسُولًا أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجۡتَنِبُواْ ٱلطَّٰغُوتَۖ فَمِنۡهُم مَّنۡ هَدَى ٱللَّهُ وَمِنۡهُم مَّنۡ حَقَّتۡ عَلَيۡهِ ٱلضَّلَٰلَةُۚ فَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ ﴾ [النحل: 36]
أوجبُ الواجباتِ على الأمم التوحيد، فمتى فرَّطت فيه أمَّةٌ فقد فرَّطت في رأس الأمر الذي أُرسل به رسولُها. يزوِّد الله تعالى العبدَ بمعالم الطريق؛ في نفسه وفي الآفاق، وله مشيئتُه الحرَّة في الاختيار، والأمر لله تعالى في هدايته أو تركه. كما أن الغذاءَ الصالح ينفع المزاجَ السَّويَّ ويُقوِّيه، ويضُرُّ المزاجَ المنحرف ويُفنيه، فكذلك ما بُعث به الأنبياءُ يقبلُه السعَداء، ولا يستسيغُه الأشقياء. سَلِ اللهَ تعالى التوفيقَ وألا يَكلَك إلى نفسك، فإنه مَن لجأ إلى الله هداه، ومَن وَكَله إلى نفسه وكلَه إلى عجزٍ وضَيعةٍ وجهل. مَن تأمَّل آثارَ الأمم الغابرة وعرَف أخبارَها زادته بأخبارِ القرآن يقينًا، وبقصصه اعتبارًا. |
﴿يَعۡرِفُونَ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ ﴾ [النحل: 83]
كم من الناس من يُقرُّ في نفسه بعظيم ما أولاه الله من النِّعَم، ولكن أفعاله تكذِّبُ ذلك. |
﴿وَيَوۡمَ نَبۡعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٖ شَهِيدٗا ثُمَّ لَا يُؤۡذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلَا هُمۡ يُسۡتَعۡتَبُونَ ﴾ [النحل: 84]
يومًا ما سيكون الأنبياء على أقوامهم شهداء، فطوبى لمَن أعدَّ لهذا الموقف ما يسُرُّه ولا يُخزيه. باب التوبة اليومَ مفتوحٌ على مِصراعَيه لمَن أناب، والاستغفار نافعٌ لمَن تاب، فالِبدارَ البِدارَ قبل أن يوصدَ الباب، ويُردَّ الاستعتاب. |
﴿وَإِذَا رَءَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلۡعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنۡهُمۡ وَلَا هُمۡ يُنظَرُونَ ﴾ [النحل: 85]
يا ويلَ الكافرين إذا وردوا العذاب! فحينئذٍ لا إنظارَ ولا رجوعَ ولا تخفيف، ولو تقطَّعت قلوبهم ندمًا وحسرة. |
﴿ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ زِدۡنَٰهُمۡ عَذَابٗا فَوۡقَ ٱلۡعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفۡسِدُونَ ﴾ [النحل: 88]
اقتضت حكمةُ الله وعدله أن يجعلَ على الداعي إلى الضلال مثلَ آثام مَن استجاب له، وهو عذابٌ يتضاعفُ بحسَب مَن اتبعه وضلَّ به. الفساد درجات، فمنه ما هو كفرٌ، ومنه ما هو إضلال، فمَن جمع بينهما استحقَّ أن يُجازى بمضاعفة العذاب. |
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ لَا يَهۡدِيهِمُ ٱللَّهُ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النحل: 104]
مَن آمنَ بالحقِّ حقَّ الإيمان انقادَ إليه، فهداه إلى الرُّشد في الأفعال والأقوال، ونجَّاه يومَ القيامةِ من الأهوال. |
﴿لَا جَرَمَ أَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ ﴾ [النحل: 109]
ربحت تجارةُ مَن اشترى سعادتَه في آخرته بطاعة ربِّه في حياته، وخسر مَن اشترى لذَّة أيَّام بعذاب الأبد. |
﴿وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا قَرۡيَةٗ كَانَتۡ ءَامِنَةٗ مُّطۡمَئِنَّةٗ يَأۡتِيهَا رِزۡقُهَا رَغَدٗا مِّن كُلِّ مَكَانٖ فَكَفَرَتۡ بِأَنۡعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلۡجُوعِ وَٱلۡخَوۡفِ بِمَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ ﴾ [النحل: 112]
إذا حصل الأمنُ كان على إثره الطُّمَأنينة والسَّكينة، وإذا نبتَ الخوفُ في النفس نتَجَ عنه الاضطرابُ والقلق. وَفرة الأرزاق وإتيانها من كلِّ مكان نعمةٌ جزيلة، فليحذَر مَن رُزق ذلك أن يَبطَر تلك النعمة، وليسأل ربَّه أن يُديمَ عليه نعمتَه، ويرزقَه شكرها. إن كان من الخوف ما يُتوقَّع ولا يُباشَر، فإن منه ما يُذاق ويُباشَر، ويحيط بالعبد كما يحيط به لباسُه، فأين منه المَهرَب؟ كما أن المعاصيَ تُوصِلُ إلى العذاب بالخوف والجوع، فإن الطاعاتِ توصلُ إلى التنعُّم بالأمن والكفاية. |
﴿وَلَقَدۡ جَآءَهُمۡ رَسُولٞ مِّنۡهُمۡ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَهُمۡ ظَٰلِمُونَ ﴾ [النحل: 113]
عجبًا لمَن أنعم الله تعالى عليه، وأرسل إليه رسولًا من قومه، يعرف أمانتَه وصدقَه، كيف يكذِّبُه؟! اتِّباع ما جاءت به الرسُل هو شكرٌ يُرتجى به دوامُ النِّعَم وزيادتُها، وحفظُ أصحابها. مَن اجترأ على عبدٍ اشتَهر بين الناس بصدقِه فكذَّبه، فذلك من أعظم الظلم. |
﴿وَأَنَّ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ أَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا ﴾ [الإسراء: 10]
العذاب مهيَّأٌ لا ينتظر إلا أهلَه القادمين عليه، فاحذر أن تكونَ منهم. |
﴿وَإِذَا قَرَأۡتَ ٱلۡقُرۡءَانَ جَعَلۡنَا بَيۡنَكَ وَبَيۡنَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ حِجَابٗا مَّسۡتُورٗا ﴾ [الإسراء: 45]
أبعدُ الناس عن الانتفاع بالقرآن مَن لا يؤمن بالآخرة، فمَن لا يؤمن بالحساب، لا يُبالي بالصواب. |
﴿وَجَعَلۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ أَكِنَّةً أَن يَفۡقَهُوهُ وَفِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرٗاۚ وَإِذَا ذَكَرۡتَ رَبَّكَ فِي ٱلۡقُرۡءَانِ وَحۡدَهُۥ وَلَّوۡاْ عَلَىٰٓ أَدۡبَٰرِهِمۡ نُفُورٗا ﴾ [الإسراء: 46]
الحرمان كلُّ الحرمان أن تُحرمَ القلوب لذَّةَ المعرفة بكتاب الله وأُنسَ القرب منه، فاستعذ بالله أن يُختمَ على قلبك. على المسلم أن يجلوَ مرآةَ قلبه من كلِّ قَتَر، لتبدوَ دلائلُ الآيات عليها واضحة، فيَحصُل له الفهم والاعتبار. إذا أردتَّ اختبارَ إيمانك فانظر كيف قلبُك عند تلقِّي الآيات والحديثِ عنها، أتجد شوقًا لسماعها أم نفورًا؟ |
﴿نَّحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا يَسۡتَمِعُونَ بِهِۦٓ إِذۡ يَسۡتَمِعُونَ إِلَيۡكَ وَإِذۡ هُمۡ نَجۡوَىٰٓ إِذۡ يَقُولُ ٱلظَّٰلِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلٗا مَّسۡحُورًا ﴾ [الإسراء: 47]
ما لم يكن السماعُ لطلب الحقِّ، فهو سماعٌ لا ينفع، بل تقومُ على صاحبه به الحجَّة. لولا أن المشركين وجدوا في القرآن ما ليس لبشرٍ أن يأتيَ بمثله ما نسبوا قائلَه إلى السحر، ولكنَّهم أدركوا تميُّزَه وتفوُّقَه. |
﴿ٱنظُرۡ كَيۡفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلۡأَمۡثَالَ فَضَلُّواْ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ سَبِيلٗا ﴾ [الإسراء: 48]
اضطربَ المشركون فيما جاء به الرسول ﷺ، فسارعوا إلى اتِّهامه بكلِّ وسيلة، وكلَّما ظهر عَوارُ واحدة سلكوا أخرى حتى انتهى ما لديهم، وزاد أمرُ رسول الله ﷺ ظهورًا. |
﴿وَمَن يَهۡدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلۡمُهۡتَدِۖ وَمَن يُضۡلِلۡ فَلَن تَجِدَ لَهُمۡ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِهِۦۖ وَنَحۡشُرُهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ عُمۡيٗا وَبُكۡمٗا وَصُمّٗاۖ مَّأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ كُلَّمَا خَبَتۡ زِدۡنَٰهُمۡ سَعِيرٗا ﴾ [الإسراء: 97]
ليس موفَّقًا من الله تعالى مَن يُصرُّ على الكفر مع وضوح الدليل، ومَن يتَّخذُ هواه رائدًا له في مواقفَ يجب فيها تحرِّي الحق. لا يتعلَّق العبدُ بغير الله تعالى إلا خذله وأخزاه، ولا يضرُّ العبيدَ مثلُ البعد عن حقيقة التوحيد. مَن لم يستعمل جوارحَه في فهم الحق جُوزيَ بألا ينتفع في الآخرة بشيء منها، ويُحشر وقد حيلَ بينه وبين الانتفاع بها، فيكون حائرًا متخبِّطًا، كحاله يوم كان عن دينه معرضًا. ما أفظعَه من مكان! نارٌ لا يفرح ساكنُها بخُبُوِّها حتى تزيدَه غمًّا بمزيدها، فيا أيها العاقلُ اجعل بينك وبينه وقايةً، تنَل السلامةَ والأمان. |
﴿وَمَن يَهۡدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلۡمُهۡتَدِۖ وَمَن يُضۡلِلۡ فَلَن تَجِدَ لَهُمۡ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِهِۦۖ وَنَحۡشُرُهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ عُمۡيٗا وَبُكۡمٗا وَصُمّٗاۖ مَّأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ كُلَّمَا خَبَتۡ زِدۡنَٰهُمۡ سَعِيرٗا ﴾ [الإسراء: 97]
ليس موفَّقًا من الله تعالى مَن يُصرُّ على الكفر مع وضوح الدليل، ومَن يتَّخذُ هواه رائدًا له في مواقفَ يجب فيها تحرِّي الحق. لا يتعلَّق العبدُ بغير الله تعالى إلا خذله وأخزاه، ولا يضرُّ العبيدَ مثلُ البعد عن حقيقة التوحيد. مَن لم يستعمل جوارحَه في فهم الحق جُوزيَ بألا ينتفع في الآخرة بشيء منها، ويُحشر وقد حيلَ بينه وبين الانتفاع بها، فيكون حائرًا متخبِّطًا، كحاله يوم كان عن دينه معرضًا. ما أفظعَه من مكان! نارٌ لا يفرح ساكنُها بخُبُوِّها حتى تزيدَه غمًّا بمزيدها، فيا أيها العاقلُ اجعل بينك وبينه وقايةً، تنَل السلامةَ والأمان. |
﴿وَقُلِ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَن شَآءَ فَلۡيُؤۡمِن وَمَن شَآءَ فَلۡيَكۡفُرۡۚ إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلظَّٰلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمۡ سُرَادِقُهَاۚ وَإِن يَسۡتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٖ كَٱلۡمُهۡلِ يَشۡوِي ٱلۡوُجُوهَۚ بِئۡسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتۡ مُرۡتَفَقًا ﴾ [الكهف: 29]
الحقُّ لا ينثني، ولا ينبغي له أن ينحني، ولكنَّه يمضي في طريقه مستقيمًا، فمَن شاء أن يتَّبعَه فلنفسِه بغى الخير، ومَن نأى عنه فإنما وبالُ ذلك عليه. لقد رضي اللهُ تعالى لعباده الإيمان، ولم يرضَ لهم الكفر، فمَن اختار الكفرَ فقد ظلم نفسه ظلمًا عظيمًا. جعل الله الوجهَ عنوانَ كرامة الإنسان، فإن لم يرعَ العبدُ حُرمة الدين أذاقه الله مُرَّ العذاب والإذلال. ما أسوأ حالَ الظالمين في النار! فإنهم إذا طلبوا قِسطًا من الراحة أغيثوا بماء قد تناهى في حرارته ليرتفقوا به؛ هُزءًا بهم، وجزاءً من جنس عملهم. |
﴿وَيَوۡمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآءِيَ ٱلَّذِينَ زَعَمۡتُمۡ فَدَعَوۡهُمۡ فَلَمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَهُمۡ وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُم مَّوۡبِقٗا ﴾ [الكهف: 52]
ما أشقى مَن توهَّم أن أحدًا يدفعُ عنه يوم القيامة، ثم عرَف -يوم لا تنفع المعرفة- أن ما انتظره عمرَه كلَّه كان سرابًا! |
﴿وَرَءَا ٱلۡمُجۡرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوٓاْ أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمۡ يَجِدُواْ عَنۡهَا مَصۡرِفٗا ﴾ [الكهف: 53]
توقُّعُ العذاب قبل حصوله عذابٌ ناجز مقدَّم، ومن هنا تتبدّى النار للكفَّار ليرَوا مصيرهم المحتوم؛ تعجيلًا لهمِّهم، واستجلابًا لغمِّهم. لا عاصمَ من العذاب لمَن أشرك بالله تعالى، ومَن تسوقُه الملائكة إلى حتفه، فأيُّ مهرَب له منه؟ |
﴿وَعَرَضۡنَا جَهَنَّمَ يَوۡمَئِذٖ لِّلۡكَٰفِرِينَ عَرۡضًا ﴾ [الكهف: 100]
إن تذكُّر مشهد النار المعروضة يوم القيامة ليمنعُ النفوس أن تحضر عرض المشاهد المَلأى بمَساخط الله في هذه الدنيا. |
﴿ذَٰلِكَ جَزَآؤُهُمۡ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُواْ وَٱتَّخَذُوٓاْ ءَايَٰتِي وَرُسُلِي هُزُوًا ﴾ [الكهف: 106]
حذارِ من الاستهزاء بالله تعالى وآياته، وشعائره وشرائع دينه؛ فإن ذلك يباين واجبَ التعظيم، ويورد صاحبَه العذاب الأليم. |
﴿فَٱخۡتَلَفَ ٱلۡأَحۡزَابُ مِنۢ بَيۡنِهِمۡۖ فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن مَّشۡهَدِ يَوۡمٍ عَظِيمٍ ﴾ [مريم: 37]
لماذا الفُرقةُ والاختلاف وقد أنعم الله على عباده بما يجمع بينهم؟! فما أشقى مَن جعل سبب الهداية والسعادة طريقًا إلى الضلالة والشقاء! ما من اختلاف في الدنيا إلا وسيُعرف الحكم فيه يوم القيامة، فيا ويلَ مَن كان في جانب الباطل في يوم الفصل العظيم! |
﴿أَسۡمِعۡ بِهِمۡ وَأَبۡصِرۡ يَوۡمَ يَأۡتُونَنَا لَٰكِنِ ٱلظَّٰلِمُونَ ٱلۡيَوۡمَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ ﴾ [مريم: 38]
ما أشبهَ الضالَّ عن الحقِّ بحال مَن لا يسمع ولا يبصر، حتى إذا ورد على ربِّه، ووقف بين يديه، عرَف ضلالَه، فندم ولاتَ ساعة مَندَم! |
﴿وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡحَسۡرَةِ إِذۡ قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ وَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ ﴾ [مريم: 39]
كم حسرةٍ يوم القيامة تصيب أهلَ العذاب على ما فرَّطوا في جنب العظيم التوَّاب، أما لو تحسَّروا على ذنوبهم في الدنيا فتابوا لما تحسَّروا في الآخرة وعُذِّبوا. التذكيرُ بحسرات القيامة، ووعظُ الناس بذلك، قد يوقظ بعض القلوب الغافلة، فلا تنسَ أيها الداعيةُ، وعِظِ الناس بهذه الموعظة. تلك حقيقةُ الكافر؛ غافل عمَّا يُراد به وما يُراد منه، لا يستفيق من غفلته إلا يوم يُدخل في قبره، فحينئذٍ يعرف حقيقةَ أمره. |
﴿ثُمَّ نُنَجِّي ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّنَذَرُ ٱلظَّٰلِمِينَ فِيهَا جِثِيّٗا ﴾ [مريم: 72]
نجا المتَّقون برحمة الله وحدَه، ولولاها ما جاز الصراطَ المَهولَ منهم أحد. لما توقَّى أهل الإيمان المعاصي في الدنيا، وقهروا شهواتهم، وقاهم الله نار الآخرة. |
﴿وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٖ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَيُّ ٱلۡفَرِيقَيۡنِ خَيۡرٞ مَّقَامٗا وَأَحۡسَنُ نَدِيّٗا ﴾ [مريم: 73]
ليست الهدايةُ لمَن كان أحسنَ حالًا؛ قوةً أو مالًا، جاهًا أو جمالًا، بل هي نورٌ يقذفه الله تعالى في قلب مَن يشاء من عباده؛ ضعيفٍ أو قوي، فقيرٍ أو غني. |
﴿وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّن قَرۡنٍ هُمۡ أَحۡسَنُ أَثَٰثٗا وَرِءۡيٗا ﴾ [مريم: 74]
إن الاغترارَ بمظاهر الحياة الدنيا سِمةُ مَن ليست لهم عقولٌ يعقلون بها أهواءهم وشهواتهم عن أن تنطلق بهم إلى مهالكهم. الأثاث الذي ربما تفاخر به المرء بإظهاره أو نشر صوره، ومرأى الإنسان الذي طالما زينه وحسَّنه، لم تُغن مَن هم أحسن أثاثًا ورئيًا حين هلكوا، فهل لاحقٌ يَعتبر بسابق؟ طِيبُ الحال، وزيادة المتاع، وحسن المنظر مع المعصية أقربُ إلى الهلاك منه إلى النجاة. |
﴿قُلۡ مَن كَانَ فِي ٱلضَّلَٰلَةِ فَلۡيَمۡدُدۡ لَهُ ٱلرَّحۡمَٰنُ مَدًّاۚ حَتَّىٰٓ إِذَا رَأَوۡاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا ٱلۡعَذَابَ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ فَسَيَعۡلَمُونَ مَنۡ هُوَ شَرّٞ مَّكَانٗا وَأَضۡعَفُ جُندٗا ﴾ [مريم: 75]
يا مَن يعيش مغرورًا بشهَواته وحسنِ حاله، ويتقلَّب في رحمة الله وإمهاله، إنها لفرصةٌ عظيمة للتوبة والإنابة إلى ربِّك، قبل يومٍ تنقطع فيه المعاذير، وتحاسَب فيه على الصغير والكبير. |
﴿أَلَمۡ تَرَ أَنَّآ أَرۡسَلۡنَا ٱلشَّيَٰطِينَ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ تَؤُزُّهُمۡ أَزّٗا ﴾ [مريم: 83]
لمَّا لم يعتصموا بحبل الله احتبلتهم الشياطين، فهم يتحرَّكون عند هزِّها لهم، تخور قواهم عن الخير، ويستجمعونها عند أمر الشياطين لهم بالشر. |
﴿لَّا يَمۡلِكُونَ ٱلشَّفَٰعَةَ إِلَّا مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحۡمَٰنِ عَهۡدٗا ﴾ [مريم: 87]
ما أعظمَ كلمة التوحيد في انتفاع المؤمنين بها، ودوام المودة بينهم بسببها، فالمؤمن الموحد يشفع لأخيه يوم القيامة بإذن الله تعالى ورضاه. |
﴿إِنَّهُۥ مَن يَأۡتِ رَبَّهُۥ مُجۡرِمٗا فَإِنَّ لَهُۥ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحۡيَىٰ ﴾ [طه: 74]
حين ينقشع ظلامُ العصيان عن القلوب، تُشرق منها أنوار تضيء لأصحابها دروب الحياة، فتنطق حينها بالحكمة، فيصبح أهل تلك القلوب دعاةً هداة، بعد أن كانوا عُداةً غُواة. ما أشدَّ هذا المصير يوم لا يموت صاحبُه فيستريح، ولا يحيا حياة يتلذذ بها، وإنما حياته محشوَّةٌ بعذاب القلب والروح والبدن! |
﴿وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ ﴾ [طه: 124]
ما أقبل عبدٌ بقلبه على كتاب الله إلا شُفي وسعِد، وما أعرض عنه امرؤٌ إلا شقي ونكِد. إذا أردتَ أن ينشرح صدرك، ويستقيم أمرك، فذِكر الله إلى ذلك سبيل، وأيما قلب خلا من ذكر ربه فقد حلَّ فيه الضيق والشقاء. ذِكر الله وهداه نورٌ يضيء لصاحبه طرقَ السلامة، فمَن أخذ به أبصرت عيناه ما ينفعه في الدنيا والآخرة، ومَن أعرض عنه عميَ عن الحق في دنياه، وعن الرؤية والحجة في أخراه. |
﴿قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرۡتَنِيٓ أَعۡمَىٰ وَقَدۡ كُنتُ بَصِيرٗا ﴾ [طه: 125]
تفضَّل الله على خلائقه بنعمٍ جليلة، فمَن لم يقدرها حق قدرها، ولم يستعملها فيما خُلقت له، فإنه سيُسلَبها يوم القيامة. |
﴿قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتۡكَ ءَايَٰتُنَا فَنَسِيتَهَاۖ وَكَذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمَ تُنسَىٰ ﴾ [طه: 126]
الجزاء من جنس العمل، فمَن أقبل على آيات الله بالاعتبار بها والعمل بما فيها، أقبل الله عليه بمغفرته وثوابه، ومَن أعرض عنها وضيَّع العمل بها، نسيه الله وتركه. |
﴿وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي مَنۡ أَسۡرَفَ وَلَمۡ يُؤۡمِنۢ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِۦۚ وَلَعَذَابُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبۡقَىٰٓ ﴾ [طه: 127]
ويل للمسرفين من جزاء يوم الدين! فإن رأوا من العقوبات الدنيوية ما كدَّر حالهم فإن العقوبات الأخروية أشد وآلم، وأبقى وأدوم. |
﴿وَلَوۡ أَنَّآ أَهۡلَكۡنَٰهُم بِعَذَابٖ مِّن قَبۡلِهِۦ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوۡلَآ أَرۡسَلۡتَ إِلَيۡنَا رَسُولٗا فَنَتَّبِعَ ءَايَٰتِكَ مِن قَبۡلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخۡزَىٰ ﴾ [طه: 134]
إن اتباع الآيات حق الاتباع بما يكون به المعذرة عند الله لا يكون إلا باتباع الرسول الذي أرسل بها. الذل مصيرٌ ينتظر الحائدين عن شرع الله وآياته، والمعرضين عن رسله، المكذبين لهم. |
﴿قُلۡ كُلّٞ مُّتَرَبِّصٞ فَتَرَبَّصُواْۖ فَسَتَعۡلَمُونَ مَنۡ أَصۡحَٰبُ ٱلصِّرَٰطِ ٱلسَّوِيِّ وَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ ﴾ [طه: 135]
مَن استمرَّ على غَيِّه، ولم يسلك طريقًا إلى رشده، وظنَّ بأنه على الحقِّ المبين، فسيعلم يوم القيامة حين لا ينفع العلم، انحرافَ مسلكه. |
﴿وَٱقۡتَرَبَ ٱلۡوَعۡدُ ٱلۡحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَٰخِصَةٌ أَبۡصَٰرُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَٰوَيۡلَنَا قَدۡ كُنَّا فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا بَلۡ كُنَّا ظَٰلِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 97]
إذا دنا يوم القيامة وبدَت أهواله ترى أبصارَ الكفَّار من شدَّة الفزع مفتوحةً لا تكاد تَطرِف، يدعون على أنفسهم بالويل، ويعترفون عليها بالغفلة والظلم، ففي هذا تحفيزٌ للصالحين بالاستعداد للثواب، وإنذار للمعرضين بدنوِّ العقاب. حين تكونُ الغفلة ناشئةً عن ظلم وإعراض ومكابرة وعدمِ اكتراث بالعواقب، فالويلُ حين ذاك لصاحبها. |
﴿إِنَّكُمۡ وَمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمۡ لَهَا وَٰرِدُونَ ﴾ [الأنبياء: 98]
ما يتعلَّق به العبد من دون الله تعالى من الجمادات عبادةً وتقرُّبًا سيلاقي معه المصيرَ نفسه، لا لذنب جناه ذلك المعبود الباطل، ولكن لبيان كذب عبادته ليزداد عذاب عابده. |
﴿لَوۡ كَانَ هَٰٓؤُلَآءِ ءَالِهَةٗ مَّا وَرَدُوهَاۖ وَكُلّٞ فِيهَا خَٰلِدُونَ ﴾ [الأنبياء: 99]
يا حسرةَ عبَّاد الأصنام عندما تُلقى معهم إلى النار التي لم تستطع تلك الأصنام أن تنقذ نفسها منها، وإذا كانت كذلك فأولى ألا تنقذهم. كم انتظر المشركون من الأصنام أن تشفع لهم وتنقذهم من العذاب، فإذا بها تصبح وبالًا عليهم، فرؤيتها لا تزيدهم إلا حسرات، ومقارنة العدو والنظر إليه عذاب. |
﴿لَهُمۡ فِيهَا زَفِيرٞ وَهُمۡ فِيهَا لَا يَسۡمَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 100]
لا ينتهي عن أهل النار الضيقُ والسقام، ولا العذاب والآلام، فهم من شدة العذاب يَزفِرون، وليس لهم ما يؤنسهم أو يخفف عنهم. |
﴿۞ هَٰذَانِ خَصۡمَانِ ٱخۡتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمۡۖ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتۡ لَهُمۡ ثِيَابٞ مِّن نَّارٖ يُصَبُّ مِن فَوۡقِ رُءُوسِهِمُ ٱلۡحَمِيمُ ﴾ [الحج: 19]
كم من كافر جادل أهلَ الحق منافحًا عن كفره، معتقدًا أنه على النهج القويم، والاعتقاد المستقيم، ولم يستفق من إصراره على باطله إلا وهو في النار يقاسي عذابها ويلبَس ثيابها. يا لَبؤسِ أهل النار! حين لا ثيابَ لهم إلا من لهبها، ولا شراب إلا من حميمها، فهلا حذِرَ العاقل الطرقَ الموصلة إلى ذلك، حتى يسلمَ من تلك المهالك؟ إنها صورة تكفي العاقلَ عِبرة، يوم يتأمَّل في هذا العذاب الشديد الذي ينتظر أهل النار فيها، فطوبى لمَن جعل بينه وبينها وقايةً من إيمان وعمل صالح. ما أشقَّ اليأسَ من النجاة في نفس المرء بعد الطمع فيها، ورؤية طلائعها، حتى إذا كادت تصل ترجع وتعتزل. إذا نزل بك خطب، وطوَّقك بالغمِّ والكرب، فتذكر غمَّ أهل النار الذي لا يجدون منه مخرجا، وأنت قد تجد لكربك اليوم سَعةً وفرَجا. في الدنيا كان الكفار يسمعون كلمةَ الدعوة إلى الحق فيعرضون عنها ويسخَرون منها، وفي النار لم يعودوا يسمعونها، ولكنهم يسمعون كلمات التبكيت التي تعذبهم عذابًا نفسيًا على ترك الاستجابة لتلك الكلمة. |
﴿كُلَّمَآ أَرَادُوٓاْ أَن يَخۡرُجُواْ مِنۡهَا مِنۡ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ ﴾ [الحج: 22]
كم من كافر جادل أهلَ الحق منافحًا عن كفره، معتقدًا أنه على النهج القويم، والاعتقاد المستقيم، ولم يستفق من إصراره على باطله إلا وهو في النار يقاسي عذابها ويلبَس ثيابها. يا لَبؤسِ أهل النار! حين لا ثيابَ لهم إلا من لهبها، ولا شراب إلا من حميمها، فهلا حذِرَ العاقل الطرقَ الموصلة إلى ذلك، حتى يسلمَ من تلك المهالك؟ إنها صورة تكفي العاقلَ عِبرة، يوم يتأمَّل في هذا العذاب الشديد الذي ينتظر أهل النار فيها، فطوبى لمَن جعل بينه وبينها وقايةً من إيمان وعمل صالح. ما أشقَّ اليأسَ من النجاة في نفس المرء بعد الطمع فيها، ورؤية طلائعها، حتى إذا كادت تصل ترجع وتعتزل. إذا نزل بك خطب، وطوَّقك بالغمِّ والكرب، فتذكر غمَّ أهل النار الذي لا يجدون منه مخرجا، وأنت قد تجد لكربك اليوم سَعةً وفرَجا. في الدنيا كان الكفار يسمعون كلمةَ الدعوة إلى الحق فيعرضون عنها ويسخَرون منها، وفي النار لم يعودوا يسمعونها، ولكنهم يسمعون كلمات التبكيت التي تعذبهم عذابًا نفسيًا على ترك الاستجابة لتلك الكلمة. |
﴿۞ إِنَّ ٱللَّهَ يُدَٰفِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٖ كَفُورٍ ﴾ [الحج: 38]
ما زاد إيمانُك بالله تعالى إلا زاد دفاعُه عنك، ولا ضعُف إيمان عبدٍ إلا حُرم هذه النعمة بمقدار ضعف إيمانه. إذا أردتَ الوصولَ إلى محبة ربك فكن أمينًا في حفظ حقه وحقوق خلقه، وشكورًا له على نعمه، وللمحسنين إليك من عباده. |
﴿وَٱلَّذِينَ سَعَوۡاْ فِيٓ ءَايَٰتِنَا مُعَٰجِزِينَ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ ﴾ [الحج: 51]
مَن ظنَّ أنه يستطيع معاجزةَ ربه بصد الناس عنه أو عن رسوله، أو منعِ نفسه من حلول عذاب الله به وغلبته له فقد خاب ظنه، وبطل سعيه، واستحق عذاب الجحيم إن مات على ذلك. |
﴿وَلَا يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرۡيَةٖ مِّنۡهُ حَتَّىٰ تَأۡتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغۡتَةً أَوۡ يَأۡتِيَهُمۡ عَذَابُ يَوۡمٍ عَقِيمٍ ﴾ [الحج: 55]
لو أشرقت قلوبُ الكافرين لأبصرت ما في القرآن من صدق وحقيقة، وعظمة وجلال، ولانقشع عنها قتَرُ الرَّيب وظلام التكذيب. لا ليلةَ بعد يوم القيامة، ولا بعد يوم الاستئصال، وإنما هو اليوم العقيم للكافرين الذي لا مولود له، فلا يكون العذاب من بعده إلا خالدًا لا ينقطع. |
﴿وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا فَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ ﴾ [الحج: 57]
لا يستهين امرؤٌ بآيات الله تعالى ورسله الأكرمين، إلا جوزيَ يوم القيامة بعذاب مُهين. |
﴿وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗا وَمَا لَيۡسَ لَهُم بِهِۦ عِلۡمٞۗ وَمَا لِلظَّٰلِمِينَ مِن نَّصِيرٖ ﴾ [الحج: 71]
الدليل من الوحي هو الحجَّة القاطعة، والسلطان الذي له القهر والغلبة، والعلم الذي يُرجع إليه، وعند ظهوره تضمحلُّ الآراء، وتتلاشى الأقيسة والأهواء. ما لِوضعٍ ولا لشرع من قوَّة إلا أن يستمدَّ قوَّته من الله تعالى، فما لم ينزل به الله سبحانه قوَّةً من عنده فهو ضعيفٌ هزيل، خالٍ من عنصر القوَّة الأصيل. ليس للظالمين في الدنيا نصيرٌ ينصرهم على الحقِّ حتى يذهب؛ فإن الحقَّ ظاهر لا يُغلب، ولو اجتمع عليه كلُّ أهل الباطل، وليس لهم في الآخرة مَن ينصرهم بدفع العذاب عنهم، فيا خسارةَ الظالمين في الدنيا والآخرة! |
﴿وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٖ تَعۡرِفُ فِي وُجُوهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلۡمُنكَرَۖ يَكَادُونَ يَسۡطُونَ بِٱلَّذِينَ يَتۡلُونَ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِنَاۗ قُلۡ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرّٖ مِّن ذَٰلِكُمُۚ ٱلنَّارُ وَعَدَهَا ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ ﴾ [الحج: 72]
كيف للإنسان أن ينكر الآياتِ الهادية، وهي بيِّنة واضحة؟! أما لو كان فيها اشتباه لوجد في ذلك متعلَّقًا، ولكن لا اشتباه فيها لمَن تأمل. حين لم تتَّسع صدورُ الكافرين للحقِّ الذي يُدعون إليه لم تتسع نفوسُهم للصبر على مَن يدعونهم؛ فحَنِقوا عليهم وآذَوهم. على مَن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر على علم وبصيرة أن يوطِّن نفسه على تحمل المكاره التي سيواجهها. لو تفكَّر المعرضون عن الحقِّ بما يَعقُب كراهيتَهم وضيقهم بمَن يدعوهم، ممَّا يكون في الآخرة من النار التي تنتظر الصادِّين عن الحقِّ؛ ما كرهوا الحقَّ وأهله، ولا ضاقوا بدعاته ذرعًا. كم يجلب الكفرُ على صاحبه من الويل والوعيد، والهوان والتهديد، ومن أصناف العذاب والنَّكال، ممَّا لا يخطِر في الإنسان على بال! |
﴿فَتَقَطَّعُوٓاْ أَمۡرَهُم بَيۡنَهُمۡ زُبُرٗاۖ كُلُّ حِزۡبِۭ بِمَا لَدَيۡهِمۡ فَرِحُونَ ﴾ [المؤمنون: 53]
الناس من بعد الأنبياء أحزاب متنازعة، لا تلتقي على منهج، ألا ترى كيف تنازعوا الأمرَ حتى مزقوه بينهم مِزقًا، ثم مضى كل حزب بالمزقة التي خرجت في يده فرحًا؟! |
﴿فَذَرۡهُمۡ فِي غَمۡرَتِهِمۡ حَتَّىٰ حِينٍ ﴾ [المؤمنون: 54]
إذا رأيت أناسًا يصرُّون على الخلاف المذموم، والتفرُّق المشؤوم، وتمزيق وحدة الكلمة، ولم ينفع فيهم وعظٌ ولا بيان، فاعلم أنهم في الضلالة غارقون، وإلى حين هلاكهم ماضون. نسأل الله السلامة. |
﴿أَيَحۡسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِۦ مِن مَّالٖ وَبَنِينَ ﴾ [المؤمنون: 55]
قال قتادةُ: (مُكِر واللهِ بالقوم في أموالهم وأولادهم، فلا تعتبرِ الناسَ بأموالهم وأولادهم، ولكن اعتبرهم بالإيمان والعمل الصالح). |
﴿نُسَارِعُ لَهُمۡ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ بَل لَّا يَشۡعُرُونَ ﴾ [المؤمنون: 56]
قال قتادةُ: (مُكِر واللهِ بالقوم في أموالهم وأولادهم، فلا تعتبرِ الناسَ بأموالهم وأولادهم، ولكن اعتبرهم بالإيمان والعمل الصالح). |
﴿بَلۡ قُلُوبُهُمۡ فِي غَمۡرَةٖ مِّنۡ هَٰذَا وَلَهُمۡ أَعۡمَٰلٞ مِّن دُونِ ذَٰلِكَ هُمۡ لَهَا عَٰمِلُونَ ﴾ [المؤمنون: 63]
خيرٌ للمرء أن يُخلِيَ قلبه من مُلهيات الدنيا؛ فإنها إن غمرَت القلب غطَّته عن هدي هذا القرآن، وأوجبت لصاحبها أعمالَ أهل الضلال. |
﴿حَتَّىٰٓ إِذَا فَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَابٗا ذَا عَذَابٖ شَدِيدٍ إِذَا هُمۡ فِيهِ مُبۡلِسُونَ ﴾ [المؤمنون: 77]
العاقل تؤوب به المصائب إلى ربه، والغافل لا تزيده إلا طغيانًا في أمره، وتماديًا في شره. العبد أضعف من أن يستكبر على ربه، والرب جلَّ وعلا لم يرد من عبده ذلك، بل أراد منه أن يستكين له ويتضرع اليه. لا يعذِّب اللهُ أحدًا في الدنيا إلا بذنبه؛ لعله بذلك يتوب من معصيته وينيب إلى ربه، وذلك هو مقتضى حكمته وعدله ورحمته بين خلقه. الطغيان والعناد يسوق صاحبه إلى الاستمرار على شره حتى يفارق دنياه إلى آخرته، غيرَ مستفيد في دائه من تأديب العقوبات العاجلة، فلم يبق له من شفاء لسقمه إلا دارُ السعير. فليحذر العبد من أن يبلغ بكفره ومعاصيه حدًّا يوجب عليه درجةً من العقاب تجعله ييئَس عند نزولها به من كلِّ خير. |
﴿قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ ﴾ [المؤمنون: 93]
على المؤمن أن يحرِص على النجاة من عذاب الله وسخطه بالبعد عن معصيته، ومفارقة أهل غضبه وعقوبته؛ فإن البعد عن الظالمين من دعاء المؤمنين، والعجَب ممن يتودَّد إليهم، ويحرِص على صحبتهم! أفلا يخشى أن يصير إلى مصيرهم، أو ينزِل به ما ينزل بهم؟ أكثر من الدعاء بالحماية من المكاره، ولا تأمن على نفسك، وأصلح عملك؛ لأنك لا تدري أتُقبِّل منك أم رُدَّ عليك؟ |
﴿ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ ٱلسَّيِّئَةَۚ نَحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا يَصِفُونَ ﴾ [المؤمنون: 96]
مما يعينك على أن تدفع بالتي هي أحسن علمُك بأن الله تعالى عالمٌ ومطَّلعٌ على عملك، وأنه لا يدع أولياءه نهبة لأعدائه. |
﴿لَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مُعۡجِزِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَمَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُۖ وَلَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ ﴾ [النور: 57]
لا يُحزِنَنَّ المؤمنين ما هم فيه من الضعف والقلة، ولا يَهُولنهم ما عليه الكافرون من القوة والقدرة، فوعدُ الله بخزي الكافرين في الدنيا وعذابهم في الآخرة حقٌّ كائن لا محالة. |
﴿ٱلَّذِينَ يُحۡشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ إِلَىٰ جَهَنَّمَ أُوْلَٰٓئِكَ شَرّٞ مَّكَانٗا وَأَضَلُّ سَبِيلٗا ﴾ [الفرقان: 34]
لا يَحزُنك تعالي المستكبرين المعرضين، فيومَ القيامة سيُحشرون على وجوههم مهانين، أذلاء محقورين. بسوء أعمالهم حادوا عن سبيل الهدى فكانوا في شر المنازل، فما أبعدَ مكانهم في الشر! وما أضل طريقهم عن سبُل الخير! |
﴿وَلَقَدۡ أَتَوۡاْ عَلَى ٱلۡقَرۡيَةِ ٱلَّتِيٓ أُمۡطِرَتۡ مَطَرَ ٱلسَّوۡءِۚ أَفَلَمۡ يَكُونُواْ يَرَوۡنَهَاۚ بَلۡ كَانُواْ لَا يَرۡجُونَ نُشُورٗا ﴾ [الفرقان: 40]
إنما ينتفع برؤية مَصارع الظالمين مَن كان ذا قلب حيٍّ يعرِف به شؤم المعصية وخطر الكفر، وأما مَن كان في عمى الغفلة فإنه لا يتَّعظ وإن سار في أحياء الهالكين. |
﴿أَرَءَيۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيۡهِ وَكِيلًا ﴾ [الفرقان: 43]
شتَّان بين توحيد الله تعالى والتوجُّه إليه وحده، وبين صنم الهوى الذي يصنعه المرء في قلبه، ويبذُل حياته كلَّها في سبيل إرضائه. أرأيتَ حبَّ الله العظيم لرسوله الكريم كيف يخفِّف عنه غمومه، ويزيح عنه همومه الناتجة عن صدود قومه المشركين، وإعراضهم عن دعوته. ليس بيد الداعية غرس الهداية في قلب أحد، وإنما هو عبد نذير، وليس برب قدير. |
﴿أَمۡ تَحۡسَبُ أَنَّ أَكۡثَرَهُمۡ يَسۡمَعُونَ أَوۡ يَعۡقِلُونَۚ إِنۡ هُمۡ إِلَّا كَٱلۡأَنۡعَٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 44]
إن مَن يسمع آيات الله تعالى حقَّ السماع، ويعقِل بحقٍّ كلَّ ما يبصره، فذاك جديرٌ بأن يُعتنى بهدايته ويُطمعَ في إيمانه. ليست الأَنعام التي تهتدي لمراعيها وتنقاد لأربابها أضلَّ ممَّن لا يطيع ربَّه ولا يشكر نعمه، ويُقدِم على ما يضرُّه ولا ينفعه. الميزان القرآنيُّ هو المعتَبرَ في تقدير عقل الإنسان قوَّةً وضعفًا، فبمقدار الالتزام بالشرع وسماع الحقِّ يكون تمام العقل أو نقصه. |
﴿وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُهُمۡ وَلَا يَضُرُّهُمۡۗ وَكَانَ ٱلۡكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِۦ ظَهِيرٗا ﴾ [الفرقان: 55]
أليس عجيبًا بعد كلِّ هذه المخلوقات الباهرة، وآيات خلق الله الظاهرة، أن يعبُدَ الإنسان غيرَ الله؟! كُن مع الله تعالى على نفسك وهواك وشيطانك وأعداء ربِّك، فإنه جلَّ وعلا ينصر أولياءه على أعدائه وعلى مَن يواليهم. |
﴿إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱنتَصَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْۗ وَسَيَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَبٖ يَنقَلِبُونَ ﴾ [الشعراء: 227]
الشاعر إذا لم يكن على هدى تنقَّل شعره في أودية الهوى والردى، فيخوض في كل فن من فنون الكذب والزور، وتمزيق الأعراض. من آمن بالله تعالى، لم يشغله الشعر عن الذِّكر، ولا تفلَّت من قيود الشرع، بل سخَّر ما وهبه الله تعالى في خدمة دينه وعباده. إن المنقلَب الذي يرجع إليه الظالمون أنفسُهم بالشرك والمعاصي منقلبُ سوء وهلاك، وسيعلمون ذلك علمَ معاينةٍ لا علم خبر. |
﴿وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَلِقَآئِهِۦٓ أُوْلَٰٓئِكَ يَئِسُواْ مِن رَّحۡمَتِي وَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ ﴾ [العنكبوت: 23]
شتَّان بين المؤمن والكافر، فالمؤمن لا يزال يطمع في رحمة ربِّه في دنياه وآخرته، والكافر لا يسترحم اللهَ في دنياه، ولا يطمع في رحمته حين يرى ما أُعدَّ له في أُخراه. مَن رحمه الله في الدنيا بتوفيقه لطاعته كان من أهل رحمته في الآخرة، ومَن سخط عليه الله في حياته كان من اليائسين من رحمته يوم لقائه. لا نجاةَ من الخلود في العذاب للكافر بآيات الله ولقائه، اليائسِ من رحمته، وأما المؤمن -وإن دخل النار بذنوبه- فقد تدركه رحمة الله، فيخرج منها لحسن رجائه بربه. |
﴿مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلۡعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتۡ بَيۡتٗاۖ وَإِنَّ أَوۡهَنَ ٱلۡبُيُوتِ لَبَيۡتُ ٱلۡعَنكَبُوتِۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ ﴾ [العنكبوت: 41]
هنالك قوَّة واحدة هي قوَّة الله، وما عداها من قوَّة الخلق فهو هزيلٌ واهن؛ مَن تعلَّق به أو احتمى فهو كالعنكبوت الضعيفة تحتمي ببيت واهٍ، فهي وما تحتمي به سواء. أشبهَ المشركون العنكبوت في الغرور بما أعدُّوه، وأشبهَ أولياؤهم بيتَ العنكبوت في عدم الغَناء عمَّن اتخذوها وقت الحاجة إليها، وزوالها بأقلِّ تحريك. أيُّ جهلٍ عند مَن يدَع عبادة الله تعالى القدير، الذي لا يفعل شيئًا إلا بحكمة وتدبير، ثم يعبد ما سواه ممَّن لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضَرًّا! مَن عرَف الله تعالى حقَّ معرفته لم يَركَن إلى غيره، ولم يلجأ إلا إلى عزيز جنابه، وأمَّا مَن احتمى بسوى الله فما أجهله بصفات مولاه! |
﴿إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ مِن شَيۡءٖۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ﴾ [العنكبوت: 42]
هنالك قوَّة واحدة هي قوَّة الله، وما عداها من قوَّة الخلق فهو هزيلٌ واهن؛ مَن تعلَّق به أو احتمى فهو كالعنكبوت الضعيفة تحتمي ببيت واهٍ، فهي وما تحتمي به سواء. أشبهَ المشركون العنكبوت في الغرور بما أعدُّوه، وأشبهَ أولياؤهم بيتَ العنكبوت في عدم الغَناء عمَّن اتخذوها وقت الحاجة إليها، وزوالها بأقلِّ تحريك. أيُّ جهلٍ عند مَن يدَع عبادة الله تعالى القدير، الذي لا يفعل شيئًا إلا بحكمة وتدبير، ثم يعبد ما سواه ممَّن لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضَرًّا! مَن عرَف الله تعالى حقَّ معرفته لم يَركَن إلى غيره، ولم يلجأ إلا إلى عزيز جنابه، وأمَّا مَن احتمى بسوى الله فما أجهله بصفات مولاه! |
﴿وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِۖ وَمَا يَعۡقِلُهَآ إِلَّا ٱلۡعَٰلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 43]
أهـــل العلــم يتـدبَّرون أمثــال الله ويعقِلونهـا، ويَعـونَ ما فيهـا مـن العِـبَر ويفهمونهــا، ويستعملونهــا في الدعـوة والتعليم ويعظون بها. لا يفهم مغزى أمثال الله تعالى في كتابه إلا الذين كمُلت عقولهم فكانوا علماء، وأما مَن لم ينتفع بها فإنه من الجهلاء، فما بالك بمَن اعتاض عن تدبُّرها اتخاذَها هُزؤًا وسُخريَّة؟ |
﴿قُلۡ كَفَىٰ بِٱللَّهِ بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡ شَهِيدٗاۖ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلۡبَٰطِلِ وَكَفَرُواْ بِٱللَّهِ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ ﴾ [العنكبوت: 52]
يكفي رسولَ اللهِ ﷺ شهادةً على صدقه أن الله تعالى يحميه ويؤيِّده، ويُجري على يديه المعجزات ويصدِّقه، فيا خسارةَ من كذَّبه وأعرض عن دعوته! كم يورثُ الإيمان بالحقِّ من ثبات وسكينة، ويقين وطُمَأنينة، وتلك من غنائم عباد الرحمن التي يخسرها الكافرون. |
﴿وَيَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِٱلۡعَذَابِ وَلَوۡلَآ أَجَلٞ مُّسَمّٗى لَّجَآءَهُمُ ٱلۡعَذَابُۚ وَلَيَأۡتِيَنَّهُم بَغۡتَةٗ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ ﴾ [العنكبوت: 53]
لا تعجَب إذا قوبلت دعوتُك الصادقة بالتحدِّي والتكذيب، والاستهزاء والسُّخريَّة، فقد لاقى الأنبياء من ذلك ما لاقَوا، لكنهم صبروا ولم يجزعوا. |
﴿يَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِٱلۡعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةُۢ بِٱلۡكَٰفِرِينَ ﴾ [العنكبوت: 54]
يستعجل الكافرُ عذابَ الله تعالى، ولا يدري أن جهنَّم تحيط به، فلا يجد من عذابها خلاصا، ولا من ورودها مناصا. |
﴿يَوۡمَ يَغۡشَىٰهُمُ ٱلۡعَذَابُ مِن فَوۡقِهِمۡ وَمِن تَحۡتِ أَرۡجُلِهِمۡ وَيَقُولُ ذُوقُواْ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ﴾ [العنكبوت: 55]
أهل جهنَّم بين عذاب حسِّي يغشاهم من جميع جوانبهم، وعذاب معنويٍّ بما يسمعون في النار من تقريع وتهديد وتوبيخ يؤلمهم. |
﴿وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَلِقَآيِٕ ٱلۡأٓخِرَةِ فَأُوْلَٰٓئِكَ فِي ٱلۡعَذَابِ مُحۡضَرُونَ ﴾ [الروم: 16]
ما أضعفَ أهلَ النار وما أذلَّهم! يوم يُساقون إليها سَوقًا، ويُحضَرون إليها قسرًا، دون أن يملكوا للقوَّة التي تقودهم إلى عذابها دفعًا. |
﴿مَن كَفَرَ فَعَلَيۡهِ كُفۡرُهُۥۖ وَمَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا فَلِأَنفُسِهِمۡ يَمۡهَدُونَ ﴾ [الروم: 44]
لا يحسَب الكافر أن كفره سينفعه، أو ينجيه أو يرفعه، بل سيُهلكه ويوبقه، ويعود على نفسه بالخسارة العظمى، والمصيبة الكبرى. يا مَن تجتهد في العمل الصالح؛ إنما تُعِدُّ لنفسك بعملك هذا في الآخرة مكانًا معبَّدًا، ومَضجعًا تتنعَّم فيه، تنسى فيه عناء الدنيا. |
﴿لِيَجۡزِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡكَٰفِرِينَ ﴾ [الروم: 45]
ثواب الله للمؤمن هو محضُ تفضُّل من جنابه الكريم، فإنَّ أحدًا لا يستحقَّ الجنَّة بعمله، فلا يغترنَّ امرؤٌ بما يعمل، ولا يُدِلَّنَّ به. طوبى لمن اجتهد في عملِ ما يحبُّه مولاه، من الإيمان وعمل الصالحات، فتلك محابُّ الله التي تنجي العبد، وأمَّا من حُرم محبَّته فقد حُرم فضله. |
﴿وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحۡزُنكَ كُفۡرُهُۥٓۚ إِلَيۡنَا مَرۡجِعُهُمۡ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ﴾ [لقمان: 23]
لا تحزن إن تجرأ قومٌ على دعوة الحق وحاربوها، فإن مرجعهم إلى الله تعالى فيجازيهم، وهو الذي لا تخفى عليه ما تُكنه ضمائرهم. |
﴿وَقَالُوٓاْ أَءِذَا ضَلَلۡنَا فِي ٱلۡأَرۡضِ أَءِنَّا لَفِي خَلۡقٖ جَدِيدِۭۚ بَلۡ هُم بِلِقَآءِ رَبِّهِمۡ كَٰفِرُونَ ﴾ [السجدة: 10]
كيف يستبعد عاقلٌ على ربِّه الذي خلقه من العدم أن يحييَه بعد موته للبعث والنشور؟ |
﴿وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡأَدۡنَىٰ دُونَ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡأَكۡبَرِ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ ﴾ [السجدة: 21]
يذيق الله الكافر في الدنيا من ألوان العذاب النفسيِّ والجسديِّ ما يدعوه إلى الاعتبار، والرجوع إلى ربِّه الغفَّار، وهذا من رحمة الله تعالى به. |
﴿لِّيَسۡـَٔلَ ٱلصَّٰدِقِينَ عَن صِدۡقِهِمۡۚ وَأَعَدَّ لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابًا أَلِيمٗا ﴾ [الأحزاب: 8]
إذا سُئل الصادقون عن صدقهم، فما حجَّة المكذِّبين في تكذيبهم؟! لم يُسأل الكاذبون سؤالَ مَن يُستمع جوابه، وتُقبل معذرته، فقد مضى في علم الله عذابهم، وتقرر فيه هلاكهم، بل هو سؤال تقريع وتوبيخ. |
﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَعَنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمۡ سَعِيرًا ﴾ [الأحزاب: 64]
السعيد بقيام الساعة مَن رحمه الله فعمل لها، والشقي مَن لم يعمل ما ينجيه بعد قيامها. إن العبوديَّة والتسليم لله وحده، فويلٌ للكافرين به من لعنته التي تدوم عليهم، وويلٌ لهم من جهنَّم التي تتسعَّر بهم. |
﴿رَبَّنَآ ءَاتِهِمۡ ضِعۡفَيۡنِ مِنَ ٱلۡعَذَابِ وَٱلۡعَنۡهُمۡ لَعۡنٗا كَبِيرٗا ﴾ [الأحزاب: 68]
كما ذهب أولئك السادة والكبراء بالنَّصيب الأوفر من متاع الدنيا، فقد ذهبوا كذلك بالنَّصيب الأكبر من العذاب واللعنة في الآخرة. |
﴿وَٱلَّذِينَ سَعَوۡ فِيٓ ءَايَٰتِنَا مُعَٰجِزِينَ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٞ مِّن رِّجۡزٍ أَلِيمٞ ﴾ [سبأ: 5]
عندما عظُم جُرم المكذِّبين للحق، الصادِّين عنه والساعين في إبطاله؛ جُوزُوا بأغلظ العذاب وأشده. |
﴿وَٱلَّذِينَ يَسۡعَوۡنَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا مُعَٰجِزِينَ أُوْلَٰٓئِكَ فِي ٱلۡعَذَابِ مُحۡضَرُونَ ﴾ [سبأ: 38]
لن يفلح الساعون في إبطال آيات الله تعالى مهما بالغوا في سعيهم ومكرهم إذا كان عذاب الله تعالى ينتظرهم ملازمًا لهم ومحيطًا بهم. |
﴿ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞۖ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٞ كَبِيرٌ ﴾ [فاطر: 7]
كن من أهل الإيمان الصادق، والعمل الصالح الخالص، وأبشر بمغفرة ربِّك وأجره الكبير لك. |
﴿مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ جَمِيعًاۚ إِلَيۡهِ يَصۡعَدُ ٱلۡكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلۡعَمَلُ ٱلصَّٰلِحُ يَرۡفَعُهُۥۚ وَٱلَّذِينَ يَمۡكُرُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞۖ وَمَكۡرُ أُوْلَٰٓئِكَ هُوَ يَبُورُ ﴾ [فاطر: 10]
العزُّ المحمود مصدره الله المعبود، فمَن أراد الوصول إليه فليطعِ الله كما يحب. مَن اعتزَّ بالمخلوق أذلَّه الله، ومن اعتزَّ بالخالق أعزَّه الله، فاطلب عزَّتك من ربِّك تعِش عزيزًا. على مِعراج القَبول إلى الربِّ الكريم يصعد كلُّ ما طاب من القول والعمل، فاجمع بينهما ترقَ بهما لدى ربِّك، وطيِّب ما ترسله إليه. المكر السيِّئ قولًا وعملًا ليس سبيلًا إلى العزَّة، ولو حقق القوَّة الطاغية الباغية في بعض الأحيان، فإن نهايته إلى البَوار، وإلى العذاب الشديد. |
﴿وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمۡ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقۡضَىٰ عَلَيۡهِمۡ فَيَمُوتُواْ وَلَا يُخَفَّفُ عَنۡهُم مِّنۡ عَذَابِهَاۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي كُلَّ كَفُورٖ ﴾ [فاطر: 36]
ما أعظمَ هولَ الموقف، وأخوَفه من مصير! حين يبقى المعذَّب في عذابه، لا يموت فيسكن، ولا يخفَّف عنه فيستريح، نسأل الله السلامة من سخطه وعقابه. لا يؤمِّل الكافر أن له في الآخرة جزاءً دون هذا الجزاء الأليم الذي لا يفكر فيه عاقلٌ إلا وتجنَّب سبل الوصول إليه. |
﴿وَهُمۡ يَصۡطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخۡرِجۡنَا نَعۡمَلۡ صَٰلِحًا غَيۡرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعۡمَلُۚ أَوَلَمۡ نُعَمِّرۡكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُۖ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّٰلِمِينَ مِن نَّصِيرٍ ﴾ [فاطر: 37]
ماذا ينفع الصراخُ والاستغاثة في دار الندامة، وأهلهما كانوا في غفلة عمَّا ينتظرهم يوم القيامة؟! مَن لم يُورِّثه التعمير وطول البقاء إصلاحَ معائبه واغتنامَ بقية أنفاسه، فيعمل على حياة قلبه وحصول النعيم المقيم؛ فلا خير له في حياته. لديك عُمرٌ واحد فقط، فاستغله بما يسعدك في دار المقامة، قبل الصراخ والندامة، فها أنت قد جاءك المذكِّر والنذير قبل أن تستنصر ولا تجد النصير. |
﴿هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمۡ خَلَٰٓئِفَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيۡهِ كُفۡرُهُۥۖ وَلَا يَزِيدُ ٱلۡكَٰفِرِينَ كُفۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ إِلَّا مَقۡتٗاۖ وَلَا يَزِيدُ ٱلۡكَٰفِرِينَ كُفۡرُهُمۡ إِلَّا خَسَارٗا ﴾ [فاطر: 39]
هذه الحياة يدبِّرها الله، أعمارها وآجالها بيده، فيخلق لها أجيالًا متتابعة، يخلُف بعضُها بعضًا إلى أن ينتهيَ كلُّ خلق في الأرض ويزول، ولا يبقى إلا الحيُّ القيُّوم. مَن تأمَّل في مسيرة الحياة بالأحياء؛ أرحامٌ تدفع وأرض تبلع، وأمَّة تَعقُب أمَّة؛ أيقن أن الحياة الدنيا إلى فناء، فليس لأحد فيها بقاء، فالمغرور مَن انخدع بها، ونسي ما بعدها. اعلم أيها الإنسانُ أن وِزرَ معصيتك على نفسك لا على غيرها، فارحم نفسَك اليوم بالطاعة، قبل أن تعذِّبَها غدًا نتيجةُ المعصية. كلَّما استمرَّ المرء على انحرافٍ وضلالةٍ، ازداد عند الله بغضًا وخسارة، بخلاف المؤمن الذي كلَّما ازداد طاعةً وعمرًا، ازداد عند الله حبًّا وأجرًا. لو لم يكن الكفر مستوجبًا لشيء سوى مَقْت الله تعالى لكفى ذلك في قبحه، ولو لم يستوجب شيئًا سوى الخسار لكفى ذلك في البعد عنه والحذر منه. |
﴿وَٱمۡتَٰزُواْ ٱلۡيَوۡمَ أَيُّهَا ٱلۡمُجۡرِمُونَ ﴾ [يس: 59]
استدبر المجرمون في الدنيا جادَّة المقسِطين، وها هم أولاء يُقال لهم في الآخرة: امتازوا اليوم عن المؤمنين، وانأوا عن سبيل الصالحين. |
﴿ٱلۡيَوۡمَ نَخۡتِمُ عَلَىٰٓ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَتُكَلِّمُنَآ أَيۡدِيهِمۡ وَتَشۡهَدُ أَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ ﴾ [يس: 65]
هذا لسانُ الإنسان الذي كثيرًا ما كذَّب به وافترى؛ سيطبع الله عليه لتنطِقَ أعضاؤه بجرائمه وتشهد بآثامه. |
﴿۞ ٱحۡشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزۡوَٰجَهُمۡ وَمَا كَانُواْ يَعۡبُدُونَ ﴾ [الصافات: 22]
يُجمَع الظالمون يوم القيامة مع قُرَنائهم وأشباههم وأتباعهم، فاحرِص في دنياك على الفرار منهم، والنأي عنهم، تصُن عرضَك، وتنجُ بنفسِك. لا بدَّ من وقفة محاسبة، وموقف معاتبة، قبل المصير إلى نار السعير، يُسألون هناك عما قدَّموا في دنياهم، لينالوا جزاءه في أخراهم. |
﴿بَلۡ هُمُ ٱلۡيَوۡمَ مُسۡتَسۡلِمُونَ ﴾ [الصافات: 26]
أنَّى لهم أن ينصرَ بعضهم بعضًا وهم أعجزُ ما يكونون عن نصرة أنفسهم، والخلاص من هوانهم؟ ليس لهم إلا الاستسلامُ لسوء مصيرهم. |
﴿أَذَٰلِكَ خَيۡرٞ نُّزُلًا أَمۡ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ ﴾ [الصافات: 62]
حاصل الرزق المعلوم لأهل الجنَّة اللذَّة والسرور، وحاصل شجرة الزقَّوم الألـم والغمُّ، ولا نسبةَ لأحدهما إلى الآخر في الخيرية، فليختَر العاقل أيَّ الأمرين شاء! |
﴿فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُنذَرِينَ ﴾ [الصافات: 73]
أرسل الله إلى عباده رسُلًا مبشِّرين ومنذرين، يدعونهم ويَهدونهم، فمَن ضرب بإنذارهم عُرض الحائط فلا يلومنَّ إلا نفسَه. قد أقيمت الحُجَّة بإنزال الكتب وإرسال الرسُل، ولم يبقَ لمعتذرٍ عذرٌ، وليس بعدُ إلا الخزيُ والهلاك. مَن صدَق اللهَ وأخلص له صدَقه اللهُ وأخلصه. |
﴿صٓۚ وَٱلۡقُرۡءَانِ ذِي ٱلذِّكۡرِ ﴾ [ص: 1]
في القرآن العظيم من المواعظ والذِّكر ما يوقظ القلوبَ، ويوجِّهها إلى غاية خلقها، ألا وهي معرفة الله تعالى، وإخلاصُ العبادة له. |
﴿بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٖ وَشِقَاقٖ ﴾ [ص: 2]
أجل، إن في القرآن لتذكرةً وعبرة لمَن كان له قلب، أمَّا مَن ران على قلبه لاستكباره وعِناده فأنَّى له الانتفاعُ أو الاعتبار؟! |
﴿هَٰذَاۚ وَإِنَّ لِلطَّٰغِينَ لَشَرَّ مَـَٔابٖ ﴾ [ص: 55]
ليس لعبدٍ عُذر، فقد بيَّن الله ثوابَ المتَّقين الصادقين، وعقابَ الطاغين المفسدين، إقامةً للحجَّة، وترغيبًا وترهيبًا. |
﴿جَهَنَّمَ يَصۡلَوۡنَهَا فَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ ﴾ [ص: 56]
بئسَ المهادُ مهادٌ تُشوى فيه جنوبُ المكذِّبين وظهورُهم، كلَّما نَضِجَت جلودهم أبدلهم الله غيرها؛ ليذوقوا العذاب، ويا له من عذاب! |
﴿هَٰذَا فَلۡيَذُوقُوهُ حَمِيمٞ وَغَسَّاقٞ ﴾ [ص: 57]
أمَّا العِطاشُ في جهنَّم فشرابهم ماءٌ يغلي، وصديدُ أجسادهم المحترقة، فليهنؤوا بعذوبته، وليسعدوا بمذاقه! |
﴿وَءَاخَرُ مِن شَكۡلِهِۦٓ أَزۡوَٰجٌ ﴾ [ص: 58]
شتَّانَ بين أهل الجنَّة الذين يتقلَّبون في ألوان النعيم، وأهل النار الذين يتقلَّبون في أنواع العذاب الأليم! |
﴿وَلَوۡ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لَٱفۡتَدَوۡاْ بِهِۦ مِن سُوٓءِ ٱلۡعَذَابِ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ وَبَدَا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مَا لَمۡ يَكُونُواْ يَحۡتَسِبُونَ ﴾ [الزمر: 47]
بعضُ المرضى في الدنيا يتمنَّون أن يفتدوا بكلِّ ما يملكون من مرارة مرضٍ ألمَّ بهم، فما بالك بمَن يذوق مُرَّ عذاب الله يوم الحساب؟! غاية الخسران والندامة أن يبدوَ لك أيُّها العبدُ الضعيف من الله ما لا تتوقَّعُه، فكُن على حذَر دائم، فإن المُجازيَ قهَّار ذو انتقام. كما أن الجنَّة فيها من النعيم ما لا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشَر، فكذلك الجحيمُ فيها من ألوان العذاب والتنكيل ما لا يُتخيَّل ولا يُتصوَّر، فإيَّاك وإيَّاها! |
﴿وَبَدَا لَهُمۡ سَيِّـَٔاتُ مَا كَسَبُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ ﴾ [الزمر: 48]
أيُّها المسلم العاقل، تدارك سيِّئاتك قبل أن توردَك المهالك، وتصيبَك بما لا قِبَل لك به من عذاب. |
﴿لَّهُۥ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ ﴾ [الزمر: 63]
مفاتيح المقادير وخزائنُ السماوات والأرض، والكائنات والقلوب كلُّها بيد الله تعالى، فاسأل الخيرَ من ربِّك، وألِحَّ عليه بالدعاء. يا عبدَ الله، اعرِف قَدرَك ومنزلتك، فمَن أنت وما تملكه أمام السماوات والأرض التي مفاتيحُها وقيادها بيد الله العظيم؟! خسروا في الدنيا راحةَ الهداية وطُمَأنينةَ الإيمان وحلاوةَ اليقين، وخسروا في الآخرة أنفسَهم وأهليهم، ويا له من خُسران. |
﴿وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتۡ أَبۡوَٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَآ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ رُسُلٞ مِّنكُمۡ يَتۡلُونَ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِ رَبِّكُمۡ وَيُنذِرُونَكُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَاۚ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنۡ حَقَّتۡ كَلِمَةُ ٱلۡعَذَابِ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ ﴾ [الزمر: 71]
احذر رفيقَ السوء؛ فإنه يأخذ بيد صاحبه إلى زُمرة الأشقياء. لعلَّ من أشدِّ صنوف العذاب إيلامًا التقريعَ الموجع، حين يُلام الإنسان على تفريطه فيما كان سهلًا قريبًا، في وقت لا يُغني فيه عمل، ولا ينفع ندم. تفقَّد مواعظَ الرسُل ونذُرَهم قبل أن تقفَ هذا الموقفَ العظيم المَهِيب؛ ﴿يَومَ يُنادِيهِم فَيَقُولُ ماذا أجَبتُمُ المُرسَلِين﴾ ؟ |
﴿قِيلَ ٱدۡخُلُوٓاْ أَبۡوَٰبَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَاۖ فَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلۡمُتَكَبِّرِينَ ﴾ [الزمر: 72]
ليس كالكِبْر حاجزٌ يصُدُّ الإنسانَ عن الانقياد للحقِّ والاستجابة لنداء الفِطرة، ولن تجدَ مَن يرفض الحقَّ وحُجَجه ويتعامى عن نوره وضيائه، إلا والكبر راسخٌ في نفسه مُثقِلٌ لكاهله، أعاذنا الله منه ومن سوء مصيره. |
﴿مَا يُجَٰدِلُ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَا يَغۡرُرۡكَ تَقَلُّبُهُمۡ فِي ٱلۡبِلَٰدِ ﴾ [غافر: 4]
مَن عظَّم اللهَ حقَّ التعظيم لم يَملِك إلا أن يسلِّمَ لآياته البيِّنات بالإذعان، وتمام الرضا والانقياد. إن الذين يحملون دعوةَ الحقِّ والإيمان لا تتعاظمُهم قوَّة الباطل مهما كانت. |
﴿وَكَذَٰلِكَ حَقَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّهُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ ﴾ [غافر: 6]
إن الله قضى قضاءه في حقِّ الكافرين أنهم أصحابُ الجحيم، وأتاح أمامهم المجالَ رحبًا للتوبة والإنابة، فإن لم يفعلوا حقَّ عليهم العذابُ الأليم. |
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوۡنَ لَمَقۡتُ ٱللَّهِ أَكۡبَرُ مِن مَّقۡتِكُمۡ أَنفُسَكُمۡ إِذۡ تُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلۡإِيمَٰنِ فَتَكۡفُرُونَ ﴾ [غافر: 10]
المفلح مَن زكَّى نفسه، والخائب مَن دسَّاها، فالأوَّل يفوز بالنعيم والرضوان، والآخَر تحت مقتٍ شديد من الله في الدنيا، وسوف يَمقُت هو نفسَه في الآخرة. هذا أعظمُ عقاب عند أولي الألباب؛ لأن مَن علمَ أن مولاه عليه غضبان، علم أنه لا ينفعُه ندم ولا أحزان، ولا يُغني عنه شفاعةُ إنس ولا جان. |
﴿قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثۡنَتَيۡنِ وَأَحۡيَيۡتَنَا ٱثۡنَتَيۡنِ فَٱعۡتَرَفۡنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلۡ إِلَىٰ خُرُوجٖ مِّن سَبِيلٖ ﴾ [غافر: 11]
علم الكافرون أن كفرهم بالبعث هو الذي أوبقهم، فقدَّموا الإقرارَ به بين يدَي ربِّهم معترفين بذنوبهم، لكن بعدما عاينوا البعثَ عينَ اليقين، فمَن الذي ينكره بعد هذا؟ صدق مَن قال: (ترجو النجاةَ ولم تسلُك مسالكَها / إنَّ السَّفينة لا تجري على اليبَسِ) فكيف يطمع في سبيل الخلاص، مَن لم يَسلُك سبيل الإخلاص. |
﴿ذَٰلِكُم بِأَنَّهُۥٓ إِذَا دُعِيَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُۥ كَفَرۡتُمۡ وَإِن يُشۡرَكۡ بِهِۦ تُؤۡمِنُواْۚ فَٱلۡحُكۡمُ لِلَّهِ ٱلۡعَلِيِّ ٱلۡكَبِيرِ ﴾ [غافر: 12]
ما أشدَّ جهالتَهم! كفروا بالله العليِّ الكبير، والتجؤوا إلى المخلوق العاجز الفقير، وهم يعلمون أن الحكم والمرجع إلى الله يصير! |
﴿وَيَوۡمَ يُحۡشَرُ أَعۡدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمۡ يُوزَعُونَ ﴾ [فصلت: 19]
موقفٌ تنخلع له القلوب، وتَحُلُّ فيها عنده الكروب؛ يوم يجمع الله أعداءه إلى نار جهنَّم، وتَحبِسهم زبانيتها فلا يستطيعون عند ذلك الخروجَ منها، فاللهم قِنا عذابك يوم تبعث عبادك. أعداء الله على اختلاف العصور، وتقلُّب الأزمان والدهور، اجتمعت كلمتُهم في الضلال والإفساد، فجُمعوا في النار تَحفُّهم المهانة، وتغشاهم الكآبة والندامة. |
﴿ذَٰلِكَ جَزَآءُ أَعۡدَآءِ ٱللَّهِ ٱلنَّارُۖ لَهُمۡ فِيهَا دَارُ ٱلۡخُلۡدِ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يَجۡحَدُونَ ﴾ [فصلت: 28]
ويلٌ لمَن غادرَ الدنيا عدوًّا لربِّه، جاحدًا لآياته، فليس له من جزاء عند لقاء الله إلا النار، وبئسَ القرار. |
﴿وَيَسۡتَجِيبُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضۡلِهِۦۚ وَٱلۡكَٰفِرُونَ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞ ﴾ [الشورى: 26]
الإيمان سببٌ لكلِّ خيرٍ في الدنيا ورفعةٍ في الآخرة، وما امتلأ قلبٌ بالإيمان إلا لقيَ صاحبُه من فضل الله أضعافَ ما يرجوه ويؤمِّله. استجابة المؤمنين لله عطاءٌ من ربِّهم إليهم، وفضلٌ منه عليهم، فلا تعجَب إن كافأهم عنها بمزيدٍ من فضله، فهو أكرم الأكرمين. المؤمنون حملهم إيمانُهم على الاستجابة والطاعة ففازوا، والكافرون خلت قلوبُهم من الإيمان فباؤوا بسخَط الله وعذابه. |
﴿بَلۡ هُمۡ فِي شَكّٖ يَلۡعَبُونَ ﴾ [الدخان: 9]
لا يَصلُح الهزل في مواطن الجِدِّ، فإن رأيت المرء عن الحقِّ يلهو ويسهو فاعلم أن قلبَه غالبًا يتمرَّغ في أوحال الشكِّ، وأن روحَه هائمةٌ في متاهات اللَّبْس. |
﴿يَوۡمَ نَبۡطِشُ ٱلۡبَطۡشَةَ ٱلۡكُبۡرَىٰٓ إِنَّا مُنتَقِمُونَ ﴾ [الدخان: 16]
هناك يومٌ يعذِّب الله تعالى فيه الكفَّارَ العذاب الأكبر، وينتقم منهم؛ جرَّاء كفرهم وتكذيبهم، فما أسعدَ مَن سلِم من عذاب ربِّه وانتقامه يوم لقائه! |
﴿إِنَّ شَجَرَتَ ٱلزَّقُّومِ ﴾ [الدخان: 43]
أشنعُ الآثام الكفرُ بالله الديَّان، فلا تعجَب بعدُ لفداحة عقوبة الأثيم، فإن عدل الله قضى أن يكونَ العذاب بمقدار الذنب. |
﴿ذُقۡ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡكَرِيمُ ﴾ [الدخان: 49]
لعلَّ ما يَلقى المستبدُّ الأثيم من لذع السخريَّة والتهكُّم أشدُّ وأمضُّ ممَّا يلقاه من سياط العذاب! |
﴿إِنَّ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ لَأٓيَٰتٖ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ ﴾ [الجاثية: 3]
هذه الآيات تملأ الآفاق، قد بثَّها الله تعالى في السماوات والأرض، فكلُّ حركة أو سكنة تُرشد العبد إلى عظمة الخالق جلَّ جلاله. |
﴿هَٰذَا هُدٗىۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ لَهُمۡ عَذَابٞ مِّن رِّجۡزٍ أَلِيمٌ ﴾ [الجاثية: 11]
القرآن يَهدي مَن رافقه، ويوصل من أخذ به إلى رياض الهدى وواحات الإيمان، فهو هدًى خالص، لا يشوبه ضلال، ولا يعتريه فساد. |
﴿وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَفَلَمۡ تَكُنۡ ءَايَٰتِي تُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ فَٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡ وَكُنتُمۡ قَوۡمٗا مُّجۡرِمِينَ ﴾ [الجاثية: 31]
تُقرَع أسماعُ الكافرين بذلك السؤال، فتزداد قلوبهم غصَّةً وحسرةً، وتتكامل حسرتهم يوم يرَون المؤمنين فازوا بالجنان، وهم خالدون في العذاب والهوان. إن الكِبْر هو أوَّل معصية عُصيَ الله بها، وهو سبيل الخِذلان والخسران، فإنه يمنع صاحبَه من اتِّباع الحقِّ، ويصدُّه عن طريق الهدى والرشاد. |
﴿ذَٰلِكُم بِأَنَّكُمُ ٱتَّخَذۡتُمۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ هُزُوٗا وَغَرَّتۡكُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَاۚ فَٱلۡيَوۡمَ لَا يُخۡرَجُونَ مِنۡهَا وَلَا هُمۡ يُسۡتَعۡتَبُونَ ﴾ [الجاثية: 35]
إن حُبَّ الدنيا والاغترارَ بشهَواتها، وإجابةَ داعي الهوى، يَطمِس القلب فيَصرِفه عن آيات ربِّه وتدبُّرها، فحريٌّ بالمؤمن أن يطهِّرَ قلبه من شوائبها. سقطوا في في الذل والهوان، وتردوا في العذاب والخسران، فلا خروج لهم من تلك النار، وقد قطعت عنهم رحمة العزيز الغفار. |
﴿وَيَوۡمَ يُعۡرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَذۡهَبۡتُمۡ طَيِّبَٰتِكُمۡ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنۡيَا وَٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهَا فَٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ عَذَابَ ٱلۡهُونِ بِمَا كُنتُمۡ تَسۡتَكۡبِرُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَبِمَا كُنتُمۡ تَفۡسُقُونَ ﴾ [الأحقاف: 20]
إن أُناسًا ألهتهم الملذَّات، وغرَّتهم الشهوات، فقضَوا أعمارهم في تحصيلها، حتى قدِموا على ربِّهم بلا عمل صالح؛ لَأناسُ سوء. مَن تذكَّر ما في الجنَّة من النعيم تقلَّل في هذه الدنيا وزهِد في كثير من متاعها؛ لئلَّا يكونَ ممَّن أذهب طيِّباته في دنياه. يتكبَّر الإنسان وينسى نفسَه، وتغيب عنه حقيقته، فيُعرض عن أوامر الله الذي خلقه وسوَّاه، ولم يكن ليوجَد لولاه سبحانه، ألا فليتواضع قبل ندمه. إن الذنوب جميعَها مُهلكة للعبد، إلا أن ذنوب القلوب أشدُّ خطرًا وأعظم ضررًا من ذنوب الجوارح. |
﴿وَيَوۡمَ يُعۡرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَلَيۡسَ هَٰذَا بِٱلۡحَقِّۖ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَاۚ قَالَ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ ﴾ [الأحقاف: 34]
مَن جيَّش نفسه للانتقاص والسُّخريَّة من هذا الدين، فسيجعله الله موضعَ سُخريَّة يوم يقوم الناس لربِّ العالمين، جزاءً وِفاقا. يعاين الكفَّار يوم القيامة الحقائق، فتنقطع عنهم أسباب كلِّ شيء، فيطلقون أصواتهم مسترحمين الله جلَّ جلاله، وما ينفعهم ذلك؛ إذ لم يتَّبعوا أمره. |
﴿فَٱصۡبِرۡ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلۡعَزۡمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ وَلَا تَسۡتَعۡجِل لَّهُمۡۚ كَأَنَّهُمۡ يَوۡمَ يَرَوۡنَ مَا يُوعَدُونَ لَمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا سَاعَةٗ مِّن نَّهَارِۭۚ بَلَٰغٞۚ فَهَلۡ يُهۡلَكُ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ﴾ [الأحقاف: 35]
مَن طالع سِيَر الصابرين قبله، ووقف على أخبارهم وثباتهم، هان عليه كلُّ ما يلقى من لأواءَ في هذا الطريق. إن العزم المحمود هو ما زكَّى النفسَ ورقَّاها عند ربِّها، وقِوامُه الصبر، وباعثه التقوى، وقوَّة شدَّته هي المراقبةُ والمحاسبة لهذه النفس. مَن استعجل أمرًا فاتته فضيلةُ الصبر التي هي أعظم أجرًا، وخيرٌ له ممَّا طلبه واستعجله. إن عذاب يومِ القيامة وشدَّته ليَنسى فيه الخِلُّ خليلَه، والحبيبُ حبيبَه، بل إن المرء يَذهَل فيه عن نفسه، فلا يتذكَّر كم كانت حياته التي قضاها، والمدَّة التي عاشها. إن عناية الله عزَّ وجلَّ وحِفظه مكفولةٌ لمَن حفظ أوامره وحدوده، أمَّا مَن زاغ عن هديه، وحاد عن أمره، فقد وكلَه الله إلى نفسه، فكان من الخاسرين. |
﴿ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ أَضَلَّ أَعۡمَٰلَهُمۡ ﴾ [محمد: 1]
ما أشقى مَن ذهبت أعماله سُدًى، فصارت له بلا جدوى، فليحذر المسلم كلَّ سبب يُحبِط عمله، ويذهب عنه فائدته. |
﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلۡبَٰطِلَ وَأَنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلۡحَقَّ مِن رَّبِّهِمۡۚ كَذَٰلِكَ يَضۡرِبُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ أَمۡثَٰلَهُمۡ ﴾ [محمد: 3]
إن الحقَّ الأكمل والصواب الأمثل فيما أنزل الله وأمر به، ومَن طلب الحقَّ في سواه ضلَّ وأضلَّ، وكانت عاقبة أمره خُسرا. لم تكن تلك الأمثال ضربًا من التسلية المحضة، أو نوعًا من حديثٍ خلا من فائدة، تعالى الله عن ذلك، ففيها من العِبَر والعظات ما ينتفع به ذوو الألباب. |
﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرۡبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَثۡخَنتُمُوهُمۡ فَشُدُّواْ ٱلۡوَثَاقَ فَإِمَّا مَنَّۢا بَعۡدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلۡحَرۡبُ أَوۡزَارَهَاۚ ذَٰلِكَۖ وَلَوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنۡهُمۡ وَلَٰكِن لِّيَبۡلُوَاْ بَعۡضَكُم بِبَعۡضٖۗ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعۡمَٰلَهُمۡ ﴾ [محمد: 4]
المؤمن مع أعداء الدين الذين لم يرعَوا حُرمةً ولا ذمَّةً قويٌّ شديد، ومع المؤمنين رؤوفٌ رحيم. إن الله قادرٌ على الانتقام من أعدائه، ولكنَّه شرَعَ قتالَ المؤمنين لهم؛ ليختبرَ إيمانهم، ويَشفيَ صدورهم، ويرفعَ درجاتهم عنده. هنيئًا للمجاهد في سبيل ربِّه؛ فإن عمله موصولٌ غير مقطوع، فالله يُنمِّي له أعماله، ويَزيد حسناته ويضاعفها له سبحانه وتعالى. |
﴿وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعۡسٗا لَّهُمۡ وَأَضَلَّ أَعۡمَٰلَهُمۡ ﴾ [محمد: 8]
كتب الله على الكافرين التعاسة، فانقطع بذلك الأملُ وخاب الرجاء، ولو طرقوا أبوابَ السعادة الدنيويَّة كلَّها لن يدركوا إلا التعب. |
﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَرِهُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأَحۡبَطَ أَعۡمَٰلَهُمۡ ﴾ [محمد: 9]
قَبول وحي الله تعالى وحبُّه والرضا به والعملُ به هو عين الإيمان بالكتاب، فمَن كرهه لمخالفته لهواه -ولو قَبِله- فإن ذلك لا ينفعه حتى يُحبَّه ويرضى به ظاهرًا وباطنًا. |
﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ مَوۡلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَأَنَّ ٱلۡكَٰفِرِينَ لَا مَوۡلَىٰ لَهُمۡ ﴾ [محمد: 11]
هكذا يسير المؤمنُ في دروب الحياة، متأمِّلًا ما يعرض أمامه، مستلهمًا الدروسَ من كلِّ حادثة، فيجد عِبرًا تثبِّته على الطريق المستقيم. إذا أظلم القلبُ عن مشاهدة ضياء الآيات، وما فيها من عظات، لجَّ في ظلمات المعاصي. وعدٌ صادق -ولا يُخلِف الله وعده- لكلِّ مَن كفر به وحارب رسُله، أن سُنَّته فيهم ماضية كما أهلكَ مَن كان قبلهم. مَن كان اللهُ مولاه فهو في كَنَف القويِّ يدفع عنه، فلا قلقَ يساوره، ولا مَخاوفَ تلاحقه. إذا قطع الله حبله عن عبد فإنه لن تنفعَه الإنس والجنُّ ولو اجتمعوا لنفعه، فهو مُضيَّع عاجز خاسر ولو اجتمعت له كلُّ أسباب الحماية. |
﴿إِنَّ ٱللَّهَ يُدۡخِلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأۡكُلُونَ كَمَا تَأۡكُلُ ٱلۡأَنۡعَٰمُ وَٱلنَّارُ مَثۡوٗى لَّهُمۡ ﴾ [محمد: 12]
أكرِم بها من وِفادة حين يكون الله هو مَن يُدخلهم! فما أروعَه من استقبال لوفد الجنان! وما أعظمَها من حَفاوة وترحيب وإكرام! لا شُغل للأنعام في الحياة إلا الأكل والشرب والتمتُّع، وهي في غفلة عمَّا ينتظرها عند الذبح والنحر، وكذا الكافر غافلٌ عن مصيره المنتَظر. إذا تساوى الإنسانُ مع الأنعام فقد ذهبت إنسانيَّته واندثرت معالمها، فينطلق إلى متاعه وشهَواته التي لا ضابط لها ولا حارس عليها. |
﴿فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا ٱلسَّاعَةَ أَن تَأۡتِيَهُم بَغۡتَةٗۖ فَقَدۡ جَآءَ أَشۡرَاطُهَاۚ فَأَنَّىٰ لَهُمۡ إِذَا جَآءَتۡهُمۡ ذِكۡرَىٰهُمۡ ﴾ [محمد: 18]
مَن أبصر دنوَّ الساعة جدَّ واجتهد في العمل، وسارع للتزوُّد من الأعمال قبل انتهاء الأجَل. |
﴿أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخۡرِجَ ٱللَّهُ أَضۡغَٰنَهُمۡ ﴾ [محمد: 29]
إن الله يُظهر الحقَّ من الباطل، ويَمِيز الصادقَ من الكاذب، فلا يفرحنَّ أهل النفاق بسريرتهم السيِّئة، فإن الله سيفضحهم، ويُطلع المؤمنين على خبيئتهم الخبيثة. |
﴿وَلَوۡ نَشَآءُ لَأَرَيۡنَٰكَهُمۡ فَلَعَرَفۡتَهُم بِسِيمَٰهُمۡۚ وَلَتَعۡرِفَنَّهُمۡ فِي لَحۡنِ ٱلۡقَوۡلِۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ أَعۡمَٰلَكُمۡ ﴾ [محمد: 30]
ما امتلأ قلبٌ بشيء إلا أظهرته أقوالُ صاحبه وأعماله ولو بعد حين. ينبغي للعبد أن يحقِّقَ في عمله الإخلاصَ والصدق، وألا يجعلَ همَّه ثناءَ الناس على عمله، فإن الله يعلم أعماله. |
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَشَآقُّواْ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡهُدَىٰ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيۡـٔٗا وَسَيُحۡبِطُ أَعۡمَٰلَهُمۡ ﴾ [محمد: 32]
يقيم الله الحُجَج على عباده، ويُظهر لهم آياته وبيِّناته، فيبيِّن لهم طريقَ الهدى؛ حتى لا يأتوا يوم القيامة فيعتذروا بعدم معرفة الحقِّ، فما أحسنَ المعذرةَ عند الله! مهما رَبا كفرُ الكافرين، وزادت مُشاقَّاتُهم فلن يضرُّوا الله شيئًا، وإنما يَضرُّون أنفسهم، فهل تفكَّروا في هذه النتيجة حتى ينزجروا عن طرق الوصول إليها؟ أعمال الكافرين حابطة، وإن بدت للناس في ظاهرها صالحة، وكيدهم الذي أرادوا به توهينَ الإسلام وهدمه في خسار وتباب. |
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمۡ كُفَّارٞ فَلَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَهُمۡ ﴾ [محمد: 34]
وجبت النار لمَن مات كافرًا، فلا تَشمَله رحمة الله، ولا ينال مغفرته، فهو بالكفر قد أغلق على نفسه كلَّ أبواب النجاة. |
﴿وَمَن لَّمۡ يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ فَإِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ سَعِيرٗا ﴾ [الفتح: 13]
إنه عذابٌ عظيم لا يعرِف قَدره إلا الله؛ فقد نكَّره تعالى لبيان عِظَمه، فتحصَّن بحصن الإيمان بالله ورسوله حتى تسلَم من ذلك العذاب العظيم. |
﴿أَلۡقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٖ ﴾ [ق: 24]
مضى زمنُ الإمهال وحان وقتُ الحساب، فمَن آثرَ الكفرَ على الإيمان استحقَّ أشدَّ العقاب. العِنادُ صفةٌ ذميمة تحولُ بين المرء وقَبول الحقِّ مهما أُقيم عليه من حُجَج، وظهر له من بيِّنات. |
﴿مَّنَّاعٖ لِّلۡخَيۡرِ مُعۡتَدٖ مُّرِيبٍ ﴾ [ق: 25]
مضى زمنُ الإمهال وحان وقتُ الحساب، فمَن آثرَ الكفرَ على الإيمان استحقَّ أشدَّ العقاب. العِنادُ صفةٌ ذميمة تحولُ بين المرء وقَبول الحقِّ مهما أُقيم عليه من حُجَج، وظهر له من بيِّنات. |
﴿ٱلَّذِي جَعَلَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَأَلۡقِيَاهُ فِي ٱلۡعَذَابِ ٱلشَّدِيدِ ﴾ [ق: 26]
لا يقتصر الشِّركُ على السُّجود للحَجَر والشَّجَر، فكم من شِركٍ دون ذلك، يورد صاحبه المهالك. |
﴿كَذَٰلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُواْ سَاحِرٌ أَوۡ مَجۡنُونٌ ﴾ [الذاريات: 52]
دَيدَنُ المجرمين المستكبرين، اتِّهامُ المؤمنين، ووَصمُ المصلحين؛ بكلِّ سُبَّة شنيعه، وخَلَّة وَضيعه. عجبًا لأهل الباطل من الأوَّلين والآخِرين؛ كيف تواردوا على فعل واحد؛ في التشنيع على أنبيائهم والسُّخريَّة منهم! |
﴿أَتَوَاصَوۡاْ بِهِۦۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمٞ طَاغُونَ ﴾ [الذاريات: 53]
دَيدَنُ المجرمين المستكبرين، اتِّهامُ المؤمنين، ووَصمُ المصلحين؛ بكلِّ سُبَّة شنيعه، وخَلَّة وَضيعه. عجبًا لأهل الباطل من الأوَّلين والآخِرين؛ كيف تواردوا على فعل واحد؛ في التشنيع على أنبيائهم والسُّخريَّة منهم! |
﴿فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوبٗا مِّثۡلَ ذَنُوبِ أَصۡحَٰبِهِمۡ فَلَا يَسۡتَعۡجِلُونِ ﴾ [الذاريات: 59]
ما أشبهَ الليلة بالبارحة؛ فها هم أولاء المكذِّبون الظالمون يسيرون على سَنن سلفِهم في استعجال العذاب؛ استهانةً به وجهلًا بحقيقته، وإنه لمصيبُهم كما أصاب مَن قبلهم. |
﴿فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوۡمِهِمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ ﴾ [الذاريات: 60]
يا لخيبة وشقاء مَن أدركه وعدُ الله يومَ الحساب، قبل أن يتوب، وإلى الحقِّ يؤوب! |
﴿فَذَرۡهُمۡ حَتَّىٰ يُلَٰقُواْ يَوۡمَهُمُ ٱلَّذِي فِيهِ يُصۡعَقُونَ ﴾ [الطور: 45]
قد يَكيدُ الكفَّار والمنافقون في الدنيا ما شاؤوا، فإذا جاء يومُ القيامة اضمحلَّ كيدُهم، وبطَلَ إفكُهم، فلا تحزن أيها المؤمن الموحِّد. |
﴿يَوۡمَ لَا يُغۡنِي عَنۡهُمۡ كَيۡدُهُمۡ شَيۡـٔٗا وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ ﴾ [الطور: 46]
قد يَكيدُ الكفَّار والمنافقون في الدنيا ما شاؤوا، فإذا جاء يومُ القيامة اضمحلَّ كيدُهم، وبطَلَ إفكُهم، فلا تحزن أيها المؤمن الموحِّد. |
﴿وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَابٗا دُونَ ذَٰلِكَ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ ﴾ [الطور: 47]
ليحذَر الغافل أن تصرفَه الغفلةُ عن فهم حقيقة ما يحلُّ به من عذابٍ في الدنيا؛ فإنما هي رسالةُ تذكير ليستدركَ؛ وإلا جاءه من العذاب ما لا يُطيق في الآخرة. |
﴿وَمَا لَهُم بِهِۦ مِنۡ عِلۡمٍۖ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّۖ وَإِنَّ ٱلظَّنَّ لَا يُغۡنِي مِنَ ٱلۡحَقِّ شَيۡـٔٗا ﴾ [النجم: 28]
إذا ضعُفَ إيمانُ العبد بالآخرة، هانَ في نفسه الإفكُ والبُطلان، وتجرَّأ على قول الزُّور والبُهتان. مهما كثُرت الظنون وازدحمَت التخرُّصات، فإنها لا تقومُ مقامَ الحقِّ ولا تُغني عنه فَتيلا! |
﴿فَتَوَلَّ عَنۡهُمۡۘ يَوۡمَ يَدۡعُ ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَيۡءٖ نُّكُرٍ ﴾ [القمر: 6]
إن موقف الحساب لموقفٌ منكرٌ فظيع، فيه من الأهوال ما تنخلعُ له القلوب فزعًا وخشية، ولا مَنجى منه إلا الإحسانُ في دار الدنيا. |
﴿خُشَّعًا أَبۡصَٰرُهُمۡ يَخۡرُجُونَ مِنَ ٱلۡأَجۡدَاثِ كَأَنَّهُمۡ جَرَادٞ مُّنتَشِرٞ ﴾ [القمر: 7]
بقَدر استكبار الإنسان عن حُجَج القرآن، وتعاليه على عباد الله؛ يكون ذلُّه وهَوانه في مواقف الآخرة. |
﴿مُّهۡطِعِينَ إِلَى ٱلدَّاعِۖ يَقُولُ ٱلۡكَٰفِرُونَ هَٰذَا يَوۡمٌ عَسِرٞ ﴾ [القمر: 8]
إنَّ مشهد الحساب يومَ القيامة مشهدٌ عظيم مَهول، وهو على الكفَّار والعصاة أشدُّ وأدهى. |
﴿أَكُفَّارُكُمۡ خَيۡرٞ مِّنۡ أُوْلَٰٓئِكُمۡ أَمۡ لَكُم بَرَآءَةٞ فِي ٱلزُّبُرِ ﴾ [القمر: 43]
ليس لأحدٍ من البشَر براءةٌ ولا عِصمة، وإن الله لا يُحابي أحدًا من عباده، فالجميعُ خاضعٌ لسُننه التي لا تتخلَّف ولا تتبدَّل. |
﴿يَوۡمَ يُسۡحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ ﴾ [القمر: 48]
من تجرَّأ على الباطل وتمادى في الضَّلال استحقَّ كلَّ صنوف العذاب الجسديِّ والنفسيِّ، وما ربُّكَ بظلَّام للعبيد. لمَّا كان وجهُ المرء أشرفَ أعضائه وعنوانَ عزَّته، جعل الله من عقوبة المستكبرين سحبَهم على وجوههم؛ إهانةً وإذلالًا. |
﴿يُعۡرَفُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ بِسِيمَٰهُمۡ فَيُؤۡخَذُ بِٱلنَّوَٰصِي وَٱلۡأَقۡدَامِ ﴾ [الرحمن: 41]
كما عُرف المجرمون في الدنيا بسَواد أعمالِهم، وقُبح أفعالِهم، سيُعرفون في الآخرة بسَواد وجوههِم، وظلام نفوسهِم. في مشهد الحساب شتَّانَ ما بين المؤمنين والمجرمين؛ أمَّا الأوَّلون فيُعرَفون ببياض وجوههِم، وإشراق نفوسِهم، وأمَّا الآخِرون فيُعرَفون بسَواد وجوههِم، وشدَّة حُزنهِم، فاللهم اجعلنا من الأوَّلين، وجنِّبنا مصيرَ الآخِرين. |
﴿وَأَصۡحَٰبُ ٱلشِّمَالِ مَآ أَصۡحَٰبُ ٱلشِّمَالِ ﴾ [الواقعة: 41]
تمايزوا في الدنيا بين صالح وطالح، فمازَهُم الله في الآخرة بين ناجح في أهل اليمين فالح، وخائب في أهل الشِّمال خاسر، وما كان ربُّك ظَلومًا. |
﴿وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦٓ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَۖ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمۡ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ وَنُورُهُمۡۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ ﴾ [الحديد: 19]
الصدِّيقيَّة مرتبةٌ عليَّة لا ينالها إلا ذو حظٍّ عظيم، ممَّن استوى ظاهرُه وباطنه؛ إيمانًا وإحسانًا، وبلغَ في الصِّدق الغايةَ؛ قصدًا وقولًا وفعلًا. قضى الصدِّيقون حياتهم في نور الصِّدق واليقين، فخصَّهم ربُّهم يوم الحساب بنورٍ يمشون فيه، زيادةً عمَّا آتاهُم من أجرٍ عظيم. أعظم الأُنس يكون في حضرة الحبيب والقُرب منه، ولهذا كان من تكريم الصدِّيقين والشهداء أنَّهم عند ربِّهم، وأنعِم به من مُستقَر. |
﴿لَا يُقَٰتِلُونَكُمۡ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرٗى مُّحَصَّنَةٍ أَوۡ مِن وَرَآءِ جُدُرِۭۚ بَأۡسُهُم بَيۡنَهُمۡ شَدِيدٞۚ تَحۡسَبُهُمۡ جَمِيعٗا وَقُلُوبُهُمۡ شَتَّىٰۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡقِلُونَ ﴾ [الحشر: 14]
سِيماء أهل العقول الاجتماعُ على الحقِّ والائتلافُ عليه، والتفرُّق علامةٌ على ضعفها وقلَّة وعيها. بلغ اليهودُ من الجُبن والهلَع أنهم لا يثبُتون في المعارك إلا متحصِّنين لائذين بما يحميهم، فإذا التحموا مع خصومهم وهنَت عزائمُهم ووَهت قواهُم. قال قَتادة: (أهلُ الباطل مختلفةٌ أهواؤهم، مختلفةٌ شهاداتهم، مختلفةٌ أعمالهم، وهم مجتمعون في عداوة أهل الحقِّ). اجتماعُ الأبدان مع تنافُر القلوب أصلُ كلِّ تخاذُل، وسببٌ لتجاسُر العدوِّ وتطاوله، واتفاقُ القلوب واشتراكُها في الهدف والهمَّة سببُ كلِّ ظفَر وسعادة. |
﴿كَمَثَلِ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ قَرِيبٗاۖ ذَاقُواْ وَبَالَ أَمۡرِهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ ﴾ [الحشر: 15]
يهودُ الأمس ذاقوا وَبالَ كفرهم وخيانتهم ونقضهم المواثيق، ويهودُ اليوم سيُصيبهم ما أصاب سلفَهم، لتماديهم في البغي والظلم. قُرب الأحداث ومصير الهالكين أبلغُ في الوعظ من الأحداث البعيدة، ولكنَّ العجَب ممَّن لا يعتبرُ بقريب ولا بعيد! |
﴿كَمَثَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ إِذۡ قَالَ لِلۡإِنسَٰنِ ٱكۡفُرۡ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّنكَ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ﴾ [الحشر: 16]
إيَّاك أن تلقيَ بسمعك للمُبطلين المفسدين، فإنهم يزيِّنون لك الباطلَ ويغرونك به، ثم لا يلبثون أن يخذلوكَ ويدَعوك تواجه مصيرَك البائس وحدَك. استوى التابعُ والمتبوعُ في الخيبة والعذاب، فلا تنفع اعتذاراتُ التابعين؛ جزاءَ ما عطَّلوا من عقولهم وأسلموا من قيادهم لأهل الفجور. |
﴿فَكَانَ عَٰقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَٰلِدَيۡنِ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ جَزَٰٓؤُاْ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [الحشر: 17]
إيَّاك أن تلقيَ بسمعك للمُبطلين المفسدين، فإنهم يزيِّنون لك الباطلَ ويغرونك به، ثم لا يلبثون أن يخذلوكَ ويدَعوك تواجه مصيرَك البائس وحدَك. استوى التابعُ والمتبوعُ في الخيبة والعذاب، فلا تنفع اعتذاراتُ التابعين؛ جزاءَ ما عطَّلوا من عقولهم وأسلموا من قيادهم لأهل الفجور. |
﴿وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ خَٰلِدِينَ فِيهَاۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ ﴾ [التغابن: 10]
قال رسولُ الله ﷺ: «لا يدخلُ النَّارَ أحدٌ إلا أُرِيَ مقعدَه من الجنَّة لو أحسن؛ ليكونَ عليه حسرة»، فهل من غَبْنٍ أبيَنُ من هذا؟! مهما حقَّقتَ في الدنيا من فوز ونجاح، فإنَّ الفوز الأبلغَ هو أن تُزحزَحَ عن النار بمغفرة ذنوبك، وتدخلَ الجنَّةَ بفضل الله ورحمته. يا خسارةَ أهل الكفر والضَّلال؛ يخسرون النجاةَ ابتداءً، ويُغبَنون ما كان يمكنُ أن يفوزوا به؛ بذهابه إلى المؤمنين الصادقين انتهاء. |
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَٰهِدِ ٱلۡكُفَّارَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱغۡلُظۡ عَلَيۡهِمۡۚ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ ﴾ [التحريم: 9]
كلُّ سبيل متاح لمجاهدة الكفَّار والمنافقين فهو واجب؛ بدعوتهم بالحُسنى، وإقامة الحُجَّة عليهم، وقتال من أصرَّ على الكفر منهم وأبى الخضوعَ للحقِّ. الكفَّار والمنافقون سواءٌ في الخطر على الأمَّة المسلمة، ومن هنا كان جهادهم والإغلاظ عليهم قربةً إلى الله تعالى. لا يقتصر الجهادُ على القتال بالسيف، ولكن من أعظم الجهاد جهادُ اللسان والقلم والمال، في دفع أباطيل المنافقين وكشف عَوارهم. |
﴿وَلِلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمۡ عَذَابُ جَهَنَّمَۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ ﴾ [الملك: 6]
من زيادة العقوبة للمستكبرين أنَّ حواسَّهم كلَّها تشترك في العذاب؛ فجلودهم تتذوَّق لذَعات اللهب، وألسنتهم تتجرَّع غُصَصَ الغِسلين، وآذانهم تُصَكُّ بصوت النار تغلي وتفور. حُقَّ لمَن يتصوَّر مشهدَ النار وهي تفور وتغلي، وصوتها الرهيبُ يزلزل القلوبَ بهوله وشدَّته أن يتَّقيَها ويسعى إلى الفِرار منها. |
﴿إِذَآ أُلۡقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقٗا وَهِيَ تَفُورُ ﴾ [الملك: 7]
من زيادة العقوبة للمستكبرين أنَّ حواسَّهم كلَّها تشترك في العذاب؛ فجلودهم تتذوَّق لذَعات اللهب، وألسنتهم تتجرَّع غُصَصَ الغِسلين، وآذانهم تُصَكُّ بصوت النار تغلي وتفور. حُقَّ لمَن يتصوَّر مشهدَ النار وهي تفور وتغلي، وصوتها الرهيبُ يزلزل القلوبَ بهوله وشدَّته أن يتَّقيَها ويسعى إلى الفِرار منها. |
﴿تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ ٱلۡغَيۡظِۖ كُلَّمَآ أُلۡقِيَ فِيهَا فَوۡجٞ سَأَلَهُمۡ خَزَنَتُهَآ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ نَذِيرٞ ﴾ [الملك: 8]
يا له من تهديد ووعيد! إن النار تكاد تتقطَّع حَنَقًا وغيظًا من الكفَّار المتكبِّرين، فإيَّاكم أن تكونوا من المُمتَرين. بلى ﴿إنَّ اللهَ لا يَظلِمُ مِثقالَ ذَرَّة﴾ ومن تمام عدله سبحانه أنه لا يعذِّب أحدًا إلا بعد إقامة الحُجَج الواضحات، والنذُر البيِّنات، وقد أَعذرَ من أنذَر. قد تَكذِبُ نفسَك وتخدعُها ما شئتَ أن تخدعَها، ولكن لا بدَّ من أن تحينَ ساعةُ الحقيقة التي لا مجالَ فيها لكذبٍ أو خديعة، وإنما هي حسرةُ الأبد! حريٌّ بمَن يصون عِرضَه في الدنيا ويَربَأُ به عن اللوم والتأنيب، أن يكونَ أشدَّ احترازًا وتوقِّيًا من أن يعرِّضَه في الآخرة للتوبيخ والتعذيب. |
﴿قَالُواْ بَلَىٰ قَدۡ جَآءَنَا نَذِيرٞ فَكَذَّبۡنَا وَقُلۡنَا مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ مِن شَيۡءٍ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ كَبِيرٖ ﴾ [الملك: 9]
يا له من تهديد ووعيد! إن النار تكاد تتقطَّع حَنَقًا وغيظًا من الكفَّار المتكبِّرين، فإيَّاكم أن تكونوا من المُمتَرين. بلى ﴿إنَّ اللهَ لا يَظلِمُ مِثقالَ ذَرَّة﴾ ومن تمام عدله سبحانه أنه لا يعذِّب أحدًا إلا بعد إقامة الحُجَج الواضحات، والنذُر البيِّنات، وقد أَعذرَ من أنذَر. قد تَكذِبُ نفسَك وتخدعُها ما شئتَ أن تخدعَها، ولكن لا بدَّ من أن تحينَ ساعةُ الحقيقة التي لا مجالَ فيها لكذبٍ أو خديعة، وإنما هي حسرةُ الأبد! حريٌّ بمَن يصون عِرضَه في الدنيا ويَربَأُ به عن اللوم والتأنيب، أن يكونَ أشدَّ احترازًا وتوقِّيًا من أن يعرِّضَه في الآخرة للتوبيخ والتعذيب. |
﴿وَقَالُواْ لَوۡ كُنَّا نَسۡمَعُ أَوۡ نَعۡقِلُ مَا كُنَّا فِيٓ أَصۡحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ ﴾ [الملك: 10]
احرِص أن تمنحَ سمعَك لكلِّ صوتِ حق، ولكلِّ واعظِ صدق؛ فإنَّ الأذنَ مفتاحُ العقل والقلب، وعساك أن تكونَ من المهتدين. بادر بالتوبة واعترف بذنوبك عسى أن يغفرَها الله لك، فيوشك أن يأتيَ يومٌ لا تُقبَل فيه توبة، ولا ينفع ندمٌ ولا اعتذار؛ ﴿هذا يَومُ لا يَنطِقُون، ولا يُؤذَنُ لهُم فيَعتَذِرُون﴾ . أعظم الجناية جنايةُ المرء على نفسه؛ حين يختار بمِلء إرادته تعطيلَ سمعه عن الحق، وتعطيلَ عقله عن الصدق! |
﴿أَمَّنۡ هَٰذَا ٱلَّذِي هُوَ جُندٞ لَّكُمۡ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ ٱلرَّحۡمَٰنِۚ إِنِ ٱلۡكَٰفِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ ﴾ [الملك: 20]
مَن ظنَّ أن له ناصرًا من دون الله وَكَله الله إلى ظنِّه، حتى إذا جدَّ الجِدُّ أدرك أنْ لا ناصرَ له إلا الله، فندم وتحسَّر. أضلُّ الناس مَن تمادى في محادَّة الله وشرعه، مستقويًا بأتباعه وماله، وما علم أنَّ كلَّ ذلك من صُنع الله وفضله. عجبًا لمَن هو عاجزٌ عن رزق نفسه قبل غيره، وتراه سادرًا في ضلاله وغَيِّه، ألا يخضعُ للرازق المتفضِّل، ويُفرده بالتعظيم والطاعة؟ كلُّ ما تتقلَّب فيه أيها العبدُ من صنوف النِّعَم إنما هي من رزق الله الواسع، فقل لي بربِّك: أنَّى لك بها إن حرمَك الله منها؟! |
﴿أَمَّنۡ هَٰذَا ٱلَّذِي يَرۡزُقُكُمۡ إِنۡ أَمۡسَكَ رِزۡقَهُۥۚ بَل لَّجُّواْ فِي عُتُوّٖ وَنُفُورٍ ﴾ [الملك: 21]
مَن ظنَّ أن له ناصرًا من دون الله وَكَله الله إلى ظنِّه، حتى إذا جدَّ الجِدُّ أدرك أنْ لا ناصرَ له إلا الله، فندم وتحسَّر. أضلُّ الناس مَن تمادى في محادَّة الله وشرعه، مستقويًا بأتباعه وماله، وما علم أنَّ كلَّ ذلك من صُنع الله وفضله. عجبًا لمَن هو عاجزٌ عن رزق نفسه قبل غيره، وتراه سادرًا في ضلاله وغَيِّه، ألا يخضعُ للرازق المتفضِّل، ويُفرده بالتعظيم والطاعة؟ كلُّ ما تتقلَّب فيه أيها العبدُ من صنوف النِّعَم إنما هي من رزق الله الواسع، فقل لي بربِّك: أنَّى لك بها إن حرمَك الله منها؟! |
﴿أَفَمَن يَمۡشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجۡهِهِۦٓ أَهۡدَىٰٓ أَمَّن يَمۡشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ ﴾ [الملك: 22]
من تخبَّط في السبُل على غير هدًى لم يبلُغ غايتَه مهما بذل، ومن سار على بصيرة من ربِّه ونور بلغ الغايةَ ولو طال الأجل. حياة الإيمان فيها القَصدُ والاستقامة واليُسر، وحياة الكفر فيها التعثُّر والضَّلال والعُسر، والعجَب كلُّ العجَب ممَّن يختار الكفرَ على الإيمان! |
﴿فَلَمَّا رَأَوۡهُ زُلۡفَةٗ سِيٓـَٔتۡ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقِيلَ هَٰذَا ٱلَّذِي كُنتُم بِهِۦ تَدَّعُونَ ﴾ [الملك: 27]
حينما يُخفق المرء في اختبارات الدنيا يغشى وجهَه الكآبةُ والخزي، فما بالكُم بإخفاق المرء في اختبار الآخرة الذي لا استدراكَ له ولا رجوعَ عنه؟! مهما ظننتَ أنَّ يوم القيامة منك بعيد، فإنه منك لقريبٌ قريب، فاستشعر دومًا دُنوَّه؛ لئلَّا تكونَ فيه من الخاسرين الخائبين. |
﴿قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِنۡ أَهۡلَكَنِيَ ٱللَّهُ وَمَن مَّعِيَ أَوۡ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ ٱلۡكَٰفِرِينَ مِنۡ عَذَابٍ أَلِيمٖ ﴾ [الملك: 28]
لا مُنقذَ لنا من الله إلا بالتوبة إليه والإنابة، والرجوع إلى دينه والعمل بشريعته، فأين نحن من كلِّ هذا؟ |
﴿قَالُواْ سُبۡحَٰنَ رَبِّنَآ إِنَّا كُنَّا ظَٰلِمِينَ ﴾ [القلم: 29]
ما أجملَ أن ينطلقَ اللسانُ بالاعتراف بالذَّنب، مع ندم القلب، فإنَّ باب التوبة لا يُغلَق في وجه عبدٍ صدقَ في توبته، وعزم على ترك الذنوب. كثرة التسبيح بالقلب واللسان، تَحولُ بين المرء والآثام، فلنُكثر التسبيحَ لله الرحمن؛ ليكونَ لنا عصمةً من الزَّلَل والافتتان. |
﴿أَفَنَجۡعَلُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ كَٱلۡمُجۡرِمِينَ ﴾ [القلم: 35]
اجعل الجنَّةَ وما أعدَّه الله لأهل طاعته فيها من نعيم دائم نُصبَ عينيك، فإنَّ ذلك أدعى إلى نشاطك في الطاعات، وشحذ همَّتك إلى الصالحات. تعالى الله الحكَمُ العدل أن يساويَ بين المؤمنين الصَّالحين، والكفَّار الفاجرين؛ ﴿أفمَن كان مُؤمِنًا كمَن كان فاسِقًا لا يَستَوُون﴾ . |
﴿أَمۡ عِندَهُمُ ٱلۡغَيۡبُ فَهُمۡ يَكۡتُبُونَ ﴾ [القلم: 47]
تنزيهُ الدعوة عن مكاسب الدنيا وأطماعها العاجلة ضمانٌ لنجاحها، وتحقيق مآربها. ما قولك فيمَن يُنكر غيبَ السماء ويطعُن به، ثم ينسِجُ من أهوائه وأوهامه وأساطير الأوَّلين غيبًا يركن إليه؟! |
﴿وَإِنَّهُۥ لَحَقُّ ٱلۡيَقِينِ ﴾ [الحاقة: 51]
إن هذا القرآنَ قويٌّ في الحقِّ عميقٌ في اليقين، كيف لا وهو يكشفُ في كلِّ آيةٍ منه عن الحقِّ الخالص، واليقين المَحض؟ أفلا نتَّخذه منهجًا لحياتنا؟ امتنَّ الله على خَلقه بأن أنزلَ عليهم كتابًا عظيمًا فيه صلاحُهم في الدنيا وفلاحُهم في الآخرة، فلنعترف بفضله، بدوام تنزيهه وشُكره. سُئل عليٌّ رضي الله عنه عن كلمة التسبيح (سبحان الله)، فقال: (كلمةٌ رضيَها الله لنفسه فأوصى بها خَلقَه). فأكثروا من التسبيح عملًا بوصيَّة الربِّ الكريم. |
﴿فَمَالِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهۡطِعِينَ ﴾ [المعارج: 36]
أنَّى لهم دخولُ الجنَّة وقد أعمَتهم مناصبُهم ومنازلهم وأموالهم، فاستكبروا عن قَبول الحقِّ والإذعان له، فما لهم والكِبْرَ وقد خُلقوا من نطفةٍ حقيرة وماء مَهين؟! لا يكفُّ النفسَ عن غرورها إلا استحضارُ أصلها، فما كان من ماءٍ مَهين لا يليقُ به أن يتغطرسَ ويتكبَّر. يا له من بيانٍ مُعجز؛ بألفاظٍ يسيرة قليلة مسحَ كبرياءَ الكافرين مسحًا، ونكَّس خُيَلاءهم تنكيسًا، دون كلمةٍ نابية واحدة. |
﴿خَٰشِعَةً أَبۡصَٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۚ ذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمُ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ ﴾ [المعارج: 44]
أيها الداعيةُ، لا تبتئس لقلَّة المستجيبين لدعوتك، فحسبُك أن تبلِّغَ رسالةَ ربِّك. ما أسرعَ الكافرَ إلى دروب الباطل! وسيأتي يوم يُرغَم فيه على المسارعة لملاقاة جزاء ربِّه العادل، وقد غشيَه الخزيُ يومئذٍ والمهانة. |
﴿إِلَّا بَلَٰغٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِسَٰلَٰتِهِۦۚ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَإِنَّ لَهُۥ نَارَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا ﴾ [الجن: 23]
يتجلَّى في هذا القول كمالُ العبوديَّة لله تعالى؛ بالإقرار بالعَجز التامِّ، وأنه لا حولَ ولا قوَّةَ لأحدٍ إلا بالله العليِّ العظيم. إذا كان رسولُ الله ﷺ سيِّدُ الأوَّلين والآخرين، وأحبُّ الخلق إلى ربِّ العالمين، لا يملكُ لأحدٍ نفعًا ولا ضرًّا، ولا يمنع نفسَه من الله، فكيف بغيره من البشَر؟! لا تشغَل نفسَك أيها الداعيةُ بالخَلق؛ فإنما أنت مبلِّغٌ عن ربِّك، فانصح لأمَّتك بصدق وإخلاص، ودَعك من سوى ذلك؛ فإنك لا تملك لهم شيئًا. |
﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي ٱلنَّاقُورِ ﴾ [المدثر: 8]
استحضار الآخرة على الدوام من أكبر ما يُعين المسلمَ على اجتياز عقَبات الطريق، والثبات على الحقِّ، وتمام العبوديَّة لله. حين نزلت الآيةُ قال رسولُ الله ﷺ: «كيف أنعَمُ وصاحبُ الصُّور قد التَقَم القَرنَ وحنى جبهتَه يستمعُ متى يُؤمَر؟!» قالوا: كيف نقول يا رسولَ الله؟ قال: «قولوا: حسبُنا الله ونعمَ الوكيلُ، على الله توكَّلنا». |
﴿سَأُصۡلِيهِ سَقَرَ ﴾ [المدثر: 26]
عن ابن عبَّاسٍ قال: ( ﴿لا تُبقي﴾ إذا أخذَت فيهم لم تُبقِ منهم شيئًا، وإذا بدَّلوا جلدًا جديدًا لم تذَر أن تُبادرَهم سبيلَ العذاب الأوَّل). مَن بلغ في الجحود الغايةَ استحقَّ من العذاب أشدَّه، ومن النَّكال آلمَه؛ جزاءَ استكباره، وكِفاءَ إعراضه، بعد إقامة الحُجَّة وبيان الحقِّ. |
﴿وَمَا جَعَلۡنَآ أَصۡحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلَّا مَلَٰٓئِكَةٗۖ وَمَا جَعَلۡنَا عِدَّتَهُمۡ إِلَّا فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيَسۡتَيۡقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَيَزۡدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِيمَٰنٗا وَلَا يَرۡتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَٱلۡكَٰفِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلٗاۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَمَا يَعۡلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكۡرَىٰ لِلۡبَشَرِ ﴾ [المدثر: 31]
إذا رأيت علمَ الغيب لا يزيدُك إيمانًا ويقينًا، فراجع قلبَك؛ خشيةَ أن يكونَ قد أُشرب فتنةً ونفاقًا، يُوديان بك إلى شرِّ مصير. قلوب المؤمنين مفتَّحةٌ للحقِّ أبدًا، فهي تتلقَّاه من ربِّها تلقِّيًا يزيدها إيمانًا به سبحانه، وأُنسًا بشرعه، ويقينًا بهَديه. لا يزول بالشكِّ اليقينُ، ولا يقينَ إلا بالإيمان، فاعمل أيها المسلمُ دومًا على زيادة إيمانك، بكثرة الصالحات، ولزوم الطاعات. بئسَ العَيشُ عَيشُ الكافر والمنافق، فهما في حَيرةٍ وقلقٍ واضطراب، لا يطمئنُّون إلى صدق خبرٍ ولا إلى حكمةِ أمر، حتى يُردُّوا إلى أشدِّ العذاب. اطمئنَّ أيها المسلم وقَرَّ عينًا بالنصر والتأييد، فإنَّ لله جنودًا لا يعلمها إلا هو، وما عليك إلَّا الأخذُ بالأسباب مع اليقين بوعد الله. |
﴿فِي جَنَّٰتٖ يَتَسَآءَلُونَ ﴾ [المدثر: 40]
من كمال نعيم أهل الجنَّة أنهم يتساءلون عن حال أهل النار، وهذا سببٌ في زيادة طُمَأنينة قلوبهِم، وارتياح نفوسهِم. |
﴿كـَلَّاۖ بَل لَّا يَخَافُونَ ٱلۡأٓخِرَةَ ﴾ [المدثر: 53]
لو أنَّ قلوبهم استشعرَت حقيقةَ الآخرة لكان لهم شأنٌ آخرُ غير شأنهم هذا الذي هم عليه؛ من نفورهم من الحقِّ ومن الدعوة إلى الله. |
﴿تَظُنُّ أَن يُفۡعَلَ بِهَا فَاقِرَةٞ ﴾ [القيامة: 25]
ما أبعدَ البَونَ بين حال السُّعداء في الآخرة وحال الأشقياء؛ أمَّا الأوَّلون فتُشرق وجوهُهم بالنَّضارة والوَقار، وأمَّا الآخِرون فتُظلم وجوهُهم بالعار والشَّنار. عن محمَّد بن كعب القُرَظيِّ قال: (نضَّر الله تلك الوجوهَ وحسَّنها للنظر إليه). فإذا كان هذا حالَ الوجوه، فكيف حالُ القلوب؟ لقد مُلئت من السرور والفرح بما لا تحيطُ به عبارة. |
﴿ثُمَّ أَوۡلَىٰ لَكَ فَأَوۡلَىٰٓ ﴾ [القيامة: 35]
أيُّ خير يُرتجى ممَّن كذَّب بالوحي، وضيَّع أهمَّ فريضةٍ من فرائض الإسلام؟ لا والله لن يلقى إلا الخزيَ والهلاك، ولو صدَّره الناس وعاش بينهم مَزهُوًّا! ينتهي التكذيبُ بالمرء إلى تبلُّد أحاسيسه، فيغرق في المعاصي والآثام، حتى تُثقلَه الشهَوات وتُعميَه الأهواء، فلا يهتدي إلى الحقِّ أبدًا! |
﴿إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ سَلَٰسِلَاْ وَأَغۡلَٰلٗا وَسَعِيرًا ﴾ [الإنسان: 4]
إنه إنذارٌ ووَعيدٌ لا هوادةَ فيه لكلِّ مَن اختار الغَوايةَ طريقًا بدل العبوديَّة والشُّكر؛ ﴿وما رَبُّكَ بظَلَّامٍ للعَبِيد﴾ . |
﴿إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ يُحِبُّونَ ٱلۡعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمۡ يَوۡمٗا ثَقِيلٗا ﴾ [الإنسان: 27]
أهل التبصُّر والحكمة يُؤثرون الآخرةَ الباقية على الدنيا الفانية، أمَّا الحمقى فهم الذين يضيِّعون آخرتهم بعرَض من الدنيا قليل! |
﴿ٱنطَلِقُوٓاْ إِلَىٰ مَا كُنتُم بِهِۦ تُكَذِّبُونَ ﴾ [المرسلات: 29]
فات الأوان، لقد أضعتُم الفرصَ وما أكثرَها للتَّوبة والإنابة، فالآن هبُّوا للقاء مصيركم المحتوم الذي طالما كذَّبتموه وارتبتُم فيه! ليس في جهنَّم من الظلِّ إلا اسمُه، أمَّا حقيقتُه فدُخانٌ خانق، ولهيبٌ حارق، تنكيلًا بالمكذِّبين، وانتقامًا من المضلِّين. |
﴿فَأَمَّا مَن طَغَىٰ ﴾ [النازعات: 37]
فِرَّ من الجحيم فِرارَكَ من الأسد، باجتنابك صفتَين ذميمتَين من صفات أهل النار؛ الطغيان، وإيثار الدنيا على الآخرة. يأوي العبد عادةً من مخاوفه وآلامه إلى حيثُ يستريح ويأمن، فما أعظمَ خسارةَ المتمرِّدين على شرع الله، وقد غدا مأواهم نارًا تلظَّى! |
﴿وَءَاثَرَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا ﴾ [النازعات: 38]
فِرَّ من الجحيم فِرارَكَ من الأسد، باجتنابك صفتَين ذميمتَين من صفات أهل النار؛ الطغيان، وإيثار الدنيا على الآخرة. يأوي العبد عادةً من مخاوفه وآلامه إلى حيثُ يستريح ويأمن، فما أعظمَ خسارةَ المتمرِّدين على شرع الله، وقد غدا مأواهم نارًا تلظَّى! |
﴿فَإِنَّ ٱلۡجَحِيمَ هِيَ ٱلۡمَأۡوَىٰ ﴾ [النازعات: 39]
فِرَّ من الجحيم فِرارَكَ من الأسد، باجتنابك صفتَين ذميمتَين من صفات أهل النار؛ الطغيان، وإيثار الدنيا على الآخرة. يأوي العبد عادةً من مخاوفه وآلامه إلى حيثُ يستريح ويأمن، فما أعظمَ خسارةَ المتمرِّدين على شرع الله، وقد غدا مأواهم نارًا تلظَّى! |
﴿وَوُجُوهٞ يَوۡمَئِذٍ عَلَيۡهَا غَبَرَةٞ ﴾ [عبس: 40]
أعمالهم المُظلمة في الدنيا غشِيَت وجوهَهُم في الآخرة فزادتها ذُلًّا وسوادًا، وشتَّان ما بين وجهٍ مُشرقٍ بالإيمان، ووجهٍ مُربدٍّ بالعصيان! يا لها من مفارقة؛ إنَّ هؤلاء الذين كانوا ذوي هيئاتٍ وجاهٍ ومال، مع خَواء قلوبهم من الإيمان والإحسان، انقلبوا بغضَبٍ من الله إلى أسوأ حال، وأخزى مآل! |
﴿تَرۡهَقُهَا قَتَرَةٌ ﴾ [عبس: 41]
أعمالهم المُظلمة في الدنيا غشِيَت وجوهَهُم في الآخرة فزادتها ذُلًّا وسوادًا، وشتَّان ما بين وجهٍ مُشرقٍ بالإيمان، ووجهٍ مُربدٍّ بالعصيان! يا لها من مفارقة؛ إنَّ هؤلاء الذين كانوا ذوي هيئاتٍ وجاهٍ ومال، مع خَواء قلوبهم من الإيمان والإحسان، انقلبوا بغضَبٍ من الله إلى أسوأ حال، وأخزى مآل! |
﴿أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَفَرَةُ ٱلۡفَجَرَةُ ﴾ [عبس: 42]
أعمالهم المُظلمة في الدنيا غشِيَت وجوهَهُم في الآخرة فزادتها ذُلًّا وسوادًا، وشتَّان ما بين وجهٍ مُشرقٍ بالإيمان، ووجهٍ مُربدٍّ بالعصيان! يا لها من مفارقة؛ إنَّ هؤلاء الذين كانوا ذوي هيئاتٍ وجاهٍ ومال، مع خَواء قلوبهم من الإيمان والإحسان، انقلبوا بغضَبٍ من الله إلى أسوأ حال، وأخزى مآل! |
﴿وَإِنَّ ٱلۡفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٖ ﴾ [الانفطار: 14]
ليس نعيمُ الأبرار وجحيم الفجَّار مقصورَين على حياة الآخرة، ولكنَّه نعيمٌ وجحيم ملازمان لهم في الحياة الدنيا وحياة البَرزَخ قبل الآخرة، وهل النعيمُ إلا نعيم القلب؟ وهل العذابُ إلا عذاب القلب؟ |
﴿يَصۡلَوۡنَهَا يَوۡمَ ٱلدِّينِ ﴾ [الانفطار: 15]
ليس نعيمُ الأبرار وجحيم الفجَّار مقصورَين على حياة الآخرة، ولكنَّه نعيمٌ وجحيم ملازمان لهم في الحياة الدنيا وحياة البَرزَخ قبل الآخرة، وهل النعيمُ إلا نعيم القلب؟ وهل العذابُ إلا عذاب القلب؟ |
﴿وَمَا هُمۡ عَنۡهَا بِغَآئِبِينَ ﴾ [الانفطار: 16]
ليس نعيمُ الأبرار وجحيم الفجَّار مقصورَين على حياة الآخرة، ولكنَّه نعيمٌ وجحيم ملازمان لهم في الحياة الدنيا وحياة البَرزَخ قبل الآخرة، وهل النعيمُ إلا نعيم القلب؟ وهل العذابُ إلا عذاب القلب؟ |
﴿كـَلَّآ إِنَّ كِتَٰبَ ٱلۡفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٖ ﴾ [المطففين: 7]
لا ظُلمَ اليوم، إنما هي أعمالكُم مدوَّنةٌ مَرقومة، لا يزيد أحدٌ فيها ولا يَنقُص منها، فلا تلوموا إلا أنفسَكم. |
﴿ثُمَّ يُقَالُ هَٰذَا ٱلَّذِي كُنتُم بِهِۦ تُكَذِّبُونَ ﴾ [المطففين: 17]
ماذا ينتظر المُعرضونَ عن الله ودينه إلَّا أن يكونَ مصيرَهم الجحيم؟ هلَّا ارعَوَوا من قبلُ واتَّبعوا سبيل الرَّشاد! |
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجۡرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَضۡحَكُونَ ﴾ [المطففين: 29]
سنَّة الله في كلِّ دعوةٍ وحركةِ إصلاح: أن تُبتَلى بمَن يحاربها ويفتري عليها، ومَن يحاصرها بالسُّخريَّة والغمز، فالصبرَ الصبرَ أيها الدعاة. |
﴿هَلۡ ثُوِّبَ ٱلۡكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ ﴾ [المطففين: 36]
ما زرَعتُموه في الأمس من ظلمٍ وفساد لا بدَّ ستحصُدونه اليوم؛ جزاءً وِفاقًا ﴿وما ظَلَمناهُم ولكِن كانوا أنفُسَهُم يَظلِمُون﴾ . |
﴿فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الانشقاق: 24]
هي بشرى تهكُّمٍ واستهزاءٍ بمَن جلب لنفسه السُّخريَّة بسوء عمله، وإنَّ من التهكُّم لَما هو أشدُّ لذعًا وإيلامًا من كلِّ عذاب! |
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ ثُمَّ لَمۡ يَتُوبُواْ فَلَهُمۡ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمۡ عَذَابُ ٱلۡحَرِيقِ ﴾ [البروج: 10]
قال الحسن: (انظُروا إلى هذا الكرم والجود، يقتلون أولياءَه ويفتنونهم، وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة. فلا ييئسِ العبدُ من مغفرته وعفوه). إنه إنذارٌ صريح بليغ من الجبَّار القويِّ العزيز، لكلِّ مجرمٍ بطَّاش لا يرقُبُ في مؤمنٍ إلًّا ولا ذمَّة، وقد أعذَر من أنذَر. |
﴿بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي تَكۡذِيبٖ ﴾ [البروج: 19]
الله محيطٌ بخَلقه، لا يخرج عن سُلطانه أحدٌ ولا يَعزُب عن علمه شيء، ولكنَّه سبحانه يُملي للظَّالم حتى إذا أخذه لم يُفلته. أين المفرُّ وأين المهرَبُ، وقد أحاط الله بعباده إحاطةَ إحداقٍ من كلِّ مكان؟ فهلَّا فرَرنا إلى الله بالتوبة وحُسن الرجوع إليه! |
﴿إِنَّهُمۡ يَكِيدُونَ كَيۡدٗا ﴾ [الطارق: 15]
فليَكيدوا للمسلمين ما شاؤوا أن يَكيدوا، وليأتمِروا بهم ما شاؤوا أن يأتمِروا، فإنَّ الله عليمٌ بكيدهِم، خبيرٌ بائتمارهِم. |
﴿وَأَكِيدُ كَيۡدٗا ﴾ [الطارق: 16]
فليَكيدوا للمسلمين ما شاؤوا أن يَكيدوا، وليأتمِروا بهم ما شاؤوا أن يأتمِروا، فإنَّ الله عليمٌ بكيدهِم، خبيرٌ بائتمارهِم. |
﴿فَمَهِّلِ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَمۡهِلۡهُمۡ رُوَيۡدَۢا ﴾ [الطارق: 17]
منهج الدعاة السَّيرُ على خُطا الأنبياء، بالصبر على سفَه الفاجر الدَّنيء، والحِلم على طَيش الحاقد الرَّديء، حتى يقضيَ الله بأمره. إنَّ النَّكال والعذاب لمُصيبان أهلَ الكفر والحقد عاجلًا أو آجلًا، فطِب أيها المسلمُ نفسًا، وثق بعدل الله وانتقامه. |
﴿وَيَتَجَنَّبُهَا ٱلۡأَشۡقَى ﴾ [الأعلى: 11]
لعلَّ من أعظم أسباب الانتفاع بالقرآن وإشراق أنواره في قلب المؤمن، استحضارَ تعظيم الله وخشيته في قلب العبد عند القراءة. |
﴿ٱلَّذِي يَصۡلَى ٱلنَّارَ ٱلۡكُبۡرَىٰ ﴾ [الأعلى: 12]
إن النار الكُبرى ليست في حجمها واتِّساعها فحسب، ولكن في شدَّة عذابها وقسوة آلامها، وما يجتمع فيها من صنوفِ الشَّقاء، أعاذنا الله منها. الحياة الحقيقيَّة هي التي ينتفع بها الحيُّ وينفع غيرَه، أمَّا الأشقياء فحياتهم في جحيمٍ لا يحيَون فيها حياةَ انتفاع، ولا يموتون فيستريحون من الأوجاع. |
﴿ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحۡيَىٰ ﴾ [الأعلى: 13]
إن النار الكُبرى ليست في حجمها واتِّساعها فحسب، ولكن في شدَّة عذابها وقسوة آلامها، وما يجتمع فيها من صنوفِ الشَّقاء، أعاذنا الله منها. الحياة الحقيقيَّة هي التي ينتفع بها الحيُّ وينفع غيرَه، أمَّا الأشقياء فحياتهم في جحيمٍ لا يحيَون فيها حياةَ انتفاع، ولا يموتون فيستريحون من الأوجاع. |
﴿وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٍ خَٰشِعَةٌ ﴾ [الغاشية: 2]
إنَّ الوجوه التي تكبَّرت وتجبَّرت في الدنيا، ستذلُّ وتخشع في الآخرة. قال الحسن البصريُّ: (لم تعمَل لله في الدنيا ولم تنصَب له، فأعملَها وأنصبَها في جهنَّم). فطوبى لمَن جعل نصَبَه في رضا الله. أهل الضَّلال يعيشون في حياتهم مخالفين للفِطرة معاكسين لها، فاستحقُّوا يومَ القيامة أن يُعاملوا بالمِثل، فإن طلبوا ماءً باردًا عذبًا سُقوا ماءً حميمًا يقطِّع أمعاءهم. |
﴿عَامِلَةٞ نَّاصِبَةٞ ﴾ [الغاشية: 3]
إنَّ الوجوه التي تكبَّرت وتجبَّرت في الدنيا، ستذلُّ وتخشع في الآخرة. قال الحسن البصريُّ: (لم تعمَل لله في الدنيا ولم تنصَب له، فأعملَها وأنصبَها في جهنَّم). فطوبى لمَن جعل نصَبَه في رضا الله. أهل الضَّلال يعيشون في حياتهم مخالفين للفِطرة معاكسين لها، فاستحقُّوا يومَ القيامة أن يُعاملوا بالمِثل، فإن طلبوا ماءً باردًا عذبًا سُقوا ماءً حميمًا يقطِّع أمعاءهم. |
﴿تَصۡلَىٰ نَارًا حَامِيَةٗ ﴾ [الغاشية: 4]
إنَّ الوجوه التي تكبَّرت وتجبَّرت في الدنيا، ستذلُّ وتخشع في الآخرة. قال الحسن البصريُّ: (لم تعمَل لله في الدنيا ولم تنصَب له، فأعملَها وأنصبَها في جهنَّم). فطوبى لمَن جعل نصَبَه في رضا الله. أهل الضَّلال يعيشون في حياتهم مخالفين للفِطرة معاكسين لها، فاستحقُّوا يومَ القيامة أن يُعاملوا بالمِثل، فإن طلبوا ماءً باردًا عذبًا سُقوا ماءً حميمًا يقطِّع أمعاءهم. |
﴿تُسۡقَىٰ مِنۡ عَيۡنٍ ءَانِيَةٖ ﴾ [الغاشية: 5]
إنَّ الوجوه التي تكبَّرت وتجبَّرت في الدنيا، ستذلُّ وتخشع في الآخرة. قال الحسن البصريُّ: (لم تعمَل لله في الدنيا ولم تنصَب له، فأعملَها وأنصبَها في جهنَّم). فطوبى لمَن جعل نصَبَه في رضا الله. أهل الضَّلال يعيشون في حياتهم مخالفين للفِطرة معاكسين لها، فاستحقُّوا يومَ القيامة أن يُعاملوا بالمِثل، فإن طلبوا ماءً باردًا عذبًا سُقوا ماءً حميمًا يقطِّع أمعاءهم. |
﴿لَّا يُسۡمِنُ وَلَا يُغۡنِي مِن جُوعٖ ﴾ [الغاشية: 7]
تبقى الشَّهوة إلى الطعام والشَّراب مُلحَّةً في الجحيم؛ ليزدادَ أهلها ذلًّا وعذابًا، بحرمانهم إيَّاها، وإطعامهم ما لا ينفعُ ولا يُغني. |
﴿إِلَّا مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ ﴾ [الغاشية: 23]
الإعراض عن الحقِّ والتولِّي عنه والهرَب منه يُفضي إلى الضَّلال والكفر، والسعيد مَن أقبل على الحقِّ بقلبه قبل جوارحه. |
﴿فَيُعَذِّبُهُ ٱللَّهُ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَكۡبَرَ ﴾ [الغاشية: 24]
الإعراض عن الحقِّ والتولِّي عنه والهرَب منه يُفضي إلى الضَّلال والكفر، والسعيد مَن أقبل على الحقِّ بقلبه قبل جوارحه. |
﴿يَقُولُ يَٰلَيۡتَنِي قَدَّمۡتُ لِحَيَاتِي ﴾ [الفجر: 24]
الحياة الحقيقيَّة هي حياةُ الآخرة، والعاقل مَن عمل لها لا لسواها؛ فإن استقام على شَرع الله فقد فاز بخيرَي الدَّارَين، ويا له من فوز! |
﴿فَيَوۡمَئِذٖ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُۥٓ أَحَدٞ ﴾ [الفجر: 25]
لو أنَّ عذاب الدنيا بأسره اجتمع على إنسانٍ واحد لم يبلُغ في الإيلام مبلغَ رؤية جهنَّمَ وهي تفور وتَضطَرِم، فهل من عذابٍ أشدُّ من عذابِ الله؟ |
﴿وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُۥٓ أَحَدٞ ﴾ [الفجر: 26]
لو أنَّ عذاب الدنيا بأسره اجتمع على إنسانٍ واحد لم يبلُغ في الإيلام مبلغَ رؤية جهنَّمَ وهي تفور وتَضطَرِم، فهل من عذابٍ أشدُّ من عذابِ الله؟ |
﴿وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِنَا هُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلۡمَشۡـَٔمَةِ ﴾ [البلد: 19]
الشؤم وانقطاع البركة ليس فيما يتوهَّمه الإنسانُ من أسباب، ولكنَّه يحصل بالكفر والشِّرك والعصيان. |
﴿عَلَيۡهِمۡ نَارٞ مُّؤۡصَدَةُۢ ﴾ [البلد: 20]
إذا كان الإنسانُ في شدَّة الحرِّ لا يُطيق البقاءَ في مكانٍ مغلقٍ بلا تكييف بضعَ دقائق، فكيف يتحمَّل نارًا شديدة الحرِّ، لا سبيلَ إلى الخروج منها؟ |
﴿وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا ﴾ [الشمس: 10]
لو أنَّ شخصًا ثقة أقسم قسَمًا لصدَّقناه، وإنَّ ربَّنا بجلاله قد أقسم أحدَ عشرَ قسَمًا أنَّ الفلاح والنجاح لمَن طهَّر نفسَه من المعاصي وزكَّاها بالطَّاعات، أفلا نكون منهم؟! إنَّ الخيبة والإخفاق حليفان لكلِّ مَن حَقَر نفسَه وحجَبَها عن ضياء الوحيِ ونور الحقِّ، بإقامته على المعاصي واستمرائه الآثام. |
﴿وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسۡتَغۡنَىٰ ﴾ [الليل: 8]
البخل خَصلةٌ مذمومة أيًّا كانت صورتُه، وهو يحمل صاحبَه على الاستغناء عن جزاء الله تعالى تكبُّرًا وغرورًا. منع الموجود من سوء الظنِّ بالمعبود، فلمَّا كذَّب المكذِّبون بجزاء ربِّهم وبخلَفه عليهم أمسكوا عن البذل، وبخلوا بالعطاء. |
﴿وَكَذَّبَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ ﴾ [الليل: 9]
البخل خَصلةٌ مذمومة أيًّا كانت صورتُه، وهو يحمل صاحبَه على الاستغناء عن جزاء الله تعالى تكبُّرًا وغرورًا. منع الموجود من سوء الظنِّ بالمعبود، فلمَّا كذَّب المكذِّبون بجزاء ربِّهم وبخلَفه عليهم أمسكوا عن البذل، وبخلوا بالعطاء. |
﴿فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡعُسۡرَىٰ ﴾ [الليل: 10]
البخل خَصلةٌ مذمومة أيًّا كانت صورتُه، وهو يحمل صاحبَه على الاستغناء عن جزاء الله تعالى تكبُّرًا وغرورًا. منع الموجود من سوء الظنِّ بالمعبود، فلمَّا كذَّب المكذِّبون بجزاء ربِّهم وبخلَفه عليهم أمسكوا عن البذل، وبخلوا بالعطاء. |
﴿وَمَا يُغۡنِي عَنۡهُ مَالُهُۥٓ إِذَا تَرَدَّىٰٓ ﴾ [الليل: 11]
سيأتي يومٌ يعلم فيه من بخل بماله أنه لن يدفعَ عنه ضُرًّا ولن يجلبَ له نفعًا، ولكن حين لا ينفعُه علمٌ ولا يُغني عنه عمل، فهلَّا كان قبلُ! |
﴿لَمۡ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأۡتِيَهُمُ ٱلۡبَيِّنَةُ ﴾ [البينة: 1]
قدَّم ذكرَ أهل الكتاب على ذكر المشركين؛ لأنهم أهلُ علم ومعرفة، والحُجَّة عليهم أشدُّ، والفتنة بكفرهم أعظم. خطأ العالم أولى بالمذمَّة من خطأ الجاهل؛ لأنه أقدرُ منه على تبيُّن الحقِّ ومَيْزِه من الباطل، وهو لغيره قدوةٌ وأسوة. |
﴿وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡبَيِّنَةُ ﴾ [البينة: 4]
إقامة الحُجَج الساطعات، والبيِّنات الواضحات، يقتضي الاجتماعَ على الحقِّ لا التفرُّق فيه، ولكن ﴿وما تفرَّقوا إلَّا من بعدِ ما جاءَهُم العلمُ بَغيًا بينهُم﴾ . أيها المؤمنون، احذروا سلوكَ سبيل الكفَّار من أهل الكتاب؛ من الاختلاف والتفرُّق على ما أُرسل إليهم من بيِّنات، فإنَّ عاقبة الاختلاف شرٌّ مُستطير. |
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَآۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمۡ شَرُّ ٱلۡبَرِيَّةِ ﴾ [البينة: 6]
اعلم أن وعيدَ علماء السُّوء أعظمُ من وعيد كلِّ أحد؛ لأنَّ الجحود والكِبْر مع العلم يجعله كفرَ عناد، فيكون أقبحَ وأشنع، وكذلك الضَّلال على علم. |
﴿وَأَمَّا مَنۡ خَفَّتۡ مَوَٰزِينُهُۥ ﴾ [القارعة: 8]
إنما خفَّت موازينُ من خفَّت موازينُه باتِّباعهم الباطلَ في الدنيا، وحُقَّ لميزانٍ يوضَع فيه الباطلُ أن يكونَ خفيفًا. كثيرًا ما كنتَ تجد الأمنَ والسَّكينة حين تأوي إلى صدر أمِّك، فاليومَ مأواك أمٌّ غير رؤوم، ومَلاذك قلبٌ غير حنون؛ إنها نار تلظَّى، أجارنا الله من عذابها. |
﴿فَأُمُّهُۥ هَاوِيَةٞ ﴾ [القارعة: 9]
إنما خفَّت موازينُ من خفَّت موازينُه باتِّباعهم الباطلَ في الدنيا، وحُقَّ لميزانٍ يوضَع فيه الباطلُ أن يكونَ خفيفًا. كثيرًا ما كنتَ تجد الأمنَ والسَّكينة حين تأوي إلى صدر أمِّك، فاليومَ مأواك أمٌّ غير رؤوم، ومَلاذك قلبٌ غير حنون؛ إنها نار تلظَّى، أجارنا الله من عذابها. |
﴿وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا هِيَهۡ ﴾ [القارعة: 10]
إنَّ نار الدنيا إذا انتشرَت في مكانٍ لم تذَرهُ إلَّا كالرَّميم، فما بالك بنارٍ أكل بعضُها بعضًا حتى اشتكت إلى ربِّها؟! أرأيتَ إلى نار الدنيا التي تخشاها وتتَّقي حرَّها، ما هي إلا جزءٌ من سبعين جزءًا من نار الآخرة، فأيُّهما أَولى بالاتِّقاء؟! |
﴿نَارٌ حَامِيَةُۢ ﴾ [القارعة: 11]
إنَّ نار الدنيا إذا انتشرَت في مكانٍ لم تذَرهُ إلَّا كالرَّميم، فما بالك بنارٍ أكل بعضُها بعضًا حتى اشتكت إلى ربِّها؟! أرأيتَ إلى نار الدنيا التي تخشاها وتتَّقي حرَّها، ما هي إلا جزءٌ من سبعين جزءًا من نار الآخرة، فأيُّهما أَولى بالاتِّقاء؟! |
﴿قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡكَٰفِرُونَ ﴾ [الكافرون: 1]
قال ابنُ عبَّاس رضي الله عنهما: (ليس في القرآن أشدُّ غيظًا لإبليسَ من سورة الكافرون؛ لأنها توحيدٌ خالص، وبراءةٌ من الشِّرك). كن صريحًا في نصرة الحقِّ، جريئًا في ردِّ الباطل، ولا تخشَ في الله لومةَ لائم، واجعل شعارك في الحياة: لا للمُداهنة؛ ﴿وَدُّوا لو تُدهِنُ فيُدهِنُون﴾ . |
﴿لَآ أَعۡبُدُ مَا تَعۡبُدُونَ ﴾ [الكافرون: 2]
قال ابنُ عبَّاس رضي الله عنهما: (ليس في القرآن أشدُّ غيظًا لإبليسَ من سورة الكافرون؛ لأنها توحيدٌ خالص، وبراءةٌ من الشِّرك). كن صريحًا في نصرة الحقِّ، جريئًا في ردِّ الباطل، ولا تخشَ في الله لومةَ لائم، واجعل شعارك في الحياة: لا للمُداهنة؛ ﴿وَدُّوا لو تُدهِنُ فيُدهِنُون﴾ . |
﴿وَلَآ أَنتُمۡ عَٰبِدُونَ مَآ أَعۡبُدُ ﴾ [الكافرون: 3]
أهلُ الباطل لا يقتدون بأوامرِ الله وشرعِه، لا في الحال ولا في الاستقبال، فهم مصرُّون أبدًا على الغَيِّ والضَّلال، فلا تَلِن لهم ولا تُداهنهم. |
﴿وَلَآ أَنَا۠ عَابِدٞ مَّا عَبَدتُّمۡ ﴾ [الكافرون: 4]
أهلُ الباطل لا يقتدون بأوامرِ الله وشرعِه، لا في الحال ولا في الاستقبال، فهم مصرُّون أبدًا على الغَيِّ والضَّلال، فلا تَلِن لهم ولا تُداهنهم. |
﴿وَلَآ أَنتُمۡ عَٰبِدُونَ مَآ أَعۡبُدُ ﴾ [الكافرون: 5]
أهلُ الباطل لا يقتدون بأوامرِ الله وشرعِه، لا في الحال ولا في الاستقبال، فهم مصرُّون أبدًا على الغَيِّ والضَّلال، فلا تَلِن لهم ولا تُداهنهم. |
﴿لَكُمۡ دِينُكُمۡ وَلِيَ دِينِ ﴾ [الكافرون: 6]
ليس في هذا إقرارٌ لهم على كفرهم؛ ولكنَّه بيانٌ أنَّ الإسلام لا ينبغي أن يُشابَ بكفر؛ ﴿ومَن يَبتَغِ غيرَ الإسلامِ دِينًا فلن يُقبَلَ منه وهوَ في الآخِرةِ منَ الخاسِرين﴾ . مخالفة أهل الكفر والفجور في المسمَّيات الشرعيَّة ضرورةٌ حتميَّة؛ لئلَّا يلتبسَ الحقُّ بالباطل، والهدى بالضَّلال، والإسلام بالكفر. إنها البراءة من الكفر وأهله؛ فلا تنازلَ عن العقيدة وثوابت الشَّرع، تحت أيِّ شعارٍ كان. |
مواضيع أخرى في القرآن الكريم
الأجر على الله تعاون المؤمنين الواقعة التطفيف في الوزن اسم الله المجيد الوعد والوعيد النهي عن سب الكفار التبليغ مهمة الرسل نور السماوات والأرض أوامر الله
الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم
Thursday, November 21, 2024
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب